الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في تحديث المناهج التعليمية في العراق

كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .

(Karim Alwaili)

2023 / 4 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


الدكتور كريم الوائلي
المهاد التاريخي :
حظي المنهج الدراسي بعناية خاصة في العراق الحديث منذ ان احتل الإنكليز العراق في بداية القرن العشرين ، وشرع المسؤولون البريطانيون بالعناية بالمناهج الدراسية وبخاصة في المرحلة الابتدائية ، وقد بدأ هذا في فترة الاحتلال اذ اختير الكابتن همفري بومان الذي كان يتقن اللغة العربية ، ومارس دورا مهما في التعليم في مصر ، اختير لإدارة المعارف في العراق في اب 1918م ، واصبح ناظرا للمعارف ، وقام بنشاطات عديدة ، ثم اصدر كتابا عن منهج الدراسة الابتدائية في اللغة الإنكليزية لكون المناهج موحدة ويتم تنفيذها في المدارس العراقية وليستدل بها المشرفون على التعليم في العراق ، وبخاصة البريطانيون .
ولا اريد ان اتحدث عن ذلك بالتفصيل ، فلقد تضمن ذلك كتابي ( منهج الدراسة الابتدائية في العراق الحديث ) الذي اشتمل على تحديد جوانب من تنظيم العمل التربوي ، وتحديد المواد الدراسية المختلفة في المدارس الابتدائية ، وتحديد توقيتاتها ومن ثم حدد اليوم الدراسي الذي يبدأ من الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا ، ثم يستمر بعد الواحدة والنصف حتى الساعة الرابعة عصرا .
ولعل واحدة من اهم القضايا التي اشتمل عليها هذا الكتاب هو توصيف مفردات المواد الدراسية .وحين نتوقف عند هذه المواد ومفرداتها نجد انها تتميز بقدر من الرصانة ولا يزال القسم الأكبر من هذه المواد قائما حتى الان .

2

تؤكد الدراسات الحديثة أنّ لكل منظومة – ومنها المنظومة التربوية – بنيتها العميقة الخاصة بها ، وأنّ الذي يمايز بين المنظومات ويحدد تماثلها أو اختلافها النقاط الثلاث الآتية :
1- العناصر المكونة للمنظومة.
2- مواقع هذه العناصر داخل المنظومة.
3- العلاقات الكائنة بين مواقع هذه العناصر.
ولا ريب أن تغيير أي عنصر من عناصر المنظومة، أو إضافة عنصر جديد، أو حذف عنصر من عناصرها سيغير دون شك من المنظومة نفسها، ومن طبيعتها وماهيتها، وكذا الأمر إذا أحدثنا تغيرًا في مواقع هذه العناصر أو العلاقات الكائنة بينها.
إنّ اتخاذ أي قرار تربوي سيؤثر سلبًا أو إيجابًا في طبيعة المنظومة وفي كيفية أدائها؛ فإذا قام المسؤولون باتخاذ قرارات منهجية مدروسة فإنها تعضد المنظومة وتدفع بها إلى الأمام، وبخلاف ذلك، أي : إذا زج المسؤولون التربويون بقرارات مستعجلة غير مدروسة، أو قرارات انفعالية، في هذه المنظومة فإن ذلك سيربك المنظومة ويعطل جوانب منها، ويدفعها إلى التراجع، الأمر الذي يؤثر سلبًا في مفاصل العملية التربوية بأسرها.
وفي ضوء هذا فإنّ وعي البنية العميقة للمنظومة التربوية يُعد أمرًا بالغ الأهمية، ويقتضي أنْ يضطلع المسؤولون القائمون بأمور التربية بأداء مهامهم بحسب طبيعة المنظومة وما يطرأ عليها من تغيرات، سواء أكانت إيجابية أم سلبية.
ولقد أكدت الفلسفة التربوية ـ التي تتبناها وزارة التربية ، أهمية ( تطوير المناهج لدراسة التعليم العام والمهني ، ومتابعة مواكبتها لأحدث التطورات العلمية العالمية في مجالات الحياة النظرية والعلمية كافة ) ص 6 ووجوب (صياغة المناهج على وفق أسس علمية تلبي متطلبات التنمية الشاملة وحاجة السوق ، وذلك بإعداد ملاكات علمية ومهنية تكون مدخلاتها ومخرجاتها الأسلوب العلمي في النتائج المتوخاة منها ) ص 7 .
وحاولت وزارة التربية احداث تغيرات جوهرية في السنوات الأخيرة على بعض المناهج الدراسية كاللغة الإنكليزية والعلوم والرياضيات واللغة العربية ، غير ان هذا يصطدم بعقبتين جوهريتين:
الأولى : ان مجرد التحديث لذاته لا يمثل قيمة كبيرة تدفع بالعملية التربوية الى الامام ما دامت العناصر التكوينية الأخرى متراجعة وهزيلة ، ذلك ان المنظومة التربوية مثل الكائن الحي تتفاعل عناصرها مع بعضها ، وتؤثر علاقات هذه العناصر ببعضها ، الامر الذي يجعل من المنظومة التربوية موجودا لا يتصف بالكمال والتناسق والانسجام ، فاذا احدثنا تطورا في المناهج ولم يوازه ويتفاعل معه تطور في التدريب ــ مثلاـ ـــ فان هذا يجعل المنظومة التربوية مربكة وان مخرجاتها مشوهة وقاصرة .
الثانية : ان نسخ تجارب الاخرين أو محاولة محاكاتها وتقليد اطرها المنهجية العامة يمكن ان يضر بالعملية التربوية كثيرا ، وهذا ما حصل ، ذلك ان وزارة التربية حاولت التطوير في ضوء منهجية منظمة اليونسكو ، فقام مؤلفون عراقيون بدعم من منظمة اليونسكو وتوجيهها ومساندتها ، بهذه المهمة المنهجية الحديثة وتطبيقاتها ، دون الاخذ ـــ بتصوري المتواضع ـــــ بالفوارق النوعية بين المنهج الذي استخدم في بيئات تعليمية متقدمة ـ ، ودون النظر الى بنياتنا التعليمية المتردية من حيث الأبنية المدرسية البائسة واكتظاظ الصفوف الدراسية وآليات التعليم التقليدية ، والمستويات الضعيفة لإعداد المعلمين ، وبخاصة في المخرجات الأخيرة التي ترفدنا بها كليات التربية ، ومعاهد المعلمين .
ان منهجا متقدما يمكن ان يصلح لبيئة متقدمة ويمكن ان يحقق نجاحا كون البنية التحتية متكاملة ، والمستوى الثقافي للمجتمع متميزا ، فضلا عن متانة المنظومة التربوية وتماسكها، ولكنه سيخفق في مجتمعات تعاني من نسب عالية من الامية القرائية ، فضلا عن الامية الثقافية والتقنية .



طبيعة المنهج :
يشيع فهم يفتقر الى الدقة مفاده ان المنهج انما هو الكتاب المدرسي ، والحق ان الكتاب احد مكونات المنهج ، إذ يشتمل المنهج على ادوات واليات تسهم جميعا في تطوير العملية التربوية ، ويمكن تلخيصها بما يأتي :
1 ـ تحديث طرائق التدريس بحيث تتناغم وتنسجم مع تحديث المادة العلمية ، اذ لا يصح تطوير الكتاب المدرسي دون احدث طرائق تدريسية ، تعضد ما يشتمل عليه الكتاب المنهجي .
2 التدريب : ان تدريب المعلمين والمدرسين والمشرفين التربويين على المناهج الجديدة يعد امرا بالغ الاهمية، هذا اذا ادركنا ان التدريب اضعف حلقة في وزارة التربية ، ولا يمكنه ان يؤدي ادواره اذا كانت الدورة التدريبية لا تتجاوز خمسة ايام ، لا تغني ولا تسمن من جوع ، الامر الذي يجعل توصيل المعلومة للتلميذ متعسرة ان لم تكن متعذرة .
3 ـ الوسائل التعليمة الجديدة المتناسبة مع المادة المحدثة , علما ان وزارة التربية قد نشرت منذ ايام انها لم تصدر أي وسيلة تعليمية منذ عشر سنوات ، ولا يزال المنشور موجودا على الموقع الرسمي للمديرية العامة للمناهج .
4 ـ المختبرات التي تساعد على توصيل المادة العلمية بشكل فاعل ، وفي احدث احصائية ان نسبة المدارس التي تشتمل على مختبر واحد او اكثر تبلغ 02و32 %، واذا كان عدد المختبرات الواجب توافرها سبعة مختبرات فان نسبة المدارس هي 57.و4 % .
5 ـ استخدام جديد لقياس وتقويم التحصيل العلمي ، وذلك باستخدام آليات للاختبار ، بحيث تتجاوز الطرائق التلقينية والاستذكارية الى طرائق جديدة، ولا تزال اساليب التقويم مقتصرة على اختبارات تحريرية ، علما ان هذا يصطدم مع المنهج التواصلي في اللغة الانكليزية الذي يتأسس بنسبة كبيرة على التقويم الشفوي لا التحريري ، وتبين عدم امكان ذلك في واقعنا التربوي ، احصائية عادل
البنية التحتية :
ان البنية التحتية لوزارة التربية تعاني من أمور ثقال ، يمكن ان اتوقف عند بعضها :
اما من الناحية العمرانية فقد بلغت نسبة الابنية المدرسية الصالحة في المرحلة الابتدائية : 53ر44% ، وبلغت نسبة الابنية المدرسية التي تحتاج الى ترميم 10ر39% ، و بلغت نسبة الابنية المدرسية غير الصالحة 37ر16% ، وبلغ نسبة الابنية المدرسية المشيدة بالطين 58ر3% . وهذا من شأنه ان يعيق العلمية التربوية .
- بلغت نسبة الابنية المدرسية الصالحة في المرحلة المتوسطة والثانوية 50ر51% ، بلغت نسبة الابنية المدرسية التي تحتاج الى ترميم (11ر40% ، بلغ عدد الابنية المدرسية غير الصالحة بنسبة 39ر8%.، هذا اذا اخذنا بعين الاعتبارـ حتى الان ـ توقف مشاريع اعادة بناء المدارس التي لا تزال شاخصة حتى الان ، اما تهديما كاملا ، دون اعادة بناء ، او مجرد هياكل حديدية لم يستكمل بناؤها . اما ما حصل من تخريب وتدهور في الابنية المدرسية بسبب الارهاب وبخاصة بعد سنة 2014 فان هذا بحد ذاته بحاجة الى احصائيات خاصة ودراسات مستقلة .
ان الحالة السوية ان تشغل البناية المدرسية مدرسة واحدة بحيث تتمكن من اداء دورها التربوية والتعليمي ، دون ضغط لعدد المواد الدراسية ، كما هو الحال في المدارس المزدوجة ثنائيا ، واسوأ منها ثلاثيا ، ودون تقليص زمن الحصة الدراسية ، الامر الذي يجور على تخصصات اساسية كالتربية الرياضية والتربية الفنية .
ويبلغت نسبة الابنية المدرسية في المرحلة الابتدائية التي تشغلها مدرسة واحدة نسبة 97ر52% ، ويبلغ نسبة الابنية التي تشغلها مدرستين 35ر40% ، وتبلغ نسب الابنية التي تشغلها ثلاث مدارس فأكثر 68ر6% .
وهذا من شأنه ان يؤثر سلبا على العمل التربوي بشكل كبير في المدارس المزدوجة ثنائيا ، وبشكل قاس وحاد جدا في المزدوجة ثلاثيا .
وليس الامر مقتصرا على ذلك فان الابنية المدرسية في المرحلة الابتدائية تعاني من عدم توافر المياه الصالحة للشرب أ ومزودة بالمجاري ، او التي تشتمل على سياج او بدون سياج ،فلقد بلغت نسبة الابنية المدرسية التي يتوفر فيها ماء صالح للشرب 32ر73% من مجموع الابنية المدرسية ، وبلغت نسبة مجموع الابنية المدرسية المزودة بخدمة المجاري 46ر66% ، وبلغت نسبة الابنية المدرسية التي تحتوي على سياج (9173) 36ر84% .
الرسوب في المرحلة الابتدائية :
ربما يكون الرسوب ظاهرة عادية في معدلاتها الطبيعية في مراحل الدراسة المتوسطة والاعدادية ، ولكنها حين تتجاوز المعدلات الطبيعة فإنها تعد كارثة وطنية تستدعي التأمل والدراسة وايجاد الحلول المناسبة ، اما الرسوب في المرحلة الابتدائية فانه يظل كارثة بكل الاحوال مهما كانت المعدلات ، اذ ينبغي ان تضطلع المنظومة التربوية بكافة مكوناتها وعناصرها ان تجد لها حلولا ذرية بحيث يتمكن الخبراء من توقع حدوث هذه الظاهرة قبل حصولها ، وتتبعها في اثناء تفاقمها ، وتستفيد من العبر في حالة الانتهاء منها ، بحيث تجد الحلول الناجعة .
ان ارتفاع عدد التلاميذ الراسبين في الصف الاول الابتدائي يستدعي تأملها بشكل جيد ،من حيث البيئة المدرسية التي اصبحت طاردة للتلاميذ
واود التوقف عند اعداد التلاميذ الراسبين في الصف الاول الابتدائي وتبلغ نسبته 12.81 من المجموع الكلي لتلاميذ الصف الاول ، وهي نسبة عالية ، وان المسؤولية تقع في الحقيقة على عاتق وزارة التربية وكوادرها ، اذ ليس من المنطقي والمعقول رسوب هذا العدد الكبير من تلاميذ الصف الاول الابتدائي ، الامر الذي يترك اثارا سلبية على التلاميذ نفسيا وسلوكيا ، ويولد الاحباط في حياتهم المستقبلية.

ولو توقفنا عند كتب القرآن والتربية الإسلامية ، وكتاب الاجتماعيات في المرحلة الابتدائية ، يمكن الإشارة الى الملاحظات الاتية، اما كتاب القرآن والتربية الإسلامية فهو في ستة كتب ، وهذه الكتب من حيث مفرداتها ومنهجها موغلة في التقليد ، إذ تعتمد الحفظ والتلقين للسور القرآنية الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة ، والسيرة النبوية ، وتتميز بتفصيل اكثر في الصفين الخامس والسادس الابتدائيين ، لتشتمل على موضوعات في العقيدة وغيرها ، وهذا المنهج لم يتغير كثيرا عما كانت عليه المناهج منذ عام 1919.
اما كتاب الاجتماعيات فانه دمج لموضوعات في الجغرافية ، والتاريخ ، والتربية الوطينة والاجتماعية ، ومن ثم فانه يختزل المواد المستقلة وهي التاريخ ، والجغرافية ، والتربية الوطنية، ولا يختلف هذا الكتاب عن الكتب ذات الطبيعة التلقينية بشكل عام ، رغم محاولات التغيير النسبي التي لا تغير كثيرا من جوهر المنهج . وهذا الكتاب يتراجع كثيرا عما كانت عليه مناهج التاريخ والجغرافيا في منهج 1919 .

ان منهج القرآن الكريم والدين موغل في التقليدية ويقوم على التلقين والحفظ واستظهار المواد التي يتلقاها التلميذ ، كما ان منهج الاجتماعيات يختزل المواد المتعددة بكتاب واحد ، يقابلهما كتاب العلوم من الصف الأول الى الصف السادس الابتدائي ، وفي كل سنة يزود التلميذ بكتابين ، احدهما خاص بالمادة العلمية اطلق عليه ( العلوم كتاب التلميذ ) وكتاب يعني بالتمارين والتطبيقات التي يقوم بها التلميذ ، واطلق عليه ( العلوم كتاب النشاط ) ،إضافة الى كتاب دليل للمعلم الذي يستعين به المعلم في تدريس المادة العلمية .
وتستند كتب العلوم ـــ بحسب المؤلفين ــــ " على النظرية البنائية وتميزت في تنظيم الدروس بتمثيل دورة التعلم الخماسية بمراحلها : التهيئة ، والاستكشاف ، والشرح ، والتفسير والتقويم ، والتوسع والاثراء ، كما بنيت كتب السلسة على نظام تقويم متكامل في أنشطة ومحتوى المنهج ، ليكون التدريس موجها ومبنيا على بيانات تعكس واقع تعلم التلاميذ "
وكتاب العلوم للصف الأول الابتدائي كتاب التلميذ يتكون من 200 صفحة ، ويتكون من ست وحدات ، وتشتمل الوحدة الأولى على : الكائنات الحية ، وتشتمل هذه الوحدة على فصلين : الفصل الأول : الكائنات الحية واحتياجاتها ، وينقسم الى درسين الدرس الأول: الكائنات الحية والاشياء غير الحية . والدرس الثاني ، احتياجات الكائنات الحية ، اما الفصل الثاني : النمو والتكاثر في الكائنات الحية ، فنقسم الى درسين : الدرس الأول النمو والتكاثر في الانسان والحيوانات ، والدرس الثاني : النمو والتكاثر في النباتات .
ولا تختلف الوحدات الخمسة الباقية عن الوحدة الأولى في تفصيلاتها ، فهي تكاد تكون متطابقة ، غير ان الموضوعات مختلفة ، لتكون الوحدة الثانية : تركيب اجسام الكائنات الحية ، والوحدة الثالثة : البيئة الطبيعية ، والرابعة : المادة وخواصها ، والخامسة : الطاقة والحركة ، والسادسة : ارضنا .
ويكفي ان اتوقف عند الوحدة الخامسة في كتاب العلوم للصف الاول الابتدائي التي تشتمل على : الطاقة والحركة ، الطاقة واشكالها ، الحرارة والكهرباء ، الضوء والصوت ، الحركة والقوة ، الموقع والحركة ، القوة ، فعلى سبيل المثال النص الآتي : " الطاقة تجعل الطائرة تحلق ، والتلفاز يعمل ، ويزود الطعام جسمي بالطاقة لكي العب واعمل واجباتي .الطاقة تجعل الأشياء تعمل وتتغير ، ولها اشكال عدة منها الضوء والصوت والحرارة والكهرباء". اما كيف يحدث الصوت ، عندما يقرع الجرس يهتز غشاؤه ويصدر صوتا ، الصوت ينتج من اهتزاز الشيء ، واذا توقف عن الاهتزاز يتوقف الصوت ، الاهتزاز هو حركة الشيء الى الامام والخلف . . وتشتمل هذه الموضوعات المختلفة على تعريفات يصعب ادراك اغلبها على تلميذ في الصف الاول الابتدائي ، بمعنى انها اعلى من المدركات الذهنية للتلميذ ، الذي لم يستكمل ادواته القرائية بعد . وكذا الامر بخصوص كتاب العلوم النشاط ، فانه يقع في 76 صفحة ، وهو كما يقول المؤلفون ـــــ " يحتوي الأنشطة المتضمنة في كتاب التلميذ ...وصممت تلك الأنشطة بطريقة تتيح للتلميذ تدوين ملاحظاته واستنتاجاته "
ولو توقفنا عند كتاب العلوم للصف الرابع فانه يشتمل على ست وحدات ، وبالطريقة نفسها التي اشتمل عليها كتاب الصف الأول ، وأود ان اشير الى بعض الموضوعات ، مثل : الكائنات الحية البسيطة ، البكتريا تركيبها وخصائصها ، الطحالب تركيبها وخصائصها ، دورات الحياة الفقرية واللافقرية ، والتغير الكيمائي ، الاحتراق والصدأ ، الطاقة الاحفوررية ، ومصادر الطاقة الاحفورية ، والطاقة الصوتية ، وغيرها .
ولا يعني هذا اننا نقف ضد أي محاولة لتحديث المناهج ، غير ان نسخ التجارب ونقلها ومحاكاتها لتكون الانموذج الأفضل للتعليم للتعليم ، فضلا عن ان البنية التحتية المتردية للمدارس العراقية واكتظاظ صفوفها بالتلاميذ ، إضافة الى قصور في معرفة المعلم وامكاناته ومهاراته ، وبخاصة انه لم يتلق تدريبا جديا وفعليا ، بحيث يرتقي بقدراته ، كل هذا يدفعنا الى القول بأن التحديث حين يكون من اجل التحديث فانه يقود الى ضرر ولا يحقق الأهداف المبتغاة .
الاحيائي والتطبيقي :
شرعت وزارة التربية في تطبيق مشروع تنوع التعليم الثانوي العملي الى احيائي وتطبيقي ، وصادق مجلس الوزراء على القرار بتاريخ : 20 / 10 / 2016 وأكدت ان هذا المشروع يمثل ( لحظة فارقة في تطبيق ارقى النظم والقوانين في ميدان التربية ولأول مرة وبشكل غير مسبوق ) وان هذا المشروع ( سيحرر العملية التربوية العراقية من النمطية والرتابة ،ويقلل من معدلات الرسوب والاختناقات ويحسن المعدل ) وان التقسيم سيؤهل بصورة افضل خريجي الدراسة الاعدادية للدراسة في الكليات العلمية حيث سيتم اقتسامهم الى مجموعة «إحيائية» تتوجه الى دراسات الطب، والطب البيطري، وطب الاسنان، والصيدلة والاحياء، بينما تتوجه المجموعة «التطبيقية» الى دراسات الهندسة والزراعة والاقتصاد والتربية والعلوم والكليات التقنية.
وحين نتابع مواد الاحيائي والتطبيقي نجد ان هناك توليفات تحتاج الى تأملات كثيرة ، اذ ان التغيير كان في جله شكليا ، على الرغم من ان الطلبة الاوائل سيذهبون من الاحيائي الى المجموعة الطبية ، في حين يذهب الاوائل من التطبيقي يذهبون الى كليات الهندسة الامر الذي يؤكد الفوارق الحادة ، في ابواب مفتوحة للاحيائي وضمور وقصور للتطبيقي ، يتضح ذلك بالمرفقات التي نلحقها بهذه الورقة البحثية .
ولقد كنت معارضا لهذا المشروع منذ أيامه الأولى على الرغم من انني كنت خارج هيأة الرأي في تلك الفترة لاسباب ليس هنا مجال سردها .
1 ـ يقتصر تنوع التعليم على تقسيم التعليم الاعدادي الى احيائي وتطبيقي في الصفين الخامس والسادس العلميين ، دون تبرير يذكر لاغفال الرابع العلمي . ولماذا لم تبدأ الوزارة بذلك أصلا .
2 ـ لم يستند اتخاذ هذا القرار الى دراسات علمية منهجية تسبق القرار ، اذ كيف يتخذا هذا القرار في جلسة واحدة اقتصر فيها النقاش على بعض المديرين العاميين في الوزارة ، وهم أعضاء هيأة الرأي . ومن الغريب ان تؤكد الوزارة ان هذا القرار يمثل (لحظة فارقة في تطبيق ارقى النظم والقوانين في ميدان التربية ولأول مرة وبشكل غير مسبوق )
3 ـ اتخذ هذا القرار في الصيف وشرعت الوزارة في تنفيذه مباشرة بعد شهرين من صدور القرار ، دون اجراء تجريبي لمدة سنة على الأقل في احدى المحافظات او على مدارس متعددة في المحافظات كافة لمعرفة مدى نجاح او اخفاق هذا القررا قبل الشروع بتنفيذه في العراق باسره .
4 ـ ان قرارا بهذه المواصفات اقتضى تأليف كتب جديدة بسبب استحداث مواد جديدة وتقليص فصول بعض المواد ، الامر الذي كلف الدولة مبالغ مالية باهظة ، بخلاف ما ذهبت اليه الوزارة الى (وتقليل «النفقة المالية التي تكلف الوزارة كل عام نتيجة طباعة مئات الصفحات الخاصة بالكتب المنهجية )
5 لم يعرض القرار على المديريات العامة للتربية وعلى المشرفين والتربويين المتخصصين لمعرفه آرائهم بهذا الموضوع ، وقد قامت المديرية العامة للإشراف التربوي بطلب الاستنئاس برأي المشرفين ، طبعا بعد اتخاذ القرار .
6 لم تطلع وزارة التربية على هذا القرار قبل اتخاذه وزارت ومؤسسات علمية وتربوية رصينة . مثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وزارة التكنولوجيا ، والمجمع العلمي العراقي وبيت الحكمة ، فضلا عن وجوب الاستفادة من الخبرة الدولية في هذا المجال ، كاليونسكو مثلا .
وبعد عدة سنوات أصدرت الوزارة قرارا بإلغاء الاحيائي والتطبيقي بشكل رسمي .

لا ننكر ان المسؤولية المباشرة للقضايا التربوية هي من اختصاص وزارة التربية ، ولكنها ليس من حقها ان تنفرد باتخاذ القرارت المصيرية الخاصة بالمناهج ، لان هذا شأن ينبغي ان يشترك به أصحاب العلاقة المختلفة ، ولذا فانه ينبغي مشاركة هذه الجهات باتخاذ القرارات الخاصة بالمناهج والمساهمة في تأليفها ، فضلا عن ان المناهج قضية رأي عام ، وتهم الشعب باسره ، ولذلك لا بد من تأكيد الموضوعات الاتية :
ان اغلب مؤلفي كتب المناهج من موظفي وزارة التربية ، بعضهم يحملون شهادات عليا ، وبعضهم مشرفون ، لكن هذا لا يعطيهم الحق ان تكون الغالبية في تأليف المناهج خبراء من مؤسسات عديدة وهي على النحو الآتي :
1 ـ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بسبب التداخل العلمي ووجوب التنسيق بين الوزارتين في اتخاذ القرارات بشأن المناهج والمشاركة الاوسع في التأليف ، بحيث تقوم كليات التربية والكليات المساندة مثل كليتي الاداب والعلوم بتكييف موادها الدراسية بحيث تكون منسجمة ومتواءمة مع مناهج وزارة التربية .
2 ـ مشاركة فاعلة للمجمع العراقي للاستفادة من خبرات علمائه وباحثية في اتخاذ القرارات الخاصة بالمناهج والمشاركة الواسعة في التأليف .
3 ـ مشاركة فاعلة لبيت الحكمة في اتخاذ القرارات والمشاركة بالتأليف .
4 ـ مشاركة فاعلة في الحوار والنقاش مع المنظمات الدولية كاليونسكو ـ مثلا ـ دون ان تكون وزارة التربية تنفذ ما تمليه هذه المنظمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة