الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


‏ الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (7) ‏

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2023 / 4 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نكمل حديثنا حول برديات مانيتون السمنودي الذي أسس لتاريخ المصريين القدماء ‏باللغة الهيروغليفية، ووضع لهم قواعد علم التاريخ وقسم الأسرات والحقب التاريخية ، وما زال ‏علماء الآثار يعتمدون على كتاباته حتى اليوم في تفسير التاريخ كله ، باعتباره الأب ‏الروحي للمصريين وأنه المؤرخ الوحيد الناطق بلغتهم وبلسانهم، وسنكشف في هذه السلسلة ‏من المقاتلا كيف أن مانيتون هذا شخص يهودي متخفي يقوم بعملية تدليس صهيوني ‏مبكرة ، وأنه كان ضمن فريق الصهيونية المبكرة الذين عملوا على إعداد وجبات غذاء ‏ثقافي للشعوب بحيث تصبح مرجعية الشعوب الثقافية بيد الصهيونية ، وفي برديات الجبتانا ‏سنقرأ معاً بعض نصوصها لنكتشف هوية المؤلف الحقيقة، وكيف أنه شخص عربي يهودي ‏بدوي صرف، وليس قبطياً بأي حال.. ‏

حيث يطرح المؤلف في كتاب الجبتانا عدة حكايات وأساطير تعرضنا لها في المقالات ‏السابقة ، ثم تتطور الأسطورة حتى يصل المؤلف إلى رغبة جبتو في إنشاء جبتانا ثانية، ‏فيقول: بعد وجبة الصباح في يوم من أواخر أبيب، قام الجبتيون بجمع كميات كبيرة من ‏البوص والخيزران والبامبو الجاف، وقاموا بتحزيمها وتربيطها مكونين عدداً كبيراً من الأرماث ‏بعضها من حزمتين وبعضها الآخر من اثنتي عشرة... أثناء ذلك جُمعت أمتعة الأسر الراحلة ‏وهي أسر جبتو ولابانو وآسو وجبجبا، (إشارة: اسم لابانو؛ من اللغة العبرية ولا وجود له في ‏الهيورغليفية) كما جُمعت أمتعة الفتيات والفتيان والغلمان والصبية الذين اختاروا ‏الرحيل مع جبتو... فوجئ الجميع بجبتو يحفر بمعوله الحجري قبر "جبتو مصرايم". ولما ‏وجدوه يفعل ذلك ساعده مجموعة من شباب القرية واستخرجوا عظام "جبتو مصرايم" وقام ‏جبتو بغسلها بالماء ثم وضعها مرتبة من الرأس إلى القدمين على جلد بقرة ثم لف الجلد وربطه ‏بحبل من الليف ونقلت اللفافة ووضعت على طوافة من الطوافات ومعها الأمتعة الخاصة لجبتو ‏مصرايم "‏

ونلاحظ؛ يحاول المؤلف هنا التقعيد لنظرية التحنيط وحفظ جثث الموتى، ويلفت نظر القارئ إلى جذور ‏فكرة الاهتمام برفات الموتى، لكنه سيقع في خطأ يكشف كذبه.. إذ أنه ادعى أن الجبتيين كانوا يدفنون ‏موتاهم بوضعهم في قبورهم على وضعية القرفصاء، بحيث يضع المتوفى رأسه بين ركبتيه وإهالة التراب عليه ‏والأحجار، وهذا لم يحدث وما كان أن يحدث، لأن الإنسان بالفطرة يسعى لإراحة المتوفى إما بوضع الجثمان مستلقياً ‏على ظهره أو على أحد جانبيه، وقد عُثر على حالة من أقدم عمليات التحنيط في العصر الحجري، وكان المتوفى ‏مستلقٍ فيما يشبه بانيو بيضاوي الشكل، والجثمان مستلقٍ على جانبه منحني للأمام نسبياً وحوله بعض القوارير ‏والأواني.‏

وتقول الأسطورة أن الجبتيين تقدموا وعلى رأسهم جبتو إلى منطقة المغارات وقد تركوا ‏أرماثهم وطوافاتهم مربوطة بحبال إلى أشجار الشاطئ... وصلوا إلى المغارات في التلال البيضاء... ‏نظفت الأسر المغارات لتستخدمها للإقامة بدلاً من الأخصاص، وعرف الغلمان الفتيات وكونوا ‏أسراً جديدة في المغارات الكثيرة في منطقة التلال البيضاء... واختار جبتو ساحة كبيرة ‏لتكون مركز القرية، وخصص مكاناً منها لنار القرية وأحجار التقدمة المقدسة... وأخذ ‏جبتو يحفر ومعه مجموعة من الشباب في الجانب الغربي من الساحة... ولما كانت الأرض ‏تزداد صلابة كلما حفروا واكتفوا بحفرة طويلة كأنها رسم إنسان، وحمل جبتو حزمة ‏عظام أبيه " جبتو مصرايم" ووضعها في ذلك القبر جاعلاً الرأس في مواجهة الشرق حيث مشرق ‏رع ووضع في القبر أمتعة جبتو مصرايم الشخصية سكينه الحجرية وعصا الصيد وذات ‏الرأس الحجرية ووعاء الشرب المصنوع من عقلة البامبو.. ثم أهيل التراب على بقايا جبتو ‏مصرايم " (الجبتانا " ص 133)... وتكمل الأسطورة بأن جبتو ارتكن على باب بيته وذلك في ‏أواخر شهر مسرى سعيداً بجبتانا الجديدة ... جبتانا البيضاء.. التي أطلقوا عليها اسم "عين ‏شمس" نظراً لأن الشمس في الصباح والغروب كانت تعكس سهامها الذهبية على بنابن أو ‏قمم التلال البيضاء، فيظهر قرص الشمس وقد جنحته السهام الذهبية.. ارتكن جبتو على ‏باب بيته سعيداً بعين شمس التي اعتبرها حرماً لرع... وخاطب جبتو رع بترنيمة الصباح .. ‏

ونلاحظ أن السياق الفكري للقصة أعقد من سياق الأحداث الساذج البدائي، فلا يوجد ‏بها انسجام بين الفكر وطبيعة الحدث وعصره؛ إذ أن المؤلف كان يحاول العودة إلى الجذور ‏الإثنية والطبيعة الديمجرافية للشعب الجبتي وحياته الاجتماعية على ضفاف وادي النيل ‏فرسم سيناريو أحداث بدائي جداً (حياة الكهوف والمغارات والصيد في الغابات)، لكنه في ‏ذات الوقت حمّله بأفكار متطورة جداً لا تتسق ولا تنسجم مع سياق الحدث، حيث يقول أن ‏القبيلة تستخدم الصوت الإشاري " جبتو.. جبتو " ويعيشون حياة الغاب البدائية، وفي ذات ‏الوقت تدور القصة حول مدينة منف وعين شمس ورمزية انعكاس أشعة رع، وحول " أبي ‏الهول" وهو يمثل قمة التطور الفكري في إيجبت القديمة. ‏

فعقيدة التاسوع المقدس متطورة جداً إذا ما قورنت بسياق الرواية، إذ يفترض أن عبادة ‏الإنسان في هذا الوقت كانت بدائية على قدر معيشته البدائية.. تقول الأسطورة: بمجرد أن ‏هجرت الآلهة أرض مصر تصحرت الفيافي الغربية والشرقية ونضبت مياهها وجفت غدرانها.. ‏وترتب على ذلك صراع رهيب بين عائلات النيلوس الجبتية التي كانت تقيم في كهوف الفيافي ‏والبراري الغربية .. قبيلة تغير علي قبيلة يحدوها قانون البقاء والقبيلة المنتصرة ربما تبيد ‏القبيلة المنهزمة إبادة كاملة... بل ربما كانت أمخاخ المهزومين وأكبادهم وقلوبهم وليمة أولى ‏للمنتصرين... ولهذا بدأ الزحف البطيء في اتجاه النيل..." ( الجبتانا " ص 55 ).‏

فهل من المتوقع أن تكون هذه القبائل المتصارعة قد تطورت عباداتها وعقائدها إلى ‏المستوى الذي تتحدث فيه الجبتانا ! فالجبتانا ترسم أبطال بدائيين جداً للقصة (هم من وحي ‏المخيلة اليهودية وطبيعة حياة العرب)، وتستخدم في ذات الوقت أفكار عقائدية متطورة ‏جداً مثل عبادة الإله تحوت إله الحكمة، والإلهة نوت ربة السماء والإله جب رب الأرض، ‏والإله حابي إله النيل، والشادوف السماوي والإله رع والإله آمون والإلهة حتحور والإله ‏أنوبيس..إلخ، ثم يقفز عبر الزمان ليذكر مدينة منف ومدينة عين شمس، بينما هو يتحدث ‏عن حياة قبلية بدائية حيث الأسرة لا تفرق في الجنس، وتدع جميع الذكور للجميع وجميع ‏الإناث للجميع ! برغم أن هذه العقيدة، لن نقول أنها لا يمكن أن تحدث في مجتمع وادي النيل، ‏بل إنها لا تحدث في الإنسان عامة بالفطرة ولا حتى في الحيوان ! فهي فكرة يهودية شيوعية ‏صرفة من قديم الزمان . ‏

ثم يصفهم بالحيوانات البشرية فيقول: في أدغال ومستنقعات النيل عاشت حيوانات ‏وزواحف الأدغال كما عاشت المسوخ والتنانين والمردة والأوتان ومسوخ أبي الهول ذات الوجوه ‏البشرية والأجساد الحيوانية. أما الحيوانات البشرية التي تفرعت عن سلالة الآلهة وهم ‏الجبتيون فقد عاشوا إلى الغرب وإلى الشرق بعيداً عن أهوال أدغال النيل وكانت معظم أنسال ‏الآلهة من الحيوانات البشرية تقطن الغرب. ( " الجبتانا " ص 49 ). فهل نتوقع من كاهن مثل ‏مانيتون أن يقع في هذا التناقض المعرفي ! كيف يصف الجبتيين بأنهم أبناء الآلهة، وأنهم ‏المقربون إلى الله، ثم يصفهم بأنهم حيوانات بشرية تعيش حياة همجية !‏

وفي صفحة 48 تقول: هجر الآلهة الأرضين إلى السماء واهتم الآلهة بجنة السماء وبالنيل ‏الذي في السماء " وابتدأ الذي في الأرض يفيض مرة واحدة في العام بعد أن كان يفيض في ‏كل شهر... وقل ماؤه الذي كان يفيض فيصل إلى جميع أرض الجبتوس وانحصر ماؤه في ‏مجرى النيل الأصلي.. وبدأت جنة الآلهة الأولى وهي جبتانا أرض الجبتوس تصبح أرضاً تقل ‏فيها المياه.. وبالتدريج تحول الجبتوس فصاروا حيوانات بشرية متصارعة.." ( " الجبتانا " ص 48 ) . ‏‏((هذا الأسلوب لا يمكن أن يخرج من لسان مانيتون لأنه يتحدث بلسان الغريب وكأنه ليس ‏ابناً من أبناء هؤلاء الجبتوس، ثم كيف يصفهم وكأنهم حيوانات متصارعة.. والسياق العام ‏للأسطورة يتحدث على لسان شخص من الغير وليس من ذات الشعب. أي لا يوجد أي انتماء بين ‏المتحدث والذين يتحدث عنهم باعتبارهم أجداده، فهناك شعور دفين بالاغتراب لدى المؤلف، ما ‏يؤكد أنه مؤلف لا ينتمي إلى من يكتب عنهم.‏

في صفحة 61: مات الغلام فقد لدغته أفعى أثناء الصيد وحفروا له حفرة خارج ‏المعسكر وأجلسوه القرفصاء داخل الحفرة ثم أهالوا عليه التراب والحصى. وجمعوا كمية ‏من الصخور والحجارة ووضعوها فوق قبره، حتى لا تصل إلى جسده حيوانات الليل النابشة... ‏وتذكر الكبار من الجماعة حياتهم في براري الغرب وكهوفه ودارت في رؤوسهم تلك ‏الحوادث القديمة حين كانت القبيلة تتخلص من المرضى وكبار السن برميهم من فوق ‏المرتفعات أو بتركهم فريسة لوحوش البراري. .. الموت إذن حدث عابر والمهم أن يكون عدد ‏المواليد أكبر من عدد الوفيات حتى تنمو قبيلة جبتو وتشعر بالأمان، فالنساء يلدن والأطفال ‏ينتمون للرمز الإشاري للقبيلة "جبتو.. جبتو" كما ينتمون لأمهاتهم ولم يكن العرف في ‏ذلك الزمن السحيق يهتم بتنظيم دقيق للعلاقة بين الذكور والإناث فالذكور كلهم للقبيلة ‏والإناث كلهن لها. وكذلك النسل الجديد. ‏

وفي موضع آخر يقول:" شاءت إرادة رع أن يشق نهر عظيم في الأرضين وأمر رع ذلك النهر أن ‏يتحول ماؤه إلى خمر... وشربت التوائم المتلاصقة من خمر النهر فسكرت فأمر رع ملائكته ‏ومعاونيه من الأرباب والآلهة أن يأخذ كل واحد منهم شعرة من رأس رع وأن تستخدم الشعرة ‏المقدسة لفصل تلك التوائم المتلاصقة.. فصل جبتانا عن جبتو وكذلك فصلت الذكور عن ‏الإناث من كل التوائم ونشأ شعب هم الجبتوس أو النيلوس، ومن النيلوس كانت تسمية ذلك ‏النهر المقدس النيل... وما أن فصلت تلك التوائم حتى ضعفت إلهيتها وظهرت حيوانيتها فعرفت ‏الموت والزواج وانتصرت إرادة رع... لكن الجن والشياطين والأبالسة بدأت تكون جبهة ثالثة.. ‏سيطرت هذه الجبهة الشيطانية على الجبتوس أو النيلوس.. وبدأ الحيوان البشري يناصر الآلهة ‏أحياناً " ( " الجبتانا " ص 47 ) ... هذه التصورات الشيطانية العدوانية ليست من بنات أفكار شعب ‏وادي النيل، لأنهم كانوا يقدسون الآلهة ويحترمونها، ولا يمكن أن يتحدث كاهن عن هذه ‏الآلهة المقدسة بهذه اللهجة وبهذه الدرجة من البجاحة، وحتى وإن وجدت هذه التصورات ‏والصراع بين الخير والشر، لكن لا يمكن إعادة توثيقها وتقديسها في المتون حتى عصر ‏مانيتون، بل إن اليهود هم الفئة الوحيدة من البشر التي تتعامل مع الإله ببجاحة. ‏

الأسطورة في مجملها غير مترابطة العناصر لأن مستوى الفكر الذي تتناوله والآلهة نوت ‏وحتحور، هذه الفلسفة متطورة جداً إذا ما قورنت بسياق الحشو القصصي الذي يدور حول ‏بداية الخلق وقبيلة جبتو مصرايم التي تعيش في أخصاص من القش والطين وتمارس الصيد ‏في البراري وتذبح بالحجر، فهذه البيئة البدائية والحياة البدائية لا يتطور فيها عبادة نوت ‏وحتحور، بل إن هذا العبادات كانت وليدة مراحل متطورة جداً من الفكر في إيجبت ‏القديمة واستغرقت دهوراً طويلة جداً عكف الكهنة في المعابد على صياغة تراتيل ورسم ‏تصورات هذه العبادة، ولا يتصور نشوء هذه العبادة بالتزامن مع عشيرة "جبتو مصرايم" التي ‏تعيش حياة فقيرة وبدائية، بل إنها تستخدم الحجر في الذبح التشظية في الإشعال ما يعني أن ‏عبادتها على ذات المستوى من تطور الفكر...‏

وفي الإصحاح الرابع: مع نهاية شهر مسري بدأت مياه النيل في الانحسار وذلك أن حابي إله ‏النيل والمياه الذي يقيم في جنات عدن كان في نهاية مدة استخدامه للشادوف المقدس الذي ‏صنعه له الإله بتاح. والذي نصباه عند البوابة الذهبية لمنبع النيل. لقد استمر حابي يعمل ‏بشادوفه المقدس طوال أشهر الفيضان الثلاثة بؤونة وأبيب ومسرى. وآن له أن يرتاح. استعد ‏للعمل بالشادوف السماوي في العام القادم لنقل المياه من جنات عدن إلى بوابة النيل الذهبية ‏‏(هذه التعبير في حقيقته " لنقل المياه من جنات عدن إلى بوابات النيل الذهبية " يعبر تعبيراً صادقاً وصريحاً عن ‏مكنون المؤلف في نقل جذر السلالة اليهودية من جنة عدن الموصوفة باليمن إلى نهر النيل..) ... بعد توقف ‏الفيضان تخلفت بحيرات وبرك ومستنقعات وأدغال مليئة بالطيور والأسماك وبثمار أشجار الموز ‏والنخيل والعنب والرمان وكذلك جفت الأراضي والغابات وامتلأت خضرة كما امتلأت ‏بأعداد من أسراب البقر والوعول والغزلان والخنازير وكافة فصائل الحيوان.. ولا يزال جبتو ‏يصاب بالحيرة إذا ما تذكر " جبتو مصرايم" فرأي صورته بعين خياله أو رآها فيما يرى النائم ‏في حين أنه يعلم أن جبتو مصرايم الجسد لا تزال جثته راقدة في خندق السور..." (" الجبتانا " ص ‏‏95 ) فهل كان جبتو ما زال على قيد الحياة في الكهوف ويتذكر أبيه جبتو مصرايم، في ‏الوقت ذاته الذي تطورت فيه الحياة إلى أن وصت الحضارة إلى وضع تقويم كامل ودقيق !‏

فالمؤلف يستخدم أدوات التقويم بكفاءة عالية جداً من حيث أشهر السنة القديمة، ‏حيث ذكر أسماء الشهور (مسرى – بنشنس- برمهات- وكهيك – توت – بؤونة - أبيب ..إلخ) ‏وذكر من شهور السنة السريانية (نيسان و أيار) ( " الجبتانا " ص 205 - 206) وكذلك أشار إلى ‏ظاهرة النسيء ( " الجبتانا ص 193 )، وهي التي يتم فيها إضافة ستة أيام إلى السنة كي تنضبط ‏وينضبط التقويم بحيث تصبح السنة 365 وربع بالتمام والكمال، وهذا ما يعني أن القصة تم ‏تأليفها في عصور متأخرة جداً فماذا كان الغرض من تأليفها ! بينما تم حشر كلمة مصرايم ‏وهي ظهرت في الوجود في عصر متأخر جداً بعيد كل البعد عن بداية الحضارة في وادي ‏النيل لأن مصرايم هذا هو مصرايم ابن نوح خمسة آلاف عام فقط قبل الميلاد. ‏

ثم يعود في جولة أخرى إلى البدايات الأولى؛ حيث دائماً ما يربط بداية إطلاق المسميات ‏وتفسيراتها، مثل إله الأرض جبت، وزعيم القرية ابن الإله الذي صار اسمه جبتو، ثم بعد فترة ‏من إنجابه ابنه جبتو صار اسمه جبتو مصرايم، وبداية إطلاق كلمة نيلوس على النيل ‏وبداية تشكل قبيلة نيلوس وقبيلة جبتوس، وبداية الزواج والعلاقات الجنسية الهمجية، ‏وبدايات تشكل فكرة العبادة وإطلاق أسماء الآلهة، يقول المؤلف: بعد العشاء وقبل أن ‏يتكاثف الظلام اتجه جبتو إلى الحظيرة ليضع مزيداً من الأغصان المورقة والأعشاب ‏للحيوانات المستأنسة فرأى الثور الجديد.. وتبادر إلى ذهن جبتو أن يسمى البقرة الأولى ‏فسماها باسم البقرة حتحور وسمى الثور باسم أبيس" وأبيس اسم كانت تطلقه قبيلة جبتو ‏مصرايم على كل ذكر فاتح رحم يؤدي إلى نسل جديد. ويستوي في ذلك ذكور الحيوان ‏الإنساني أو الحيوانات الأخرى. أما حتحور فهي ربة الأنوثة والخصوبة واهبة الحياة وراعية ‏الوالدة والمولود " ( " الجبتانا " ص 111 ) . ونلاحظ هنا بجلاء أن كلمة " أبيس " هي كلمة عربية ‏قديمة وهي اسم العجل الذي كان يعبده العرب القدامى وتمسك بعبادته بني إسرائيل رغم ‏محاولات موسى وعمران المستميته لإبعادهم عن عبادة العجل ، وهذا الإله العجل له تماثيل ‏كثيرة مصورة في الآثار اليمنية القديمة والنقوش، فهو جزء من التراث اليمني لا جدال .. ‏

وفي موضع آخر يقول المؤلف عن أصل اسم فتاة: استلقت الفتاة على الفراش بجوار مِرِن، فما ‏لبث أن استيقظ وأخذ يربت على شعرها ليشعرها بالاطمئنان وأشار إلى نفسه وقال " مِرِن" ثم ‏أشار إليها مستفهماً فقالت " هاجار " فأخذ يردد اسمها وهي تبتسم.. ودبت الحركة في منف ‏وتراجعت الكلاب خلف الأسوار وتجمع أهل منف للطعام وعجبوا من أن هاجار صارت ‏كواحدة منهم بمجرد أن قضت ليلة مع مِرِن في خصه وأكلت من طعامهم ورددت البنات ‏أسماءهن وهن يشرن لأنفسهن وطلبن من هاجار بالإشارة أن تذكر اسمها فقالت " هاجار" ‏فشعرن بقربها منهن حتى باللسان لأن اسم "هاجار" من الأسماء المألوفة لهن، كما أن بعض ‏كلامها مفهوم لهن." ( الجبتانا " ص 145 ) .. وهذه الفتاة كما يقول المؤلف كانت مجموعة من ‏الشباب قد خطفوها في الليلة السابقة من قبيلة أخرى اعتدوا عليها، ثم يحاول المؤلف بأسلوب ‏ماسخ أن يخترع جذر لغوي لكلمة هاجار، حتى لا يأتي أحد بعد ذلك ويقول بأن هاجر أم ‏إسماعيل ليس قبطياً ..‏

ويحاول المؤلف بحرفية عالية جداً صياغة أصول الكتابة والتدوين لكنه يقع وقعة ‏سوداء تكسر عنقه؛ إذ أنه يقول: وقف أوزير أمام الجميع وقد ثبت على الحائط ورقة كبيرة ‏من أوراق البردي ومعه وعاءان صغيران، أحدهما فيه مداد أسود وريشة مشذبة والآخر فيه ‏مداد أحمر وريشة أخرى، ثم رسم تخطيطاً بيضاوياً لوجه ثور ذي قرنين وقال:" هذا هو الرمز ‏الأول في كلامنا وكتابتنا وهو الرمز " أ " ونسميه " ألفا " والألفا عندنا هو ثور القطيع. وهو ‏الأول من كل شيء " ثم رسم خُصّا أو بيتاً مبسطاً وقال:" الرمز الثاني من كتابتنا وفي كلامنا ‏هو " با " ونسميه " بيتا " . ثم رسم عنق ورأس جمل وقال: والرمز الثالث من كتابتنا وفي كلامنا ‏هو " جا " ونسميه " جيميل" ونرمز إليه برأس ورقبة الجمل " واستمر أوزير يوضح للحضور ‏كتابة الرموز المصرية وكتابة الأرقام... وكانت تعليقات الحضور:" حقاً إن المصريين قد ‏سبقوا في كل شيء.. حقاً إن أوزير ابن الآلهة قد تعلم على أيدي الآلهة " ( " الجبتانا " ص 198 )... ‏

العجيب هنا هو أن الجمل ليس له أي وجود في إيجبت القديمة إطلاقاً، وهذا الأمر لم يعد ‏بحاجة إلى إثبات، ما يعني أن المؤلف وقع في خطأ ما كان له أن يتفاداه حتى وإن ركب البراق ‏كعادة اليهود ! فالمؤلف هنا عبر عن قوميته دون أن يشعر، ربما لأن الجمل فعلاً كان موجوداً ‏في إيجبت زمن كتابة الجبتانا، لكن ذلك كان أول وجود له في هذا البلد والمؤلف لا يعرف ‏هذه المعلومة الخطيرة. أما السقطة الثانية والأخطر فهي أن الهجائية الجبتية القديمة ‏‏(الهيروغليفية أو بناتها) لا تتخذ من رأس الثور ألفا، ولا من رمز البيت بيتا ولا من الجمل ‏جيميلاً، بل إن هذه الرمزية على التوالي وبالترتيب هي الرمزية التي اعتمدتها اللغة السامية ‏الأصل، خاصة العبرية والكنعانية القديمة، حتى أن الحروف ذاتها لها معانٍ واضحة، فحرف ‏الألف؛ يعني بقرة، والـ جيميل؛ يعني جَمَل، والـ "ب " ؛ يعني بيت، والدالت ؛ يعني باب.. إلخ ‏‏(كتاب تاريخ اللغات السامية – ولفنسون ، ص99-100، وكتاب الذات الجريحة – سليم مطر، ، ص 281 ). ‏

وهذا ما يعني أن المؤلف سقط عنه غطاءه وظهرت هويته السامية بجلاء؛ لأن الهجائية ‏الهيروغليفية تبدأ برسمة جانبية لطائر كرمز لصوت " أ "، ثم برسمة الريشة كرمز ‏للصوت " إ "، ثم رسم الساعد كرمز للصوت " ب "، وهكذا وفي الترتيب السابع للرموز تأتي ‏رسمة واجهة معبد كرمز للصوت " ج " وليس خُصاً أو كوخاً أو بيتاً كما توقع المؤلف، بل إن ‏ثقافته البدوية البدائية تظهر بجلاء هنا، وهي غير منسجمة مع النظام الجبتي، حيث كانت ‏مرحلة ابتكار التدوين يعاصرها فكر مدني متطور. ‏

يُتبع ...‏‎

‏(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ ‎‏)‏‎ ‌‎
‏ (رابط الكتاب على نيل وفرات):‏‎
‏ ‌‎ ‏https://tinyurl.com/25juux8h‏‎ ‌‎

‏(رابط الكتاب على أمازون) :‏‎
‏ ‏https://cutt.us/sxMIp‏ ‏‎

‏( رابط الكتاب على جوجل بلاي‏‎ ):
https://cutt.us/KFw7C

‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA

‏#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا