الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 6

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الصورة التي قدمتها والتي من المؤكد أنها صعبة على الهضم عند العقل الديني الذي يؤمن بأن الله قريبا في المثل وإن كان ليس كمثله شيء كما هو مجزوم، لكن بالعلامات المتداولة التي ترد في النصوص ومنها مثلا، أن له عين وله يد وله مكان ولسان ويتكلم ويسمع ويرى ويحب ويكره من كل ذلك فهو كائن يملك من المقومات التي تعطي صورة على أنه قريبا منا كبشر على الأقل، فلا بد أذن أن نتخيل مقدار القرب والأهتمام منه بنا حسب ما يرد في أدبيات الأديان ونصوصه، حتى أننا ننام وننسى ونغفل عن حاجاتنا وإشكالاتنا ومصائبنا مطمئنين أن هناك رب سوف يقوم بالمهمة بدلا عنا، هذه الوصفة الشكلية التي قدمها الدين ترضي حالة الكسل والغرور وأحيانا سبب كل مآسينا البشرية، لأنها لا تقول أن الله الذي يدير الكون المتعاظم الذي لا يمكن حتى قياس وجودنا البشري الأرضي مع حجم الوجود المادي هذا بأي مقياس، لا يقبل هذا العقل وألياته وتركيبات اليقين فيه، أن الله رب الكون كله وراعي الكون كله ومنظم الكون كله لا يمكن أن يكون له لسان ويد وعين يراقب ويتدخل في الصغائر والكبائر، التي لو عدنا في تفحص علمي لها ولأسبابها فهي جد طبيعية، ولا تخرج عن نتائج حركة الأفلاك الوجودية المتعارضة والمتطابقة والمتصادمة احيانا حول نواة المركز الجاذب.
من المهم جدا في الفكرة التي أطرحها وأوكد عليها مرة أخرى هو أن الله ليس نهائيا في الشكل والوظيفة ولا بدائيا تجريبيا، الله في عقيدتي قوة وأليات ومنطق ومعادلات حاكمة تحرك الوجود وتسيره على السنة الأولى وتمنحه سبب البقاء ودوام الحركة، لأن الجدلية في المعادلة الوجودية "الله الوجود" تفرض منطقها أولا ببقاء وأبدية الله لتضمن وجود وأبدية الوجود بالنتيجة، فلا نخشى على المادة أن تنتهي وتتلاشى ويبقى الله وحده فيختل الميزان الجدلي، كما لا يمكن للوجود أن يتجاوز حالة الله لأنه هو أصلا محكوم بالأثر والمؤثر بقوته، إذا الجدلية المطلقة تمنع على العقل أن ينفي أحد طرفي المعادلة، كما ينفي أيضا توازن الديمومة بينهما، فالله حقيقة مطلقة لا تخضع لأي شكل من أشكال النسبية وفروض الأحتمالات حتى الصورية والذهنية، وبالتالي الطرف الثاني من المعادلة يخضع لنفس الأعتبار، وبالتوازي بين ماهيات طرفي المعادلة الجدلية، تتوازى القوانين الخاصة بهما وأليات الحركة والفعل وفقا لنفس مبدأ التوازن.
هذا الإيمان اليقيني الذاتي يستوجب على المؤمن به التسليم بحقائق وجودية ولو كانت طارئة بمعنى أنها أعتبرت حقائق فقط لأنها موجودة بالفعل، أما كونها حق حقيقي أم مجرد نتائج لإيمان ما فهذا موضوع أخر، من هذه الحقائق:.
• ليس كل ما هو موجود كنتاج وجود الوجود هو حقيقي أو أصيل، فقد يكون منسوبا لغيره وهو يعمل في إطار فلكه الخاص، مثلا معايير الحلال والحرام والحق والباطل والخير والشر دوما تنتسب لقيمة ما يحدده البشر لها، أما عن طريق التجربة أو طريق الإخبار النقلي عنها عبر متلقيات العقل الجمعي، فهذا نرتب بناء على ذلك المعايير والمقاييس ولكن لو عدنا إلى ما يجعل منها معايير صالحة وصادقة وحقيقية هو أرتباطها بالقوانين الشمولية الوجودية ومعادلات التكوين، القتل قيمة سلبية محرمة بكل الأعتبارات، ليس لأنها فقط وردت بالتحريم بدافع أخلاقي أو ديني لأنها تشكل أعتداء على الإنسان، بل لأنها تشكل أعتداء على النظام الكوني، فحرميتها وسلبيتها من هنا أن تفرض أنتهاكا مؤديا للنظام الضامن للحق، هذا الأمر يسري على كل المحرمات التي ترتبط بعنوان ديني فوقي أو عنوان عملي تجريبي أخلاقي.
• الإيمان اليقيني الذاتي بأي فكرة أو عقيدة لا يلغي إيمان الأخر ولا يزاحمه ولا ينافسه على الصدارة، القاعدة التي تحمن هنا هي أن طبيعة الإدراكات المختلفة والمتنوعة ووفقا لقواعد عمل الأفلاك الدائرة تنتج نتائج متباينة كلها حقيقية في الواقع، ليس فيها كفر أو تعدي طالما أنها نتاج طبيعي أستخدم فيه العقل، الكفر فقط يتجلى في مخالفة العمد لمنطق العقل اليقيني الذاتي.
• العبادة الأصلية في كل الأديان ترتكز على مفهوم عدم الإفساد والعمل بما هو خير، هذه العبادة الحقيقية في الدين الطبيعي تشترك في المفهوم والدلالة مع بقيني وإيماني الذاتي بأن دين الله هو النظام الوجودي ومعادلاته والحرص عليها من أن تنتهك، وحتى تكون مؤمن وعابد حقيقي لا تفسد في النظام والخير منه وأنفع ان لا تدع اح يفسد، وهذه هي رسالة الدين الطبيعية.
• الإيمان أيضا بالمقولة الدينية الشائعة "وأتبع سببا" تغني عن ألاف النصوص المعللة والمبررة والمفسرة أن الكون يتبع السب، الوجود له أسباب وعلل وهو مرتبط بها ولا يمكن أن تفك عرى الأتباع هذا تحت أي مبرر أو سبب، وهذا أيضا يشكل دعوى للعقل بأتباع السبب ولبس الوقوف عند النتيجة، فالدين نتيجة والسبب المتبع هو في حركة الأفلاك حول المركز الطاقوي الأعظم في الدائرة المغلقة، فحتى يكون إيمان الفرد صحيحا لا بد أن يبقى تابعا للأسباب دوما.
• وتأسيسا على ما تقدم نجد أن ظاهرة الدين وممارسة التدين لم تأت من فراغ ولا من توهم خاطئ، بل هي محاولة بشرية نجحت في إصابة هدف قريب من الهدف الأصل ولم تبلغ الغاية المطلوبة، وهنا لا يجب قطع العلاقة ما بين المقدمة التي أنتجت الدين ولا النتائج المتولدة عنها، ولكن الواجب الاساسي تصحيح المسار السيروري لها عبر بيان العلاقة بين الهدف الاصل والمقدمة الأولى، الإصلاح والموافقة مع منهج تتبع الأسباب، وبذلك نحافظ على البناء العقلي المتراكم تاريخيا من جهة، ومن جهة أخرى ربط الجانب الروحي المثالي مع الجانب المادي الوجودي في وحدة تفاعلية متكاملة، تربط ايضا بين الايمان بالعقائد والإيمان بالعلم ونتائجه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية