الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غنّيتُ مكّةَ … وأعزَّ ربي الناسَ كلَّهمُ

فاطمة ناعوت

2023 / 4 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا عيدُ الفطر المبارك، أعاده اللهُ علينا، في مقبل الأعوام وقد رفعَ عن البشرية الجوائح والحروب والنزاعات والفتن، ومنّ برحمته على العالمين. اللهم تقبّلْ صيامَنا وقيامَنا واستجبْ لدعوات قلوبنا واحمِ مصرَ وجيشَ مصر من أهل الشرّ الحاقدين الذين يكيدون لها ويكرهون استقرارها وسلامها ونهضتها. كلُّ عامٍ ومصرُ أبهى وأجمل كما يليقُ باسمها العظيم العريق المكتوب بحروف النور في أولى صفحات كتاب التاريخ.
يأتي عيدُ الفطر هذا العام العالمُ مازال يئنُّ تحت وطآت الجوائح وتوابعها والحروب وويلاتها والنزاعات وتداعياتها، وأطماع الطامعين فيما ليس لهم، وليس على الصالحين إلا رفع الأكف بالدعاء لكي يرفع عنّا الله كلّ هذا ويهدينا سواء السبيل ويحمي الوطن العزيز مما يُرامُ لها من شتات.
في ليلة العيد، أفتحُ لأطفالي أوبريت: "الليلة الكبيرة" للعظيمين "صلاح جاهين" و"سيد مكاوي"، لكي نشاهد معًا كيف تستطيع القوى الناعمة والفنون الرفيعة أن تتضافر معًا وتُمسك ريشة الإبداع لكي تلوّن الحياة بألوان الفرح. نتأمل معًا خلّد عباقرةُ مصر في التأليف والتلحين والغناء وتصميم الرقصات مراسم الاحتفال الحيّ بالعيد بكل ما فيه من بركة وبهجات وأشجان ومواجع ومفارقات وطرائف وحيل وغيرها مما يحدث في الأحياء الشعبية الحاشدة بالزحام حول مقامات الصالحين، كل هذا عن طريق مجموعة من عرائس الماريونيت المفعمة بالحياة والفرح.
بدما نفرغ من "الليلة الكبيرة"، أديرُ أغنية "غنيتُ مكةَ" التي تُلخصُ "رسالة المحبة والتنوير" التي يحاولُ تكريسَها المصلحون والفنانون والمثقفون وأهل الخير عبر الزمان والمكان. تصوروا أغنيةً إسلامية عن مكّة المكرمة والكعبة المشرّفة والحج والحجيج وعن القرآن الكريم ومشاهد الركوع والسجود والتهجد وجميع طقوس أعيادنا الإسلامية، تصوروا أن أغنية حاشدة بكل ما سبق، كتبها ولحّنها وعزف موسيقاها وشدا بها... "مسيحيون”! تصوروا! ذاك هو "الكود الأخلاقي" الرفيع الذي ننشده ونصبو إليه في رسالة التنوير. تلك القصيدة الخالدة "غنيّتُ مكةَ" كتبها الشاعرُ "سعيد عقل"، ولحّنها الأخوان: "عاصي ومنصور رحباني"، وعزفها أوركسترا وكورالُ الرحابنة، وغنّتها فيروزةُ الكوكب "نهاد حدّاد" المعروفة باسم "فيروز"، "دارة القمر" الآسرة، وجميعُ مَن سبق من الأسماء اللامعة، هم عباقرةٌ "مسيحيون" أحبوا الله فأحببهم اللهُ في جميع خلق اللهِ، مهما اختلفت عقائدهم.
اقرأوا معي كلماتِ تلك القصيدة الرائقة، وأنتم تنصتون إلى الأغنية بصوت فيروز، ثم اندهشوا: (غنيتُ مكة أهلها الصيدا/ و العيدُ يملأ أضلُعي عيدا/ فرحوا فلألأ تحت كلِّ سمًا/ بيتٌ على بيتِ الهُدى زِيدا/ وعلى اسم ربِّ العالمين/ علا بُنيانُهم كالشَّهبِ ممدودا/ يا قارئَ القرآنِ صَلِّ لهم/ أهلي هناك وطَيِّبِ البِيدا/ مَن راكعٌ ويداه آنستا/ أنْ ليس يبقى البابُ موصودا/ أنا أينما صلّى الأنامُ/ رأتْ عيني السماءَ تفتحت جودا/ لو رملةٌ هتفتْ بمبدعها شجوًا/ لكنتُ لشجوها عودا/ ضجَّ الحجيجُ هناك فاشتبكي بفمي هنا يا وُرْق تغريدا/ وأعزَّ ربّي الناسَ كلَّهمُ/ بيضًا فلا فرّقتَ أو سُودا/ لا قَفرةٌ إلا وتُخصبُها/ إلا ويُعطَى العطرَ لا عودا/ الأرضُ ربي وردةٌ وُعِدَت بكَ أنت تقطفُ/ فاروِ موعودا/ وجمالُ وجهِك لا يزالُ رجًا يُرجى/ وكلُّ سواهُ مردودا.)
كلما سمعتُ تلك الأغنية العذبة، أتأملُ الفكرة من ورائها وأتأكدُ أن الفنانَ الحقيقي قادرٌ على صياغة المجتمع على النحو الصِّحي، المُنقّى من الأدران العنصرية، وأن القوى الناعمة قادرةٌ على النهوض بالبشر فكريًّا وأخلاقيًّا. الفنّان "الحقيقي" يجيدُ صناعة الفن مضفورًا بالحق والخير والجمال، وتلك هي رسالة التنوير. تُفرّقنا السُّبلُ أحزابًا وتكتلاتٍ وشِيعًا وجبهات وأغنياءَ وفقراء ويمينًا ويسارًا وبيضًا وسودًا وصُفرًا وأقرباءَ وغرباء وأكثريات وأقليات ومواطنين ووافدين ولاجئين، وتُشتتنا الطائفياتُ: طوائفَ ومذاهبَ ونِحلاً ومِللا وحروبًا خاسرة لجميع أطرافها... ولا يجمعُ شتاتنا تحت مِظلّة الإنسانية، إلا "الضميرُ الإنساني"، وروحُ الفنّ الرفيع.
بعد انتهاء شهر الصوم الفضيل، أهديكم في "عيد الفطر المبارك" أغنيةً شدا بها صوتٌ مسيحيٌّ آخرُ هو عظيمُ الغناء: "وديع الصافي" يغني لشهر رمضان شاديًا: "شهرنا السمحُ قد بدا/ خيّرًا يغدقُ الندى/ يمنحُ الطِيبَ والسنا/ يرسلُ النورَ والهدى/ يسعدُ المؤمنَ الذي/ نالَ بالصومِ مقصدا".
التمسُّك بحبل الإنسانية، هو جوهر الإيمان بالله، وهو السُّلَّم المتين الذي ترتقي به الأوطانُ على دَرَج النهوض والتقدم. بينما نصالُ الشتات والحروب والتناحر الطائفي والسياسي تنخرُ كما السوس في جسد الإنسانية والأوطان حتى تتهاوى المجتمعات وتموت. لهذا حرص الرئيس "السيسي" منذ توليه الحكم عام ٢٠١٤ على تكريس مبادئ المواطنة وإخماد نيران الفتن؛ لأنه يدركُ أن تلك هي اللبنةُ الأولى التي بها يُشيّدُ "الجمهورية الجديدة" على أسس حضارية محترمة وراقية. "عيد فطر" مبارك وآمن ورغدٌ على مصر والعالم، وكل عام ومصرُ بهيةٌ مشرقة تثبُ نحو النور بخطى رشيقة واسعة. “الدينُ لله، والوطن لمن يحبُّ الوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah