الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 7

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 4 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التسليم بهذه الملاحظات يمنح المؤمن بدين الطبيعة الذي هو دين الله الحق مساحة حرة يزاوج فيها بين عقيدته الخاصة وبين حق الأخرين في الخيار، السبب هنا لا يعود إلى ضرورة أخلاقية أو حس منطقي بل هو نتيجة طبيعية من قانون الدين الذي يؤمن بالتعدد وتبدل المسارات والتحولات، لأنها أصلا من قوانين الوجود، فالقضية إذا ليست أخلاقية بقدر ما هي حقيقية وجودية لا غيار عليها ولا يمكن تصريفها ونسبتها لغير مبعثها ومصدرها الأصلي.
اليوم صباحا استلمت الجواب من صديقي، إنه حقا رد مدهش في طريقة تقديمه وفي ما يحمل من رسائل، فهي تبارك لي العيد ومناسبته ومن ثم تؤيدني بكل حرارة ويقين أن الدين الحقيقي هو ما سنه الله ووضعه في ذاكرة الوجود الفاعلة، وأن الأديان البشرية المعروفة اليوم ما هي إلا مظاهر جزئية من فهم الإنسان لما يريد الله وما يطلبه من خلال النظام الكوني الشمولي وقوانينه، الحقيقة أنا لا أعترض على التهنئة فهي عندي "أي مناسبة العيد" جزء من واقع الحياة التي انا جزء منها، سواء قبلتها أو رفضتها فهو بالأخر نشاط إيجابي بمعزل عن التسمية أو النسبة، لكن أعتراضي أن يكون موضوع التهنئة جس نبض أو تشكيك بما اؤمن به من خلال ردي لها، لذا قلت لها وانا اهنئك أيضا بهذه المناسبة التي يسعد بها ناس كثر واشاركهم الفرحة لأن من حقهم أن نتشارك باللحظات الجميلة.
تقول صديقتي العقدة الدينية التي لم ينجح العقل البشري في فهمها أولا ثم تجاوزها، هي أنه يظن الله يفكر مثلنا بنفس القواعد والأساليب، منطقه شبيه بمنطق عقلائنا لكن إحساسه إحساس الناس البسطاء الذين يتأثروا بدمعة أو يتعاطفوا مع ضحكة، لذا فالأمر سهل جدا أن يسوق لهم صورة الله إنعكاس لصورة البشر المركبة وسرعان ما يقبلوا بها لأنه قريبة منهم من أجواء النفس البشرية، فهو في العقيدة الدينية رحيم لطيف ودود جميل وفي ذات الوقت جبار متكبر منتقم شديد لا يسامح، بل ولديه ميول سادية عن قصد ضد أعدائه الرافضين ما يقول أو ما يطلب، هذه التركيبة النفسية المتضاربة هي الأساس الذي تجعل منه أي من الإنسان أن يقبل به ويتعامل معه كحقيقة نهائية واجبة التقيد بها، لو أفترضنا أن الأديان قالت أن الله قوة متحكمة في الوجود وصائغة للبدايات والنهايات وفق قوانين مجردة وحديه، وعلى الناس أن تتبع السنن الكونية الشمولية إذا أرادوا السعادة والنجاح وما عليهم من فرض سوى ذلك، وهم أحرار في التطبيق لكن الوجود وقوانينه ستعاملهم وفقا للإرادة السابقة التي قررها الله لمن يعصي أو ينتهك هذه القوانين والمعادلات، هذا العرض لن يمر ولن يقبل به الإنسان وحتى لا يؤمن به لأنه منطق جاف غريب عنه خاصة في المراحل التاريخية الأولى للمعرفة.
إذا المشكلة ليست في كون الدين بشري أو وضعي أو أنه مرسل من السماء كما يقول العقل الديني، المشكلة عقلية بشرية ترتكز على أن الإنسان العاقل وحتى في خياراته المنطقية لو يسمح التعبير أن نصفها، يعتمد على فكرة التوائم ما بينه وبين الفكرة ووجهتها وبنائها، مثلا الإنسان حتى البدائي لا يعرف وغير متيقن أين يكون الله؟ وكيف يكون؟ وشكله ووو، ومع ذلك عموم الإنسان عندما يخاطب الله يتوجه بذاك للسماء على أنها مكان الله، قد يكون العذر مقبول أو التبرير له منطق قبول مع الديانات التي لم تعرف الله، لكن كيف يمكن تبرير ذلك عندما نؤمن كمتدينين أن الله لا يحتويه مكان ولا يسعه محل ولا يستغرقه زمن ومع ذلك نتوجه للسماء مثل البدائيين، ونخاطب الله بلغة ومنطق بشري على أنه سيفهم ويجيب، هذا الأمر يكشف أن الدين الذي يفهمه الإنسان هو دين المباشرة والتواصل مع طرفين معروفي المكان والهيئة والشكل والماهية.
تقول السيدة صديقتي في سؤال أخر، هل يمكن أن نتأمل في يوما من الأيام أن يصبح الدين الوجودي الذي تؤمن به و (تضيف وأنا بدأت أؤمن به كليا)، أن يكون دين الناس أو غالبيتهم أو على الأقل واحدا من بين الأديان المعترف بها بين الناس، خاصة مع الهجرة الجماعية والفردية من الأديان نحو الإلحاد الإنكاري، الذي لا أرى فيه قناعة منطقية بقدر ما أرى فيه تمردا على أساسيات مهمة في الأديان، حتى موضوع إنكار الله عند الكثير من الملحدين ممن اعرفهم وحاورتهم وتواصلت معهم، ففكرتهم غير جدية ولا منطقية ودائما ما يتضايقون عندما لا يجدون القدرة في إثبات موقف الإنكار عندهم داخليا، لذا فهزيمتهم في الحوارات الفكرية سهلة دوما ولا تحتاج لمهارة عالية في فن الجدال، لكن الفكرة التي تقدمها الآن فيها قدر عال من الإقناع وحتى اليقين المنطقي المبني على أركان ثابتة لا تناقض ولا أهتزاز فيها، لذا أتأمل أن أجد صدى الفكرة ليس فقط عند المؤمنين، ولكن عند الملحدين خاصة أولئك الذين يرون في الوجودية قانون أكثر متانة وعقلانية من منطق الأديان وخطاباته.
الحقيقة كما أردتها أن تصل للسيدة السائلة ليست متفائلة ولا يمكن أن نخادع أنفسنا أننا نعاكس الميل البشري الذي ينجذب نحو شبيهه كما قلا سابقا، الأمر هنا معقد ومركب وصعب جدا أن تعيد بناء تاريخ الإنسان بناء على نظرية هو لا يرغب فيها ولا ينتمي لها، قد يؤمن بالفكرة أفراد ربما عشرات وحتى ألوف لكن من اللا منطقي أن نعتبره دين مساوي لبقية العقائد الدينية وفقا للقياسات المعرفية التي تصنف بها الأديان، حتى من يؤمن بها يبقى حاملا لترسبات عقائد قديمة في اللا وعي في العقل الباطن البعيد، في التصورات التي لا يمكن تبنيها دون أن تمحى وبشكل نهائي كل أفكارنا الماضية وعقلياتنا السابقة، نعم ممكن أن ندافع بشراسة عن الفكرة وننجح في إقناع أخرين، ولكن يبقى الماضي المعرفي العقلي له مساحة ممتلئة في الوجدان العميق، قد يكون مع تغير الأجيال ورسوخ الفكرة المعرفية أن نتأمل ولادة عقل يتعامل معها على أنها قضية وموضوع حقيقي جدير بالتيقن والإيمان به، بشرط أن ينشأ هذا الجيل بعيدا عن سطوة وأجواء المعبد القديم وأفكاره وتصوراته عن بشرية الله.
إذا جوابي لا نفي مطلق ولا إيجاب متفائل أنها قصة الزمن، كما فرض الإنسان الأولي بقايا نظرته علينا من خلال تسرب ثقافة التماهي بين الرب والمربوب في الوصف في الفعل في التعاطي التبادلي بينهم، فهو يريد بمقابل والإنسان يقبل ويطيع بمقابل وهذا هو جوهر فكرة الدين عن العلاقة، علينا أن نعمل على تأسيس ثقافة بديلة أساسها الواقعية المنطقية المتصلة بالعلم الوجودي والبرهان المادي الذي ينافي البرهان التسليمي القديم، هذا يعني علينا ولنا إحداث إنقلاب في أليات التعقل البشري وتغيير مسارات التفكير، من ممارسة التلقي إلى ممارسات التطبيق الواعي لقوانين لا تقبل التناقض كما لا تقبل المشائية والترجي وردات الفعل التي عليها واقع الله في الدين التقليدي، هذا الواقع وهذا الممكن بكل بساطة لذا لا أنظر لغير المنطق الغالب هو الذي يفرض شروطه كما يفرض وجوده على السطح المعرفي العقلي في عالم الإنسان العاقل، وحتى العاقل جدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية