الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة الطبيعة البشرية

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 4 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لإنسان حيوان قاتل
٤ لاتغضب بدلا من لا تقتل
الوعي الإنساني، كينونة لذاتها، مطلقة وأولية مباشرة تشكل معنى الإنسان وجوهره ككائن إجتماعي متواجد في العالم، له علاقة أنطولوجية أولية مع "الآخر". الأنا و"الآخر" يكونان بعضهما البعض في نفس الوقت وفي حركة تأسيسية واحدة مطلقة. والإنسان لا يكون ما هو عليه إلا من خلال هذه العلاقة -المرآتية ـ الديناميكية. فالحياة الإجتماعية والنفسيه والوجدانية تستحيل في غياب الآخر، وتتحول الحياة إلى صحراء من الصمت والغياب والبرودة السيبيرية. العواطف بكل تعقيداتها وتشابكاتها، من حب وكراهية وعنف وحقد وخجل وغضب، من خوف وشجاعة وتردد، لا يمكنها أن تتواجد وتشكل العمق والثراء الذي يفصل الإنسان عن أجداده متسلقي الأشجار إلا بوعيه بكينونة "الآخر" وضرورتها الأنطولوجية، والذي من خلاله تتحقق الحرية. وأسطورة قابيل وهابيل، بغض النظر عن جوانبها الدينية أو التاريخية أو الإجتماعية، تواجهنا كتساؤل أولي لابد من طرحه والتعمق في ثناياه وتفاصيله قبل محاولة الإجابة عليه. وهذا السؤال متضمن بطبيعة الحال في جميع نواحي الإنتاجات الفلسفية والدينية والفنية منذ اكتشاف الإنسان لعلامة الإستفهام السحرية. القاتل والمقتول يكونان وحدة عضوية متلاحمة، لا يوجد أحدهما بدون الآخر، والسؤال لماذا يقتل الإنسان إنسانا آخر لن يفيدنا في التوصل إلى حل مشكلة العنف البشري، لأن هذا السؤال لا يخص إلا الإنسان الفرد وسيكولوجيته المتفردة، وربما لهذا السبب كانت إجابات كل الأديان القديمة والأساطير على هذا السؤال متشابهة وتكاد تكون واحدة. قابيل قتل هابيل لأنه كان شريرا أو حسودا أو غيورا أو حسب القراءة المحمدية لأن الشيطان استحوذ على عقله وأغواه لإرتكاب الجريمة التي ندم عليها حيث لا ينفع الندم. إن السؤال الذي يجب طرحه ربما يكون: ما هو جوهر المجتمع الذي يجب تخيله والعمل على بنائه والذي يكون فيه فعل القتل مستحيلا؟ إستحالة انطولوجية ضرورية، ليس كاستحالة الحياة على الأرض بدون الأوكسجين أو الجاذبية الأرضية، ولكن كاستحالة وجود الإنسان بدون وجود "الآخر" أو بدون وجود اللغة أو الخيال. وبالتالي لن تكون هذه الإستحالة بفعل الأخلاق أو الدين أو الخوف من الجحيم أو من قوى قمع الشعب من شرطة وعسكر وقضاة وشيوخ وجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. غير أن هذا لا يعني البحث عن "طبيعة" بشرية أو فطرة أو غريزة الخير مدفونة أو منسية في غياهب النفس والتنقيب عنها وإخراجها إلى الوجود، فنحن نرفض فكرة وجود الطبيعة البشرية المسبقة، لأن الإنسان يكون ما يريده أن يكون، ويبني ويكوّن هويته الوجودية بيديه وبعقله متفاعلا مع "الآخر". إن الذي نبحث عنه هو تصور جوهر هذا المجتمع - الذي لم يوجد بعد ـ والذي تستحيل فيه فكرة القتل ويخلو بالضرورة من مفاهيم الخير والشر، وبالتالي من مفاهيم الثواب والعقاب. وهذا لا يعني أيضا البحث عن مجتمع يكون فيه الإنسان مجردا من عواطفه وانفعالاته في مجرى علاقاته المتشابكة مع الآخر، ليصبح جهازا عقليا آليا يفتقر القدرة على ردود أفعال مباشرة وعفوية مثله مثل أي روبوط. وعندما ننظر إلى الذات البشرية القادرة على فعل القتل ونلاحظ آليات هذا السلوك، نكتشف أن الإنفعال له دور كبير في حالات عديدة. فإذا أفترضنا ان قابيل قتل أخاه هابيل في لحظة غضب، وهو الأمر الأكثر إحتمالا والذي يفسر العديد من أعمال القتل في جميع المجتمعات الحديثة - عمليات الإغتيال والقتل المنظم سيأتي الحديث عنها فيما بعد - ففي هذه الحالة لا بد من إلقاء نظرة عما تعنيه كلمة غضب وما معنى هذا السلوك لمعرفة كيفية التعامل معه. لا شك أن الغضب ليس غريزة ولا طبيعة بشرية ولا فطرة، لعدم وجود برنامج مسبق للإنسان يحدد سلوكه وعواطفه وانفعالاته كما سبق القول، كما أنه ليس عادة ولا حسابا عقليا. الغضب هو سلوك نتخذه أحيانا لحل حالة من "التوتر" في موقف معين، إنه حل مفاجئ لصراع أو نزاع ما، وطريقة عفوية غرضها حل العقدة المستعصية التي تجمد الموقف وتعيق تطوره وتسد كل المنافذ أمامه. ولكن في حقيقة الأمر "الغضب"، سلوك غير مطابق للموقف ولا يحل النزاع أو المشكلة المستعصية، ولكنه مطابق تماما لحل التوتر و" زعزعة كتلة الرصاص التي ترزح على أكتافنا "، إنه نوع من الهروب والتملص وخداع النفس والتعامي عن الحل الحقيقي للمشكلة والذي ربما يكون أكثر صعوبة ويصعب احتماله. ولكن هل يكفي أن "يتحكم الناس في أعصابهم" وان يتحلوا بالأدب ولا يصرخوا في وجوه الآخرين ليختفي فعل القتل من المجتمع؟ بطبيعة الحال لا أحد يمكن أن يصدق ذلك، ولكن في نفس الوقت لا أحد يمكن أن ينفي أن إحترام "الآخر" والتعامل معه كذات واعية وليس كـ "شيء" يمكن أن يساعد إلى حد كبير في تقليص، إن لم يكن التخلص نهائيا من حالة "التوتر" في الكثير من المواقف العصيبة والحرجة، وهي الخطوة الأولى والضرورية لبناء علاقات إنسانية ملائمة لطموح الإنسان في حياة ممتلئة بالعطاء والإبداع وربما بالسعادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا