الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول القيم الدِّينيَّة والقيم الإنْسانيَّة ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


---------------------------------
اعتقد أنّ القول في أهميّة وأولوية وسمو القيم الدينية على القيم الإنسانية ، هُو قَوْل قديم ممجوج ، أو خطأ فكري تاريخي غير متعمّد ، يَحمل في طيّاته ، حال اَلجُمود والثَّبات لِلْفكْر ، ويعْتَمد في مآلاته ، على مَبدَأ السُّكون لِلْحقيقة والْواقع ..
فالواضح لكلّ ذي بصيرة مُنصفة ، أنّ مَسَار تَطوُّر الوعْي الإنْسانيِّ ، قد أَثبَت لَنَا – بِالْفِعْل - خَطأَه مُنْذ أمد بعيد . . لَيْس أقلُّه مَنْع العبوديَّة بتاتًا، وتجْريمهَا إِنْسانيًّا ، فِي حِين كَانَت – إِلى أمد غَيْر بعيد - مُبَاحَة اِجْتماعيًّا وثقافيًّا ، بل مشرعنة ومنْصوص عليْهَا دِينيًّا . .
ناهيك عن أن تَجارِب التَّاريخ المريرة أثبتتْ بُطْلانه .. وَ بينتْ للعقل الفاحص أنه حُكم مُغَالِط ، لََا يَستقِيم بتاتًا ، مع حُجَج العقْل الموْضوعيِّ ، وبراهينه القاطعة فِي إِثبَات نَامُوس التَّغَيُّر الأزَليِّ لِلْوجود ، وقانون الصَّيْرورة فِيه ، ولَا يَتفِق البتَّة ، مع خُطَى اَلمنْطِق اَلعلْمِي اَلسلِيم والْمعاصر . .
كذلك لا يَخفَى على الفهْم اَلحصِيف ، أيضاً ، أنَّ هذَا القوْل بِالذَّات ، مُؤسِّس على مُغَالطَة مَنطقِية شَائِعة ، ومسْلمات إِيمانيَّة لََا عَقلِية خَطرَة المآرب ، كمَا ذكرْنَا سابقًا - لِكوْنه يقوم على اِفتِراض مَعرفِي ، مُتَهافِت اَلأُصول والتَّمْحيص مُفَادِه :
أنَّ مَا يَأتِي مِن اَلمُطلق ( الماورائيَّ - الميتافيزيائي ) غَيْر المحْدود بِزمان أو مَكَان ، هُو صحيح دائمًا وأبدًا بِالضَّرورة . .
ومَا يَأتِي مِن اَلنسْبِي ( الوعْي الإنْسانيُّ - الفهْم الكائن فِي الواقع الفيزْيائيِّ ) المحْدود بِزمان وَمَكان ، هُو خطأ مُبرَم أو ذُو حقِّ أَنِّي ، مُؤقَّت على أَبعَد تَقدِير.
والْحقيقة كما ازعمها هي أنَّ هذَا الفهْم اَلرَّث ، إِنَّما يَصدُر عن ذِهْن إِيماني وُثوقيٍّ مُتَأخر جِدًّا ، اي ذِّهْن مازال يَستَنِد إِلى فِكْر " مَا قَبْل الحداثة " وتطوُّر اَلعُلوم ، ويعيش في حِينٍ ، كان الفهْم الإنْسانيُّ فيه ، طُفوليّا سَاذِجا وبدائيّ المدارك ، يَعْتاش على أَساطِير الأوَّلين ، ويؤمِّن بِخرافات الأقْدمين ، أو تصوُّراتهم المتراكمة وأضاليلهم المتوارثة عَبْر الأجْيال .
أو لنقل هو ذهن أو فَهْم ماضٍ ، يَعُود إِلى حِين كان فِيه الإنْسان ، يُؤْمِن بِأَنه مَركَز اَلوُجود والْكَوْن ، وأنَّ أحْلامه تَتَحكَّم بِهَا أَروَاح عُليَا وَقوَى خَفيَّة ، وأنَّ أسْلافه اِنْحدروا دُفعَة وَاحِدة مِن قِطْعَة طِين أو بُقعَة سَفِينَة ، وان غَايَة وُجوده وَاضِحة ، و . . وَإلَخ .
هو ذهن و فَهْم بالٍ ، يَنتَمِي إِلى حِين كان الفهْم فِيه ، يعْقلْن أَحدَاث الطَّبيعة ، كَسقُوط النَّيازك مثلا ، ويرْفع خُطوبَهَا الغريبة إِلى السَّمَاء ، بِتصوُّر بديع وَخَيال وَقَاد وهج ، ثُمَّ يْتنْزلْهَا بَعدئِذ بِنصوص مَنسُوبة ، وطلاسم مَرهُوبة ، ذات لُغَة مَفتُوحة الدَّلالات غَامِضة الإجابات ، بُغيَة تحْصينهَا مِن النَّقْد أو الانْتقاد ، وَتشجِيع الخشْية عليْهَا مِن أَيَّة شَذرَة عَقلِية تَكشِف تهافتهَا ، أو جُرأَة أَيَّة مُسَاءلَة رَفْض أو شكٍّ ، تُبْرِز هَشاشَة أَسسَها .
قُصَارَى القوْل :
إِنَّ التَّمَسُّك بِهَذا القوْل – الحقيقة الدِّينيَّة أَسمَى مِن الحقيقة الإنْسانيَّة - يُعبِّر بِالضَّرورة عن نمط مِن التَّفْكير الخطر ،
اَلذِي يَحمِل فِي ثنايَاه هَفَوات مَعرفِية فِي عِدَّة مَناحِي :
المنْحى الأوَّل : الإيمان اَلمُطلق بِعَجز الإنْسان على مُوَاجهَة الطَّبيعة .
الْمنْحى الثَّاني : الأيْمان التَّامُّ بِقصور العقْل الإنْسانيِّ عن الإجابات عن الأسْئلة المصيريَّة أو الغائيَّة والْكلِّيَّة .
والْمنْحى الثَّالث : التَّشْكيك المسْتمرُّ فِي مُقدرَات ذَلِك العقْل على الفهْم والْإحاطة وحلِّ مُشْكلاته دُون مُسَاعدَة خَارجِية ماورائيَّة . .
والْمنْحى الرَّابع : الاعْتقاد بِأنَّ مَنظُومة الرَّأْي القديمة ، والْعقائد المتوارثة المقدَّسة ، هِي ذات أَحَقيَّة مُطلَقَة وَأبدِية ، وَذلِك لِإعْجَاز فهْمهَا التَّامِّ لغوياً مِن قَبْل الأكْثريَّة ، أو للْقَدم اَلذِي يَتَمتَّع بِهَا وُجودهَا . . .
ولذلك كله، الحقيقة الدِّينيَّة - فِي تَقدِير القائلين بِهَا - هِي أهمُّ وأسْمى وأقدِّس مِن كُلِّ حُقُوق الإنْسان والْحرِّيَّات الأساسيَّة النِّسْبيَّة المتغيِّرة ، بل حتى مِن أَيَّة حَقِيقَة مِن الحقائق العلْميَّة والْإنْسانيَّة ، اَلتِي وصل إِليْهَا الفكْر أو سيتوَصَّل إِليْهَا الوعْي الإنْسانيُّ اَلقدِيم والْحديث والْمعاصر لَاحقًا . . .
وأخيراً أهمس لنفسي مُتسائلاً : منْ يدري ..!!
لعَل في مثل تربة هذا القول و الاعْتقاد بِالذَّات ،
تنمو وتترعرع أُولَى المنابتِ الفكْريَّة لِلْإرْهاب الدَّاعشي بين ظهرانينا. .
وَ يكمن عيَّن ظَلَام التَّدهْور اَلعقْلِي اَلذِي مازلْنَا نُكابِد شروره بمرارة . .
لِلْحدِيث بَقيَّة . .
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال