الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع السلطات الدينية والسياسية..الطلاق الموثق نموذج

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2023 / 4 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في معركة تدور رحاها في مصر بين مؤسستي الرئاسة والأزهر تتعاظم مشكلة (توثيق الطلاق) فالرئاسة تطلب توثيقه لحفظ حقوق الزوجات والأطفال، ولغرض تقليل حالات الطلاق التي باتت مشكلة تهدد النسيج الاجتماعي وموارد الدولة ، التي تعتمد في جزء منها على مدخول الأسرة، ولا شك أن كثرة الطلاق مع تكاليف إنهاء العلاقة تهدد تلك الموارد وتجعلها عُرضة للأهواء والغضب المعتاد بين الشريكين..

في حال تتمسك مؤسسة الأزهر بالطلاق الشفوي الذي درج عليه الفقهاء المسلمين السنة منذ العصر العباسي على أنه ثابتا من ثوابت الدين لا يتزعزع..

سياسيا فالصراع له بُعد يتعلق برسوخ وقبول السلطة التنفيذية ونظام ثورة يونيو 2013 الذي يرى أن محاولات تجديد الخطاب الديني تصب في صالح إضعاف الإخوان المسلمين الذين يعتمدون بدورهم على قوة المؤسسة الدينية التي عملوا على إحياءها بعد ثورة يناير 2011 بعدة قرارات، كان منها إضافة المادة 7 في دستور 2012 والمُصدق عليها في دستور 2014 المتعلقة بحصانة شيخ الأزهر من العزل، وأن اختياره من هيئة كبار العلماء التي تم إحياءها نفس العام بعد انقطاع دام أكثر 60 عاما حين استبدلها الرئيس الأسبق "جمال عبدالناصر" بمجمع البحوث الإسلامية، وتنص المادة أيضا على أن الأزهر هو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، وأن الدولة تكفل جميع موارده لهذا الغرض

أما اجتماعيا واقتصاديا فيتعلق هذا الصراع بتوفير موارد للدولة عبر تقليل نفقات الأسرة والصراعات الشخصية في المحاكم التي نتجت عن استفحال مشكلة الطلاق والتي بلغت عام 2021 أكثر من 245 ألف حالة طلاق بما يمثل حوالي 24% من حالات الزواج، أي ما يقرب من رُبع حالات الزواج المصرية تفشل بسبب هذه النسبة المرتفعة، وما يترتب عليها من صراعات ونفقات وخسائر هي في منظور الدولة عائق أمام التنمية، وخطر يهدد وحدة ونسيج المجتمع المصري من جانب آخر، ووسيلة للتقرب وإرضاء المرأة المصرية واستيفاء حقوقها المهدرة من جانب ثالث..

أما من الناحية الشرعية فنُلاحظ أن القرآن أمر بالشهادة على الطلاق مثلما أمر بالشهادة على الوصية مثل قوله تعالى : "فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم"..[الطلاق : 2] و"يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم"..[المائدة : 106]

فقام الشيوخ بتعطيل الإشهاد على وصية الميراث والطلاق معا، لكنهم سمحوا به في الحالة الثالثة الخاصة بانتهاك الصيد في شهور الحج، والرابعة الخاصة بكتابة الديون، والحكمة من التعطيل ليست عقلية ولا نفعية ولا علاقة لها بصالح المجتمع أو العدل ، ولكن بغرض تقديم الحديث والروايات وفتاوى أئمتهم على القرآن، التي منعت الروايات وصية الوارث من جهة، وقالت بوقوع الطلاق الشفوي من جهة أخرى..

والدافع من كلا الأمرين (ذكورية الإمام) فهو الذي أمر بتعطيل النص القرآني لصالح الذكر على النحو التالي:

أولا: الإشهاد على الطلاق يعني تقليل حالات الطلاق وبالتالي تقييد الذكر عن الزواج وتغيير إناثه بشكل مستمر، فكان ولابد من تعطيل هذا الإشهاد والقول بوقوع الطلاق الشفوي الذي تتضرر منه النساء بشكل أولي وتُمنَع بسببه من المعاملة الكريمة في المجتمع ونظرة الزوج القادم لها على اعتبارها مطلقة، لكن الزوج سوف يتزوج أخرى دون ضرر لأن الانفصال بين الزوجين لا يعيبه كذكر إنما يعيب الأنثى...

لاحظ معارضتهم الشديدة لنظام (القائمة المصري) لأنه يُعطّلهم عن الطلاق، ويحمّلهم تكاليف مادية تردعهم عن الانفصال والتغيير..

ثانيا: القول بالوصية يعني نسخ وإلغاء الفروض المعلومة التي ذكرت في آيات أخرى بتفضيل الذكر على الأنثى، لذلك خرج أسلافهم بأحاديث مفتراه تحدد هذه الوصية فقط (بالثلث) وبالتالي فالإشهاد على الوصية لم يعد مُتحققا وليس ذي جدوى، فأصبح الأمر بالآية على سبيل الجواز والندب لا الوجوب لأن المُحتضِر (مُقيد) بقيدين اثنين، أن يوصي فقط بالثلث وأن لا يوصي لورثته لأن لهم فروضا معلومة مستحقة شاء من شاء وأبى من أبى..!

لاحظ أيضا تعطيلهم لشهادة غير المسلم على المسلم التي سمح بها القرآن بقوله تعالى (وآخران من غيركم) يعني التعطيل كان مزدوج (الوصية وشهادة غير المسلم) معا..!..والأفظع أن دليلهم في إنكار شهادة غير المسلم هو قوله تعالى "ذوي عدل منكم" التي ذكرت في سورة الطلاق، يعني حين أرادوا بخس حق غير المسلمين في الشهادة استدلوا بنفس الآية التي عطّلوها في الإشهاد على الطلاق..ولا حول ولا قوة إلا بالله..!

المشكلة لم تتوقف على هذا التعطيل المتعمد، ولكن حين فسروا قوله تعالى " واشهدوا ذوي عدل منكم" المقصود بها في الطلاق أصبحت لديهم في الرجعة، يعني الإشهاد فقط على الإمساك بالمعروف (الرجعة) مش الطلاق (الفراق) لكي يسهل على الذكر الطلاق ويُصعّب من رجوع زوجته الغاضبة..يعني تزوير عيني عينك، ولم يتجرأ أحد من قبل على إنكار هذا الفحُش في التفسير والتزوير المتعمد لكلام الله..

الخلاصة: توثيق الطلاق والإشهاد عليه مشروع دينيا ومصلحة قومية واقتصادية واجتماعية كبرى، وهو من الأمور التي حرّفها الفقهاء السابقين لصالح ذكور المجتمع في الماضي، شأنها كشأن "الولاية على المرأة" التي خرجت منها مسائل التعصيب والغراوية ..وغيرها من مسائل المواريث، فلو كان القانون المصري الآن يساوي بين الذكر والأنثى في الحقوق السياسية والمادية والاجتماعية فتوثيق الطلاق هو من بين هذه الحقوق المهدرة للزوجة ، وحرب الشيوخ على هذا التوثيق طبيعي لأن الدافع وراء هذه الحرب جنسي نوعي عنصري لا علاقة له بدين ولا شريعة أو مصالح مجتمع وفقا لهذا العرض المختصر الذي يثبت أن شريعة الإسلام لا تمنع توثيقه، وأن قضايا الاجتهاد أوسع وأرحب من الرؤية الضيقة التي تصر عليها وتتعصب لها مؤسسات الدين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب