الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية والعنف

عثمان عبدالله مرزوك
ناقد و باحث و اكاديمي

(Othman A. Marzoog)

2023 / 4 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الهوية هي الانتماء، كل انسان منتمي سواء كان واعيا او غير واع لثقافة معينة ودين معين ومجتمع ومعين، مختلف عن المجتمعات والأديان والثقافات الأخرى. هذا الانتماء يمثل تمايز واختلاف لذلك يهتم للاختلاف ويثيره دائما أكثر من الاتساق والتشابه مع الثقافات الأخرى. وهناك حاجة الى الانتماء تتتمثل بالشعور بالأمان النفسي لذلك يصعب وجود انسان بلا انتماء حتى وان ادعى اللانتماء فهو في النهاية ينتمي لمكان ما.
لكل انسان هويتين واحدة مكتسبة من معاصريه وأخرى متوارثة من اسلافه وطائفته وعشيرته والانسان يكون على الموروث وليس على المكتسب، ولا ننسى الهوة بين ما نعتقد اننا نكون عليه وبين ما نحن عليه في الحقيقة وهذا يتضح عند التقدم في السن حيث يعود الانسان الى الموروث بدلا من المكتسب.
هوية المجتمعات في خطر الان، ما يمكن ان نسميه هويه احد الشعوب يمكن ان ينتقل بضغطة زر الى شعب اخر والثقافة التي تشعر بضعفها و انها غير مؤثرة، ستتهم الثقافات الأخرى انها تحاول ابتلاعها لذلك تصبح اكثر تقوقعًا وانغلاقا، هذا ما يحدث مع الثقافة العربية الإسلامية على سبيل المثال التي كانت يوما ما متفتحة اكثر من الثقافة المسيحية الغربية، واقصد بذلك القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع حينما كان يعيش فيها المختلفين عنها، لكنها اليوم لا ترفض المختلفين فقط انما ترفض تنوعها فالسنة يرفضون الشيعة والسلفية يرفضون المعتزلة بينما الشيعة الإخبارية يرفضون الأصولية والاثنا عشرية يرفضون القطعية الخ..، في نهاية المطاف الديانة واحدة لكن المتغير هي قوة الثقافة وقوة الهوية عندما لم يكن المختلفين يشكلون تهديدًا لها، حتى أصبحت الثقافة الإسلامية تعتبر تهديد للعالم وللتقدم.
هناك العديد من الأسباب التي جعلت الثقافة الإسلامية مثلها مثل الثقافات المهددة الأخرى اكثر تقوقعا وانغلاقا على نفسها:
أولا؛ وتيرة التغيرات كانت بطيئة جدًا في العصور الأولى، اختراع معين قد يستغرق سنوات ليصل الى ثقافة أخرى، ثم تسارعت الوتيرة في القرن الثامن عشر وعصر العربات ووسائط النقل، ثم جاء الوقت الحاضر وصار التسارع كبير ولا يمكن ان يوصف حتى صار الاتصال مباشر بين الهويات المسيطرة والهويات المسيطر عليها. ما يزيد من هذا التهديد هو الانفتاح الذي بات يلغي الثقافات الصغيرة ويصهرها مع الثقافات الغريبة عليها.
ثانيا؛ الغاء الحدود المعرفية وهرمية المعرفة في مواقع التواصل وانسلاخ الكثير من أبناء الثقافات الضعيفة وتقليد الثقافات القوية جعلهم عرضة لتنفيذ حدود غريبة عليهم، وهذا سيحدث دائما مع الضعفاء. في السابق كانت الهويات متمايزة عن بعضها كثيرا، بينما اليوم صار واضحا تأثير الهويات بغيرها فكل العالم يتأثر بالموضة والرقصة والوجبات والبرامج في ذات الوقت كل مرة تحاول الهويات المهمشة ان تميز نفسها لتقول انها قوية ولها أثر موجود بان تصبح أكثر تزمتا.
ثالثا؛ عدم وضوح معادلة فعالية كلا الطرفين او أطراف الثقافات تجعلها تقبل الانفتاح، بمعنى التقبل المتبادل، او بطريقة ابسط كلما تقبلنا ثقافة البلد المضيف استطعنا طبع أبنائه بثقافتنا نحن. ما يجري في الواقع، تم الغاء هذه المعادلة لان العالم تسيطر عليه الثقافة الغربية والثقافة العربية لا مكان لها لتكون فعالة، ربما الان هناك محاولات سعودية واماراتية لتقبل الثقافة الغربية. هذه المعادلة عندما تتوقف عن العمل تجعل الثقافة الهامشية مثل العربية الإسلامية أكثر تزمتًا وتمسكًا وتتزعزع ثوابتها ويتحول أبنائها الى أشلاء متصارعة متناقضة وهذا ما يحدث في العالم الإسلامي، حيث تخون أحدهما الأخرى.
أصبح العالم اليوم في نهاية عصر التمايز بين سكان هذا الكوكب لكنا بحاجة الى بداية تمايز اخر بشكل اخر، قد انتهت القومية، والشيوعية، والفلسفات غير العاطفية لكن هل انتهى الدين هذا المرجع الذي يشكل أكثر المراجع عاطفية وأكثرها ثباتا. السؤال تجاوز الانتماء الديني الى ماذا؟ ليس هناك بديل بنفس القوة او اقوى، البديل الذي يقوم على العلم لا يمكن ان يكون ثابتا الا إذا صار يقوم على العاطفة هو الاخر ويفسد بذلك.
على سبيل المثال، ما لذي جعل المد الإسلامي يعود بقوة بعد خسارته في منتصف القرن العشرين ليس التزمت لأجل إبقاء الهوية فقط انما للسياسة دور أيضا هذا الدور لا يمكن التغافل عنه فقيادة شعب جاهل أسهل من قيادة شعب متعلم، وفشل التيارات العلمانية في صناعة ثقافة قوية مؤحدة اعطى الفسحة للتيارات الإسلامية بالعودة خصوصا انها تقف على باب العواطف الدينية وعتبة الحمام الديني تستجدي المؤازرة مثلما حدث بعد ربيع 2011، واجتياح العراق 2003.
في نهاية المطاف، كل الثقافات تحاول ان تكون متميزة عن الأخرى، فالإسلام كثقافة من تكوينه الأول ميز نفسه عن الديانات الابراهيمية الأخرى من جميع النواحي؛ العطل، الأعياد، تقصير الثياب، لكن تبخر هذا مع ظهور مواقع التواصل وأصبح زي رجال الدين فقط.
ما هي الحلول هذا السؤال الذي دائما ما يتم تجنبه لان المقترحات يصعب تطبيقها بدون إرادة البناء، ففصل الدين عن الدولة مطلب صار قديمًا هناك ضرورة لعزل الروحانية عن الانتماء الديني. او فصل الحاجة الى الايمان عن الحاجة الى الانتماء، وهذا قد يجد ما يعارضه في الدين ذاته. فالتطفل صفة لا يمكن الاستغناء عنها، وربما من اهم صفات المتقوقع الديني. أضف لها تلك اللعنات المثيرة للشفقة على الغرب وامريكا صارت نكته مضحكة والجانب الاخر، هؤلاء الذين يحاولون ابتلاع كل ما هو مختلف، صاروا بلا هوية تميزهم وكلا الطرفين استسلموا بين تقبل كل شيء ولعن كل شيء.
ربما نسعد برؤية بشر يشبهوننا لكن هل هناك أكثر ملالا من رؤية البشر المتشابهين او تشاهد ذات الفلم مرتين او ذات الطعام يوميا ونتحدث نفس اللغة يوميا ونفس الشراب. الصراع الدائر بين من يرون العولمة تمازج رائع يغني الواقع وبين من يعتقدون انها تهديد للهوية وإلغاء لها وللقيم الخاصة بكل مجتمع،
كرامة الكائن البشري هي الأساس الذي تقوم عليه العولمة فلا تمييز على أساس أي انتماء، بمعنى لا يمكن ان تكون هناك شريعة واحدة عالمية وأخرى توراتية او انجيلية او أي مقدس اخر، ربما من ناحية المبدأ قد يتفق الكثيرون على ذلك ليس له في الواقع مكان فالدول الغربية لا تدرك حقوق المواطن العربي او الاسيوي او الافريقي مثلما تدرك حقوق المنتمين لها.
احترام التقاليد التمييزية المؤذية يعني احتقار ضحايا تلك التقاليد. الحقوق التي تهدرها التقاليد، مثل حق الاختيار، حق السفر على النساء، حق الحصول على المعرفة، واحترام حرية الاخرين مثلا لا يجب حماية معتقد او موروث ما بحرمان الاخرين من حرياتهم. يجب ان لا يحبر انسان على إخفاء انتمائه الديني او لغته، هناك من لا يريد الاستماع لاحد ويريد من الاخرين الاستماع له فقط!!!
قد يطرح السؤال وماذا عن خصوصية كل مجتمع، وبهذا نقول ان خصوصية المجتمع اقل أهمية من حرية نفس المجتمع. وهل العولمة شيء غير الامركة؟ هل هي حصان طروادة حيث تخفي خلفها نظام واحد وشبكة واحدة داخلها محاولة السيطرة على العالم ما ينفع العالم قد ينفع الولايات المتحدة أيضا.
الرغبة الانتمائية هي رغبة لا يجب التساهل معها من جهة ولا اضطهادها من جهة أخرى بل يجب مراقبتها ودراستها بعيدًا عن العواطف.
اما بالنسبة للعراق كوطن متعدد الهويات ويحاول كل من فيه فرض هويته على الاخر، العراق سياسيا يحتوي جميع الطوائف والانتماءات لكنه لا يحتوي الانسان، بمعنى اخر هو يحتوي زعامات طائفية وحتى احتواء الطوائف صار يبتعد عنها نحو الجبابرة والمنقذ الأوحد والطغاة بقوة السلاح وفرض الامر الواقع. طبعا الأنظمة العلمانية دون ديمقراطية كارثة عليها وعلى الديمقراطية، والكارثة هي ان موقع الفرد مرتبط بانتمائه الى هذه الطائفة او تلك فنحن كمن يعمل على استمرار نظام فاسد. الديمقراطية العربية او العراقية هي إحصاء قبائلي مرة وطائفي مرة، بالنهاية، وحش هوية الانتماء ابتلع هوية الانسان ونحن مشاركون ومبتلعون بذات الوقت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله