الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 9

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وصلنا الأن للنقطة الجوهرية التي هي هدف النقاش وتحديدا إلى المسألة الشائكة التي يقوم عليها الحوار الثنائي بيننا، وهو بماذا يؤمن إذن من لا يؤمن؟ ما المرجعية الأخلاقية التي تحكم أخلاق غير المؤمنين بالأديان الواقعية السائدة؟ يبدو هنا الجواب سيكون مفترق التوافق بين من يستند إلى مرجعية أخلاقية _ دينية راسخة لا نقاش فيها، وهو المتعارف والمعمول به لدى عموم المؤمنين المتدينين إذ لا بد أن تكون المرجعية الأخلاقية هي الله أو ما يؤمن به على أنه شرع الله، بالرجوع للنص الديني المكتسي لمسة الله ومن ثمّ فهم المؤسَّسة الدينية التي تنقل تعاليم الله إلى المؤمنين بالتخصص الحصري، هذا مفهوم حقا ولكن ماذا عن مرجعية غير المؤمن؟ وهل الأخلاق كمرجعية قياسية حاكمة ومجردة وعامة مرتبطة بالتديّن بالضرورة؟ حاول الكثير من الذين خرجوا من عباءة الدين أو من الذيم لم يدخلوه أساسا جاهدين إيجاد أرضية منطقية لتكريس "أخلاقيات دنيوية" أو أخلاقيات أجتماعية تستند على التجربة والضرورات والمنطق العملي بأعتبار أن الإنسان كائن أجتماعي وجودي وأخلاقي كما يشير سارتر مثلا، هناك بعض التخبّط في إجابته العقلية الدينية حينما تفشل مرة أخرى بالفصل ما بين ما هو أخلاقي وبين ما هو ضروري ديني لازم، وكأن مخارج الأثنين واحدة في النهاية واحدة وتخدم نفس الهدف، بصرف النظر عن تحوّلات البعض أو التبريرات التي تربط الإيمان بالأحلاق كونهما مظاهر التدين ونتائجه المباشرة، إلى الحدّ الذي يُرغمنا على طرح السؤال الشائك مرة أخرى بصيغة مغايرة على أنفسنا دينيين أو لا دينيين، وهو المختصر بالتساؤل الأفتراضي (أيمكن إزاحة المنظومة الأخلاقية الدينية كليا أو حتى فصلها عن الواقع العام ليس بالنتائج فقط بل بالمقدمات أيضا؟)، أو بمعنى آخر (هل ثمّة إمكانية لتكريس منظومة أخلاقية دنيوية بمعزل عن الحمولات الدينية المرتبطة فقط بعنصر الإيمان يبلله مباشِرة كانت أم غير مباشِرة؟).
نحن نعرف طبقا لذلك إن المعيار الأخلاقي عند الديني معيار خاص وذاتي في حدود ما يؤمن، وعليه فكل ما يتصل بالأخلاقيات والإيمان لا يد أن يمضي على كل أطر وأطراف العلاقات البينية داخل المجامع، لذا فالتفسير العلمي له أو لمفهوم العلاقات والقيم دائما يكون مشتقا من فكرة الدين ولا يسمح لأن تتدخل الرؤى الدنيوية والمادية الوجودية معها في العمل والتأثير، هذا الفصل الذي تكلمنا عنه في المقدمة ومأن الوجود نقيض الدين أو الدين متعاليا على الوجود، لا يلاحظ المتدين أنه مع إيمانه بأن الدين من الله مباشرة وعبر الوسائط التقليدية كما يؤمن أن الوجود أيضا من الله بالمباشر فقط، بمعنى أن الوجود وقوانينه ومعادلاته وحقائقه أقرب بالصلة من الله من الدين الذي يقر الكل بأنه منقول عن وليس بالمباشر كما يؤمنون بمقولة "كن فيكون"، إذا في المنطق العقلي قيم الوجودية المادية الأصلية النابعة من سنن الله وليست القيم الفلسفية الوجودية هي الأكثر جديه وأتصالا وتواصلا بين الله والإنسان.
مثلا نجد أن الروابط الأساسية التي تنظمها الأخلاقيات الدينية على محاو أولها محو الله والإنسان وهو الأهم لأنه عماد فكرة الإيمان وكل ما يمكن أن ينظم المحاور الأخرى يخرج من هذه الدائرة، الله في الفكر الديني الأخلاقي هو مصدر الخير والحق، أما الشر فهو نتاج مخالفة شكل العلاقة بين الله والإنسان، فكل خروج عنها هو شر وهو باطل وهو سبب حالة البؤس والتدهور التي تصيب الإنسان، في هذه النقطة يتعرى الفهم الديني الأخلاقي من شموليته ويفضح البشرية التي يحاول أن يغطيها بالمبالغة في التقديس، عندما نطرح السؤال التالي على العقل المتدين وهو (من جعل الإنسان قادرا على أرتكاب الخطأ والشر والباطل؟)، الجواب هو من جعله أيضا يرتكب الصح والخير والحق، إذا لماذا يحمل الأول ما في الأول السلبي وننسب للثاني المحمولات الإيجابية وكليهما من إرادة الله؟، الجواب هنا أن الله منح العقل ورسم الطريق وحدد الهدف وترك الإنسان حرا في العمل على أن يتحمل التحصيل، أقول إذا الله ليس منسوبا له الخير والحق والباطل بهذه المقالة، الحق والباطل والخير والشر كلها نتائج وجود الإنسان ضمن سنن الله التي لا تشمله وحده بل تشمل كل الموجودات من صغيرها لكبيرها، عاقلها واللا متعقل منها واللا مدرك واللا مؤثر حتى، والدليل أن أجزاء كبرى من الكون الوجودي أندثرت وزالت لأنها وجدت في عرض التناقض والتضاد الذي وضعت فيه، فالإنسان هنا كائن وجودي أخلاقي قبل أن يتحرك الخطوة الأولى، لأنه مقدر على أن يتماهى مع النظام والقانون والمعادلات وفقا لخرائط الأفلاك والمدارات التي سيقع فيها بعد الحركة.
الروابط أو المحاور الأخرى التي يشملها الشغل الأخلاقي الديني بكليته فهي محاور فرعية بقدر ما للمحور الأول من رأسيه وأساسية، وهي علاقة الإنسان بالإنسان والأخيرة والتي لم تنال القدر الحقيقي من الأهتمام والتقدير هي علاقة الإنسان بالوجود البيئة الكون الزمن المكان، هذه الأساسيات التي يجب أن تحظى بالأولوية التقديرية لم تنال أي أهتمام وجعلت كتحصيل حاصل يشملها قانون عام وهن "أن لا تفسدوا في الأرض"، إن تركيبة القيم الأخلاقية وخلطها بمظاهر الإيمان والبعض يدمج بينهما، هي من عزلت العقل الديني عن وعائه الوجودي الكامل، مما فرضت عليه عزله وغربه وأغتراب عن الواقع وجعله يتمحور حول الإيمان ومتطلباته ولن يتخلص من شرنقة هذا التركيز والتمحور ما لم يعيد ترتيب أهتمامات القيم الأخلاقية عنده من خلال إعطاء قيم الوجود الأساسية المنزلة الكبرى، التي تتمخض بالنهاية في فهم حقيقي لمعنى الدين وربطه بالله مباشرة وتلقائية حقيقية.
في تقديري الخاص واللا منحاز إن القيم الأخلاقية القائمة أساسا على حماية النظام الكوني ومعدلات القوة والعمل فيه هي التي تحمي الإنسان من ما يسمى الشر والباطل والخطيئة، لأنها أولا تتسق مع إرادة الله وتنبع من سننه، ثانيا لا تحتاج إلى معيارية قياسية تتبدل وفقا لتبدلات الفكرة الدينية وما يتبعها من تفسيرات بشرية بالغالب تراعي الخصوصية النسبية ولا تراعي المطلق التام، وأخيرا أساس الأخلاق والهدف البعيد منه حماية الوجود البشري من طغيان الانحراف والفوضى والعبثية، هذا الهدف وحتى في نسبيته كان معرض دوما لأن يعامل بأنتقائية مما يجعله عرضة للكثير من الخرق وحتى الإهمال، والدليل أن الوجود البشري ومع كل هذه الأديان والقيم ما زال يحبو في طريقه الأخلاقي دون أمل في أنتصار ناجز ومهم للإنسان على نفسه أولا، إذا موضوع القيم الأخلاقية وأخلاقيات النظام الوجودي والتي حافظت على الأنتظام الأزلي الضخم واللا متناهي، لو تم تقديمها كواحدة من أسس الإيمان بالله والدين الطبيعي، سيكون من المؤكد جدا أن الوجود ذاته سيعمل بميكانيكية مريحة وألية شبه كمالية بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والوجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية