الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جميعُنا: ذَوو احتياجات خاصة

فاطمة ناعوت

2023 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جميعُنا: "ذَوو احتياجات خاصة"

كنتُ في زيارة لصديقتي الروسية الجميلة "مارينا". وكان ابني وابنُها يلعبان "بلاي ستيشن" في الغرفة المجاورة. وفجأة دخل ابنُها "ياسين" وتحدث إليها بالروسية، فوجدتها تبتسمُ بخجل وقد بدا على ملامحها الارتباك. همستْ الأمُّ للصغير بكلمات لم تقنعه فيما يبدو؛ لأنه راح يجادلُها. سألتُها بقلق إن كان ابني المتوحّد “عمر” قد تسبّب في مشكلة ما؟! فقالت: (لا، بالعكس! "ياسين" أحبَّ شخصية "عمر" ويريد أن يقدّمه لأصدقائه، ولا يدري كيف يصفه لهم دون استخدام كلمات عنصرية تمييزية مثل: “متوحّد" أو "ذو احتياجات خاصة" الخ، لأننا نحظرُ كلمات التمييز في مجتمعنا وأسرتنا. فماذا عليه أن يقول ليشرح لهم طبيعة تكوين "عمر"؟) فقلتُ: (فقط يقول لهم إن "عمر" "مختلف!” He s just Different.)
ولأننا مازلنا في "أبريل"، شهر “طيف التوحّد" Autism Spectrum، دعوني أعترف بسعادتي بالتفاعل الجميل الذي يواكبُ مقالاتي التي أنشرها بين الحين والحين حول "فرادة" المتوحدين، ومنهم ابني المصاب بمتلازمة أسبرجر. إيميلاتٌ ورسائلُ لا حصر لها تصلني من أمهات وآباء، لأطفال من "ذوي القدرات الخاصة"، ساعدتهم مقالاتي، حسبما يقولون، في القبض على مكامن الفرادة والجمال في أولادهم، وأصبحوا يرفضون أن تقترن بأبنائهم عبارة: "ذوو احتياجات خاصة"! ومعهم حق، لأن "جميع" البشر دون استثناء: "ذَوو احتياجات خاصة". ودعوني أطرح عليكم بعض الأمثلة، وسأبدأ من نفسي.
أنا "عسراءُ"، أي أكتبُ باليد اليسرى، وجميع شؤون حياتي أؤديها باليسرى. وخصصتِ "الأممُ المتحدة UN” ١٣ أغسطس من كل عام يومًا عالميًّا لمستعملي اليد اليسرى: Left-Handed DAY. ألستُ أُعتبر، وجميعُ العُسر في العالم، من "ذوي الاحتياجات الخاصة"؟ بالتأكيد. فأنا مثلا لا أستطيع استعمال "المقصّ" العادي بسهولة، لأنه صُمِّم لليد اليمنى. وعشرات الأدوات في المطبخ صُمِّمت للذين يستعملون اليمنى في حياتهم اليومية. حتى "البيانو" صُمِّم لأبناء اليد اليمنى؛ حيث النغمات الأكثر استخدامًا في الناحية اليمنى من البيانو، والجهة اليسرى لنغمات الإيقاع الغليظة. لوحة الكمبيوتر والماوس صُمّما لأبناء اليد اليمنى. فتيس السيارة ناحية يدك اليمنى، وكذلك دواسة البنزين. وفي المدرسة وأنا طفلة لم يكن بوسعي الجلوس إلا بحيث تكون ذراعي اليسرى ناحية الجهة الخارجية من الديسك حتى لا "تخبط" يسراي مع الذراع الأيمن لمن يجلس إلى جواري حين نكتب. وزُمبرك ساعات الحائط الكبيرة وجميع لعب الأطفال (الزمبلك)، صُمِّم لليد اليمنى. جرّب بنفسك أن تملأه بيدك اليسرى، لن تستطيع؛ لأنها عكس الدوران المريح لليد اليسرى. الأعسرُ مثلي، له احتياجات خاصة. فلماذا لا نطلقُ مصطلح: "ذوي احتياجات خاصة" على "العُسر" مثلا، بينما هم يُعانون في حياتهم اليومية الشيء الكثير؟!
الحقيقة أن "جميع البشر" دون استثناء هم من "ذوي الاحتياجات الخاصة”. فالشخصُ المدخّن يُعتبَّر ذا احتياجات خاصة، الشخص غير القادر على النوم في وسائل التنقل، مثل الطائرة والقطار، هو إنسانٌ ذو احتياجات خاصة، لأنه حين يسافر بالطائرة في رحلة تستغرق أكثر من عشرين ساعة، سوف تمرُّ عليه كالدهر إن لم يغفل بين الحين والحين. الشخصُ بالغ الطول يُعتبر ذا احتياجات خاصة لأنه لن يجد سريرًا يمدّ فيه ساقيه، العصبيُّ والبخيلُ والمسرف والأناني يُعتبرون من ذوي الاحتياجات الخاصة.
المتطرفون والعنصريون لا شك يُعتبرون من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لأنهم ينزعجون من وجود غيرهم في الحياة ويريدون أن يُفصّلوا العالمَ على مقاسهم الضيق، وكذلك المتسامحُ الجميلُ ذو احتياجات خاصة؛ لأنه ينزعج من التطرف والظلم ويحلم بعالم مثالي لا وجود له؛ فيتكدّر طوالَ الوقت من مرأى الظلم والطبقية والطائفية.
الذي يعاني من فوبيا الظلام Noctiphobia هو إنسانٌ ذو احتياجات خاصة. ومثله مَن يخشى الأماكن العالية Acrophobia، أو الأماكن المغلقة والمصاعد Claustrophobia، أو الأماكن الواسعة Agoraphobia، أو الرعد والبرقBrontophobia، أو الوحدةAutophobia، أو الفشل Atychiphobia، أو مرور الوقت Chronophobia، أو اللانهائية Apeirophobia، أو المراياCatoptrophobia ... جميع من سبقوا هم من "ذوي الاحتياجات الخاصة.” وهو ما نسميه "الرُّهاب" Phobia. ولدينا أكثر من ٦٠٠ نوع من الرهابات منها أشياء مضحكة للغاية. مثل الخوف من الشيكولاتة Xocolatophobia، وغيرها من عجائب البشر الذين يخافون من أشياء غير مخيفة لأسباب غير مفهومة. أنا مثلا لديّ رُهاب "المسحراتي”. لأنني في طفولتي كنت أسمعُ طرقه على "الطبلة" ولم أكن أعرفُ ما هي؛ فذهبتُ إلى أبي وسألتُه: (يعني ايه "طابية" يا بابا؟) تعثرتُ في نطق حرف اللام؛ فقال أبي: (الطابية حِصنٌ ضخم يقف عليه الجنودُ القناّصة ليقتنصوا الأعداء). فكنتُ أتصوّر المسحراتي عملاقًا يحملُ طابية ضخمة بها عشرات الجنود! ومازال قرعُ طبلة المسرحاتي يُرهبني!
وشكرًا لابني الجميل "عمر" الذي رسم لوحة جميلة للمسحراتي يحمل طبلته وجواره طفلٌ صغير يحملُ فانوس رمضان، وكتب عليها: (إلى ماما حبيبتي. المسحراتي جميل. "عمر”).

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah