الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لحسن الحظ الكلاب و القطط متوفرة

محمد حسين يونس

2023 / 4 / 27
المجتمع المدني


هذا المكان روحة إنتظام ورود المياة بكميات مناسبة تكفي لرى أراضيه .. والإسقرار والعدل بين أفرادة الذين يفضلون الحياة في هدوء و التفرغ لإنبات محاصيلهم
لهذا السبب عاش المصريون أغلب حياتهم في ضنك لان المياة و الإستقار والعدل لم تتوفر دائما ..أو كما كتب ول ديورانت ((كان خليقا بمصر أن تكون أسعد بلدان الأرض قاطبة لان النيل يرويها و يغذيها و لانها أكثر بلاد البحر المتوسط قدرة علي الأكتفاء بخيراتها فهي غنية بالحب و الفاكهه ..تنتج أرضها ثلاث غلات في العام و لم يكن يعلو عليها بلد أخر في صناعاتها
كانت تصدر الغلال و المصنوعات إلي مائة قطر و قطر و قلما كان يزعجها و يقلق بالها حرب خارجية أو أهلية
و لكن يبدو أن المصريين رغم هذه الأسباب أو لعلهم لهذه الأسباب لم ينعموا بالحرية يوما واحدا في تاريخهم كله ،أوعلي حد قول يوسيفوس ذلك لان ثروتهم كانت تغرى بهم الطغاة و المستعمرين واحدا إثر واحد علي مدى خمسين قرن كانوا فيها يستسلمون لأولئك الطغاة و المستعمرين ))
مر علي مصر أزمنه حكمها فيها .. أطفال .. و خصيان ..ومعاتيه.. و جبابرة .. وشواذ .. و عبيد ..و ولاة لصوص ..أشاعوا الرعب و الخوف ..ومع ذلك أطاعهم الناس .. و نفذوا أوامرهم ( المخبولة ) .. و تحملوا المظالم .. حتي يغورالظالم أو تجيله مصيبة تاخده.
الاموال المسروقة من عرق الناس ..حولها الغاصبون إلي أهرامات و قصور و ملذات ..و رفاهية لهم و لحاشيتهم ( خماروية بن طولون و جهاز بنته قطر الندى أكثر الأمثلة فجاجة علي هذا السفه ) .. أو صدروها (أى الثروة ) للخارج .. من خلال المراكب التي لا تتوقف عن الإبحار عبر المتوسط أو الأحمر .. أو القوافل التي أولها في مصر واخرها في عواصم القهر بالمدينة أو دمشق أو بغداد أو إسطنبول .
الملوك عبر الزمن في بلدنا تصرفوا علي أساس أنهم أنصاف الهه لا يخطئون هم أو وزرائهم و جباتهم .. و حتي الغفر يرمون بلاهم علي الناس يبتزونهم .. و يسرقونهم .. و يعيشون سفلقة علي أموال الضحايا.
عندما كان يصاحب هذا النهب .. الأوبئة و الطواعين .. وتفشي الأمراض المستوطنة مثل الكوليرا و الرمد و الإنكلستوما ..أو إنخفاض النيل و شرقان الأرض .. و الجوع .. فيموت الناس و يقل عدد السكان و يسوء حالهم .. كان يسميها كتاب الحوليات (( شدة ))..
الشدة .. هي نقص في المياة و الطعام يصاحبه أمراض و أوبئة .. و حاكم فاسد يهتم بنفسة و ينعزل في قصوره .. و يتجاهل سوء الأوضاع رغم علمه بها ..( إحنا حنعمل إيه مفيش في إيدنا حلول).. و يعلي من الأسوار أمام قصره حتي لا يرى ما الم بالناس
واحد من هؤلاء الأوباش كان الخليفة الفاطمي الخامس المستنصر باللة الذى حكم منذ الف سنة
تولي و عمرة 7 سنوات و ظل خليفة لستين سنة ..و اشتهر بالشدة المستنصرية سنة 1049 م التي ذكرها إبن إياس .. في موسوعته الإخبارية ((بدائع الزهور في وقائع الدهور )) ..
(( انهبطت مياه النيل فشرقت البلاد وحصل على الناس ما لا خير فيه ووقع الغلاء العظيم سبع سنين متوالية فأكلت الناس بعضها بعضا و أكلت الناس الميتة والكلاب والقطط حتى قيل أن بيع كل كلب بخمسة دنانير وكل قط بثلاثة دنانير .. ثم اشتد الأمر حتى صار الرجل يأخذ ابن جاره ويذبحه ويأكله ولا ينكر عليه ذلك بين الناس ثم اشتد الأمر حتى صار الناس إذا مروا فى الطرقات وقوى القوى على الضعيف فيذبحه ويأكله جهارا)).
كفى هذا من يريد المزيد فليطلع على كتاب ابن اياس الجزء الأول القسم الأول صفحة 218.. ليعرف أن ثلث أهل مصر فنى حتى اضطر الجنود أن يزرعوا بأنفسهم لعدم وجود الفلاحين.
المؤرخ ابن وصيف شاه وصف تلك الشدة في (جواهر البحور) بقوله:
((ثم وقع فى زمن المستنصر غلاء عظيم، يعادل الغلاء الذى وقع فى زمن سيدنا يوسف عليه السلام، فأقام الغلاء سبع سنين متوالية والنيل لم تصل زيادته إلى أكثر من اثنى عشر ذراعا وأحد عشر إصبعا، ثم إن الناس أكل بعضهم بعضا وبيع الأردب القمح بثمانين دينارا ثم اشتد الأمر حتى بيع كل أردب بمائة وعشرين دينارا ثم بيع كل رغيف فى زقاق القناديل بخمسة عشر دينارا وبعض الناس أكل الميتة والكلاب والقطط ))
و تمر علي مصر شدة .. بعد أخرى .. تتكرر فيها نفس المأسي .. كما لو كانت سيناريو فيلم رعب .. عاشه الأجداد .
أخر شدة .. يذكرها التاريخ ..كانت في زمن حكم مراد بك المملوكي 1780 ـ 1784 م ، جرى فيها أحداث لا تختلف عن الشدة المستنصرية
(( مرت البلاد بمجاعة جعلت الفلاحين يتركون اراضيهم هرباً من دفع المال للبكوات..وإنخفض سعر العملة للنصف .. وقتل الطاعون سدس سكان مصر..وبلغت البلاد من الفقر لدرجة ارسلت الأستانة قوات بقيادة غازى باشا عام 1786 لتحصيل صرة المال للباب العالى..وقام بإعدام الفلاحين وجلدهم وأهان علماء الأزهر)).
الفرنسيون دونوا هذا في كتابهم (( وصف مصر )) بعد عودتهم من الحملة الفرنسية ..وذكروا أن عدد المصريين في نهاية القرن الثامن عشر 1798 كان لا يزيد عن 2 مليون .. و أنها كانت في حاجة لأيدى عاملة.
المقريزى في كتابه ((إغاثة الأمة بكشف الغمة)) يتناول تاريخ المجاعات التى حلت بمصر منذ أقدم العصور وحتى 1405م (سنة تأليف الكتاب).
ويبدو أنه قد كتبه في ظل ظروف اقتصادية قاسية، و واقع أزمة خانقة عايشها بنفسه وراحت ضحيتها ابنته الوحيدة... فقد حلّت بمصر مجاعة مهلكة بصفة متقطعة بين عامى 1403 – 1405 م و صاحب تلك المجاعة انتشار الطاعون الذى أهلك آلاف البشر.
يقول الأستاذ كرم فرحات محقق الكتاب ((وهكذا عندما عالج سوء الحالة الاقتصادية فى كتابه، وبحث فى أسباب الداء وفتش عن الدواء كان يكتب بأحاسيسه، ويسجّل ما رآه بعينه وما أحسه بفؤاده وليس فقط ما سمعه بأذنيه..)) ... (( استهدف الإمام المقريزى من كتابه هذا توضيح حقيقتين هامتين: الأولى الأسباب التى نشأ منها هذا الأمر العظيم، وكيف تمادى بالبلاد والعباد هذا المصاب الشديد الشنيع، والثانية ما يزيل هذا الداء ويرفع البلاء))
في هذا الكتاب تعقّب المقريزى الأزمات الاقتصادية التي حلت بمصر فيما بعد دخول الإسلام. ..و رصد نحو عشرين حالة تفاوتت فى شدتها، أرجع معظمها إلى قصور نهر النيل وانخفاض مستوى الفيضان، وبعضها إلى الاضطرابات والفتن وعدم الاستقرار بسبب مصادمات طوائف الجند والأمراء، وما صاحب ذلك من نهب الأسواق واختلال الأوضاع الاقتصادية.
فى وصف الشدة المستنصرية يقول المقريزى تحت عنوان ((غلاء ثان فى زمن المستنصر)):
(( ثم وقع فى أيام المستنصر الغلاء الذى فحش أمره وشنع ذكره وكان أمده سبع سنى. وسببه ضعف السلطة، واختلال أحوال المملكة، واستيلاء الأمراء على الدولة، واتصال الفتن بين العربان وقصور النيل،. وكان ابتداء ذلك فى سنة سبع وخمسين وأربعمائة. فنزع السعر وتزايد الغلاء وأعقبه الوباء حتى تعطّلت الأراضى من الزراعة، وشمل الخوف، وخيفت السبل برا وبحرا، وتعذّر السير إلى الأماكن إلا بالخفارة الكثيرة وركوب الغرر، واستولى الجوع لعدم القوت، حتى بيع رغيف خبز فى النداء بزقاق القناديل من الفسطاط كبيع الطرف بخمسة عشر دينارا وبيع الأردب من القمح بثمانين دينارا وأكلت الكلاب والقطط حتى قلّت الكلاب، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير، وتزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضا، وتحرز الناس فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه فى أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلوه.. ))
ويعزو المقريزى الأزمات الاقتصادية إلى أسباب ثلاثة.
أولها: ((ولاية الخطط السلطانية والمناصب الدينية بالرشوة كالوزارة والقضاء ونيابة الإقليم وولاية الحسبة وسائر الأعمال، بحيث لا يمكن التوصّل إلى شىء منها إلا بالمال الجزيل، فتخطّى لأجل ذلك كل جاهل ومفسد وظالم وباغ إلى ما لم يكن يؤمله من الأعمال الجليلة والولايات العظيمة )).. ويصف المقريزى هذا السبب بكونه أصل الفساد
السبب الثانى: غلاء الأطيان.. وكان يراها أيضا نتيجة للفساد القائم على التزلّف للأمراء ملّاك الأطيان بممارسات أدت إلى ارتفاع سعر الفدان الزراعى.
السبب الثالث للأزمات كان ((رواج الفلوس)) ذلك أنه لا يرى النقود إلا ذهبا أو فضة وخلاف ذلك يعده سببا فى اشتعال الغلاء. معتبرا أن رواج هذا المعروض (بالتوسّع فى سك العملات) يؤدى إلى التضخم فى الأسعار نظرا لصعوبة مواكبة الإنتاج لهذا الحجم من النقود. (الله عليك يا أستاذ ) نعيد الجملة
((التوسّع فى سك العملات يؤدى إلى التضخم فى الأسعار نظرا لصعوبة مواكبة الإنتاج لهذا الحجم من النقود)).
وهو في محاولته لوضع وصفة الدواء من الأزمة الاقتصادية يقول:
((إن النقود المعتبرة شرعا وعقلا إنما هى الذهب والفضة فقط، وما عداهما لا يصلح أن يكون نقدا... ويقول أيضا: إن الحال فى فساد الأمور إنما هو سوء التدبير لا غلاء الأسعار)).

يعني سيبك من النقود المسكوكة و (المطبوعة) .. و إحتفظ بالذهب و الفضة

منذ زمن حكم محمد علي .. و حتي اليوم .. لم تشهد مصر ( شدة ) ..إلا إذا إعتبرنا أنه عندما ثار الناس لإرتفاع الأسعار( إنتفاضة الخبز ) و سماها السادات إنتفاضة الحرامية..كانت شدة ..أوعندما ثاروا علي حكم مبارك عام 2011 و قفز الجيش بعدها إلي كراسي الحكم .. كانت شدة ..
و لكن اليوم تتجمع كل الظروف النمطية لتشهد مصر شدة حقيقية مستجدة .. ترصد أحداثها في أجهزة الإعلام فيتعرف عليها الناس لحظة حدوثها .. عندما يقارنوا بين رفاهية الأغنياء و فجرهم .. و بين جوع الفقراء و سخطهم .
الفقر الشديد ، تدهور القيمة الشرائية للجنية.. ،الجباية المتوحشة .، عجز مائي متوقع حول 2025 .. بسبب سدود الحبشة و أحداث السودان .. و النهب المستمر للثروة و نزحها خارج البلاد تسديدا لفوائد القروض ..
مع الاوبئة و الأمراض غير المسيطر عليها بسبب سوء حال المنظومة الطبية .. و حكام منعزلون في مدنهم الجديدة تحيطها الأسوار العالية و تحميها من غضب الرعاع بقوات الأمن و الكلاب المتوحشة..يستوردون إحتياجاتهم ..و يعيشون في أمان يتعجبون (( عملنا كل اللي نقدر عليه .. حنعملهم إيه .. نديهم أكلنا )).
و هكذا عندما ..اصطدم بحالات العوز الشديدة ..و عدم قدرة الناس علي الشراء لإحتياجتهم بسبب إنخفاض القيمة الشرائية للجنية ..و أشهد طبقات من المستورين .. تسقط لدائرة الفقر ..و إنخفاض مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة ( تعليم ،صحة ، ترفيه).. ثم يضاف لهذا الملايين التي تلجأ لبلدنا هربا من الصراع في المنطقة ..و ما يترتب علية من إلتزامات ( شعبية و حكومية ) ..
عندما يأكل الناس أرجل الفراخ و الريش .. و يذبحون الحمير و يبيعونها في الأسواق ..و تندر البضائع المحلية .. فلا يبق إلا المستوردة مرتفعة القيمة بما في ذلك القمح و الفول ..و ينشر شخص فيديو يعرض فيه نفسه للبيع كعبد أو قطع غيار و يطالب الحكومة أن تسمح ببيع الناس ..
أو يترك رجل أولادة في مكان نائي و يهرب .. أو يرفع أخر لافته بإن طفليه مرضى و لا يستطيع علاجهما و يطلب نظرة من المسئولين .. فهذه مقدمة .. لأكل الكلاب و القطط ..(لحسن الحظ متوفرة بكثرة في شوارع العاصمة ).
فإنني أرى أن أخر هذا النفق ستكون (شدة ).ومتوقعة أقرب مما تتصورون لتكون أول شدة في العصر الحديث
ِ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_


.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف




.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا