الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التَّنْويريَّ المُتديِّن ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 4 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- - - - - - - - - - -
صَاحِب الفهْم اَلمؤْمِن الوَرعْ ، والْمؤلَّف لِكتاب " مديح الحماقة " ( " Lof der Zotheid " أو " Moriae Encomium " ) . اَلذِي نَشرَهُ فِي عام 1511 ، وضمَّنه نقْدًا ساخرًا ، لِأحْوَال المجْتمع آنذاك.. استهجاناً منه لسلوكيَّات رِجَال الدِّين ، وامْتعاضًا مِن مُمارسات السُّلطات الدِّينيَّة الفاسدة في عَصرِه .
فِي هذا الكِتاب الأشهر له ، قَدَّم لَنَا الحماقة ، وهي تتحدث على لِسان ذاتٍ طيّبة ، رَاضِية عنْ نفسهَا ، تمضي لتُبارَك العالم بِحماقتهَا ، وَتغمِز بِاعْتزاز عن فنون جُنونِهَا . لِتخْبرنَا خفية عن جَوهَر يقول ، أنَّ اِدِّعاء المرء للحماقة والْجَهْل ، في زرائب المجتمعات المظلمة ، التي تعاني من التدهور العقلي المُزمن ، أَفضَل بكثير ، مِن إِظهَار الفطْنة و الْمعْرفة . و أن القابض على عقله في المجتمعات الدينية كالقابض على جمرة.
إِنَّه الفيْلسوف الهولنْديُّ الشهير " إِيراسْموس " Desiderius Erasmus 1466 - 1536 أحد متنوري عَصْر النَّهْضة ، اَلذِين يُنظُر إِلَيهم، على أَنَّهم اَلرعِيل الأوَّل لِلْمفكِّرين الواعين ، الّذَيْنِ دعوْا لتَّحَرُّر الوعي مِن أَصفَاد اَلجُمود الدِّينيِّ ، والْخروج مِن عَتمَة اَلعُصور الأوروبِّيَّة المظْلمة ، المرْهوبة حِينذَاك بِسيْطَرة رِجَال الدِّين ، وَغلُو طُغْيان السُّلطات الدِّينيَّة الغاشم ، على كُلِّ مَناحِي الحيَاة الاجْتماعيَّة ، وجميع أَشكَال التَّعْبير والتَّفْكير والْمعْرفة .
بِناءأ على طلب أحد الأصْدقاء الافْتراضيَّيْنِ ، فقد جمّعت - بِإيجَاز شديد وحسب فهمي - بعْضًا مِن أهمِّ أفْكاره الجريئة ، اَلتِي تَبوأ بِسببِهَا هذا العالم ، مَكانَةً مُتَقدمَةً فِي الفكْر التَّنْويريِّ بِعامَّة آنذاك .
- أفْكاره حَوْل التَّعْليم :
تمحورت حول فكرة أنَّ التَّعْليم هُو المفْتاح الاهم لِتحْسِين حال المجْتمع . لذلك دعَا بحماسة شديدة ، إِلى نِظَام تعْليميٍّ إنساني فعّال ، لََا يُركِّز فقط على اِكتِساب الطلاب المعْرفة والْمهارات فقط ، وَلكِن يعمل أيْضًا على تَنمِية القيم الأخْلاقيَّة والاجْتماعيَّة لدى الناشئة .
ورأى أَنَّه مِن اَلمهِم جداً ، أن يَتَعلَّم الطُّلَّاب التَّفْكير بِشَكل نَقدِي ، وأنْ يقوم المعلمون بِدَورٍ نَشِط ، فِي تَوجِيه الطُّلَّاب نحو تطْوِير أفْكارهم وشخْصيَّاتهم .
- أفْكاره حَوْل الدِّين :
كان " إِيراسْموس " شَخصِية مُهمَّة فِي الإصْلاح الديني المسيحي ، وَناقِداً مرموقاً لِكثير من الْممارسات الدِّينيَّة في عصره ، وذلك عبر طرحه لكثير من الافكار الجريئة. فقد كان يُعتَقَد - مثلاً - أنَّ القائمين على شؤون الدِّين بصفة عامة ، يرَكزُون كثيرًا على الطُّقوس ومظاهر الْعقيدة ، ولا ينتبهون إلا قليلا جدًّا على التَّقْوى الشَّخْصيَّة و روح الْمحبَّة و و الخ .
من أجل ذلك ، اِعتبَر " ايراسموس "مِن أَوائِل دُعَاة اَلْعَودة إِلى المعْنى الحقيقيِّ لِلدِّين ، الساعين إلى احْترام جَوهَر الْإيمان ، بِنَاءً على مَقاصِد أَقوَال وأعْمَال السيد "يَسُوع اَلمسِيح" ، اَلذِي جاء - بتعبيره - إِلى هذَا العالم لِيزْرع المحَبَّة والسَّلام بَيْن النَّاس ، وليس من أجل إضلال إِفهَام النَّاس، وحشوها بِتفاسير اللَّاهوتيِّين مِن رِجَال الدِّين ، وُ من ثم توجيههَا لِخدْمة مَصالِح السُّلطات الدِّينيَّة والسِّياسيَّة ، اَلتِي أَضحَت - فِي رَأيِه - سببًا رئيسًا ، لِلْحروب اَلبشِعة اَلتِي شَنَّت بِاسْم الدِّين عَبْر التَّاريخ .
- آرائه حَوْل الطَّبيعة البشريَّة :
في الحقيقة يمكن للباحث في فكر هذا الفيلسوف أنْ يرى بوضوح، كيف كانت لَديه نَظرَة مُتفائلة جِدًّا لِلطَّبيعة البشريَّة ، فقد كَان يعتَقد أنَّ الإنْسان -كَكائِن اِجْتماعيٍّ- يُمْكِن لَه أن يَنمُو ويتطَوَّر، مِن خِلَال التَّواصل والتَّعاون مع الآخرين، لانه كائن مُحِب ويريد السَّلَام ، بِشَكل طَبيعِي ، ولديْه اَلقُدرة على التَّعَلُّم والنُّموِّ لِفعْل ذَلِك .
وأفصح عن يقينه ، بأنَّ اَلجمِيع قادر على المساهمة فِي بناء المجْتمع الانساني الافضل، وأنَّ مُهمَّة المجْتمع اَلسوِي الأولى ، هِي تَحفِيز مَواهِب اَلجمِيع والاسْتفادة مِنهَا .
- أفْكاره حَوْل الإرادة اَلحُرة :
كان لَدى " إِيراسْموس " رُؤيَة مُعَقدَة لِلْإرادة اَلحُر ، فقد كان يُعتَقَد أنَّ الإنْسان قَادِر على الاخْتيار بَيْن الخيْر والشَّرِّ ، إِلى حدِّ مَا . وقد أعْرب عن اِعْتقاده هذا في أكثر من مؤلف ، موضحاً ، أنَّ إِرادة البشر بِعامَّة ، لََا شك في أنها تَتَأثَّر بِعوامل كَثِيرَة ، مِثْل التَّنْشئة والْبيئة والضَّغْط مِن الآخرين ..الخ
لكِن مع كل ذَلِك ، يبقى للناس إمكانية اِتِّخاذ قراراتهم الخاصَّة ، وتحمُّل المسْؤوليَّة عن عَواقِب ونتائج أفْعالهم .
قُصَارَى القوْل :
لقد أدانَ ايراسموس في كتابه " مديحُ الحماقة " دَهالِيز النِّفَاق الاجتماعي ، بِأسْلوب طريف مُتَوارٍ ، حيث انْتَقد بِتعابير لطيفة ، ساخرة و غَيْر مُبَاشِرة ، إِساءَات اِسْتخْدام السُّلْطة ، وجهْل رِجَال الدِّين والْقادة السِّياسيِّين فِي عَصرِه .
الامر الذي منح كتابه هذا قِيمةً معرفيةً وأدبية هائلة، مازالت آثارها ممتدة إلى الآن...
ولكن مَردّ ذلك - في تقديري - لَيْس بِسَبب تأْكيده على قِيمة التَّفْكير اَلنقْدِي والتَّشْكيك فِي الوضْع الرَّاهن وَحسَب ، بل في إِلْهامه اللَّاحق لِلْمفكِّرين مِن بُعْدِه ، وتشْجيعهم على التَّجَرُّؤ على ارهاب الجمود الفكري ، والتَّحدُّث ضِدَّ الانْتهاكات الاجْتماعيَّة والدِّينيَّة المُقدّسة.
وَأمَّا عن أُسلُوبه الساخر في " مديح الحماقة " وَفضَّل التَّغابي أحياناً ، فذكِّرني بِشاعر دِيوان الحماسة " أَبُو تَمَّام " حِين قال :
لَيْس اَلغَبِي بِسَيد فِي قَومِه . . لَكِن سَيِّد قَومِه المُتغابي
.
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح