الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع النفس

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2023 / 4 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحن في عالم الأديان نعتقد بل نؤمن ان هناك روح داخل كل انسان؟ لكننا لا نعرف ما فائدة هذا الروح؟ لماذا تزدوج الشخصية البشرية بوهم الغيب؟ هل ندرك ماهية هذا الروح؟ العناصر المكونة لها؟ هل هذا الروح مصنوع من جلد ام من تراب او الهواء مثلا! ام طاقة مخزونة كموجات كهرومغناطيسية؟ أيُ روحٍ تسكن فينا ثم تغادرنا بعد الموت؟ ام سنكتفي اعتباطاً بالإيمان المطلق بانه من عند الخالق، وما اوتينا من العلم الا قليلا!! كما فسره الأنبياء، كلٌ بطريقته، بغض النظر عن سذاجة السؤال.. انا اظن بان الكثيرين من اللذين يقرأون هذه المقالة سينفعلون، لأنهم سيشعرون بأنني اهاجم معتقدهم، انت لا تتفق على التحدي، بل تقاومه. تظن ان في داخلك شيء سرمدي دائم، الذي هو نور الله، روح الله، قدوس، بلا اسم.. الخ.. سمه ما شئت، الله، نور، روح، كل ما تحب ان تسميه. تظن انه داخلك في الوعي في عقلك، شيء لا يعبر عنه بالكلمة، ليس كمثله شيء، وهي ليست من الفكر. انت تؤمن بذلك، اليس كذلك؟ فهل يجوز الايمان دائما لكل ما قيل ويقال؟ ما نوع هكذا عقل اخوتي؟ لماذا لا تريد استقصاء الحقيقة وتُدَقِق في صحة هذه المسالة، هل هناك شيء اسمه الروح، او أي شيء تريد تسميتها من هذا القبيل؟ إن اردت ان تؤمن فقط دون عناء، فما قيمة ذلك؟ افترض انني أؤمن بالروح، ما قيمة ذلك في حياتنا اليومية، ما الدور الذي يلعبه في حياتنا؟ ان كنت تعيسا، منزعجا، محبطا، عصبيا، حزينا، ما قيمة ان أؤمن بالروح؟ لماذا لا اتحرر من كل ذلك تماما، لكي أحاول ان أجد واستنتج. نحن نشأنا كبشر، أطفال، زوجات، واجبات، تحمل أنفسنا برمجة منطقية لميكانيكية الأداء والأمان والترقية، اصلاء مثل كل الاحياء، وكل ما يحيط بنا لها دوالها وخوارزمية عملها، تعمل بموجبها منذ ملايين السنين ولازالت بلا مساعدة مرشد او نبي، ونحن نحاول في طريق الحياة ان نستقصي ونستنتج الحقائق العلمية التجريبية في محاولة للفهم الصحيح، فيأتينا أحدهم ليعود بنا الى فكر خرافي لعصور خلت من مسيرة حياة الانسان عاصرت زمنا لم يعد قائما.. ورب سائل يسأل بان المصلحين والانبياء اختصروا لنا طريق البحث عن الحقيقة، حيث عاشوا حياة بسيطة وفرشوا لنا هذا الطريق، بعد مشقة للوصول الى الأبدية او السرمدية في عالم الحياة وما بعده! هل بإمكانك ان تنسى كل هؤلاء، ما قيمة حياتهم بالنسبة لك؟ لك حياتك يجب ان تعيشها، ليست حياتهم! كيف تعرف انهم وصلوا الطريق نحو الحقيقة؟ إذا قلت لك بان هناك سرمدية، أي ان الانسان لا يموت، بل يتكرر حياته بهدف الترقية والتطور كجزء من خوارزمية الوجود التي بموجبها حافظت النباتات والاحياء على نوعها في الحياة، وجميعها في حالة تطور وتحديث بفعل وجود عامل الزمن، فسوف لن تصدق ذلك! ولو قلت لك ان الحياة على الأرض واحدة مستمرة منذ بدأ الخليقة او وجود الانسان على الارض، والموت كالنوم تنهض منه بشكل مغاير نسبيا) نسلك)، ودهشة الموت لنا هو اننا لا ننام جميعا في ان واحد، فهل تصدق ذلك؟ الصحيح هنا او الحقيقة هو شيء لا يمكن تجربته او اختباره، أي لا يأتي بالخبرة، أستطيع وصف الأبدية او السرمدية، لكن الكلمة المجردة نفسها ليست ذلك الوصف، لكننا مقتنعين بالكلمة، وهنا تكمن مشكلتنا. على سبيل المثال حين أقول لك أحب فلانا، انت تقبل بكلمة الحب، ولكنك لا تملك شعوره وعطره الفياح كما هي في نفسي، وكذلك الحب لكل ما نمتلك، فالمقابل المستمع يتقبل الكلمة مجردة من الفحوى والمحتوى. حين تستمع لما قاله الأنبياء او المصلحين او حتى الخطابات السياسية من أحدهم، لا تمتلك الا فهم الكلمات كما توحى لك، دون التعمق الى المحتوى والى ما ورائه ودوافعه. لا أدري لماذا تتبعهم؟ فإن وقعت في مصيدة او فخ في الحياة اليومية، لن ينقذك منه نبي او سياسي، سينقذك عقلك، إذا تيقنت بانك مسؤول بشكل تام عن نفسك، ستصنع قرارك بنفسك وتجد طريقك للخروج من المصيدة. كذلك لا يقودك أحد في طوال مسيرة الحياة، فانت وحدك تملك الحيوية والقدرة على المضي، فأنسى كل هؤلاء، وفي اللحظة التي تعتمد على الزعماء وتستسلم للمرشدين ووعاظ اللاهوتية ستصبح ضعيفا، ورق مستنسخ، لا فائدة مرجوة من مضيك في الحياة، إذا أدركت ذلك مرة في قلبك ليس فقط بالذكاء، آنذاك تكون رجلا، انسانا، حرا تستحق ان تمضي.. فرغم كل الوعظ اللاهوتي لا نزال نخطأ (كما يظن الوعاظ) فنستغفر! وتستمر الاستغفار عن تلك التي يسمونها الخطايا طوال حياة البشرية دون وضع نهاية لها، الا يدفعنا ذلك للتفكير باننا ننتهج سلوكا مغايرا لخوارزمية وجودنا؟ فانت وحدك تملك الحيوية والقدرة على المضي الواعي، واعتبار وجودها مكملا لأسباب الترقية والتطور التي تفضي في النهاية الى وضع البدائل التي توفر المناخ والبيئة المناسبة للأمان والطمأنينة لكل حالة على انفراد.
نعود ونتساءل، إذا خلقنا الله وجعل خوارزمياته لحماية الانسان، وكان لابد ان يزرع فينا وسائل حماية للدفاع عن النفس والبقاء، ومنها الغرائز والصفات البذيئة، كالخداع والكذب والرياء والنفاق والعنف... فكيف يحاسبنا على حماية هو الذي وضعه فينا؟ او يوكل أحدهم على الأرض لتشريع العقاب الصارم والترهيب، ويوقع بالبشر أبشع الجرائم وصولا الى قتلهم! وتعميق الخوف الذي هو أحد اسس تلك الصفات! التصميم الأساسي هكذا، أي كان لابد ان يزرع فينا وسائل حماية للدفاع عن النفس ولأسباب الترقية، ومنها تلك الصفات الفكرية البذيئة، ويبقى للإنسان ان يفكر في حماية نفسه بلا خوف كبديل يعزز تلك الخوارزمية التي صممت لحماية الانسان.....
هل يمكن ان نقول بان جانب الرحمة في المخلوق هي من صفات الله وجانب القسوة هي للشيطان! اذن هناك قدرة موازية لقدرة الخالق! اذن هناك خالق مزدوج!! او هناك صراع بينهما، فاذا انتمينا الى الله انتصرت الرحمة والشفقة وإذا انتمينا الى الشيطان انتصرت القسوة والعنف، في الحالة الأولى يكون بقاء الانسان على الأرض مهددا بالانقراض لعدم وجود ميكانيكية الدفاع التي تحتاج للقسوة، وكذلك في الثانية لان القسوة تؤدي للعنف والصراع والحروب الذي يهدد بقاء الانسان على الارض.. وإذا رضيت بفكرة ضرورة وجود الله والشيطان، فإنك تشرك في وحدوية الله وتجعل للشيطان يدا في خلق الانسان. وإذا عجزت عن هذا وذاك ركنت لقصص الأديان الخيالية وهو ان الله خلق الشيطان وتمرد عليه فيما بعد!
ان فكرة الشيطان جاءت على خلفية عجز الانسان لتفسير الصفات السيئة في الانسان التي هي نتاج محاولة الانسان للبقاء حيا عندما يتهدد حياته، ولان فكرة الله الرحمان اللطيف والذي يحمل كل صفات الفضيلة يتناقض مع واقع خلقه في الانسان، فكان لابد من ابتداع فكرة الشيطان، ومن ثم صراع الفكرتين لكي يقود الانسان نحو الكمال نحو الأجدر والاحسن نحو الله، وسواء ان وجد الشيطان او لم يوجد فان الصفات السيئة للبشر موجودة اصلا في وسائل حماية النفس ضمن خوارزمية حماية الانسان والبقاء وفق التصميم الاساسي.
الخالق ليس من هذا وذاك، وهذه الأفكار أصبحت مستهلكة تماما. الواقع ليس بحاجة للخيال، بل معرفة حقائق الوجود وفهم ما يحيط بنا وفي المقدمة أنفسنا فهما علميا تجريبيا متعمقا. فكر خارج التكيف والخنوع الفكري الذي تعيشه، تكيفك لتعليمات الدين والعرف والمجتمع والأفكار.. تحرر من الخوف المرافق بكل تلك المكيفات التي فرضت صلاحياتها عليك واعتقلتك رهينا، حين تتحرر تكون خارج الخوف، أي تحررت من الخنوع، من قيود الفكر التي توحي لك وتوهمك بالأمان والسند.
كيف ندرك الله في هذه الحياة؟ الانسان من التاريخ اليوناني القديم، ومن العهد السومري القديم، عنده فكرة الله.. ما هو الله، انا اُعَرِف الله ولا اهاجمه، انا لا انفي وجود الله، لكنني استقصي وجوده معنا وماهيته. من خلق الله، هل الله اخترعنا، او خلقنا؟ الله القوي والابدي والرحمان الرحيم والعادل والكريم، الخير، الحقاني، هذه فكرتنا عن الله، فاذا قلنا انه خلقنا، فنحن جزء من صورته، جزء منه، أي نحن كرماء ومحبين ورحماء وخيرين، وابديين، حقانيين... هل نحن كذلك! ام نعتقد اننا كذلك؟ فإن خلقك الله فهو شريكك، لأنه يريدك ان تقود حياة متعبة، محكوم عليك بالإعدام في النهاية، ومحكوم بآفات الشيخوخة، إذا خلقك الله لماذا تحب هذا الشقاء؟ كان يفترض ان تكون انسانا غير اعتيادي تماما، جميل، مملوء بالحب، مملوء بالبهجة والحيوية، هل نحن كذلك؟ كلا، اذن اما انت خلقت الله، او ان الله خلقك. إذا تفحصت ذلك بعمق، فانت خلقت فكرة الله، وهي ليست الخالق الحقيقي. هناك الالاف من الآلهات على الارض، ولكل دين إلهه أي إله اليهود واله الإسلام وكذا المسيحية وغيرها من الأديان... لكل مجموعة ربه خلقه بمقاييس عقله ضمن بيئته الثقافية، انظر لهذه السخرية، الفكر خلق الله، ثم بدأ الفكر بعبادة الصورة التي خلقها. أي انه يعبد نفسه ويسميه الله. والجانب الحسن فيك هو الله! لنكن واضحين، هل انت خلقت الله؟ إله في السماء واضرحة مقدسة تشفع لك عنده!! انت خلقت كل ذلك، انت لست متأكدا ابدا، انت خائف وفزع. إذا قلت نحن خلقنا فأنك فزعان، لأنك خلقت ذلك خارج خوفك، انت تريد الأمان، انت تريد السلامة، تريد ان تشعر ان هناك أحدهم يعتني بك، لأنك خائف. لذلك انت خلقته وانت تعبده. فقط انظر ماذا تفعل! تذهب الى الحج وتضع كل اموالك التي جمعتها، هل تظن ان الله بحاجة الى مالك؟ انظر لكل ذلك. ليس لديك شيئا لتقدمه الا المال، خرفان اضحية، السجود، الطقوس، ليس عندك شيء اخر لتقدمه. هل تلاحظ هذه التراجيديا؟ إذا كنت تحب، ليس الله، لان حب الله سهل، لأنه مقدس، ليس لهكذا حب معنى، لكن إذا كنت محبا، ذلك الحب العميق هو الله، ذلك الحب العميق هو تجريد مقدس. لا تخرج خارجا لتبحث عن الله. هناك شيء ما مثل تعريف الخالق او الله في السرمدية، خارج الزمن، سمه كما تريد، لكنه لم يشاء اخبارك بذاته، فلِمَ الالحاح. لهذا يجب ان يكون لك عقل، وقلب متحرر من أعباء الحياة. من انانيتك، غرورك، تقول انا غير قادر على ذلك، قل لي ماذا افعل! انت تعود في الحلقة، تريد أحدا يقول لك ويطمئنك لتستند عليه... هناك حقيقة، الملصقات والمرافقات الفكرية تموت مع الأجساد، اما الوعي فهو خالد، وفي تطور مستمر عبر الزمن..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال