الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظمات النفع العام، البناء السليم وتحديات الاستمرار

أسعد كاظم
كاتب وإعلامي

(Asaad Kadhim)

2023 / 4 / 30
المجتمع المدني


إن من عناصر بناء المجتمعات وجود فئات فاعلة ونشطة داخل كيان المجتمع في ظل المتنفس المتاح للممارسة الديمقراطية التي تكفلها الدساتير والقوانين، ومن أوجه ومظاهر تلك الديمقراطية هو المنظمات والجمعيات ذات النفع العام التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة. ويتم تأسيس هذه المنظمات على أساس ثلاثة مستويات: المستوى الفردي، والمستوى الجماعي، والمستوى الوطني.
فكرة المنظمة ونوع العمل
يبدأ التأسيس للمنظمة بوجود فكرة واضحة لتحقيق هدف معين ومحدد. ويتم ذلك بالتنسيق بين مجموعة من الأفراد أو المؤسسات التي تتمتع بالرغبة في العمل على تحقيق هذا الهدف المشترك. وتتطلب هذه العملية وجود جهود كبيرة لإدارة وتنظيم الجهود المشتركة وبناء شبكات واسعة من العلاقات، ولطالما الفكرة حرة وهادفة فهي تنشأ في نطاق الحوارات الجادة بين أشخاص فاعلين (مبادرين)، وهذا ما يلاحظ على الفرق التطوعية أو المبادرات المجتمعية المتجهة لهدف أو قضية ذات أهمية للمواطنين ومؤسسات الدولة.

ومن أمثلة المنظمات والجمعيات ذات النفع العام للمجتمع المدني:
١. منظمات الأعمال الخيرية والدعوية.
٢. المنظمات والمؤسسات التعليمية والتقنية.
٣. الجمعيات الإنسانية والاغاثية والتطوعية.
٤. المنظمات الشبابية أو النسوية.
٥. منظمات اجتماعية وثقافية.
ويعتمد التأسيس لهذه المنظمات على الاحتياجات الخاصة لكل مجتمع والتحديات القائمة فيه.
يتمتع التأسيس للمنظمات والجمعيات ذات النفع العام بأهمية كبيرة في المجتمعات المدنية، فهي تعمل على تعزيز الشمولية والتضامن وتوسيع فرص المشاركة الديمقراطية. وفي النهاية، يمكن القول بأن التأسيس للمنظمات والجمعيات ذات النفع العام يعتبر أحد الأسس الرئيسية للتنمية المستدامة وتحقيق التوازن في المجتمع المدني.
يركز "جيمس ليستر" في كتابه (الدستور والدين والديمقراطية في البلدان الإسلامية) على ضرورة وجود قواعد ومعايير تنظيمية وقانونية صارمة للمنظمات والجمعيات ذات النفع العام، والتي تحدد مهمتها وأهدافها وتنظيم عمليات التمويل والإدارة والشفافية والإفصاح عن نتائج اعمالها. ويبرر ذلك بأنه يساعد على إيجاد بيئة عمل صحية ومستدامة. (ليستر، ٢٠١٦ : ٦٧ - ٨٣).

خطوات التأسيس للمنظمة

إن التأسيس للمنظمة: هو عملية متعددة الخطوات تتطلب التخطيط الجيد وإعداد خطة تأسيس محكمة وفعالة. يمكن تقسيم الخطوات الواجب اتباعها لتأسيس منظمة مجتمع مدني إلى خطوات رئيسة هي: التخطيط والإعداد والتنفيذ.
أولًا: في مرحلة التخطيط، يتم تحديد الهدف الرئيس للمنظمة وتحديد الخطوات التالية التي سيتم اتخاذها لتحقيق هذا الهدف. كما يتطلب هذه المرحلة تحديد الفئة المستهدفة لهذه المنظمة وتحديد الاحتياجات والمتطلبات التي تتضمن الجوانب المالية والإدارية والتشريعية المتعلقة بتأسيس هذه المنظمة (توماس ويكول، ٢٠١٦ :١٢).
ثانيًا: في مرحلة الإعداد، يجب تحديد شكل المنظمة المطلوب تأسيسها، سواء كانت منظمة غير حكومية أو جمعية خيرية أو مؤسسة أو نادي أو اتحاد، مثلما يشير "روغر بولتون" في كتابه " أسس تنظيم إداري فعال" (٢٠٠٥: ٢٠٠). كما تتضمن هذا المرحلة تحديد الهيكل التنظيمي للمنظمة وتحديد المسؤوليات والأدوار المختلفة لأعضاء المنظمة.
ثالثًا: في مرحلة التنفيذ، يجب البدء في عملية تأسيس المنظمة المجتمعية، والاستعداد لإطلاقها في أقرب وقت ممكن. ومن متطلبات هذه المرحلة تحضير برنامج عمل مفصل واختيار موظفين مؤهلين وتطوير أنشطة تشجيع المجتمع على الانضمام إلى المنظمة.
ويلخص ما ذكر في أن الخطوات الواجب اتباعها لتأسيس منظمة تنشط في مجتمع مدني ما بينه "تشرينوف" بالنقاط التالية: "تحديد الأهداف، وإنشاء الهيكل التنظيمي، وإعداد قواعد المنظمة والبرامج، وجذب عضوية المنظمة، ثم تأسيس العلاقات والتواصل مع المجتمع المحلي وكذلك السلطات المحلية"، وهذه الخطوات أكثر تفسيرا لما يجب اتباعه للشروع بالعمل.

تحديات التأسيس والاستمرار
تواجه المنظمات والجمعيات المدنية ذات النفع العام العديد من التحديات التي تؤثر على قدرتها على تحقيق مهمتها وتطوير مجتمعاتها. ومن بين هذه التحديات:

1-ضعف الإمكانيات المادية: يشير بعض الباحثين إلى أن ضعف الإمكانيات المادية يعد أحد أهم التحديات التي تواجه المنظمات والجمعيات المدنية، حيث يمكن أن يؤثر ذلك على قدرتها على تأمين التمويل اللازم للعملية التنموية والتطويرية (أوجيرو، ٢٠٠٧: ١).
2-تدخل الحكومات والسلطات السياسية: يمثل تدخل الحكومات والسلطات السياسية في عمل المنظمات والجمعيات المدنية تحدياً مهماً، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقييد حرية التعبير والتنظيم، وبالتالي يقلل من قدرتها على المشاركة الفاعلة في عملية التنمية المحلية والمشاركة الديمقراطية (الحديدي، ٢٠٠٤: ٤٢).
3-ضعف القدرات والكفاءات: يمكن أن يؤثر ضعف القدرات والكفاءات في المنظمات والجمعيات المدنية على قدرتها على تنظيم أنشطتها وتحقيق أهدافها، وهذا يتطلب بذل جهد لتدريب الكوادر وتعزيز قدراتها وادائها (أنتوني، ٢٠٠٥: ٢٢٠).
4-قلة الوعي والتثقيف: يشير البعض إلى أن قلة الوعي والتثقيف حول الأهداف والمهمات المنظمات المدنية يمكن أن يؤثر على قدرتها على جذب الدعم والمساهمات من المجتمع المحلي (جمال الدين، ٢٠١٣: ٢٣).

هناك العديد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها من قبل المنظمات والجمعيات المدنية لمواجهة التحديات، ومن أبرز هذه الإجراءات:
1-تعزيز التوعية والتثقيف بين المجتمع حول أهمية المشاركة المدنية والمجتمعية في صنع القرار.
2-تنظيم حملات إعلامية وتوعوية مكثفة لزيادة الوعي بأهمية تعزيز ثقافة الحوار والتعاون في المجتمع.
3-إنشاء شبكات اتصال وتواصل حقيقية بين المجتمعات المحلية والمؤسسات الحكومية والخاصة لتسهيل عملية التواصل والحوار وتحقيق المزيد من التعاون.
4-توفير التدريب والتطوير المستمر للمشاركين في العمل الجمعي والمدني، وتحسين مهاراتهم في التفاوض والتعاون وصنع القرار.
5-الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والوسائط الاجتماعية للتواصل والتفاعل الإيجابي بين أفراد المجتمع وتعزيز ثقافة الانفتاح والتعاون.
6-تحقيق مزيد من الشفافية في إدارة الشؤون العامة وتعزيز مكافحة الفساد والرشوة.
7-تشجيع المرأة والشباب على المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية وعدم تحويلهم إلى فئة مستهدفة للخدمات الجماهيرية فقط.

التخصص في العمل
يعتبر التخصص في عمل المنظمات ضروريا للنجاح والتطور لمشاريعها في المجتمعات المختلفة. فعلى سبيل المثال، يجب توفير الإغاثة والمساعدة في حالات الطوارئ لتلبية الاحتياجات الأساسية للناس. بالإضافة إلى ذلك، يساعد تدريب وتطوير العاملين على زيادة كفاءة العمل وتحسين جودة الخدمات المقدمة، وعلاوة على ذلك، فإن البعض يتخذ جانبا متخصصاً آخرا هو الحملات والمظاهرات بهدف الدفاع عن حقوق الأفراد وتحسين السياسات والتشريعات ذات الصلة، وتنطلق عادةً من الفئات المهمشة في المجتمع (Lyons & Kashima, 2016: 205).
ومن المثال الآخر، فإن التطوع والخدمات المجتمعية يساعدان في بناء العلاقات بين الأشخاص وتعزيز التفاعل المجتمعي الإيجابي. ويقدم التطوع تعليمات وفرصًا لتعلم المهارات الجديدة وتوسيع الشبكات الاجتماعية (Pruitt & Manz, 2016: 78).
بشكل عام، يعزز التحديد الواضح للأهداف والرؤية والخطط ضرورة التخصص في عمل المنظمات. وهذا ما تؤكده الأبحاث بأن المنظمات الناجحة هي التي تتوافق مهامها مع نطاقات الاهتمام المحددة والتخصص الفعلي المطلوب في العمل (Esser & Whitaker, 2017: 109).

الحاجة للإستشارات
يتطلب العمل الفعال للمنظمات والجمعيات المدنية ذات النفع العام الحصول على الاستشارة الخاصة في مجالات متعددة، من التمويل والتخطيط الإستراتيجي، وأنشطة الحملات الإعلامية وتوجيه الرأي العام، إلى تدريب الموظفين والأبحاث والتحليلات. وهذه الحاجات الإستشارية يجب أن تتوفر لدى المنظمات والجمعيات المدنية لتحقيق أهدافها بشكل أكثر فاعلية.
وهذه الاستشارات وخطط العمل تساعد المنظمات للقيام بمهامها بشكل فعال. من أجل تجاوز التحديات، لذا تتولد حاجة الجمعيات للاستشارات الخاصة بشكل دائم.

تشمل الاستشارات عدة جوانب، منها:

1. التمويل والتمويل المجتمعي – يتطلب تشغيل المشاريع التي تهدف إلى خدمة المجتمع تمويلًا آمنًا وفعالًا. هذا يتطلب معرفة التمويل المجتمعي والتمويل العام، والقدرة على الحصول على تمويل من المؤسسات الخاصة والحكومية (Khalid, 2016: 65).
2. التخطيط الإستراتيجي – يتطلب تنظيم المنظمات والجمعيات المدنية ذات النفع العام التخطيط الجيد وإدارة المشاريع بشكل فعال، وتعزيز الاتصالات العامة والعلاقات العامة مع الجهات الحكومية والشركات (Khalid, 2016: 75).
3. تدريب الموظفين – يعتبر تدريب الموظفين وبناء قدراتهم أحد العوامل المهمة في تحقيق أهداف المشروع (Alkhatib, 2018: 110). يجب أن يتم توفير التدريبات المهنية المناسبة لتحسين مهارات الموظفين وزيادة فعاليتهم.
4. الأبحاث والتحليلات – تعد الأبحاث والتحليلات المناسبة أحد الأدوات الرئيسية لمنظمات المجتمع المدني لتحديد أولويات عملها وتحقيق أهدافها بشكل أفضل (Stoker, 2015: 35). يمكن للمنظمات الحصول على المعلومات المتعلقة بالمشروعات السابقة والاستراتيجيات الناجحة وتوظيفها لدعم الأنشطة الحالية.

يمكن للمنظمات الانسانية تحقيق أهدافها من خلال استخدام تقنيات الابتكار وتطوير نوعية العمل وخلق شراكات عبر المؤسسات والمجتمعات (Kerzner, 2017, p. 423). وبشكل خاص، يشير الباحثون إلى أن التطوير المستمر للمنظمة يقود إلى إدارة فعالة وخطط إتصال عالية الأداء (Hubbard, 2018, p. 129).
في النهاية فإن التخصص في عمل المنظمات ضروري لتحقيق النجاح والنمو المستمر. الاهتمام الجيد بإدارة المنظمة والمواظبة على تطويرها وتحسين كفاءتها يسهم في تحسين الأداء والإنتاجية والتميز عن المنظمات الأخرى.

المصادر:

(1) Lister, James (2016): Constitution Writing, Religion and Democracy in Muslim Countries: A Case Study of Egypt. Springer.
(2) تشيرينوف ، إيلدار. "تأسيس منظمة مجتمع مدني: الخطوات الأساسية". إتش آر آي: بيكر تيليفين النشر، ٢٠٠٨.
(3) ويكول، توماس (٢٠١٦): "تأسيس منظمة مجتمع مدني - دليل شامل" . إدارة المشاريع الدولية.
(4) بولتون، روجر (٢٠٠٥):" أسس تنظيم إداري فعال ". نشر الفكر والذات.
(5) Anthony, D (2005): Capacity building for NGOs: Making it work. Kumarian Press.
(6) El-Haddidi, N (2004): Civil society in Egypt: A risk´-or-a chance? ECSSR.
(7) Jamal Al-Deen, L (2013): Challenges facing NGOs in the Arab world. Arab Reform Initiative.
(8) Ojero, O (2007) : Governance and Civil Society in Nigeria: Understanding the Challenges of Development. Journal of Sustainable Development in Africa.
(9) El-Haddidi, N (2004): Civil society in Egypt: A risk´-or-a chance? ECSSR.
(10) Anthony, D. (2005). Capacity building for NGOs: Making it work. Kumarian Press.
(11) Jamal Al-Deen, L (2013): Challenges facing NGOs in the Arab world. Arab Reform Initiative.
(12) Lyons, M., & Kashima, Y (2016: How are collective memories and other shared beliefs created? Social cognitive and social developmental perspectives. Psychology Press.
(13) Pruitt, B. E., & Manz, C. C (2016): The art of followership: How great followers create great leaders and organizations. John Wiley & Sons.
(14) Nsser, J., & Whitaker, M (2017): Developing community engagement for successful disaster reduction. Routledge.
(15) Alkhatib, F. M (2018): The Significance of Training Programs in Achieving Project Management Success at Non-Profit Organizations. International Journal of Higher Education, 7(1), 109-117.
(16) Khalid, N. B (2016): Volunteering for Development in Bangladesh: A Study of Non-Profit Organizations. Dhaka, Bangladesh: University Press-limit-ed.
(17) Stoker, G (2015): Transforming Local Government. Hampshire, UK: Palgrave Macmillan.
(18) Hubbard, G (2018): Measuring organizational performance: Beyond the triple bottom line. Routledge.
(19) Kerzner, H (2017): Project management 2.0. John Wiley & Sons.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 


.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال




.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني


.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط




.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق