الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرير الحريّة

علي فضيل العربي

2023 / 4 / 30
المجتمع المدني


قد يبدو هذا العنوان غريبا أو مستفزا أو عبثيا ، أو ليقل عنه القاريء ما شاء له عقله أن يقول ، لكنّ منطق الأحداث السياسيّة و الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و الثيوقراطيّة المعاصرة ، يفرض علينا إعادة النظر في هذا المكسب الإنساني و الوجودي العظيم ، ألا و هو الحريّة المسؤولة . لقد تحوّلت الحريّة في المجتمعات المتخلّفة ، و عند الجماعات المتطرّفة فلسفيّا و دينيّا و أخلاقيّا و سياسيّا ، إلى مصدر من مصادر الفوضى . فباسم الحريّة يتقاتل الإخوة ، و باسمها يخرج الناس إلى الشوارع ، فيحدثون دمارا و خرابا في الممتلكات العامة و الخاصة . و باسم الحريّة يطالب بعض الأفراد أو الجماعات بحقوق لا محلّ لها من العقل السليم ، بل هي ضرب من البلاهة و الجنون و التطرّف المقيت ، و باسم الحريّة يخرج علينا داروين بنظريّة التطور المريضة – التي دحضها العلم - ، ليقول للبشر أنّ أجدادكم الأوائل ، كانوا قرودا ، أيّ أنّكم – أيها البشر – أنتم من سلالة القرود المتطوّرة ، و أنّ كل شيء في الطبيعة خاضع لذلك . و هي نظريّة في غاية اللؤم و البهتان و الانحطاط العقلي .
ثم ، يخرج علينا أناس مرضى سيكولوجيا ، و يبشّرون الإنسانيّة بمجتمع الميم الشاذ ، و يدافعون عنه في المنابر الخاصة و العامة ، و تشرّع له بعض الحكومات مراسيم الاعتراف و القبول . و في الأونة الأخيرة ، طالعتنا وسائل التواصل الاجتماعي ، بظاهرة ، أقلّ ما يقال عنها ، أنّها أغرب من الخيال . و لكنّها تنم عن أعمق أزمة روحيّة تمرّ بها الفلسفة الغربيّة الماديّة .
كانوا جماعة من الذكور و الإناث . في بلد أوربي - كان ينتمي إلى المعسكر الاشتراكي ، الشيوعي ، قبل سقوط جدار برلين ، و تفكّك الإتحاد السوفييتي - بلد اسمه رومانيا . كانوا في مظاهرة ، و هي ينبحون ، كما تنبح كلاب الحي في الغرباء ، و يطالبون بالاعتراف بأنّهم كلاب . كانوا يطالبون بحقّهم ( في إطار احترام مباديء الحريّة و حقوق الإنسان ) باعتراف من حكومتهم ، بأنّه كلاب و ليسوا بشرا . و لكنّ الغريب في سلوكهم الإشهاري ذاك ، هو خروجهم جماعة إلى الشارع ، و كأن دولتهم منعتهم من ( تكلّبهم و تكالبهم ) . و أنا عي يقين ، أن لا أحد قد منعهم من ممارسة حريّة ( التكلّب ) تلك . لكنّ السؤال المطروح : ما الذي دفعهم إلى الرغبة في مغادرة عالم البشر و الانتماء إلى ( مملكة الكلاب ) و انتحال الكلاب النباح بدل الكلام ؟ أهو الفراغ الروحي أم هو اليأس و القنوط ، من بني جنسهم ( البشر ) ؟
لا أحد ينكر فضل الغرب على الشرق ، و الإنسانيّة جمعاء . فقد استطاع العلماء و الفلاسفة و الباحثين في شتى ميادين العلوم الرياضيّة و الطبيعيّة و الكونيّة عامة ، توفير وسائل الرفاهيّة الحضاريّة اليوميّة للإنسان المعاصر ؛ الغذاء و الدواء و السكن و وسائل النقّل و السفر و الترحال السريعة و وسائل الاتّصال و التواصل الرقميّة و وسائل اللهو و اللعب ، و غيرها من المخترعات و المنتجات ، التي يصعب عدّها كلّها في هذا المقال . و بالمقابل لا أحد يعفل أو يتغافل عن المخرجات السلبيّة لهذه للطفرة العلميّة و التكنولوجيّة ، التي أضرت بحياة الإنسان و لوّثت الطبيعة العذراء ، و دمّرت مساحات شاسعة منها و أدّت إلى انقرض أصناف شتى من النباتات ، و تناقص رهيب في الثروة الحيوانيّة البريّة و البحريّة على السواء . و تسابق رهيب في إنتاج الأسلحة التقليديّة الفتّاكة و الأسلحة غير التقليديّة المدمّرة ؛ النووية و الكيماويّة و البيولوجيّة .
لقد وهبت المدنيّة الغربيّة ، تحت إمرة الفلسفة الماديّة ، الحياة و الموت معا . أي أنّها إن شاءت أحيت ، و إن شاءت أماتت . شأنها شأن الملك النمرود بن كنعان بن كوش ، الذي تحدّاه سيّدنا إبراهيم الخيل عليه السلام في مناظرته المشهورة .
إنّ منظر أولئك المتظاهرين في رومانيا ، و هم يقلّدون الكلاب في النباح ، و يطالبون حق الاعتراف بأنّهم كلاب ، هو – ببساطة – ما آلت إليه الأزمة الروحيّة في الغرب ، جرّاء طغيان الفلسفة الماديّة المتطرّفة ، و النظام الرأسمالي البراغماتي المتوحش ، و هو مقدّمة لإفلاس الوازع الروحي ، و انهيار نظام القيّم الأخلاقيّة ، و غياب التربيّة الروحيّة ، القائمة على الفطرة السليمة و العقل الراشد . أيعقل أن يبلغ ابن آدم - الذي كرّمه الله تعالى ، و خلقه في أحسن تقويم - هذه الدرجة من الانحطاط الأخلاقي في بلد و قارة ، سلطانها العلم و التكنولوجيا المتقدّمة ؟ قد يلجأ الإنسان أو يضطر إلى تغيير جنسيته أو مكان إقامته أو أفكاره أو مذهبه السياسي أو إيديولوجيته أو ملّته ، وووو . لكن أن يغيّر جنسه ، فيطالب علنا ، و في الشارع ، بأن يصبح كلبا نابحا و ينخرط في مملكة الكلاب الأليفة و الضالة ، فهذا عين العجب ، و منتهى الانحطاط ، و مؤشر خطير على المأزق العميق ، الذي وقعت فيه الفلسفة الغربيّة المعاصرة ، و هو ملمح – أيضا – من ملامح قرب نهاية العالم ، و سقوط الحضارة المعاصرة ، كما سقطت قبلها و انتهت – منذ مئات القرون – حضارات عريقة في بلاد الشرق ؛ كالحضارة الفرعونيّة و البابليّة و حضارات ما قبل الطوفان .
و هكذا ، تستمرّ الفلسفة الغربيّة – منذ قرون عدّة – في مفاجأة البشريّة . و تواصل تسفيه المساجد و الكنائس و المعابد، و هدم القيّم الأخلاقيّة الساميّة ، و محاربة المنظومة الروحيّة ، تحت مسمّى محاربة التطرّف و الإرهاب . و ما يشغل الإنسان المعاصر – حقّا - اليوم هو : إلى أيّ مدى تتجّه هذه الفلسفة الماديّة الغربيّة ؟ أما آن لها أن ترعوي الآثام التي ارتكبتها و ترتكبها – باستمرار - في حق الإنسانيّة ؟ و متى تتحرّر الحريّة من الفوضى و الأنانيّة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 


.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال




.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني


.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط




.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق