الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعصب الديني : تحليل برونو إيتيان لشخصية المتعصب

ابراهيم ماين
كاتب و طالب باحث

(Brahim Maine)

2023 / 5 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تشبعت حركة التنوير الفرنسية بشعار مناهضة التعصب الديني الذي حجر الفكر و أوقف حركته و ارتكسه ، فشكل مادة الموسوعة الفلسفية التي دشنها ديدرو و دلامبير في القرن الثامن عشر ، و أدلى فيها فولتير دلوه بالكثير من الصمود و النضال ضد التزمت و الأصولية المسيحية خصوصا منها الكاثوليكية . فقد كان الفيلسوف دلامبير يقول أن المتعصبين هم الذين يسممون الأرواح و النفوس ، و أما الفلاسفة فهم الأطباء الذين يستأصلون شأفتهم ، و بالتالي فالتعصب الديني عنده هو سم يتغلغل الى أعماق النفس البشرية و يشرش في حناياها .
يحاول الباحث الفرنسي و الأنثروبولوجي المعاصر برونو ايتيان تحليل ظاهرة التعصب في الدين و يقول : لقد كانت الظاهرة موجودة في الدين المسيحي قبل أن يشفيه منها الفلاسفة . و يعتمد على تحليل نفسي لشخصية الانسان المتعصب بشكل أعمى و يقول : إنه شخص مسكون من الداخل بيقين مطلق ، و روحه لا تعرف الشك أو عذاب البحث عن الحقيقة ( كما وصفها الفيلسوف مالبرانش ) ، فهو يمكتلك الحقيقة جاهزة بين يديه . أو قل أنه يمتلك الحقيقة المطلقة المقدسة المتعالية و يستغرب لماذا لا يتخلى الآخرون عن أديانهم فورا لكي يعتنقوا دينه أو معتقده .
إنه إنسان لا يفهم كيف يمكن أن يوجد دين آخر غير دينه ، فدينه وحده هو الصحيح و بقية الأديان الأخرى ضلال فوق ضلال ، و هذا ما اعتقده أتباع المذهب الكاثوليكي البابوي الروماني أيضا طوال قرون و قرون في أوروبا ، و لهذا السبب حاولوا القضاء على أتباع المذهب البروتسنتاتي و اجتثاثه من جذوره في كل أنحاء أوروبا ، قبل أن يصطدم هذا المذهب بواقع جديد يكشف عن وجود بشر آخر في مناطق اخرى من العالم ، و هنا برزت إشكالية الأنا و الآخر في فرنسا بالخصوص التي لازالت ترفل في أوحال العنصرية و الآخرية .
و عندما يبلغ التعصب عند شخص مداه ، فإنه يصبح مستعدا لأن يقتل نفسه او يقتل الآخرين لا فرق ، كما يصبح كارها للمجتمع الفاسد الذي يعيش في نظره حالة الجاهلية ، فالأكل مع المجتمع بات حراما ناهيك عن التزاوج أو الاختلاط فيه ، و هنا تكمن أزمة الثقة ، الأزمة ذات البعد السوسيولوجي المعقد التي ما فتئت تنخر أحشاء المجتمع ، ثقة بين الفرد و الفرد ، ثقة بين مؤسسة و مؤسسة ، ثقة بين فرد و مؤسسة ، فكيف في جو اللاثقة ألا تندلع الحروب و ألا يسود الكساد و الإرهاب .
بالتالي لكي يحافظ هذا المؤمن على نقائه و طهارته ينبغي ألا يلوث نفسه بهذا المجتمع الدنس الذي ارتد عن دينيه ، و هنا يبلغ التطرف مداه لأنه يؤدي الى تكفير المجتمع برمته و يبث الفتنة في صفوفه و يمهد للحرب الأهلية المدمرة ، و كل ذلك ناتج عن الجهل او الانغلاق الفكري و الانسداد التاريخي أو عدم القدرة على تأويل النصوص الدينية على نحو عقلاني لكي تتماشى مع ضرورات الحضارة المعاصرة و مستجداتها . فليس كل نص يمكن تأويله كما يقول ابن رشد ، لأن تأويله هو انزياح افتراضي في معناه ، و الافتراض مذموم في النص ، و إلا تحول التأويل الى ترقيع ، و شتانا بين الاثنين ، فالأول هيرومنطيقا علمية ، و الثاني دوجماطيقية زيفية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -