الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صانعُ الجُرم … والمشيرُ إليه!

فاطمة ناعوت

2023 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مازال بعضُ الناس يخلطون بين "صانع الجرم"، و"المشيرِ إليه”. فالأديبُ حين يتحدثُ في قصيدة ما، أو رواية أو مسرحية، عن لصٍّ أو بغيٍّ أو جاسوس يخون وطنه، فهو يُشيرُ بإصبع الإدانة إلى تلك الشخصية، لكي يُسلّطَ الضوءَ عليها فنحاكمها ونُقوّم المجتمعَ لكي يلفظ تلك النماذج الشوهاء. القارئ غيرُ المحترف في فنّ القراءة، (فالقراءة فنٌّ صعبٌ طويل سُلّمه)، يُسقط العملَ الأدبي على الأديب، فيظن أن الكاتب يكتب سيرته الذاتية! وتلك معيبةٌ كبرى في "فنّ القراءة"، الذي لا يقلُّ عسرًا عن "فنّ الكتابة". فالأديب العمدة "نجيب محفوظ"، لم يكن هو ذاته "سعيد مهران" في "اللص والكلاب"، ولا كان العظيم "طه حسين" “نفيسة" في "شجرة البؤس"، ولا كان العبقريُّ "يوسف إدريس" هو الطفلة التي تحمل صينية الفرن في "نظرة”.
بطلُ العمل، أيّ عمل فني، ليس هو "الكاتب"، وليس هو بالتأكيد "الفنان" الذي "يُشخصن" تلك الشخصية على المسرح أو على الشاشة. فنحن نحبُّ "عادل أدهم"، و"محمود المليجي" "وستيفان روستي" وجميعهم برع في أداء دور المجرم وزعيم العصابة، بينما نستكثر على نجوم اليوم تجسيد تلك الشخصيات، ونتهمهم بأنهم يروجون للجريمة والبلطجة، وكأنهم اخترعوها! أي ميزان مختلٍّ هذا؟! هل المجرمُ هو "صانعُ الجرم"، أم ذاك الذي يشير إلى المجرم بإصبع النقد؟
في أفلام عديدة، جسّد فنانون شخصيات تُجّار دين مُراءين يخدعون الناسَ باسم الله. فمن المجرم؟ الفنانُ؟ أم المتاجرُ الأفّاق الذي يفضحه الممثلُ ليحذِّرَ الناسَ من خداعه، ويُبرّي الدينَ من المُرائين الكَذَبَة والشطّار العيّارين؟! تصوّروا أن في مجتمعاتنا من يدينون "الممثل" الذي يشير إلى الجُرم على الشاشة، ويبرءون المجرم الحقيقي الذي يخدع الناس في الواقع؟! يا لضيعة الحقّ في زمن العيب! ليس مجرمًا مُسيئًا للدين الذي صرخ مُدعيًّا: "أنا الدينُ والدينُ أنا"، إنما مَن ينتقده هو عدوُ الله! يا لضيعة العقل!
الفن السينمائي، والمسرح والشعر، والآداب، تتعمد تجسيدَ شخصية المجرم، لكي تُنبّه الناسَ منه، وتُنقي المجتمع من مُشوهيه؟ الجريمةُ هي "صنعُ" الخطأ، أما "الإشارة" إليها إما قولاً أو رسمًا أو غناءً أو شخصنةً في رواية أو فيلم، فهي "تشخيصها" تمهيدًا لعلاجها. تمامًا كما "يُشخِّص" الطبيبُ المرضَ، تمهيدًا لعلاجه.
في فيلم "الزوجة الثانية"، شاهدنا كيف أجبر عمدةُ القرية فلاحًا فقيرًا على تطليق زوجته، ليتزوجها بعدما "حِلْيت في عينيه". طرق كل السُّبل. الرشوة تارةً، والتهديد والوعيد أخرى؛ والزوجُ رافضٌ ترك حبيبته أمَّ طفليه، الرافضة بدورها ترك زوجها، رغم بريق الثراء الذي يلوحُ أمام عينيها حين تغدو زوجة العمدة. ولما أعيته الحِيَلُ، لجأ العمدةُ إلى "شيخ" القرية لكي يُقنعَ الزوجَ، مُعتمرًا وشاحَ الدين، والدينُ براءٌ، بأن طاعةَ الحاكم من طاعة الله! في مشهد كهذا، برأيكم، مَن أساء للإسلام: "سعد الدين وهبة"، كاتب السيناريو، أم "صلاح أبو سيف"، المخرج؟ هل المجرمُ هو العمدةُ "عِتمان"، أم مؤدي دورَه: "صلاح منصور"؟ هل المجرمُ هو الشيخُ، أم مؤدي دورَه: "حسن البارودي"؟ هل المظلوم المغبون هو الزوج "أبو العلا"، أم مؤدّي دورَه: "شكري سرحان"؟ ذاك الذي صرخ في وجه الشيخ الدجّال: "يا راجل يا كافر، يا عديم الدين!" حينما قال له: "امضِ يا أبو العلا يا بني على ورقة الطلاق، "أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمرِ منكم"؟!!! مَن الذي أساء للإسلام، في ذاك المشهد التاريخيّ الذي مازال يُجسّد حالنا للأسف حتى اليوم؟ صنّاع الفيلم الفنانون الأبرياء؟ أم أن المجرم الحقيقيّ هو شخصيةٌ اعتبارية لرجل جاهل يتاجرُ بالدين لمصلحته الشخصية، ومصلحة وليّ نعمته الشهوانيّ المزواج؟
العيبُ ليس "تجسيد العيب" في الفن لتسليط الضوء عليه، العيب" هو عيوب الواقع التي نسمحُ بها ونغضُ الطرفَ عنها! العيبُ فعله برلمان الإخوان حين ناقشوا شرعية مضاجعة رجل زوجتَه بعد موتها؟! العيبُ فعله رجلٌ لا يعرفُ عن الفنّ والأدب إلا بقدر معرفتي اليابانية، ليقيّمَ أدبَ نجيب محفوظ، فينعته "بأدب الفِسق والرذيلة"؛ لأن بين شخصيات رواياته امرأةً فاسقة! بينما لم يقل مثلا: "إنه أدب "السرقة"، مع أن من بين أبطاله لصوصًا! لماذا؟ لأن صاحبنا يختصر "الرذيلة" في: "امرأة وفِراش"! بينما لا يضمُّ في قائمة "الرذيلة": السرقة، والرشوة، والخيانة، والكذب، والطمع، والحقد، والبخل، والدناءة! مثل ذلك الرجل مشغولٌ بالمرأة، فلا يبرحُ بصرُه ثوبَها! هو ذات الرجل الذي يريد أن يُغطي أجساد "التماثيل" بالشمع، لأنها عورةٌ وأوثان! تماثيل أرقى حضارات الأرض، أجدادنا الفراعين الذين دوّخوا البشريةَ بعلمهم وفنّهم وحضارتهم الفائقة! يا لضَيعة الجمال والحضارة في زمان القبح والانحطاط! زمان العيب. بربكم، لا تنسوا أن تحاكموا جثمان البارودي، بتهمة الإساءة للدين!

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي استاذه فاطمه-انا معك قلبا وقالبا-ولكنني مشغ
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 5 / 5 - 00:09 )
ولكنني مشغول للاسف جدا -وكان بودي ان اكتب كثيرا خاصة ولان شخصا غير نظيف اشبع نزار قباني والماغود ودرويش و و شتائما واوصافا واصلا ينكر عليهم انهم شعراء ناهيكي عن انهم ازهار القرن العشرين الزاهية ناهيكي عن خلودهم -تحياتي -الصبر جميل على العاقين الجهلة

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah