الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف دخل مصطلح العلمانية في الثقافة العربية المعاصرة والحديثة؟ الجزء الثاني

فارس إيغو

2023 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نشر الجزء الأول في الحوار المتمدن وموقع الرأي في تاريخ 13/12/2022.
لقد ظهر مفهوم العلمانية قبل ظهور المصطلح نفسه في الكتابات العربية في عصر النهضة.
هناك لحظتان مهمتان في بدايات تلقي معنى الفصل أو التمايز بين الديني وغير الديني، وبالأخص الديني والسياسي. اللحظة الأولى كانت مع المعلم بطرس البستاني (1819 ـ 1883)، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واللحظة الثانية مع المفكر الحداثي فرح أنطون (1874 ـ 1922) في بدايات بدايات القرن العشرين.
وفي اللحظتين، لم يجرِ استعمال مصطلح العلمانية، وإنما استعيض عنها بمفاهيم أخرى تشير إلى معنى الفصل والتمييز بين السياسي والديني أوالديني والسياسي.
لا يُعرف إلى يومنا هذا النص الثقافي العربي الأول الذي ظهرت فيه كلمة «العَلمانية» ، وما نعرفه هو، أنّ هذه الكلمة بدأت تظهر في الكتابات السياسية والفكرية والفلسفية في النصف الثاني من القرن المنصرم.
لكن، لا ننسى أن كلمة (علماني أو لاييك باللغة الفرنسية) موجودة في مدونات الكنيسة العربية منذ قرون (على الأقل منذ القرن العاشر الميلادي)، وتعني الشخص المدني الذي يعمل داخل الكنيسة من دون أن يكون رجل دين أو يلبس ملابس دينية، ولا زالت إلى يومنا هذا تُستعمل في مدونات وكتابات الكنيسة المسيحية في العالم العربي.
من أين جاء مصطلح (علمانية) إلى اللغة العربية
حول أصل كلمة (علمانية) في اللغة العربية يقول المفكر السوري الراحل جورج طرابيشي في كتابه «هرطقات ـ 2» أنّ المصطلح قديم، وهو ظهر في أدبيات الكنيسة المسيحية منذ القرن العاشر للميلاد، لكي يميّز في حياة رجل الدين بين الفترة التي يقضيها في سلك الكهنوت والحياة (العلمانية) أو الدنيوية التي عاشها قبل دخوله في هذا السلك، يقول طرابيشي:
«هناك تصور شائع في الأدبيات المعاصرة عن العلمانية مؤداه أن هذا المصطلح جرى نحته في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كمقابل لكلمة (لاييسيتي) الفرنسية. وقد وقع خلاف أيضا حول إعجام العين في هذا المصطلح المترجم: أهو الفتح (عَلْمَانية) نسبة إلى العالم، أم بالكسر (عِلْمَانية) نسبة إلى العلم. لكن التنقيب عن هذا المصطلح أتاح لنا أن نربطه باللاهوت المسيحي المكتوب بالعربية، وهذا منذ القرن الرابع للهجرة/العاشر للميلاد على الأقل. ففي كتاب بعنوان مصباح العقل وضعه الاسقف واللاهوتي القبطي سايروس بن المقفع، المولود سنة 915 م والشاغل لمنصب كاتب في الدولة الأخشيدية في العهد الفاطمي، وفي معرض الكلام عن الخلاف بين الطوائف المسيحية حول زواج الكاهن، يقول:
التزويج مختلف عندنا، لأن الكهنة شروطا ذكرها الكُتّاب؛ وهي ألا يتزوجوا بأرملة ولا مطلقة ولا زانية. وليس للكاهن أن يتزوج، بعد امرأته الأولى، بغيرها؛ هذا بإجماع النصارى؛ إلا ما أبدعه طيماثاوس الجاثليق من إطلاقه للنسطورية التزويج، بعد إمرأته الأولى، بما شاء واحدة بعد واحدة، ولو بلغ سبعة؛ كذلك إبراهيم البطريرك، صاحب نوبة.
والكاهن الذي وصفته هو الأسقف والقس والشماس. إلا أنهم مختلفون في أمر آخر. لأن الشماس يمكنه أن يتزوج بعد الشماسية، ولا يمكن للأسقف والكاهن أن يتزوجا بعد الأسقفية والقسيسية. إلا عند الطائفتين اللتين ذكرتهما، أعني طيماثاوس الجاثليق وإبراهيم البطريرك فإنهما أجازا ذلك للقس والشماس، كما قلنا آنفا.
وقد رأى المتقدمون بعد ذلك رأیاً في الأساقفة. أما المصریون فرأوا أن یكون الأسقف، بالإسكندریة خاصة، بتولاً لم یتزوج في حال علمانیته. وأما النسطوریة والسریان فرأوا ألا یكون البتة ممن تزوج قبل أسقفیته. وأما النوبة، فأمرھم بناء على الرسم الأول» (1).
يتابع ج. طرابيشي كلامه في كتاب «هرطقات ـ 2»:
«وليس لنا على هذا النص، الحاسم الأهمية من منظور التحديد التاريخي لدخول كلمة «العلمانية» في الحقل الدلالي للغة العربية، سوى تعليقين:
أولا، إن استعمال ابن المقفع القبطي لكلمة «علمانية» في نص يعود إلى القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي لمرة واحدة يتيمة، وبدون أن تكون به حاجة إلى شرحها، إنما يدل على أنه ليس أول من استعملها، وعلى أنها كانت رائجة بالتالي في الحقل التداولي لرجال الكنيسة، كما للمؤمنين من سائر الطوائف المسيحية من قبطية وسريانية ونسطورية. وهذا معناه أن تاريخ نحت الكلمة يعود إلى أبعد من القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وربما إلى القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي الذي شهد تعريب الكنائس المسيحية، هذا إن لم يعد إلى تاريخ أبعد، نظرا إلى ثبوت وجود مسيحية عربية في نجران في اليمن منذ القرن الخامس الميلادي على الأقل.
ثانيا، نظرا إلى أن السياق الذي وردت فيه كلمة علمانية في النص هو التمييز في الأسقف بين طوره الدنيوي وطوره الكنسي، إذ يشترط فيه البتولية (عدم الزواج) «في حال علمانيته»، فلا مجال للشك في أن عين «العلمانية» ينبغي أن تُعجم بالفتحة لا بالكسرة، لأنها تحيل لا إلى العلم، بل إلى العالم، أي الدنيا. وهذا هو أصلا معنى الجذر اليوناني (لايكوس) واللاتيني (لاييك) الذي اشتقت منه كلمة «علمانية» أو «لاييسيتي» (باللغة الفرنسية). فاللايكوس هو من ينتمي إلى الشعب، إلى العامة، ومن ثم إلى الأميين، وليس إلى طبقة رجال الكهنوت الذين كانوا يحتكرون العلم في حينه» (2).
وقد تطوّر استعمال مفهوم (علمانية) في أدبيات الكنيسة المسيحية إلى استعمال صيغة الصفة (علماني) لكي تصف الرجل الذي يخدم في الكنيسة من دون أن يكون ضمن سلك الكهنوت.
ظهور مصطلح العلمانية بمعناه الحديث في كتابات المسيحيين اللبنانيين ابتداءا من عام 1910
تعتبر مقالة العراقي صالح جواد الطعمة من أهم المقالات التي أظهرت بأن مصطلح العلمانية (3)، ومفهوم العلمانية كما تشكل في الحقل التداولي الحديث في فرنسا، قد ظهرا لأول مرة في الكتابات المسيحية لآباء لبنانيين من طائفة الموارنة في بدايات القرن العشرين، والسياق التاريخي لهذا البوز للمصطلح هو ظهور المدارس العلمانية التي لا تدرس فيها مادة الديانة في برامجها. وسوف ننتظر عدة عقود ليظهر المفهوم في شكله الحديث والمتطورفي كتابات المفكرين العرب في النصف الثاني من القرن المنصرم.
مع بداية ظهور المدارس غير الدينية أو التي لا تشرف عليها الكنيسة المسيحية في الدولة العثمانية، وبالخصوص في ولاية بيروت ومناطق أخرى، بدأت تظهر كتابات جديدة ناقدة لتلك المدارس على اعتبارها مدارس (علمانية) مقلدة للغرب الأوروبي، وهنا سيبدأ المصطلح بأخذ المعاني الحديثة التي تعيّن معنى كلمة (لاييسيتي) في المعجم الفلسفي الفرنسي.
نُشرت المقالات المذكورة في فترتين مختلفتين: أولاً، مقالات الأب لويس شيخو (1910) خلال الحكم العثماني؛ وثانياً، مقالات الأب يوحنا الحاج نشرت عام (1925) في فترة الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان.
بالنسبة للأب لويس شيخو هناك مقالتان نشرهما في مجلة المشرق:
الأولى، تحت عنوان المدارس العلمانية والأديان، ونشرت في أغسطس/آب من عام 1910.
الثانية، تحت عنوان لا يمكن، ولا يجوز أن تكون المدارس علمانية بلا دين، ونشرت المقالة في سبتمبر/أيلول من عام 1910.
وله كتابات أخرى تعرض موقفه السلبي من علمانية المدارس التي بدأت تظهر في جبل لبنان في العهد العثماني، ويقال أن له كتابات تعرض ليس فقط موقفه السلبي من علمانية المدارس (أي التدريس الخالي من دروس الديانة)، ولكن من العلمانية عموما (أي علمانية الدولة ومؤسساتها).
أما بالنسبة للأب يوحنا الحاج فقد نشر في عام 1925 عدة مقالات عن المدارس العلمانية، وقد نُشرت مقالاته تحت لقب الكاهن الماروني ي.ح. نشرت هذه المقالات في جريدة البشيرفي ثلاثة اعداد: 18-21-25 من نيسان 1925 قبل ظهورها مجموعة في كتاب تحت عنوان: المدارس العلمانية تنتهك حرمة الأديان، تنتهك حرمة الآداب، تنتهك حرمة الوطنية. لقد ورد العنوان المذكور أعلاه في الفهرس العربي الموحد (4).
إذن، هذه المقالات نُشرت في مرحلة الانتداب الفرنسي. غير أنها تشترك أولاً في تأكيدها على مركزية الدين وضرورته في حياة الإنسان والمجتمع كما تشترك ثانياً في معارضتها الشديدة للعلمانية ومدارسها الفرنسية و تشترك أخيراً في محاولة فضح الادعاء بأن إقصاء الدين أو فصله لا يعني معاداته ونقض أركانه.
تعتبر هذه الكتابات الباكرة، من أوائل الكتابات التي عبرت عن مفهوم العلمانية منظورا إليه من جهة المدارس العلمانية، وهي أول الإشارات للمفهوم في نسخته الحديثة قبل أن يظهر بصورة أكمل وأكثر تطورا في الحقل الثقافي والتداولي العربي في النصف الثاني من القرن المنصرم.
يذكر مؤلف مقالة «على هامش العلمانية في بداية القرن العشرين: منظور مسيحي لبناني مختلف» السيد أ. د. صالح جواد الطعمة، أن صاحب المنار الشيخ رشيد رضا نشر تعريفا بكتاب الكلية العلمانية الفرنسوية جاء فيه أنّ هذه الكلية تضم «أربع دوائر، التعليم العام ودائرة الاعداد للمدرسة الطبية والدائرة الصناعية والدائرة التجارية. ولا صبغة دينية لهذه الكلية ولعلها أول بعثة جاءت إلى الشرق باسم العلم عارياً عن اسم الدين فإنها ذكرت أنها لا تتعرض لدين التلامذة»(المرجع حسب السيد أ. د. صالح جواد الطعمة: مجلة المنار، عدد 3 سبتمبر 1910 ص 635)، وقد فتشت عن النص ووجدته في المجلد لعام 1328 وليس عام 1910 كما ورد لدى السيد أ. د. صالح جواد الطعمة هـ/ص: 635، وهو مقالة صغيرة للتعريف بالكتاب أي كتاب الكلية العلمانية الفرنسوية، وجاء فيه ما يلي:
«أهدت إلى إدارة المنار الكلية العلمانية الفرنسوية في بيروت كتابها السنوي وفيه بيان فروعها وشروطها وقوانينها. وهي أربع دوائر: دائرة التعليم العام، ودائرة الإعداد للمدرسة الطبية، والدائرة الصناعية، والدائرة التجارية. وتنوي إنشاء فرع زراعي في نواحي البقاع حيث الخصب وسعة الأرض. ولا صبغة دينية لهذه الكلية، ولعلها أول بعثة علمية غربية جاءت إلى الشرق باسم العلم عاريا عن اسم الدين، فإنها ذكرت أنها لا تتعرض لدين التلامذة كما انها لا تعارض أحدا بدينه، وربما سهلت له الطريق كما تقول.
وقد ذُكر في مقدمة كتابها هذا ان غاية هذه البعثة العلمية إما هي خدمة فرنسا خارج فرنسا في مستعمراتها وفي البلاد الأجنبية ونشر لغتها ومبادئها إلخ.
فهل يعتبر أهل البلاد ومن بيدهم زمام الأمور، ويعلمون بأنهم من أولى من أولئك الافرنسيين بترقية لغة البلاد وآداب الشرق وأنهم إن لم يسبقوا إلى ذلك سبقهم القوم الفاعلون، وإن إهمال المعارف واللغة مضيعة للجامعة القومية وتفريق للعناصر الوطنية، ولو أنشئ في كل بلد وكل قرية نواد باسم اتحاد العناصر أو الاتحاد والترقي» (5).
بطرس البستاني في كتاب نفير سورية (6)
الكتاب هو جمع لمقالات كان البستاني قد كتبها عام 1860 ـ 1861، وقد أطلق على هذه المقالات الإحدى عشر بـ (الوطنيات) لما تحمله من معاني الحث على الوطن والوطنية كطوق نجاة للوطن بعد فتنة عام 1860 بين الدروز والموارنة في جبل لبنان. وكان البستاني يوقع مقالاته الوطنية بـ (من محب للوطن).
يقول بطرس البستاني في مقالته ((نفير سورية أو الوطنية السابعة))، بيروت في 19 أوكتوبر/تشرين الثاني 1860، ما يلي:
«ولا يخفى إن رجوع الألفة (بين الطوائف بعد ما جرى من فتنة طائفية في جبل لبنان) لا بل وجودها وثباتها ونموها تتوقف على أمور أخصها ما يأتي وهو:
أولاً، أديان حية منتبهة تنظر وتعلم بنيها أن ينظروا إلى من يخالفهم في أمر المذهب لا بعين الاحتقار والبغضة كما هو الواقع إلا فيما ندر، بل بعين الاعتبار والمحبة كأعضاء عائلة واحدة أبوها الوطن وأمها الأرض وخالقها واحد هو الله وجميع أعضاءها من طين واحد وقد تساووا في المصير إلى مآل واحد انما يفضل أحدهم الآخر في العلم والتقوى والعقل والفضيلة ومراعاة حقوق الإنسانية والجيرة لا بالاسم والانتماء إلى فئة دون فئة. إن الإنسان بأصغريه قلبه ولسانه. ولا نعرف من الأحكام إلا طاعتها وتأدية حقوقها وواجباتها. ومن طالع تواريخ الملل والشعوب يظهر له جليا ما يلتحق بالناس والأديان نفسها من الأضرار من تعرضها لأمور السياسة ومزجها الأمور الدينية بالأمور المدنية والحال أنه يوجد بينهما طبعا بون عظيم. وكم كان لهذا المزج الذي ينبغي أن يكون غير جائز ديانة ولا سياسة من اليد في الخراب الحالي الله يعلم وأنتم تعلمون، ومحب الوطن، إذا لم يكن من زمرة المغفلين، فهو أيضا يعلم» (7).
ويضيف في فقرة أخرى، مطلب أن تكون الـ «شرائع متفقة وتنظيمات عادلة توافق الأحوال والأماكن والأزمان غير ممتزجة بالشرائع المذهبية تنظر لدى المحاكم إلى الدعوى لا الشخص» (8).
وفي ختام مقالته الوطنية السابعة يطلب البستاني من أبناء وطنه أن يتعظوا من ما حدث عام 1860، وأن تكون هذه الفتنة التي مرت درسا لتحصين الوطن ضد الفتن لكيل لا يصبح الناس وقودا لنيران الحروب الطائفية، وأن نجاح بناء الأوطان يكون بـ «الاختلاط والامتزاج، وبأن نتيجة ذلك تكون الألفة» (9).
وفي مقالة أخرى ((نفير سورية أو الوطنية العاشرة))، بيروت في 22 شباط 1861، ص: 57 ، يقول البستاني:
«وجوب وضع حاجز بين الرئاسة أي السلطة الروحية والسياسة أي السلطة المدنية. وذلك أن الرئاسة تتعلق ذاتا وطبعا بأمور داخلية ثابتة لا تتغيّر بتغيّر الأزمان والأحوال بخلاف السياسية فإنها تتعلق بأمور خارجية غير ثابتة وقابلة للتغيّر والإصلاح حسب المكان والزمان والأحوال، فتباينا وتنافيا، ومن ثم كان التوفيق بينهما في شخص واحد مستصعبا أو ضربا من المحال. ولذلك كان المزج بين هاتين كان المزج بين هاتين السلطتين الممتازتين طبعا والمتضادتين في متعلقاتهما وموضوعهما من شأنه أن يوقع خللا وضررا واضحا في الأحكام والأديان حتى لا نبالغ إذا قلنا إنه يستحيل معه وجود التمدن وحياته نموه» (10).
وينبه البستاني إلى أضرار عدم الفصل، قائلا:
«وقد اطّلعت البلدان المتمدنة على الأضرار الناتجة من هذا المزج فجعلت فاصلا بيّنا من هاتين السلطتين، فلم تدّع إحداهما تتعرض لمصالح الأخرى، وكلما كان الفاصل أمتن تكون الراحة والنجاح أعظم. ولا ريب أنّ هذا الفصل هو ما يجب أن يسر أصحاب الرئاسة أيضا الذين دخلوا وظائفهم من الأبواب، لأنه يرفع عنهم أثقالا زمنية كثيرة ويريحهم من تقريع ضمائرهم الناتجة من تغافلهم (وربما كان ذلك جبرا) عن الواجبات التي أفرزوا ذاتهم ونذروا حياتهم لها» (11).
ويتسائل البستاني عن كيفية الفصل، هل بالتدريج أم دفعة واحدة، يقول: «وهل يجب أن يكون هذا الفصل وتلك الإجراءات بالتدريج أم دفعة واحدة؟» (12). ويجيب بالقول: «ذلك موقوف على طبيعة المكان والزمان ومزاج الأمور والأحوال وعلى رأي وإرادة من لهم حق الحكم في كذا مواد ومنوط بحكمتهم وهمتهم ودرايتهم» (13).
هذه كانت أول مقالة في المجال التداولي الثقافي العربي والإسلامي في العهد العثماني تنادي بالفصل بين السلطة المدنية والسلطة الدينية على أثر ما جرى من حوادث طائفية في جبل لبنان بين الدروز والموارنة، والتي راح ضحيتها الكثير من الأرواح البريئة. بالإضافة إلى هذه الدعوى من البستاني للفصل بين الدين والدنيا، تعتبر هذه المقالات الإحدى عشرة نشيدا في الوطنية والمواطنة والمساواة كم نحن بحاجة إلى تردادها اليوم مع ما يحدث في سورية ولبنان واليمن والعراق.
الأفغاني: رسالة الرد على الدهريين
الرسالة كتبت في عام 1880 ـ 1881/1298 ـ 1299 هـ، أي بعد نفي الأفغاني من مصر عام 1979 من قبل الخديوي محمد توفيق الذي كان صديقا له في المحفل الماسوني، وترجع أسباب طرده إلى تدخله في السياسة، وتشكيل حزب سياسي والتحريض على الثورة.
الرسالة كتبت باللغة الفارسية، ومنهم من يضيف اللغة الأوردية أيضا، ولكن هذه المعلومة غير مؤكدة. رسالة الأفغاني (الرد على الدهريين) ترجمها من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية الشيخ محمد عبده سنة 1884 (14).
هي رسالة في نقض المذهب الطبيعي أو النيتشرية (من نيتشر وتعني الطبيعة باللغة الهندية، وهي مأخوذة من اللغة الإنكليزية).
الرسالة الرد على الدهريين هي إجابة على سؤال من أحد الاقراء، وهو مولوي (السيد الزاهد) محمد واصل: مدرس الفنون الرياضية بمدرسة الأعزّة بمدينة حيدر آباد الدكن، من بلاد الهند، عن معنى لفظ (نيتشر) السائد في الأقطار الهندية.
والدّهْرُ مصطلح إسلامي مستخدم في الكتاب والسنة، وهو مدّةُ الحياة الدّنيا كلها. والدّهْرُ الزمانُ الطويلُ، والزمانُ قلّ أَو كثر. ويقال: كان ذلك دَهْرَ النجم : حين خلق الله النجوم : أولَ الزمان وفي القديم.
وفي القرآن: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (سورة الإنسان، 1).
وفي القرآن: قَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (سورة الجاثية، 34).
كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا : «يا خيبة الدهر» فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نهى القرآن عن سب الدهر بهذا الاعتبار لأن الله تعالى هو الدهر الذي يصونه ويسندون إليه تلك الأفعال.
الرسالة تتألف من الجزء الأول: 12 صفحة، والجزء الثاني: 40 صفحة، والمطالب الأربعة عشر وتبلغ حوالي 40 صفحة.
وتنقسم الرسالة إلى الرد النظري، والذي لن يخرج فيه الأفغاني كثيرا في الرد على الدهريين عن رجال الدين الإسلامي. والقسم الثاني يتضمن الرد العملي على أصحاب النزعة الدهرية.
لا يكتفي الأفغاني بنقد الدهريِين نقدا نظريٍّا مبينًا تهافت نظرية التطور، ولكنه ينتقل إلى بيان مضارها من الناحية العملية وآثارها السيئة على أخلاق الأفراد وحياة الأمم ومسارها في التاريخ.
واضح من هذا العرض أيضا أن الدهرية هي الشماعة الوحيدة التي تُعلَّق عليها أخطاء البشر، والعامل الأوحد في انهيار الأمم. ويعتبر الأفغاني الباطنية من الدهرية مع أنهم من غلاة الروحانيِّيين، فالمادة لديهم روح، وأقرب إلى النزعات الصوفية الإشراقية. كما يرى أن التنزيه طريق لإنكار الألوهية مع أنه إثبات لها دون تجسيم أو تشبيه. كما يتبنىتصورا آليٍّا لحركة التاريخ، وكأن العودة إلى الأخلاق مفتاح سحري يقلب الهزيمة نصرا، والسقوط نهضة، ويصحح ما فعلَته الدهرية، الشر الكامن في كل عصر.
وكثير من خاطرات جمال الدین تعبر عن هذا النقد الديني للدهرية، مثل: كيف لا يفضل أضعف حيوان ناهق يذكر الله إنسانً ناطقا يُنكر وجود الله؟ فإذا ما تم إنكار الألوهية فإن الإنسان يعبد هواه يكفر الإنسان في كل شيء لا يرضاه ويعبد كل شيء يهواه. والاعتقاد بالألوهية هو الذي يؤدي إلى الاعتقاد بالمعاد، وبالتالي نَيل السعادة الأبدية، من اعتقد أن لا حياة إلا هذه الفانية فقد خسر الأولى والثانية. فالسعادة لا توجد في هذه الحياة الدنيا بالرغم من أنها ضالة البشر السعادة في الدنيا ضالة البشر. وإذا وجدها أحد قلَّما يدل عليها. ولا أظنها من موجودات هذا العالم الفاني.
إذا كان الرد على الدهريين ونقد الدهرية نظرياً وعملياً يمثل الجانب السلبي فإن البديل الأخلاقي الديني هو الجانب الإيجابي الذي يقدمه الأفغاني. إنكار ُ الدين سبب ُ السقوط وإثبات الدين طريق الخلاص. الدين قوام الأمم، وبه خلاصها وسعادتها ومستقبلها في مقابل النيتشرية وهي جرثومة الفساد وأرومة الأداد، أي مصدر الأمور الفظيعة، وسبب خراب البلاد وهلاك العباد؛ فالدين َ والنتيشرية على طرفي نقيض كالحق والباطل، الخير والشر، الصلاح والفساد، الفوز والهلاك، والإنسان ظلوم جهول هلوع جزوع. والإنسان ظلوم جهول هلوع جزوع. إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا . لذلك أتاه الدين لإكماله كي يتمسك بأصوله وتربيته على الخصال املتوارثة حتى تُشرق العقول َ باملعارف، وتهتدي إلى السعادة، ويُقيم البشر المدنية ويحافظوا على ثباتهم وبقائهم .
لقد أفاد الدين ثلاث عقائد وثلاث خصال. وأكسبها عقول البشر. وهي أساس قيام الأمم وعماد بنيتها الاجتماعية، وقوام مدنيتها، وشرط تقدمها ورقيها ونَيل سعادتها ِّ لإبعاد النفوس عن الشر ومفارقتها للأجساد، ويبعدها عما يهدد البقاء ولها آثار جليلة على المجتمع البشري ومنافع المدنية والروابط بين الأمم وبقاء النوع والمساملة بين الأفراد ورقي الأمم (15).
يقول الدكتور حسام الدين درويش عن أن الدهرية، في رسالة الأفغاني: (لها حمولة معيارية أيديولوجية كبيرة، وهي وصم العلمانية بالشر المطلق) (16). ويحاول أن يقارن بين ما جاء عند بطرس البستاني والأفغاني حول العلاقة بين الديني والسياسي وتصور الحضارة وتصور المدينة الفاضلة، معتبرا تصوري البستاني والأفغاني لا يعبران عن التعريف الوصفي للعلمانية بل، هما تصوران معياريين محملين بكثير من الرؤئ القيمية التي لا علاقة لها بالرؤية المعرفية، يقول: ((إنّ العلمانية عندما نشأت في الثقافة العربية بدأت كعلمانوية، أي كانت حاملة لحمولة معيارية أيديولوجية ثقيلة عند بطرس البستاني في (نفير سورية)، وفرح أنطون خلال المحاورة الشهيرة عام 1903 مع الشيخ محمد عبده. لقد بدأ الحديث عن العلمانية عند بطرس البستاني بكون العلمانية شيء إيجابيٌ جداً، وأنّ العلمانية هي الحل لمشاكلنا الطائفية، وهي الحل لهذا الاقتتال الديني أو الطائفي بين الناس، ومن دونها ليس هناك حضارة، ليس هناك ثقافة، ليس هناك سلم، ليس هناك تطوّر، ليس هناك ازدهار، لقد كان مفهوما أيديولوجيا قويا جدا.
ومن ناحية أ خرى، أرى أنّ النشوء الأول للعلمانية أو العلمانوية بالمعنى السلبي كان عند الأفغاني في رسالته الشهيرة (الرد على الدهريين أو الماديين أو النيشرية)، والدهرية مصطلح إسلامي له جذور في الثقافة الإسلامية، والدهري يعادل بمعنى ما (الكافر). فهل نرى أنّ هذا المفهوم أو الكلمة تعادل العلمانية أم نقول أنّ هناك حمولة معيارية قوية إضافية)).
ويختم درويش بالقول: ((إذن، عند الأفغاني ببساطة، أن الدين هو قوام الأمم وبها فلاحها. فالدين دائما جيد، المتدين دائما جيد، ولا فرق إن كان الدين إسلام أو غير إسلام، أي إنسان متدين من أي صبغة كانت هو شيء إيجابي، مقارنة بالنيشرية أو الدهرية أو المادية، وببساطة مقارنة بغير الديني. لدينا هنا تقابل بين ديني ولا ديني، دائما الديني جيد بالحد الأدنى، ودائما الدهري أو غير الديني سلبي، والدين فقط هو السبب في سعادة الإنسان، وغير الديني هو سبب في تعاسة الإنسان ودمار الإنسان.
إذن، لدينا هذا التقابل المعياري بين الديني وغير الديني عند الأفغاني، وهنا الصيغة السلبية للعلمانية (وهي إحدى سمات الإسلاموية أو السمة الرئيسة)، وهنا بحق نوافق مع من يقولون إن الأفغاني هو الأب المؤسس للإسلام السياسي في العصر الحديث)) (17).
وعند المفكر المغربي طه عبد الرحمن تصبح الدهرية عند الأفغاني الدهرانية، هي أسوأ ما في الحداثة الغربية، لا بل شر الشرور، وذلك في كتابه ((بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين)) (18).
فرح أنطون والفصل بين السلطتين المدنية والدينية
إن مفكري تيار الإصلاحية الدينية (الأفغاني، عبده، الكواكبي، قاسم أمين) قدموا ما قدموه من ضمن سياقهم التاريخي، وهي كانت أفكار ثورية بالنسبة للتقليدانيين في عصرهم. لقد عاشوا في ظل الدولة والخلافة العثمانية، فأرادوا إصلاحها لتتوافق مع مطلب (الشورى والعدل) القرآنيين، وكان هذا سقفهم المعرفي، ولن نطلب منهم أمورا لم تكن في قدرتهم السياسية والمعرفية، ولا ننسى أنهم في أغلبهم رجال دين، ولم يكونوا في مدارس حديثة، وسيأتي فرح أنطون في عام 1903 أثناء المناظرة الشهيرة مع الشيخ محمد عبده ليتكلم بلغة أخرى حديثة، ولكن لم تكن النخب ولا الجمهور تتقبلها، وإلى الآن بالنسبة للكثيرين.
جاء تصوّر فرح أنطون للفصل بين السلطة المدنية والدينية في سياق المناظرة الشهيرة مع الشيخ محمد عبده حول فلسفة ابن رشد والتأويل والتسامح والمدنية والعلم بين الإسلام والمسيحية، وأصول المدنية والتمدن.
يبدأ الشيخ محمد عبده بالحديث عن الفصل بين السلطتين (الدينية والمدنية) في المسيحية، ويستغرب الشيخ هذا الفصل، ومدى إمكانية تحققه، كون السلطة الدينية تأخذ مشروعيتها من الله، فكيف يمكن للسلطة المدنية أن توقفها. يقول: «كيف يتسنى للسلطة المدنية أن تتغلب على السلطة الدينية وتقف بها عند حدها والسلطة الدينية إنما تستمد حكمها من الله، ثم تمد نفوذها بتلك القوة إلى أعماق قلوب الناس وتديرها كما تشاء. نعم هذا الفصل يسهل التسامح لو كانت الأبدان التي يحكمها الملك يمكنها أن تأتي لأعمالها على حدة مستقلة عن الأرواح التي تحيا بها، والأوراح كذلك تأتي أعمالها بدون الأبدان التي تحمل قواها» (20).
ثم يعيد تفسير « أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، على أنها لا تعني الفصل بين الأبدان والأرواح، فقيصر له الضرائب فقط، بينما القلوب والعقائد فهي لله. و«العلم ليس مما عليه طابع قيصر بل عليه طابع الله. فلا يمكن أن يكون العلم تحت سلطة غير السلطة الروحانية الدينية. فأي تسامح مع العلم في هذا» (21). ليس فقط عبده لا يقبل أي تصوّر للفصل بين السلطتين، بل إنه لا يتصوّر ذلك الأمر، ولا أي إمكانية لحصوله، بناء على نظريته التي تقول بأن الملك لا يمكن أن ينفصل عن عقيدته عندما يحكم، وكذلك الناس، هم أبدان وأرواح.
يقول فرح أنطون في سياق ردوده على الشيخ محمد عبده في المناظرة الشهيرة بينهما عام 1902 ـ 1903:
«فالداعي إذا لفصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية خمسة أمور كبرى:
الأول: وهو أهمها كلها، هو إطلاق الفكر الإنساني من كل قيد خدمة لمستقبل الإنسانية.
والثاني، الرغبة في المساواة بين أبناء الأمة مساواة مطلقة بقطع النظر عن مذاهبهم ومعتقداتهم ليكونوا جميعا أمة واحدة.
والثالث، أنه ليس من شؤون السلطة الدينية التداخل في شؤون الأمور الدنيوية لأن الأديان شُرعت لتدبير الآخرة لا لتدبير الدنيا.
والرابع، ضعف الأمة واستمرار الضعف فيها الى ما شاء الله ما دامت جامعة بين السلطة المدنية والدينية.
والخامس، استحالة الوحدة الدينية، وهذا أمر من أهم الأمور وهو أكبر الأسباب التي دعت إلى الفتن والاضطرابات في الإسلام والمسيحية. وإلى هذا السبب ننسب كل الحوادث الدموية التي حدثت فيهما».
بالنسبة لفرح أنطون، من دون الفصل بين السلطة المدنية والسلطة الدينية، لا يمكن أن يظهر (التساهل) أو التسامح بلغتنا اليوم، وبالتالي، فإن التمدن المدني لن يتحقق، وقد تحقق في أوروبا لأنها فصلت بين السلطة المدنية والسلطة الدينية، فتحقق فيها (التساهل الحقيقي)، ومن ثم تعممت مظاهر التمدن المدني فيها، وتوقفت الحروب الدينية» (22).
بينما اعتراض محمد عبده تمحور حول فكرة صعوبة الفصل بين الجانب الروحي والجانب المدني في نفس الإنسان، يقول: «كيف يتسنى للسلطة المدنية أن تتغلب على السلطة الدينية، وتقف بها عند حدها والسلطة الدينية إنما تستمد حكمها من الله ثم تمدّ نفوذها بتلك القوة إلى أعماق قلوب الناس وتديرها كيف تشاء. نعم هذا الفصل يسهل التسامح لو كانت الأبدان التي يحكمها الملك يمكنها أن تأتي أعمالها على حدة مستقلة عن الأرواح التي تحيا والأرواح كذلك تأتي أعمالها بدون الأبدان التي تحمل قواها».
ثم يضيف قائلا: «إن قول الإنجيل (أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله) لا يُراد منها الفصل بين السلطة الدينية والزمنية، وإنما معناه أن صاحب السكة التي تتعاملون بها إذا ضرب عليكم أن تدفعوا شيئا ادفعوه له أما قلوبكم وعقائدكم وجميع ما هو من الله وعليه طابع صنعته فلا تعطوا منه لقيصر شيئا. والعلم ليس مما عليه طابع قيصر بل عليه طابع الله، فلا يمكن أن يكون العلم تحت سلطة غير السلطة الروحانية الدينية. فأي تسامح مع العلم في هذا» (23).
الخلاصة
لقد دخلت (العلمانية) كفصل أو تمايز بين الديني وغير الديني في المجال التداولي الثقافي العربي لأول مرة مع المعلم بطرس البستاني في كتابه نفير سورية عام 1860 ـ 1861 في سياق الحرب الأهلية بين الدروز والموارنة والمجازر التي رافقتها ضد المسيحيين في جبل لبنان ودمشق، وكانت لتدخلات الشيخ عبد القادر الجزائري وبعض أعيان دمشق من الطائفة السنية الدور الأكبر في إيقافها قبل أيام من وصول الحامية العثمانية التي أرسلت لإيقاف هذه المذابح. وبذلك، يكون السياق التاريخي الذي دفع إلى التفكير الأولي بـ (العلمانية) في الثقافة العربية مشابه تماما لنظيره الأوروبي. فالمعنى الأول الذي أعطي للعلمانية في القرن السادس والسابع عشر بعد الحروب الأهلية التي حدثت في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت هي الرابطة غير الدينية بين ساكني الدولة، وهو ما دفع إلى بدايات تشكل الدول ـ الأمم في أوروبا مع معاهدة وستفاليا عام 1836، و المعلم بطرس البستاني في كتابه نفير سورية يؤكد على هذا المعنى في تسمية رسائله بـ (الوطنيات)، وفي مضمون هذه الرسائل.
بعد بطرس البستاني، جاء الأفغاني في رسالته القصيرة الرد على الدهريين عام 1880 ـ 1881، كان المقصود بهذه الرسالة الدهريين الذين بدأوا يظهرون في الهند، ولكن الأفغاني توسع لرفض كل أوجه للحياة لا دينية، أي رفض أي تمايز بين الديني والغير الديني، وبذلك كان من أوائل الإسلاميين في قذع مفهوم (العلمانية) في رسالته القصيرة.
وأخيرا، كانت المحاورة الشهيرة بين الشيخ محمد عبده والمفكر الحداثي فرح أنطون عام 1902 ـ 1903 هي اللحظة الثالثة في الحديث عن الفصل بين الديني وغير الديني. وقد استعمل المتحاورين مصطلح (المدني) للتعبير عن الحالة الغير دينية، كما نجد ذلك عند بطرس البستاني، وبذلك يكون هذا المصطلح قد جرى تداوله قبل عدة عقود من ظهور مصطلح الدولة المدنية نهاية الخمسينيات، الذي يمكن أن يفيدنا في التوسط في حالة الاستقطاب الإسلامي ـ العلماني.
وأخيرا، لقد ظهر بأن مصطلح العلمانية في صيغته الحديثة في أدبيات الكنيسة المارونية المناهضة للمدارس العلمانية منذ عام 1910، وقد سبق بعقود ظهوره في سياق الكتابات العربية الفلسفية في النصف الثاني من القرن المنصرم.
الهوامش
(1) جورج طرابيشي «هرطقات ـ 2: عن العلمانية كإشكالية إسلامية ـ إسلامية» مقالة العلمانية مسألة سياسية لا دينية، تذييل المقالة (رابطة العقلانيين العرب، دار الساقي، الطبعة الأولى 2006)، (ص: 107 ـ 108).
الطبعة الأولى عام 2006.
ومن يريد الرجوع إلى النص القديم للأسقف سايروس بن المقفع (توفي عام 987م)، أسقف الأشمونين أو هرموبوليس، وهي مدينة قديمة تقع في منطقة الصعيد المصرية. نضع هنا تعريفا بكتابه:
ساویروس بن المقفع: كتاب مصباح العقل، تقدیم وتحقیق الأب سمیر خلیل، سلسلة التراث العربي المسیحي، مطبعة دار العالم العربي، القاھرة 1978.
والشاهد في كتاب هردقات ـ 2، يقع في ص 92 ـ 95، من كتاب مصباح العقل.
(2) نفس المرجع، هرطقات ـ 2، ص: 108.
(3) انظر مقالة السيد أ. د. صالح جواد الطعمة «على هامش العلمانية في بداية القرن العشرين: منظور مسيحي لبناني مختلف»
موقع الناقد العراقي
تاريخ المقالة في 10/01/2016.
(4) لمزيد من التفاصيل، راجع مقالة السيد أ. د. صالح جواد الطعمة «على هامش العلمانية في بداية القرن العشرين: منظور مسيحي لبناني مختلف».
موقع الناقد العراقي
تاريخ المقالة في 10/01/2016.
(5) صالح مخلص رضا، مجلة المنار، المجلد لعام 1328 هـ/ص: 635.
(6) المعلم بطرس البستاني ((نفير سورية أو مقالات في الوطنيات)) (دار فكر للأبحاث والنشر، طبعة عام خريف عام 1990).
(7) المعلم بطرس البستاني ((نفير سورية أو مقالات في الوطنيات)) (دار فكر للأبحاث والنشر، طبعة عام خريف عام 1990)، ص: 37 ـ 38.
(8) المرجع نفسه، نفير سورية، المقالة الوطنية العاشرة، ص: 38.
(9) المرجع نفسه، نفير سورية، المقالة الوطنية العاشرة، ص: 39.
(10) المرجع نفسه، نفير سورية، المقالة الوطنية العاشرة، ص: 57.
(11) المرجع نفسه، نفير سورية، المقالة الوطنية العاشرة، ص: 58 ـ 59.
(12) المرجع نفسه، نفير سورية، المقالة الوطنية العاشرة، ص: 59.
(13) المرجع نفسه، نفير سورية، المقالة الوطنية العاشرة، ص: 59.
(14) الرد على الدهريين، للمصلح الكبير السيد جمال الدين الأفغاني، نقلها من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية الأستاذ الإمام محمد عبده، من منشورات المطبعة الرحمانية بمصر، تاريخ الطبع 1925/1344 هـ.
51ـ جمال الدين الافغاني ((الرد على الدهريين))، ترجمة الشيخ محمد عبده، المطبعة الرحمانية في مصر، 1344 هـ/1925 م. وراجع أيضا جمال الدين لأفغاني الأعمال الكاملة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تقديم وتحقيق محمد عمارة، الطبعة الأولى، 1979، ص:129 ـ 229.
16ـ حسن حنفي جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى 1897 ـ 1997، الناشر مؤسسة هنداوي، طبعة عام 2017.
الطبعة الأولى عام 1997.
17ـ في ندوة العلمانية والديموقراطية والإسلام السياسي ملاحظات منهجية
https://youtu.be/F-9jftkdJ-c
حسام الدين درويش
يوتيوب تاريخ 2020، الدقيقة 20.
81ـ نفس المرجع السابق، الدقيقة 21 ـ 22.
19ـ طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين (الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2014).
(20) فرح أنطون ابن رشد وفلسفته (مع ردود الأستاذ على الجامعة في ست مقالات، وأجوبة الجامعة في ست مقالات أيضا). الإسكندرية في 01 يناير/كانون الثاني سنة 1903، منشورات مجلة الجامعة لصاحبها فرح أنطون، والتي كانت تصدر في الإسكندرية، ص: 140.
(21) المرجع نفسه، ص: 140.
(22) فرح أنطون ابن رشد وفلسفته (مع ردود الأستاذ على الجامعة في ست مقالات، وأجوبة الجامعة في ست مقالات أيضا). الإسكندرية في 01 يناير/كانون الثاني سنة 1903، منشورات مجلة الجامعة لصاحبها فرح أنطون، والتي كانت تصدر في الإسكندرية، ص: 151 ـ 156.
(23) فرح أنطون ابن رشد وفلسفته (مع ردود الأستاذ على الجامعة في ست مقالات، وأجوبة الجامعة في ست مقالات أيضا). الإسكندرية في 01 يناير/كانون الثاني سنة 1903، منشورات مجلة الجامعة لصاحبها فرح أنطون، والتي كانت تصدر في الإسكندرية، ص: 140 ـ 141.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت