الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (2) ‏

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2023 / 5 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مخطوطة يوحنا النقيوسي ‏(تاريخ إيجبت والعالم)‏ ..... وإشكالية تبادل التاريخ بين مصر وإيجبت

لم يقتصر جهد اليهود على غرس اسمهم في شعب وادي النيل، أو غرس أحداث من ‏تاريخهم العشائري في تاريخ الإمبراطورية العظمى على وادي النيل عندما قاموا بغرس اسم ‏هذه الإمبراطورية في كتبهم المقدسة؛ أي عملية استبدال اسم باسم (إيجبت –مصرايم)، أو ‏دمج الاسمين معاً "جبتو مصرايم" في الجبتانا... إنما قاموا باستبدال تاريخ هذه الإمبراطورية ‏بتاريخ عشيرة عربية كانت رفيقة لبني إسرائيل في السبي البابلي !! ...إن الحملة الأكبر التي ‏قام بها اليهود عقب إتمام مشروع الترجمة السبعونية كانت تأليف عشرات الكتب بهذا ‏النمط التبادلي، باعتبار أن إمبراطورية شعب وادي النيل كانت شريكة لهم في التاريخ ‏العشائري وكان الجبتيون شركاء ورفقاء لهم في السبي البابلي ! والغريب أن يقنعوا الجبتيين ‏أنفسهم بأنهم كانوا فعلاً رفاقهم في هذا السبي !!‏

ونتناول في هذه الإضاءة كتاب" تاريخ إيجبت والعالم قام بتأليفه أحد الكهنة اليهود، ‏وذلك حوالي القرن السابع ميلادي، وتم اعتماد توقيع الأسقف الجبتي يوحنا النقيوسي على ‏غلافه، هذا الكتاب دون فيه كهنة اليهود باسم الأسقف الكثير من المعلومات عن بلاده ‏وتاريخها وجغرافيتها، لكننا سنتناول فصلاً واحداً منه فقط لنثبت للقارئ أن يوحنا ‏النقيوسي كان مجرد اسم فقط على غلاف الكتاب ولم يكن هو المؤلف الحقيقي له.‏

والنسخة الوحيدة التي وصلتنا من هذا الكتاب مكتوبة باللغة الإثيوبية القديمة ‏‏(الأمهرية) وهي مُترجمة عن العربية التي هي في حكم المفقودة حالياً، هذه النسخة العربية ‏يختلف الرأي بشأنها حول اللغة التي ترجمت منها، فهناك آراء تقول أن لغة المخطوطة الأصلية ‏هي اليونانية وآراء أخرى على الأرجح أنها القبطية، لكن الدكتور عمر صابر أثبت بعد ‏تحليل دقيق للنص العربي أن النسخة العربية كانت أصلية في التأليف ولم تكن مُترجمة ‏عن غيرها من اللغات. وقد تُرجم الكتاب لأول مرة إلى الفرنسية على يد‎ ‎هرمان زوتنبرغ ‏ونشر عام 1883م في باريس بعنوان؛
‎"Chronique de Jean, Évêque de Nikiou, Texte éthiopien publié et traduit, Paris, 1883"‎
‏ ‏
وعن هذه النسخة الفرنسية قام‎ ‎روبرت تشارلز‎ ‎بترجمة الكتاب إلى الإنجليزية مع شروحات ‏وتعليقات على النص المترجم عام 1916 بعنوان:‏
‎"The chronicle of John (c. 690 A.D.) : coptic bishop of Nikiu : being a history of Egypt ‎before and during the Arab conquest. Translated from Hermann Zotenberg s edition of the ‎Ethiopic version, with an introduction, critical and linguistic notes, and an index of names, ‎London 1916"‎

وقام الأستاذ كامل صالح نخلة بترجمة مختارات عن الترجمة الفرنسية، ثم قام ‏الدكتور عمر صابر عبد الجليل بترجمة نص مخطوطة يوحنا النقيوسي من النص الحبشي ‏مباشرة إلى اللغة العربية وجاءت بعنوان: "تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي - رؤية قبطية للفتح ‏الإسلامي"‏

الدكتور عمر صابر عبد الجليل أستاذ اللغويات بجامعة القاهرة والذي تفضل بترجمة ‏مخطوطة يوحنا النقيوسي إلى العربية وبذل فيها مجهوداً خرافياً. وأثناء قراءتي للكتاب ‏وقعت عيني على تعليق له في أحد الهوامش السفلية، يرى فيه أن يوحنا النقيوسي قد وقع ‏سهواً في خطأ تأريخي حيث أنه خلط بين تاريخ اكتساح نبوخذ نصر لمنطقة الجزيرة العربية ‏حين خرّب القرى والمدن وخرّب مصرايم جنوب غرب الجزيرة العربية واقتاد بني إسرائيل إلى ‏السبي البابلي، وبين قمبيز الذي غزا إيجبت في تاريخ لاحق، حيث أن قمبيز هو شخصية ‏مختلفة تماماً عن نبوخذ نصر وجاء بعده بسبعين عاماً، وقمبيز احتل إيجبت وحكمها ثلاث ‏سنوات فقط، وهو فارسي (إيراني) بينما نبوخذ نصر بابلي (عراقي). والدكتور عمر صابر ‏يستغرب من خلط يوحنا بين نبوخذ نصر الذي اقتحم جنوب غرب الجزيرة العربية واقتحم ‏أورشليم ومصرايم وممالك اليهود وبين قمبيز الذي اقتحم إيجبت، فجعل يسرد حكايات ‏اليهود وأورشليم ومصرايم والقرى التي خربها نبوخذ نصر وكأنها (الأحداث والأماكن ‏الجغرافية مع استبدال المسميات) موزعة على مدن وأقاليم إيجبت وأنها تمت بفعل قمبيز في ‏منف وأشمونين وأتريب وفيوم وصا ..إلخ! ‏

واعتبر الدكتور عمر ذلك مجرد خطأ في السرد وقع فيه رجل دين حاول أن يكتب ‏تاريخ.. لكن الحقيقة أن الدكتور عمر هو الذي اختلط عليه الأمر، لأن الكتاب لم يؤلفه ‏يوحنا النيقوسي ولم يقع في خطأ وخلط، بل إن هذا الكتاب تم تأليفه عمداً على نمط ثقافي ‏سياسي محدد سلفاً ليكون تراثاً لنا ! حتى وإن كان مؤلف الكتاب قد وقع في خلط، فهو ‏يبرئ ساحته حينما يقول أنه قرأ ذلك في كتاب (روح الرب) وهو ذات الكتاب الذي قرأ فيه ‏سم نهر (جيحون) ( تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي– ص 63 ) وقرأ اسمه (نهر مصر العظيم) وقد ‏حاول المؤلف أن يقنعنا بأنه نهر النيل، بينما الحقيقة أنه هو النهر الجاري في وادي مصريم ‏جنوب غرب الجزيرة العربية).. وقد شرح (المؤلف) الأحداث التي وقعت على ضفاف نهر جيحون ‏وكأنها وقعت على ضفاف النيل أو أحد فروعه، وكذلك اعتمد بصورة شبه أساسية على ‏كتاب (تاريخ اليهود) كمصدرٍ له ( تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي– ص 57 ) . أي أنه نقل ‏جرائم نبوخذ نصر إلى قمبيز، ونقل حكايات سبي العرب سكان مصرايم إلى الجبتيين ‏ولبّسها، فكان (المؤلف) يتساقط دمعاً حزناً على (أجداده) القبط الذين شردهم قمبيز في بابل ‏‏! بينما الحقيقة أنهم عرب آراميين شردهم نبوخذ نصر، ونقل وقائع أحداث وأسماء جغرافية، ‏ولم يقع يوحنا في خطأ وخلط بل إن (المؤلف) نقل بكل أمانة من كتابي (روح الرب وتاريخ ‏اليهود) وأضاف حُبكته الفنية.‏

وكتاب تاريخ اليهود هذا ألّفه يوسف الحكيم، ويوسف الحكيم هذا هو المؤرخ اليهودي ‏يوسيفوس في عُرف المؤرخين اليونانيين، والذي كان مقيماً في مكتبة الإسكندرية، ما ‏يعني لدينا أن يوسيفوس هذا كان هو رئيس عصابة المؤرخين الذي اخترعوا التاريخ الخرافي ‏لإيجبت وشعوب الشرق بالكامل ونقل عنه كل المؤرخين اليونايين الذين نعتبرهم الآن أقدم ‏المراجع التي تحدثت عن بلادنا خلال الحقبة البطلمية ! .. ‏

ولو تساءلنا عن كتاب روح الرب أيضاً سنعرف أنه مدونة تاريخية يهودية تم تسطيرها ‏بإحكام شديد تزامناً مع الترجمة السبعونية للتوراة للتحدث عن مصرايم بلسان إيجبت، ‏وهو نموذج مثالي لتزوير التاريخ في عصره، فاليهود كانوا أذكياء للغاية، فلم يكتفوا ‏بتزوير كتب الدين وإنما زوروا كذلك كتب التاريخ ليقرأ أبناء شعب الوادي ويحفظون ‏حتى الثمالة، وكل ما في الأمر أن (المؤلف) حاول أن يطوي تاريخ إيجبت في تاريخ مصرايم ‏بلاد العرب الآراميين واليهود، لأن (المؤلف) يريد أن يطوي تاريخ بتاريخ وحضارة بحضارة ‏وقومية بقومية أخرى، خاصة بعدما صار التعرف على هوية مصرايم التي تذكرها التوراة ‏جغرافيا وتاريخياً أمراً صعباً، فهو لم يتبع الأسلوب العلمي الرصين في التحقيق التاريخي، وإنما ‏اتبع أسلوب حكائي أدبي مع خليط من الأساطير الخيالية والخرافات يمكنها حمل ثقافة ‏شعبية تجد طريقها بسهولة إلى قلوب العامة، وتفلت من أصابع العلماء والمتخصين، ويؤكد ‏ذلك ما جاء من أساطير في مخطوطة يوحنا النقيوسي ، وأسلوبه الأدبي الحكائي وليس ‏العلمي.. وهو ذاته أسلوب الجبتانا، وإن كان يميل إلى الطابع التاريخي أكثر. وهو ذاته ما ‏حدث مع الصحابة العرب إذ دسّ إليهم اليهود الكثير من الخرافات والأكاذيب التي كانت ‏كفيلة بضرب الإسلام في مقتل، مثل حكايات بيت المقدس وأن الأرض المباركة المقدسة ‏هي أرض الشام..إلخ، لكن إلى الآن لم يُكتَشف أي كتاب خطَته أنامل يهودية وحمل ‏توقيع لأحد المشايخ، برغم أن هناك الكثير من نقاط التعجب والاستغراب منتشرة بكثرة ‏في ثنايا التراث العربي الإسلامي...‏

يُتبع ...‏‎

‏(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ ‎‏)‏‎ ‌‎
‏ (رابط الكتاب على نيل وفرات):‏‎
‏ ‌‎ ‏https://tinyurl.com/25juux8h‏‎ ‌‎

‏(رابط الكتاب على أمازون) :‏‎
‏ ‏https://cutt.us/sxMIp‏ ‏‎

‏( رابط الكتاب على جوجل بلاي‏‎ ):
https://cutt.us/KFw7C

‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA

‏#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي