الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولاية الفقهية السنية والشيعية ومصدرها الأعتقادي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 5 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نظرية ولاية الفقيه التي يتبنى قسم كبير من المجتمع الشيعي خطوطها العامة سواء بالتقصير من غلوائها أو التوسع اللا محدود في التعاطي معها، لكنهم جميعا متفقون من حيث الأساس أن الولاية معقودة حصرا وتخصيصا للولي الفقيه الجامع للشرائط، الذي يجعل من نفسه ليس متوليا بالذات بل بالنيابة عن المعصوم الذي ولايته جزء أساسي من أركان الدين وقواعده، وبالتالي فإن إدعاء بعض الذين يروجون بعدم وجود ولاية للفقيه عندهم هي محاولة زائفة وتحوير بالمفاهيم التغريرية، أساسها صراع شخصي فكري بين أطراف متفقة أساسا على مشترك أكبر لا ينكره أحدا منهم، فالولاية متحققة بالواقع ومنذ أن ظهر مبدأ التقليد والرجوع إلى نائب الإمام الغائب ووكلائه من بعده، هذا لا يعني أن المتبقي الغالب من المجتمع الإسلامي وأقصد بهم أبناء السنة والجماعة ينكرون ولاية الفقيه أو لا يعرفونها ولم تكن جزء من إرثهم الفكري والعقائدي، بل هم في الحقيقة أشد حزما في التعاطي مع الولاية الفقهية خاصة عندما تكون حاكمة "سلطانية" للدرجة التي يوصف بها أو بما ترتبه على الخارج عن ولاية السلطان المؤيد بالفقيه بأنه "كافر" مستوجب القتل.
ولو أخذنا نموذجين من نظريات الحكم عند الطرفين وهما مثلا نظام ولاية الفقيه في إيران ونماذج نظام الحكم عند الإخوان المسلمين، نجدهما فكرتان تقومان على قاعدة الولاية الدينية الحتمية على المجتمع القاصر ولا بد من أن يكون لهذا المجتمع من مرشد وراع ومهيمن على القرار بأعتباره الأقرب إلى الدين وبالتالي إلى الله من الأمة، بما فيه مثلا حق المرشد في القيادة باعتباره "نبي منتخب" من الرأس التنظيمي لكليهما فضلا عن الشورى التبعية للمرشد وليس شورى الخيار الحر، فطالما أن النبي المرسل لم يعد له وجود في الواقع الفعلي بإنقطاع الرسالة ولم يعد ممكنا الادعاء بالنبوة من بعد محمد، فلا بد من نبي منتخب يقوم بنفس دور النبي المرسل ويتميز بنفس المنزله وله حق الطاعة على الكل، حتى في التسميه هما واحد هنا مرشد أعلى وهناك مرشد الجماعة لكون الأمة لا يمكنها بلوغ الرشد دون مرشد اعظم يختار لها وفق قاعدة لا خيرة لمؤمن ولا مؤمنة الا ما يختار الله ورسوله، هذا التوصيف يلغي كل الفروقات المذهبية بين الطرفين سوى الأنتساب لحزب أو مناوئة لوجوده، ويعيد صياغة واحدة لمفهوم الحاكمية الدينية عند الاسلام السياسي المتحزب، على أن ما كان لله فقد ذهب مع رسول الله وما كان للناس ففي عهدة مرشد الناس ولكن بإبدال نبي أنتهت ولايته بنبي تتجدد ولايته ولا ينتهي عصره ولا خاتمية في أمره.
مشكلة العقل الديني بدون التخصيص أو التمذهب الزائف فيه هي مشكلة الأنا التي يصفها بالمؤمنة، والحقيقة أن من يؤمن بولاية نفسه على الأخر مهما كانت الصفة التي يدعي بها هي نوع من العنصرية وعدم الإيمان بأن البشر جميعا متساوون في الحقوق والواجبات التي مناطها ليس التكليف بل حقيقة وجود الإنسان ككائن عاقل، هذا الوهم الإيماني ينافي حقيقة مطلقة وهي أن الله رب الناس جميعا ورب الكون جميعا وليس بينه وبين خلقه من تدرج في القرب، إلا بما ينفع الوجود أصلا وينفع الإنسان ككائن يحتاج للمنقعة والمصلحة الكلية، الفوارق الإيمانية تأت نتيجة مقدار ما يقدم المؤمن للمجتمع وللوجود، أو ما شاع أستعماله وهو قانون مهم وأساسي وهو "خير الناس من نفع الناس"، الولاية وبأي شكل وخاصة عندما تغلف بمبدأ الطاعة والرضوخ بدون قرار وإرادة حره شكلا من أشكال الأستعباد والظلم الواقع خلافا لمبدأ وحدة الموجود ووحدة الخالق ووحدة الطريق الذي يجمع الناس على العمل المشترك، خاصة مع فقدان ما يسمى وهم العبقرية الفذة اللا طبيعية في التصدي لموضوع هو في الأساس ر يحتاج إلى عبقرية وإنما لقليل من العقل والتدبر.
الولاية الفقهية التي يتشدق بها أصحاب نظرية الحكم الإسلامية تقوم على مبادئ ثلاث هي:.
• الأمة قاصرة عن إدراك مصالحها ومعرفة التوافق بين الأداء المجتمعي والمطلوب الديني، وهذا الأمر لا يدركه في الحقيقة إلا المتولي الفقيه سواء من أستورثها من قبل أو بوصية أو أنتخاب، والظاهر هذا المأزق يتعارض مع منطوق فقهي أخر هو أن الأمة لا تجتمع على ضلال، فكيف يتم التوفيق بين معصومية الأمة وجهلها بمصالحها، النقطة الأخرى الأمة التي لا تستطيع أن تقود نفسها ولا تعرف مصالحها لا يمكنها أن تنجب فردا قادرا على ما عجزت هي عنه، لذا نجد التشتت في التبريرات المتناقضة لتسويق مبدأ جهل الأمة وغبائها.
• التفقه في الدين يغني الأمة عن كل المعارف والعلوم، فالعلم الديني هو قمة العلم البشري لأن مصدره الأساسي القرآن الكريم الذي لا يأت الباطل من بين يديه ومن خلفه، وبالتالي فعلم الفقيه من علم القرآن وهو من علم الله، في الوقت الذي يقول القرآن ويؤمنون بما يرد في السنة أن وظيفة الإنسان العاقل طلب العلم والمعرفة والتدبر والتعقل والتفكر، ولم ينطق القرأن بأن أحدا من البشر يمكنه أن يكون علمه مشتقا من علم الله ما لم يعرف كل العلوم الحقيقية التي في غالب أجزائها لا علاقة للقرآن بها ولا بعلم القرآن.
• بما أن الفقيه خليقة رسول الله على المؤمنين ويحل محله في الوظيفة والتشريع، فلا بد أن يرث ما منحه الله من صلاحيات حصرية، فالرسول أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبالتالي وقياسا وتخريجا لهذا النص فالولي الفقيه هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، لكن نسي الفقيه الولي أن منزلة الرسول في جوانب كثيرة منها لا يمكن أن تنتقل لأي خليفة حقيقي أو مفترض أو مدع، منها مثلا حرمة نساء الرسول أمهات المؤمنين على غيره من بعده أو حتى في حياته، فهل مثلا تحرم نساء الولي الفقيه على الناس بأعتبارهن أمهات المؤمنين، المنزلة النبوية الرسالية أنتهت بأنتهاء حياة الرسول ولا يمكن التمسك بنصوصها ولا العمل بها من بعده، وتطبيقها على أي شخص أخر مهما كانت منزلته وفقهه وعلمه.
هذه المبادئ الثلاث والتي تؤسس لمفهوم ولاية الفقيه الدينية والسياسية والأجتماعية قي نظرية الحكم الإسلامي التي لا وجود لها إلا في العقل الأناني الخالية من واقعية الإيمان بالله، تشير إلى ديكتاتورية سياسية وفكرية مقيتة ورفض للأخر مهما كان عنوانه أو درجة تطوره العلمي، أيضا تشكل وهم عنصرية ونرجسية عندما تنكر حق الأخر المختلف في أن يكون موجودا في حدود حقوق الإنسانية الطبيعية، أما الإدعاء من قبل طرف أو أطراف منضمة لنظرية الولاية هذه بأن الولي الفقيه قادر بالفعل سواء عبر تواصله الغيبي مع مؤسس التشريع، أو من خلال تكامل علمه الديني أن يكون بديلا عن التشتت والأختلاف المجتمعي الطبيعي القائم على الخصائص والمزايا الفردية، فهو مردود بالتجربة العملية الواقعية والتاريخية حيث تخلص المجتمع من سطوة الكهنة وتحكم المعبد به، صحيح أن الناس مختلفون بكل شيء ولكن من السهل واليسر عليهم في ظل حرية منظمة ومسئولة أن يضعوا الكثير من المشتركات البينية الرابطة لهم، والتي تصح لتؤسس رؤية متكاملة قادرة على توجيه المجتمع نحو مصالحه الحقيقية وحفظ وتطور وجوده الذاتي عبر أليات متكاملة وحقيقية، منها حرية التعبير والمشاركة المتعددة الأطراف والتسامح الأخلاقي والريادة في بناء أسس التعايش السلمي عابرا للخصائص الفردية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدين الشعبي والدين الاصولي
منير كريم ( 2023 / 5 / 5 - 23:18 )
الاستاذ المحترم عباس علي العلي
اسمح لي بان اورد بعض الملااحظات
الدين السني التقليدي لايضع قضية الحكم ضمن اصول الدين بل ضمن فروعه
الا ان الالصولية السنية التي روج لها جمال الدين الافغاني وابو الاعلى المودودي جعلت قضية الحكم من الاصول عبر موضوعة الجهاد
وبالمقابل ايضا كانت الشيعة الاخبارية ( التقليدية) غير متحمسة لقضية الحكم باعتبار ها مؤجلة الى ظهور المهدي بينما الاصولية الشيعية جعلت منها القضية الاساس واسمتها ولاية الفقية الذي ينوب عن المهدي الان
هناك اختلاف بالدرجة والطريقة في الكهنوتية والثيوقراطية بين السنة والشيعة
هذا الكلام من الناحية الاكاديمية فقط لكن من الناحية الفعلية لابديل عن العلمانية والحرية
شكرا لك


2 - تحياتي
عباس علي العلي ( 2023 / 5 / 9 - 09:02 )
صباح الخير صديقي العزيز
نعم ما تفضلت به صحيح ولكن انا اتكلم عن الاعتقاد العام والطاغي والعملي في العقلية الدينية في كلا الاتجاهين وباكرا، فالصراع السياسي الاولي قبل ظهور المذاهب والفرق، وعندما كان دائرا بين مدرسة مكة المحافظة والتقليدية ومدرسة المدينة الأصولية المنقتحة كان الصراع على الحكم بدأ من أحداث السففة وأنتهاء بتولي معاوية المملكة الإسلانية الناشئة والقضاء على الدولة الراشدة القائمة ولو شكليا على مبدأ وشاورهم في الأمر وأمرهم شورى بينهم، مع العلم أن مفاهيم الأصول والفروع هذه مجرد حيلة فقهية كهنوتية دمرت الدين وحطمت الأساس المنطقي له بأعتماد أصول بدلا الأركان والفروع بدل التكتيكات العمليةـ فأصول الدين هي التي لا يمكن أن يقوم أي دين إلا
بوجودها وهي العقل والوجود والعدل والطلية وأخيرا العمل، هذه هي الأركان الأصولية للدين كما جاء في النص والقصدية الدينية .... شكرا لك صديقي


3 - الاختلاف بين الاخباريين والاصوليين من الشيعة
سمير أل طوق البحراني ( 2023 / 5 / 11 - 12:13 )
الاخبارية يؤمنون بالقرآن والاحاديث المروية عن النبي والائمة بثقة السند وان كانت مخالفة للقرآن وان من عقيدتهم جواز تقليد الاموات وان اي حكومة تقوم في زمن الغيبة فحاكما طاغوت ويؤمنون بالتقية والانتظار. اما الاصولية يؤمنون كما تؤمن به الاخبارية ويضيفوعليه دليل العقل ومعظمهم لا يؤمنون بالولاية العامة الى ان جاء الخميني ونظر لها استنادا على احاديث لا تثبت ولاية الفقيه العامة في كتابه الحكومة الاسلامية. ان الذي ثبت ولاية الفقيه في ايران هو دكتاتورية ملوكها لا غير ولو ان انتخابا حرا يجري حول نمط الحكم فس ايران لرفض الشعب ولاية الفيه جملة وتفصيلا. ان الدوافع التي تعضد عن ولاية الفقيه هيي القوات الامنية من حرس الثورة التي لها مصالح مشتركة مع الحكم كما ان قادة الجيش من المؤمنين بولاية الفقيه والمصالح المتبادلة. لكن دوام الحال من المحال لان غالبية الشعوب الاسلامية تؤمن بدموقراطية الحكم.


4 - هل تحتاج امة الاسلام الى مرجعية دينية؟؟؟
سمير أل طوق البحراني ( 2023 / 5 / 11 - 15:52 )
في عصر العلم والكنولوجيا ؟؟. كلا ثم كلا !!. لقد كتب الاخ حمزة الكرعاوي مقالا بعنوان (نقد المرجعية الدينية في النجف) بتاريخ 2020 / 4 / 19 تحت الرابط الاتي:
https://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?t=2&aid=673867
وكان لنا تعليق عليه بعنوان:- هل نحن في حاجة لمرجعية في العصر الحديث؟؟؟:ابدينا وجهة نظرنا حول المرجعيات الدينية في عصر العلوم والتكنولوجيا فعلى من يرغب بالتعرف على راينا فليراجع. سلام عليكم


5 - رأى
على سالم ( 2023 / 5 / 11 - 16:50 )
انا اعتقد ان الاسلام كعقيده ودين وبأختلاف اطيافه ومذاهبه المتضاربه يحتاج الى اعاده نظر وتفسير وتقييم بل وتشريح لكل نصوصه البدويه المجهوله المصدر , الغريب هنا هؤلاء الشيوخ التكفيريين الذين يظهروا على وسائل التواصل ويتبادلوا الشتائم والسباب واللعان بل ويكفروا بعضهم البعض ولانعرف من هى هذه الفئه الناجيه الموعوده فى نظر هؤلاء الدجالين اللئام


6 - رد
عباس علي العلي ( 2023 / 5 / 11 - 16:59 )
السلام عليكم
كثيرا ما أردد مع الناس من أصدقاء أو قراء أو عبر العلاقات الشخصية أن الدين مهما كان فاسدا أو غير ملائم فلا تقع الجريمة عليه فيما نحن به من مصائب، الدين معرفة وفكر والأنسان العاقل السوي عنده عقل وتفكير وارادة وهدف، لماذا ينجر وراء الافكار الشريرة؟ ولماذا يتبناها أصلا؟ اليس من الواجب عليه أن يكون ذا موقف منها قبل أن يعتنقها وعندها يتحمل المسئولية، نحن جميعا نؤمن بوجود شيطان ممكن ان يفعل الأفاعيل، فإذا تبعناه فهو ليس بملوم ولكن نحن من يجب ان يوجه له اللوم، المشايخ والكهنة وتجار الدين عموما هم الشيطان عندما يأمرك أو يفتي لك بالشر أو يكفر الناس، لماذا تصدقه؟ ولماذا تؤمن لكلامه أصلا، هذه هي المعادلة التي لم ننجح لأدراكها دوما... مع التحية

اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية