الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيم الأسرة المصرية ومحاكم التفتيش

مصطفى عبداللاه
باحث

(Mustafa)

2023 / 5 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ظهرت في الآونة الأخيرة تهمة جديدة يمكن أن تضاف إلى مجموع التهم التي لا يمكن نسبها إلا للعصور الوسطى ومحاكم التفتيش، وهي تهمة الاعتداء على مبادئ القيم الأسرية، وللاسف تم محاكمة العديد من الأشخاص تحت مسمى تلك التهمة كفتيات التيك توك وأخرهم كانت الموديل سلمى الشيمي، ولتحليل تلك الظاهرة علينا في البدء تعريف مفهوم القيم ونخص بالذكر القيم الاجتماعية لأنها مبعث المشكلة ومن ثم نمر على تطور مفهوم القيم لنعرف أصل المشكلة، تعرف القيم بأنها مجموعة المعايير التي تحدد الخير من الشر والصواب من الخطأ وهي ترتبط بمجموعة من البشر يعيشون في حيز جغرافي ما، والتجربة الإنسانية توحي لنا بأنه لا يوجد ثمة قيمة مطلقة بل إن القيم دائما ما تتغير وتتبدل من مكان إلى آخر ومن زمن إلى زمن آخر غيره، لأن الظروف والأحوال تتبدل وبالتالي تتغير القيم لتواكب مجتمعها، فالمجتمعات القديمة سيطرت عليها أخلاق وقيم الآلهة فكان الخير والشر مربوط بمعايير دينية واستمر ذلك المعيار منذ بدء تأسيس الحضارة الإنسانية و أكتشاف الزراعة وظهور المجتمعات حتى عصر الأنوار الأوروبي اللهم إلا بعض الطفرات التي ظهرت في اليونان وروما التي سرعان ما تلاشت بأعتناق الدولة الرومانية الديانة المسيحية، غير أن عصر الأنوار الأوروبي بدأ في تغيير مصدر القيم التي كما ذكرنا أنفاً كانت تعتمد على تعليمات الدين و لابد الا ننسى الخلفية التاريخية لتلك الحركة الأصلاحية التي خرجت من عباءة العصور الوسطى التي ساد فيها الاحتكام الى القيم الدينية وقيم اعلاء راية الامة والتي أدت الى حروب أستمرت لقرون و قرون كالحملات الصليبية والغزوات الاسلامية فكلاً منهم كان يريد أعلاء القيم التي يرأها صواب وما عدها شر مطلق، الا ان ما حدث في عصر الانوار هو تغيير بوصلة تلك القيم فبدلاً من أن تكون تعليمات الدين ورجاله أو قيم أستبدادية تتعلق بمفاهيم حول الأمة و الجماعة أصبح الأنسان هو هدف تلك القيم و هو البوصلة التي تهتدي به، أصبحت الانسانية هي الهدف فالقيم موجودة من أجل الانسان وليس العكس، وبالتالي تعلقت معايير القيم بمفاهيم كالالم واللذة والسعادة وتحقيق الصالح لجميع أفراد المجتمع وما عدا ذلك أصبحت قيم نسبية متعلقة بالفرد نفسه ومعتقداته أمر شخصي لا يجوز له فرضها على غيره حتى لا يأتي أخرين ويفرضون عليه ما لا يتقبل وندخل في دائرة جديدة من الصراع، وتأسيس على ما سبق نجد أن تلك القضية المعروفة بالاعتداء على مبادئ القيم الأسرية هي عودة لما كان يحدث في العصور المظلمة ومحاكم التفتيش من فرض للقيم الشخصية النسبية ومعاقبة كل من يتجرأ ويخرج من عباءتها، ونحن في ذلك نضرب بعرض الحائط ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بل وحتى ما نص عليه الدستور المصري لسنة 2014 في مادته 65 التي تنص على حرية الرأي والتعبير وحرية استخدام وسائل النشر في ذلك، فلكل إنسان حق التعبير عن نفسه طالما لم يشمل هذا تحريضاً ضد فئة ما، فما يحدث ماهو الا أستخدام لنفس منطق الجماعات المتطرفة في فرض القيم والآراء التي تراها صحيحة، فكيف نحارب تلك الجماعات ونحن نستخدم نفس منطقهم!، واذا تكلمنا عن المواد القانونية المأصلة لذلك سنجد أن المادة 25 من قانون 175 لسنة 2018 التي تنص على ان يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى و المادة المادة 178 عقوبات لسنة 2018 التي تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد عن 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من نشر صورًا بقصد العرض إذا كانت خادشة للحياء العام، واذا تكلمنا عن المادة الاولى فلأبد أن نسال ماهي معايير قيم الأسرة المصرية وهل تلك القيم ثابته أم متغيره من شخص الى أخر ومن أعطى الدولة الحق في الدفاع عن تلك القيم لانها لو كانت قيم صالحة ما أحتاجت الدفاع عنها وكانت هي أولى بالدفاع عن نفسها، بل وكما ذكرنا فيما سبق أن القيم لابد ان تستند على معايير ماهو صواب وهو خطأ وما هو متعلق بسعادة الأفراد بداخل المتجمع ومعدا ذلك تصبح قيم شخصية نسبية لا يحق للدولة التدخل فيها، وبالنسبة للمادة الثانية في تطرح نفس أشكاليات التي طرحتها المادة السابقة، فكيف أن نحدد أن تلك الصورة خادشة للحياء فهو بالأمر النسبي والمتغيير من فرد الى أخر وهنا نريد ان نسأل ايضاً من عين الدولة رقيب على حياء المواطنين والحفاظ عليه! هل من المتفرض أن يكون هذا من واجبات الدولة أصلا! أم من المفترض أن تكون واجبات الدولة هو زيادة رفاهية المواطنين و أن تكون هيكل تنظيمي بين الأفراد وليس فزاعة للأخلاق؟ ونحن نرى ان تلك المواد هي مواد غير دستورية لانها تقف حائل بين الفرد و رائيه والتعبير عنه الحق الأساسي الذي كفله الدستور فكيف تأتي مواد قانونية أخرى و تسلب ذلك الحق! ولابد ان لا ننسى التصريح الكارثي الذي قاله المستشار محمد خفاجي في قضية دكتورة منى برنيس التي أنتهت فيها المحاكمة بعزل الدكتورة منى من منصبها التعليمي فعندما قال أن حرية الأعتقاد مكفولة طالما ظلت حبيسة النفس! فهو بما قاله يضرب بعرض الحائط بالدستور المصري الذي يكفل حرية التعبير بكل الوسائل الممكنة وايضاً يتجاهل المواثيق العالمية لحقوق الأنسان، وفي الحقيقة ما يحدث وما حدث لا يخدم الا التيارات الاصولية كالسلفيين ومن هم على شاكلتهم من الأخوان ومؤسسة الأزهر، فكيف لنا أن ندعي بأننا نبني جمهورية جديدة ونحن مازلنا نعيش في جلباب العصور المظلمة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب