الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوظيف السياسي للدين : لعبة الأمم !! الجزء الأول

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2023 / 5 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت الديانات على الدوام –سماوية أو وضعية- أرضاً خصبة للتوظيف السياسي عبر التاريخ، فما من دين إلا واستغله أهله على نحو مغاير لوظيفته القيميّة والأخلاقية ، فأصل الاديان السماوية هو تخليص الانسان من استعباد المخلوق الى عبودية الخالق، فالدين للفرد عقيدة إيمان وعلاقة بين المؤمن وربِّه؛ والدين على مستوى الشعوب تقاليد وطقوس معينة، وبالنسبة للسلطة السياسية –على مر التاريخ- وسيلة لتسهيل مهمة السيطرة على المكونات الاجتماعية عبر جملة التشريعات والنظم التي تحكم شؤون المجتمع باسم الدين!!
ويأتي الدور الأخطر للدين حينما تتدخل الطبقة الحاكمة لتوظيفه سياسيا في خدمة اهدافها ومصالحها، داخليا وخارجيا، من خلال مؤسسة تتولى رعاية العقيدة الدينية ضمن أيديولوجية معينة تزعم امتلاك الحقيقة وتحاول فرضها على الاخرين، حتى يتحول الدين الى عقيدة "للقمع الإيديولوجي" في مختلف مناحي العلاقات الانسانية ، خاصة السياسية، ويصبح ، التدّين، في نهاية المطاف، "لعبة الامم"!!
وان كان الغرب يبدو للوهلة الاولى انه علماني الايدولوجيا ، إلا انه في الواقع يمارس السياسة من زاوية دينية، ويوظف سياسته في علاقاته مع الشرق، خاصة المسلمين والعرب، من خلال ظاهرة التدين في بعدها الثقافي، فالغرب الذي تخلص من سيطرة الكنيسة في العصور الوسطى وتبنى العلمانية كبديل عن السلطة الدينية، استهدف في المقام الاول اطلاق العنان للعقل والتفكير بعيدا عن التأويل الديني لقضايا الدنيا، وصولا الى الحداثة المعاصرة، لكن عودة الغرب اليوم، شعوبا ودولا، الى التدين، هو محاولة لتلافي سلبيات الحداثة التي انعكست سلبا على انسانية البشر وقيمهم الروحية ، فيما تبدو المغالاة في ظاهرة التدين في المجتمعات العربية والإسلامية، هروبا من فشل ادراك الحداثة ذاتها، رغم كل المحاولات العربية للحاق بركب الحضارة الغربية منذ مطلع القرن الماضي، شكلا لا موضوعا!!
وحتى لا نخوض في تفسيرات عقيمة وأخرى جدلية حول البعد السياسي للدين في العالم العربي وعلاقته بـ"لعبة الأمم" من طرف الغرب، والذي أجاد استخدام الدين كسلاح فعّال في تقسيم الامة واللعب على وتر التناقضات الطائفية الدينية والسياسية، ولان المقال لا يتسع لتحليلات مركبة او متشعبة، فانه يمكننا التأكيد على ان المشاهدات الحياتية اليومية في الشارعين العربي والاسلامي، تقدم للقارئ تفسيرات واقعية عن "الظاهرة السياسية" للدين، وهي تفسيرات لا ترتبط بعامل واحد بل بجملة متوالية من العوامل الداخلية والخارجية، بعضها اقتصادي وبعضها الأخر ثقافي، فيما يرى اخرون ان للغرب دورا بارزا في تضخيم تلك المقولة لغايات تسويق "صراع الحضارات" بوصفه "كلمة السر" في لعبة الامم، وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط، المزدحمة بالتناقضات الفكرية والثقافية الدينية – الطائفية، وارض خصبة للنزاعات والحروب على مر التاريخ.
والغرب الذي أرجع التشدد الديني في العالم العربي الى البيئات الفقيرة والمضطهدة اقتصاديا، تناسى ان اغلب حركات التشدد الديني خرجت من رحم مجتمعات غنية ومن طبقات حصلت على مستوى تعليمي مناسب. ولا يمكن لنا الجزم بصحة ما يدعيه الغرب بأن التعليم الديني هو السبب في ظاهرة "التدين" الاسلامي والميل نحو "أسلمة" المجتمعات العربية، لان تلك المقولة مبنية على افتراض ان المجتمعات العربية تمتلك هوية قومية "مستقلة" وحضارة ثقافية "منفصلة" عن الثقافة الإسلامية، وهذا اعتقاد لا يجانب الصواب، لأن هوية العرب وثقافتهم مبنية على أسس دينية، اسلامية ومسيحية، وبالتالي فان المجتمعات العربية لم تنادي يوما بفصل الدين عن تنظيم شؤون الحياة او السياسة، كما جرى في الغرب.
بدليل ان الشعوب العربية حينما رفعت شعار "الاسلام هو الحل"، كرد فعل على فشل الانظمة القومية والاشتراكية والبعثية في الدفاع عن المشروع الحضاري العربي في وجه الغرب عامة، وإسرائيل خاصة، لم يكن الاسلام غائبا آنذاك عن الساحة السياسية، وان ضعف – كأيديولوجيا حكم- في زمن الدولة الوطنية العربية منذ سقوط الخلافة الاسلامية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى، لكن الشعور بالإحباط والاستبداد السياسي، وفقدان بوصلة التطور الحضاري ..الخ، كانت جملة من الدوافع التي فتحت الباب واسعا امام تنظيمات إسلامية للمناداة بضرورة العودة الى الإسلام كحل لازمات الأمة، وتلك الدعوة تزامنت مع غياب الحرية وفقر الحياة الحزبية وهشاشة الدولة الوطنية وضعف الفكر التجديدي المدني، وتهافت التيارات العربية على تقليد المشاريع والرؤى المستوردة، ما استدعى -بالضرورة- توفير بيئة عربية حاضنة "للظاهرة" الإسلامية منذ منتصف سبعينات القرن المنصرم.
والمشكلة المعرفية في فهم "الظاهرة الإسلامية" وأسباب صعود التيارات السياسية الدينية في العالم العربي، تؤرق المفكرين ومراكز الدراسات في الغرب، فحتى أهل الاستشراق لم يكلفوا انفسهم عناء الموضوعية عند دراسة العرب والمسلمين، فصموئيل هينتجتون، مثلا، يعتمد على مقولات مستشرقين لمحاولة فهم "الظاهرة الإسلامية، ويقول ان "بروز هذه الظاهرة سببه الرئيس هو محاولة الشعوب العربية في اوقات التحول الاجتماعي السريع للبحث عن الذات من خلال العودة الى الدين"!! وهو تفسير او تحليل سطحي للغاية ، لان العرب لم ينقطعوا يوما عن الذاكرة الدينية ليعودا اليها في فترات التحول الاجتماعي، فيما يرى باحثون غربيون ان انتشار الاسلام السياسي في النصف الثاني من القرن الماضي سببه عمليات التحديث الاقتصادي والثقافي والسياسي في العالم!! وهو تفسير متناقض مع نفس الطروحات الغربية، لأن الاصل أن التحديث يساهم في انكماش التأثير الديني على الشعوب ويزيد من شعبية التيارات العلمانية والمدنية، وليس العكس !!
كما لا يمكننا تعميم ظاهرة "استعادة الذاكرة الدينية" لشعوب مسلمة استقلت عن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، او بتزايد عمران المساجد بشكل ملفت في جمهوريات أسيا الوسطى، على الشعوب العربية والإسلامية عامة، بوصفه دالة على "الظاهرة الإسلامية"، ففي تلك النماذج المعنى الحقيقي لشعوب انقطعت عن الثقافة الاسلامية واستعادتها بعد عقود من القمع السياسي والديني ابان الحكم الشيوعي السوفيتي، أما في الشرق العربي، فالقضية لها أبعاد اكثر مما تبدو للعيان، والتفسيرات أعلاه بعيده عن الواقع العربي، لأنه لم يحدث ابدا في هذه المنطقة ابتعاد أو انقطاع عن الهوية الدينية، حتى يقال ان الشعوب استعادتها بعد سنوات او عقود!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah