الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوظيف السياسي للدين : لعبة الأمم ! الجزء الثاني

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2023 / 5 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في تقرير صادر عن مؤسسة الفكر العربي حول "لعبة الامم" عام 2012م يتناول موضوع دور الدين عند الغرب ولعبة الامم في الشرق الاوسط، ويركز التقرير على رؤية المستشرق الفرنسي "جيل كيبيل" والذي يرى " أن التوجهات الدينية الجديدة في العالم لم تعد تهدف إلى التكيّف مع القيم العلمانية وإنما استعادة أساس مقدس لتنظيم المجتمع، وتغييره إذا لزم الأمر". من هنا فالتوجه الديني لدى الغرب بحسب كيبيل هو التحوّل عن الحداثة، بسبب فشلها، ويتنبأ المستشرق بنهايتها بسبب البعد عن الله. فالقضية اذا من وجهة نظره "لم تعد قضية تحديث وإنما "أنجلة" ثانية لأوروبا، كما لم يعد الهدف هو تحديث الإسلام بل "أسلمة" الحداثة !
لكن ان كانت عودة الغرب الى الدين محاولة لمواجهة مخاطر تفكك الأسرة الغربية والأمريكية في ظل الاغتراب الاجتماعي الداخلي الذي انتجته تكنولوجيا الحداثة في المؤسسة الاجتماعية هناك، فإنه لا يمكننا التسليم بمقولة ان العودة الى الدين وفق هذا التأطير في العالمين العربي والإسلامي مردها الاثار الاجتماعية للحداثة الغربية، كما يرى اهل الاستشراق، لان العرب اخفقوا أصلا في الوصول الى الحداثة ، واخفقوا ايضا في تحديث رؤية الإسلام للتطورات اللاحقة على مختلف الصعد، من هنا فان "أسلمة" الحداثة قضية مزعجة للكثير، على الصعيد الحضاري الإسلامي، فالأصل مواكبة الحداثة العالمية بما ينسجم مع الرؤية العربية لها، فاخفاق العرب في تحديث الاسلام مرده غياب حركة الحداثة الموجبة على صعيد التقدم التكنولوجي والسياسي والاقتصادي، فضلا عن الحداثة المعرفية، المبنية على الوعي والإدراك، فان فشل العرب حتى اليوم في تحديث الإسلام، كمنهج معاصر، فكيف يمكنهم ادارك الحداثة ذاتها!! في ضوء غياب منظومة قيم الحرية والعدل والمساواة والعقل!!
يطول الحديث حول وجهات النظر المتباينة ، شرقا وغربا، حول الاسلام والحداثة مقارنة بالغرب، لكن لندع هذا الامر جانبا، ونركز على قضية لعبة الامم والدول العظمى في التوظيف السياسي للدين في المنطقة العربية، ومحاولة استغلال تلك الورقة للترويج لظاهرة "الاسلام فوبيا" بهدف تمرير مصالح الغرب في بقاء العرب في دائرة الانقسامات والنزاعات امد الدهر، لاسيما وان الغرب مقتنع بنظرية "صراع الحضارات" رغم كل الادعاءات بان التعايش بين الحضارات هو الهدف المنشود، بيد أن ما نشاهده من دراسات وابحثا غربية وامريكية تصل صناع القرار الغربي، كلها تؤيد مقولة ان أهل "الإسلام"، خاصة طائفة المتشددين فيه، هم الخطر الحقيقي على مصالح الغرب وربما وجوده!!
و لا يخفى على احد ان هذا جزءاً من السيناريو الذي روج لها عتاة الفكر الغربي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990م، فكان البحث عن عدو جديد مهمة مراكز صنع القرارات والدراسات في اوروبا والولايات المتحدة، ولا شك ان تشويه صورة الإسلام، وخلق نماذج إسلامية معينة بوصفها خطرا يتهدد العالم المتحضر، كما هو الحال في "تنظيم القاعدة" الذي صنعته الولايات المتحدة كواجهة للجهاد الاسلامي في افغانستان مطلع الثمانينات ، ثم حولته بقدرة قادر الى "إرهاب إسلامي" مطلع التسعينات، هو "حصان طرواده" الذي نجحت من خلاله الولايات المتحدة الولوج الى المنطقة العربية وشن الحروب المتتالية على دول عربية واسلامية، ومن ثم فرض اجندات سياسية دولية باسم الدين، فلعبت على وتر التناقضات الطائفية، كما هو حال العرق ولبنان وافغانستان اليوم، وتحالفت مع قوى إقليمية، إيران، لديمومة انقسام وتمزيق المنطقة العربية، بما يحفظ مصالح وأمن إسرائيل والولايات المتحدة.
من هنا، انطلقت الرؤية الغربية "للاسلام فوبيا" من فكرة ان غياب الحداثة عن العرب هي السبب في تفشي ظاهرة "التطرف الإسلامي"! لذلك تبنت منهج "تحديث" الإسلام على طريقتها، بعد ان فشل العرب انفسهم في تحديث رؤيتهم الحضارية وأفكارهم الدينية لتتماشي مع الحرية والديمقراطية على النهج الاوروبي والأمريكي، فتعالت شعارات "حرية العراق" عام 2003م لتكون النتيجة الطبيعية تمزيق العراق وتقسيمه الى طوائف وملل!! ونفس المشروع اليوم نسمع صداه في لبنان وسوريا وليبيا والسودان والصومال ومصر والجزائر!!
وكله يأتي في اطار فصول مروعة من لعبة الأمم التي تفرض علينا توظيف الدين في خدمة المصالح السياسة الغربية، والعبث بمقدرات الشعوب العربية وامكانياتها باسم "تحديث الإسلام" من خلال زرع الفتن الطائفية والقومية والإقليمية.
المشكلة ان الغرب الذي رفع لواء القيم الانسانية منذ مطلع القرن العشرين، ونادى بمبادئ الحرية والعدل والمساواة، وحارب الشيوعية والنظم الشمولية في أصقاع المعمورة، يواجه ما نسميه اليوم "انفصام حضاري" حينما يتعلق الأمر بالشعوب العربية!! فالغرب يواجه اشكالية حقيقية قي آلية التوفيق بين "المصالح والقيم"، أي بين مصالحه الحيوية والإستراتيجية في المنطقة العربية، وبين قيمه الانسانية التي دعا اليها وفرضها في مناطق عديدة، فأزمة الحضارة الغربية مع المنطقة العربية تكمن في رفضها التخلي عن التحكم في مصير ومصائر دول وشعوب المنطقة بسبب حاجاتها الملحة لها، وفي نفس الوقت تتخلى عن واجبها الدولي في تشجيع التحولات الديمقراطية العربية الجادة بعيدا عن مكاسب الربح والخسارة والمصالح، والأسوأ انها تشجع على توظيف الدين سياسيا لتمرير مصالحها بما يتناقض كلية مع قيمها، فتدعو الى دولة مدنية وتشجع حكومات ذات توجهات دينية لاستلام السلطة السياسية!! وتحارب الديكتاتوريات السلطوية، وكانت –وما زالت- تتحالف مع نظم عربية سلطوية، ضمن ما نسميه "احلاف الضرورة"!! لضمان سيطرتها على نبض الشعوب المطالبة بالحرية والعدل ودولة المواطنة!!
لكن المصلحة ليست وحدها التي تحول دون ادراك الغرب لقيمة الديمقراطية في العالم العربي، بل ان مكمن الخوف الحقيقي من حرية شعوب المنطقة وتوظيف الدين سياسيا، أكثر من يعبر عن اهدافها بوضوح هو صموئيل هنتجتون، إذ يقول "أن المجتمعات العربية والإسلامية تأخذ من القيم الحضارية الغربية وسيلة للانقلاب على الغرب، وأن أيّ انتخابات ديموقراطية في مجتمع عربي أو إسلامي ستفرز بالضرورة قوى وأنظمة إسلامية أو قومية تعادي الغرب وتهدّد مصالحه.."!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah