الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أديانُ الإسلام

نجيب علي العطّار
طالب جامعي

(Najib Ali Al Attar)

2023 / 5 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يَلعبُ الإسلامُ السِّياسيُّ، بشُقَّيْهِ السُّني والشِّيعي، دورًا، لعلَّه الأكبر، في إثارةِ الجَدَلِ والجِدال حول «الإسلام» و«السِّياسةِ» على حدٍّ سَواء. وليسَ الجَدَلُ ههنا قائمًا بين «المُسلمين» و«غيرِ المُسلمين» فقط، إذ أنّه يتعدّاهُما ليَقومَ بين المُسلمين أنفُسِهم، حتّى أنّه يجوزَ التمييزُ، ولو بصورةٍ عامّة، بين «مُسلم ديني» و«مُسلم سياسيّ»، وتاليًا بين «إسلامٍ دينيٍّ» و«إسلامٍ سياسيٍّ». إلّا أنَّ «ذهنيّةَ الصُّورةِ العامَّةِ»، ومُقتضياتِها، لا تصلحُ أبدًا للخَوْضِ في قضايا خطيرةٍ كـ «قضيّة الدّين»، أو «مُشكلةِ الدّين» كما يُحبُّ البعضُ تسميتُها. فالتّعاطي مع هذه القضايا لا بُدَّ أن يكون بدرجةٍ عاليةٍ من الدِّقَّةِ والصِّدق والتجرُّدِ من كُلِّ ما يَحيدُ بالبحثِ عن الإقترابِ منَ الحقيقة. بيدَ أنَّ الحديثَ عن «الإسلام» يلزَمُ عنه أنَّ سؤالًا قد أُجيبَ عنه في خطوةٍ سابقة. ومَفادُ السُّؤال هو؛ «هل الإسلامُ واحدٌ؟»، أو بمعنًى أكثرَ دِقَّةً؛ هل يحملُ مُصطلحُ «الإسلام» مدلولًا واحدًا؟

من البدَاهةِ، عندَ البعض، أن يكون الجوابُ نافيًا. ومنَ البدَاهة عندَ بعضٍ آخرٍ أنَّ الإجابةَ عن هذا السُّؤالِ هي رَهْنٌ بالإجابةِ عن سؤالٍ أساسيٍّ وتأسيسيٍّ مَفادُه؛ «أيُّ إسلامٍ هو المقصودُ حين يُسألُ عن «الإسلام»؟». من الضَّروريِّ جدًّا حينَ الحديثِ عن «الإسلام» بِغيةَ نَقدِه، أو حتّى نَقضِه، أن يُصارَ إلى تحديد أيِّ إسلامٍ هو الذي يُنقَد، أو يُنقَض، إذ أنَّ تناوُلَ الإسلام بعقلٍ شَعبويٍّ، إذا جاز التعبير، والإستدلالُ عليه بغيرِ دلائلِه والتَّقديمُ بمُقدّماتٍ وابتداءاتٍ غيرِ صحيحة، أو غير مُبرَّرة، ثُمَّ الادّعاءُ بصِحَّةِ الاستنتاجات والأحكامِ، هذا كُلُّه لا يصلحُ لأن يُطرَحَ إلّا عندَ قارعَةِ طريقٍ ليسَ فيه من الخَلْقِ خَلْقٌ.

يُمكنُ عندَ نِقاش، أو مُناقَشة، «المُشكلةِ الدِّينيّةِ» في الوقتِ الحاضر، والإسلامِ السِّياسيِّ على وجه الخصوص، أن نُقسِّمَ الإسلامَ تقسيمًا ثُلاثيًا؛ «إسلامُ النَّبيِّ» و«إسلامُ الكَهَنوتِ» و«إسلامُ المُجتمع». والجَديرُ بالذِّكر والتَّذَكُّر؛ أنَّ الجَمعَ بين هذه «الإسلامات» الثلاث غيرُ جائزٍ أبدًا، وإنْ أُجيزَ افتراضًا فلن يكونَ الحاصلُ هو «الإسلامُ» بأيّةِ حال. قد تُستثنى صورةٌ واحدةٌ من الجَمعِ وهي «الجَمعُ المِلِّي»، إذا جازَ التَّعبير، أي أنَّهم كُلَّهم «في الظَّاهر» أهلُ مِلَّةٍ واحدةٍ؛ كُلُّهم «مُسلمون». وهذا الجَمعُ ليس ذا مَنفعةٍ هُنا إذ أنّ المَعنِيَّ بالحديثِ هو «الإسلامُ» وليس «المُسلمين».

إسلامُ النبيِّ يعني القُرآنَ، أي «النَّصَّ المُقدَّسَ»، بالدَّرجةِ العُليا ومِن ثمَّ «السِّيرةِ» و«الأحاديثَ» التي تتوافَقُ مع القرآن. بعبارةٍ أُخرى؛ إسلامُ النّبيِّ هو النَّصُّ الدّيني وتطبيقُ النَّبيِّ لهذا النَّص. أمَّا السِّيرةُ والأحاديثُ التي تُعارضُ نصَّ القُرآنِ مرَّةً، وعقلَ القرآن، إذا جازَ التَّعبيرُ، مرّةً أُخرى، فإنَّها، بالضَّرورةِ، لا تَدخُلُ تحتَ عُنوان «إسلام النبيِّ». ويُمكنُ أن نُعَنْوِنَها بعُنوانٍ خاصٍّ هو «الإسلامُ المُعلَّقُ»، ويَدخُلُ تحتَه أيضًا كُلُّ ما وَرَدَ في السِّيرةِ والأحاديثَ دون أن يكونَ للقُرآنِ رأيٌّ صريحٌ حولَه؛ مثلَ أحاديثِ «المَهديِّ» و«المَسيح الدَّجّال» و«أشراطِ السَّاعة».

أمّا إسلامُ الكَهنوتِ فيعني الفَهمَ الذي يُقدِّمُه «رجالُ الدِّين» المُشتغلونَ في عِلمَيْن كُلُّ عِلمٍ منهُما يتناولُ شُقًّا من شُقَيِّ الإسلام، وما يلزَمُ عنهما من علوم، وهُما؛ علمُ العقيدة، أو اللّاهوت، وعلمُ التَّشريع، أو الفِقه. وهذا العُنوان ينقسِمُ إلى فرعَيْن اثنَيْن؛ الأوَّل هو «المُوجِب» وينضوي تحتَه مُحاولاتُ بعض «رجالِ الدِّين» لإعادةِ فهمِ إسلام النبيِّ بما يتلاءم معَ العصرِ الذي هُم فيه. والفرعُ الثَّاني هو «السَّالِب» الذي يضمُّ محاولات «رجال الدين» للسَّيطرةِ على النَّاس، لأجل مصلحةِ السُّلطةِ الكهنوتيِّة المُتحالفةِ أو المُتماهيَةِ مع السُّلطةِ السِّياسيّة، بتأويلات مَشبوهة لإسلام النَّبيّ، وباستخدام «الإسلام المُعلَّق» الذي يُشكِّلُ أهمَّ أسلحتِهم وأكثرَها فَتكًا.

وأمّا إسلامُ المُجتمع فهو الذي يُصدِّقُ النَّاسُ أنّه الدِّين، أو يتعاطَوْنَ معه على أنّه مِنَ الدِّين. ولا يحملُ العُنوانُ هذا أيَّةَ دلالةٍ على الحقِّ والباطِل، أو الصِحَّةِ والخطأ، إذ أنَّ إسلامَ المُجتمع ينقسمُ أيضًا إلى سالبٍ وموجِب. والتقسيمُ الفَرعيُّ هذا يعتمدُ على ارتباطِ مُعتقَدِ النَّاس بإسلام النّبيِّ، أيّ أنَّ كلمةَ «سالِب» لا تعني الأفكار الخاطئة وإنّما تعني أنَّ إسلام النّبيَّ ليس فيه رأيٌّ صريحٌ في المسألَة، أو أنّه نأى بنفسِه عن هذه المسألة. ويدخُلُ في تشكيلِ إسلام المُجتمع؛ إسلامُ الكهنوت، بشُقَّيْه السَّالِب والموجِب، والعاداتُ والتقاليدُ والأعراف، وسُنَنُ، أو قوانينُ، تطوُّرِ المُجتمعاتِ الإنسانيّة.

هذا التقسيمُ ربَّما ينفعُ في تناوُلِ «المُشكلةِ الدِّينيّةِ» لكن ليس بصورةٍ عامَّةٍ، وإنَّما هو أكثرُ نَفْعًا في تناولِ الإسلامِ السِّياسيِّ على وجه الإختصاص. أمَّا تناولُ «المُشكلةِ الدِّينيَّةِ» تناوُلًا وجوديًّا يتعاطى مع الإسلامِ من حيثُ هو دين، ويُناقِشُ مسائلَ؛ وجودِ الله/ الخالق، العِناية الإلهيَّةِ، النُّبوَّةِ، الحياةِ بعدَ الموتِ، وما إلى ذلك من القضايا الميتافيزيقيّة، فلن يخدِمَ التقسيمُ الثُّلاثيُّ هذا التَّناوُلَ، وإنّما الحاجةُ إذَّاكَ تكون إلى تقسيمٍ خُماسيٍّ لا حاجةَ لنا فيه الآن.

بالعودةِ إلى نَقْدِ الإسلامِ السِّياسيِّ، أو حتَّى الإسلامِ الدِّيني؛ يقومُ بعضُ النَّاقدينَ، مُتعمِّدينَ وغيرَ مُتعمِّدين، بالخَلْطِ بين الإسلاماتِ الثَّلاث فيجعلونَها إسلامًا واحدًا، وينتَقدونَ، بصورةٍ مُباشرةٍ أو غيرِ مباشرةٍ، إسلامَ النَّبيِّ بنَقْدِ إسلامِ الكهنوتِ أو إسلامِ المُجتمع، أوكِليَهما. إنَّ هذا الخَلْطَ، أو النَّقْدَ التَّخليطيَّ، لا يتعدَّى كونَه اعتراضًا، أو انتقادًا، مُحقًّا يطالُ واقعَ المُسلمينَ اليومَ، إلَّا أنَّه لا يصِحُّ وَصفُه بالنَّقْدِ، لأنَّه في كثيرٍ من الأحيان «يتحرَّرُ» من أصولِ المَنطقِ والمَنهجيَّة. فعلى سبيلِ التَّوكيد؛ إنَّ إسلامَ الكهنوتِ السَّالِب، وإسلامُ المُجتمعِ السَّالِب، يتعارضان بأشكالٍ صارخةٍ أو صامتةٍ معَ إسلامِ النَّبيِّ، ونحنُ إذ ننتَقِدُ إسلامَ النَّبيِّ بنَقْدِ إسلام الكهنوت أو إسلامِ المُجتمعِ السَّالِبَيْن، نكونُ قد نقدْنا الشَّيءَ بِنَقْدِ نقيضِه، كالذي ينتَقِدُ بُرودَةَ الثَّلجِ بنَقْدِ حرارةِ النَّار، وهذا يَسيرُ في خطٍّ مُعاكسٍ ومُناقضٍ للأُسُسِ المَنطقيَّةِ للنَّقد. ومن باب الإستزادة؛ إنَّ العقلَ يقوم على ثلاثةِ قوانينَ أحدُهم أنَّ النَّقيضَيْن لا يجتمعان معًا ولا يرتفعِانِ معًا، وبعدَ الاستنادِ على التَّقسيمِ الثُّلاثيِّ أعلاه يُمكنُ القَولُ، بصورةٍ قد تكونُ استنكاريَّة، أنَّ النَّقدَ التَّخليطيَّ قد جَمَعَ النَّقيضَيْن وانتقدَ أحدَهُما بنَقدِ الآخر. وهُنا لا بُدَّ منَ الإلتفاتِ إلى أنَّ الذي يُسمَّى «دينًا» هو، بحسبِ التَّقسيمِ الثُّلاثيِّ، «إسلامُ النَّبيِّ»، والذي يُسمَّى «تديُّنًا» هو «إسلامُ الكهنوتِ» و«إسلامُ المُجتمع»، وهذه الإسلاماتُ الثَّلاثُ هي نقائضُ، بالمعنى المَنطقيِّ والفلسفيِّ للـ «نقيض»، وليست أضدادًا ولا مُترادفات.

إنَّ التَّعاطيَ معَ «المُشكلةِ الدِّينيِّةِ» أمرٌ خَطيرٌ جدًّا تنبعُ خطورتُه من مَنبَعَيْنِ رئيسَيْن؛ الأوَّلُ هو احتكاكُ الدِّينِ بكُلِّ فئاتِ المُجتمعِ وقدرتُه على تحريكِ السَّوادِ الأعظمِ منَ النَّاسِ بصورةٍ شِبهِ غَرَزِيَّة. والمَنبَعُ الثَّاني هو طبيعةُ الطَّرحِ الدِّينيِّ نفسِه؛ إذ أنَّه طَرحٌ يتعاطى مع الأبد. وهُنا لا بُدَّ أن يُستحضرَ «رِهانُ باسكال» الذي يؤكّدُ أنَّ التَّعاطيَ مع الدِّين ليسَ ترفًا فِكريًا أو ثقافيًا، وإنَّما هو مسألةٌ لا بُدَّ من تناولِها بجِدِّيَّةٍ مُفرِطة. فالدِّينُ، من حيثُ هو طَرحٌ معقولٌ، يَحتَمِلُ، ابتداءً، الصَّوابَ بقَدْرِ ما يَحتَمِلُ الخَطَأ، ما يعني أنَّ التَّعاطيَ مع الدِّين باستخفاف، فضلًا عن عدمِ الاكتراثِ له، هو دُخولٌ في مُقامرةٍ، على مصيرِ الإنسانِ الأبديِّ، احتمالُ خسارتِها يُساوي 50%.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رأى
على سالم ( 2023 / 5 / 9 - 19:47 )
لاادرى ان قلت لك ان تحليلك هو لف ودوران ودش وكلام سايح على بعضه ولايدل على استنتاج محدد , السؤال هنا هو هل انت مع الاسلام او الاسلامات المختلفه بشكل عام ام انت ضده ؟


2 - طويلةٌ من أطول
نجيب علي العطّار ( 2023 / 6 / 1 - 20:32 )
أخي الكريم، علي سالم. بادئًا بذي بِدْءٍ، أشكرُ لكَ مرورَكَ الكريم ههُنا.
مُثَنِّيًا بالشُّكرِ أسألُ عنِ الذي ما كُنتَ تَدريهِ لما قُلتَ أنَّ تحليلي -لف ودوران ودش وكلام سايح-. وبعدَ السُّؤالِ عمَّا تَعنيه كلمةُ -دش-، أسألُ: لرُبَّما يُساءُ فَهمُ الكلامِ نتيجةً لأسلوبِ مُرسِلِه، أو نتيجةً لأسلوبِ مُتلقِّيه في الفهمِ والاستفهام. ولربَّما لا يُستدَلُّ، من الكلامِ، على -استنتاج محدد-، إن لأنَّ المُتكلِّمَ لم يَدُلْ، أو يُدلِّلْ، على هذا  -المُحدَّد-، وإن لأنَّ المُستمِعَ قد طلبَ الإستدلالَ عنِ -محدد- في غيرِ محلِّ التَدليلِ والاستدلالِ عليه. ولستُ أراني أَبخَسُكَ حقَّكَ في التعليق إذا قلتُ أنَّكَ تقفو ما ليس فيه منفعةٌ تُرجى؛ أعني سؤالَك عن موقفي من -الاسلام او الاسلامات-. فلو أنَّكَ، أخي الكريمَ، أفضتَ في تِبيانِ ما استدلَّيتَ به على -اللف والدوران- في مقالي فبيَّنتَه ودللتَ عليه لكانَ خيرًا لكَ ولي ولمنْ قرأ. فاربأ بنفسِكَ واربعْ عليها تُجزَ خيرًا.


3 - نجيب على العطار
على سالم ( 2023 / 6 / 1 - 22:18 )
شكرا لك على التعقيب وأأسف على طريقتى الغير مهنيه والمتسرعه

اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا