الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنهم يكذبون بدعوى أحترام التأريخ.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 5 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التاريخ الدين والذات المجتمعية قومية أو ثقافية هي أبرز ما جلب للإنسان في كل مكان إشكاليات تنازع وصراع مرير من أجلها، فعنوان التأريخ العريض بكل ما يحمله من إرث وتراكم غير نقي ولا صادق وجملة من الفخاخ والألغام ساهم بدور في تأزيم حال الإنسان، وساهم بشكل جلي في تأجيج الكثير من المشاعر المتسمة ببواعث الكراهية ورفض الأخر ومحاولة تطبيق نوعا من العنصرية أو تزييف الواقع لمصلحة مالك القوى والمتحكم بها، الدين أيضا ضاع في متاهات التاريخ ما ضاع في متهات الأنا الفردية والجمعية وشكل محورا من محاور أزمة الإنسان الوجودية التي لم يجد ولن يجد لها حلا دون أن يعيد الدين امكانه الطبيعي كعلاقة فردية معرفية حرة، أما الذات المجتمعية أو الهوية التي يحملها كل مجتمع ويتمحور داخلها مدافعا عنها من الداخل المحصور بين الرغبة في الأستعلاء والحاجة للأخر، فأنها مما تزيد من أزمة التاريخ والدين وتضيع عليها أثقالا معرقلة وناكصة أيضا، بهذه الإشكاليات الثلاث ما زال الإنسان ينتقل من حال إلى حال وبالمجل كل المحاولات تصب في الأخر بمصاعب وتضييق من حرية الإنسان الطبيعية والوجودية.
هذه المقدمة أردت منها الدخول إلى ما يشكل أزمة إشكالية حقيقية وعميقة مما يخشى منه أو من إثارتها لتعارضها مع الكثير المترسب في العقلية العربية الإسلامية تحديدا، فالعقلية الإسلامية العامة من غير العربية تتأثر بشكل مباشر بأزمة العقلية العربية الإسلامية التي تم التلاعب بها وتغريرها وجرها إلى ما لا يحمد نتائجه ولا يمكن أن تصحو من أثاره ولو بعد حين، مشكلة المسلمين عموما اليوم وفي الأمس والمتوقع في الغد هي في إشكالية العقل العربي المأزوم أصلا، الذي لا يتوانى في التأثر السريع بعوامل ومتغيرات الدين والتاريخ والهوية، فيخوض فيهن صراعا طويلا ومرا دون أن يحاول تفكيك هذه العوامل وفهم الحركة الجوهرية التي تحاول جره إلى مواطن الضعف والهوان، وللتدليل على ما أقول أستعرض هنا إشكالية سبق وأن أشرت لها سريعا ودون تركيز بحثي، وهي قضية ما يعرف بالخلافة الإسلامية بعد عصر الراشدين، وحقيقة هذه الخلافة وقربها وبعدها عن المسمى والواقع، فجوهر الخلافة يرتكز على قواعد الأستخلاف الشرعية المستندة إلى قواعد أساسية في الدين الإسلامي، والذي يدعي هؤلاء الخلفاء أنهم متمسكون بها، فالخلافة تكون أما بالنص عليها أو على الخليفة، أو بأختيار نموذج أو ألية مقررة سلفا وفق خيار الأفضل والأقرب والأكثر تمثيلا للمستخلف منه.
عند أنتهاء ولاية أخر الخلفاء الراشدين عام 60 للهجرة أنتهى عصر الشورى والذي يعد خيارا أساسيا في إدارة شؤون المجتمع المسلم كدولة ونظام وصورة من صور الحكم الديني المتوافق مع الخط العام لإرادة الدين، شكل أنتقال هذه السلطة من شكلها الديني المعتمد على قرب المواصفات العامة والخاصة للمستخلف من المستخلف منه إلى الملكية القائمة على غلبة السيف والقوة، قد أخرج مفهوم الخلافة من دائرة الإلزام إلى دائرة الإهمال والترك، وقد تبدلت النظرية السياسية الحاكمة وتغيرت وتحولت معها إلى شكل أخر لم يكن في أساسيات الدين ولا متفقا مع منهج أمرهم شورى، بل تم فرض الواقع السياسي نتيجة تفاعلات خارجية وصراع دموي وسياسي أنتهى تماما بقطع الصلة بينه وبين الدين، فتولى الحكم ملك سياسي وليس شخصا من داخل الدائرة الدينية المؤهلة للشورى، وهذا ثابت بالمخاطبات والسجالات التي كانت تدور بينه وبين أخر الخلفاء الراشدين، والمنشورة عنهما في كتاب نهج البلاغة، فلا معاوية من أهل الحل والعقد، ولا ممن كان له السبق في الإسلام، وليس مطيعا لأمام زمانه الخليفة والذي دخل معه في صراع وتمرد على أسس الدولة ونظامها، فمعاوية بالنهاية خارج عن القانون وأشتراطات الولاية الرسمية، وخارج عن الطاعة التي هي ركن من أركان الإيمان الشرط الأساسي بالخلافة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء 59).
إذا من الجرائم التي أرتكبت تاريخيا وعلى أساس ديني وأعتمادا على الهوية أن يوصف النظام الملكي العربي في الشام على أنه خلافة على منهج النبوة، وفي الحقيقة هو ملكية أرستقراطية عنصرية تقليدية لا تختلف عن أي نظام حكم ملكي أخر وإن تذرع الملك بكونه أمير المؤمنين أو سمى نفسه أو سمي الخليفة، هذا لا يغير من حقيقة كون الدولة الأموية وما تلاها من دول وممالك لا علاقة لها بالدين ولا بالخلافة ولا حتى بالالتزام بالقواعد العامة السلوكية التي تخص الراعي والرعية في الإسلام، هذه الجريمة التاريخية لم يجرؤ أحد إلى اليوم أن يقول عن ما يسمى بالخلافة الأموية بمملكة أل سفيان ولا مملكة العباسيين أو بني العباس، وهكذا الوضع من بعدهم من ممالك كلها تدعي الخلافة، وأخرها الخلافة العثمانية التي خرجت من أبسط شروط الخلافة التي وضعها فقهاء السلطة أنفسهم في أن يكون الخليفة قرشيا، إذن هذه الجريمة لم تتعدى التاريخ وحده ولم تعتدي على الدين والمجتمع ولم تمس الهوية لكنها أصابت الإنسان المسلم بمقتل.
لذا لا عجب أن نرى اليوم هذا الكم الكبير من الكراهية للتاريخ وللدين وللهوية ولو أننا لا نفصد الكراهية التي تعني رفض الأخر ولا الكراهية المبنية على حب التمايز، بل للكراهية التي تمثل ردة فعل على جرائم ترتكب بأسماء وصفات وأحداث ووقائع لا تمت للإنسانية والمثل العليا بصلة، كراهية الموقف المبني على الضرر والنتائج السلبية التي تسوق مرة باسم الله والدين، ومره باسم المهنية التاريخية وضرورة التفاخر به لأنه نتاج فعل الأمة، والأمة مجرد تسمية تسحق تحت أقدام الملوك الطغاة مصاصي الدماء المجرمين السفاحين، ومرة باسم الهوية الضائعة والتائهة بين الأنتساب للعنصر والدم أو الأنتماء لقيم معرفية مثالية دين ومذاهب، لقد أجرم الطغاة وحلفائهم كهنة المعبد وتجار الدين مروجي النعرات الطائفية والعنصرية أن أفضل وسيلة لأستعباد أي مجتمع تتركز على ضرب أعمدة وجوده، والروافع التي تجعل من الفرد والمجتمع قيمة، لقد سلبوا منا كل القيم والبطولات والتضحيات لتسجل في سجل أبطال زائفين قضوا كل حياتهم بين مخادع النساء والجواري والخصيان والغلمان فاعلين ومفعولين بهم، وهم على منابرها أمراء المؤمنين وخلائف رسول الله، فلم يبقوا من أحترام لله ولا أحترام للدين وللرسول ولا للتاريخ ولا للهوية الكبرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني


.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم




.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran