الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (5)‏

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2023 / 5 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قرائنا الأعزاء، دعونا رغم المرارة نكمل حديثنا حول مخطوطة يوحنا النقيوسي المعنونة بـ" تاريخ مصر والعالم " ، ‏حيث نكشف كيف كان مؤلفها يهودي منتحل لاسم أسقف قبطي مسيحي ، وقد انتحل ‏تاريخ مصرايم اليمنية وغرسه في بلادنا وادي النيل بعد أن حملت اسم " مصر" عقب احتلال ‏العرب لها، فاليهود كانوا هم مهندسي العلمية، وهم فصيلة عربية مميزة عرقياً وذهنياً، كان ‏‏- وما زال- لها نهج فكري مختلف، هو أن يربطوا - ليس المعلومات- وإنما أفكار الماضي بأفكار ‏الحاضر بأفكار ستنبت في المستقبل ! ولا يكتفون أبداً بالنظرة الأفقية حولهم، بل يمدون ‏خيوط الفكر في عمق الماضي وينسجونها ببراعة في الحاضر ويقذفون خيوطها في المستقبل ‏‏! هكذا تفكير رأسي وليس أفقي وعقلية متشعبة وعجيبة، وأكثر ما يميزها ربط الماضي ‏بالحاضر بآلاف الأعوام من المستقبل، وهكذا تسير حياتهم، فهم يخططون لما ستحتاجه ‏أجيالهم بعد خمسة آلاف عام، بينما كان أجدادنا - في عهد المماليك مثلاً- لا يفكرون في ‏الغد لأنفسهم حتى، بل فقط يفكرون في حاضرهم. وبالتالي من المستحيل على هذه العقلية ‏أن تقرأ نسيج أفكار اليهود في بلادهم.‏

نعود إلى الكتاب نجده قد ذكر الكثير من اللقطات التوراتية، يقول في الباب الحادي ‏والثلاثين (ص 60):" وفي أيام موسى المشرع، عبد الله، الذي كان مرشداً لخروج بني إسرائيل ‏من إيجبت في أيام باديسانيوس وهو الفرعون أموسيوس(1) ملك إيجبت الذي حكم بمساعدة ‏كِتاب الساحِرَيْن أيانيس وأيابزيس(2) الذي ارتكب الإثم أمام موسى العظيم كليم الله ‏لهذا السبب قالا أنهما لا يريدان مسير بني إسرائيل بعد الآيات والعجائب التي كانت من العصا ‏التي معه، وسار فرعون إلى الكهنة الذين كانوا بمنف وإلى الكاهن المعروف وقدم قرباناً ‏وعندما سأل العبرانيين العالِم تنينوس (3) قال له: الذي في السماء لا يموت هو الأول، فإن ‏السموات ترتعد منه والأرض كذلك وكل البحار يخفنه والشياطين ترتجف وقليل من ‏الملائكة ينهضون إنه صانع القدرات والموازين. وقد كتب باديسنيوس(4) هذه الآية على ‏حجر ووضعها في بيت الآلهة(5) في موقع مقياس الماء الذي يعرفون به بحر النيل".. ‏

ولدينا حول هذا النص عدة ملاحظات: ‏
‏1-‏ التوراة لم تذكر لا صراحة ولا ضمناً اسم فرعون موسى، ولكن " باديسانيوس" و" أموسيوس" هذا كان من ‏الأكاذيب التي أشاعها اليهود في عامة الناس خلال الحقبة القبطية لتدعيم خرافة دخول وخروج بني ‏إسرائيل من إيجبت ، كما أشاعوا أن يوسف كان مقيماً بمنطقة الفيوم وغير ذلك من الأكاذيب ‏والأوهام .‏
‏2-‏ الساحرين أيانيس وأيابزيس هذين لم ترد أي إشارة لهما في التوراة لا القديمة ولا المزورة ولا حتى في ‏التراث اليهودي، فكيف توصل إليهم يوحنا القبطي؟!، ولا هي أسماء قبطية هيروغليفية إنما هي أسماء ‏يونانية كما يتضح ، هذه الأسماء من مخترعات اليهود لتدعيم وتسكين القصص الإسرائيلية في البلاد ‏بحيث تكون أقرب إلى الواقعية وتم تأليفها في حقبة البطالمة، و(المؤلف) هنا ينقل عن كتب قديمة ألفها ‏اليهود وستفوها بمعرفتهم، لكن بعدما نزل القرآن ونطق صراحة أسماء فرعون وهامان وهارون وقارون ‏ومصر... بدأ اليهود يتراجعون تدريجياً ويطمسون الأسماء اليونانية الظاهر كذبها والتي من شأنها أن تثير ‏السخرية والتكذيب على لسان العرب والمسلمين من القبط ‏
‏3-‏ العالِم تنينوس هذا هو الآخر من الخزعبلات والأكاذيب التي غرسها اليهود في بلادنا وفي صميم الثقافة ‏الشعبية تدعيماً لوجود بني إسرائيل في إيجبت، فالتوراة (القديمة والمزورة على حد السواء) لا تذكر أية ‏أسماء هيروغليفية إطلاقاً، إنما جميع الأسماء سواء كانت أسماء جغرافية أو ديمجرافية أو شخصية ، ‏جميعها أسماء آرامية (عربية قديمة) وسريانية وعبرية، ولكن بعدما جاء القرآن باللسان العربي ‏وكشف الكثير من جوانب القصص الإسرائيلية وتغلب العرب وساد صوتهم وسادت ثقافتهم خلال ‏مرحلة الفتوحات، بدأت تتراجع حكايات اليهود وطُمست كافة الأسماء الإغريقية المغروسة ‏بالكامل وصاروا اليوم يبحثون فقط عن (لفظة: فرعون) علّها تكون لها جذراً لغوياً موجوداً في اللغة ‏الهيروغليفية يحافظ على ما تبقى من ماء وجه اليهود بعدما كاد القرآن أن يفضحهم إذ ذكر كل ‏شخصياتهم وأسماءهم عربية سريانية.. والغريب أنه يتحدث عن (كهنة منف) الذين كانوا يعبدون ‏أوزوريس ولا يعبدون الفرعون أموسيوس الذي زعم اليهود أنه ادعى الإلوهية، وأن الناس المغفلين عبدوه ! ‏فكيف بعد ذلك يقولون أنهم (كهنة منف) !‏
‏4-‏ باديسنيوس هذا هو الآخر كان من مخترعات اليهود في إثارة وتشييع القصص التوراتية لتحبيب الناس ‏في الإيمان بعقيدة موسى وأنه رجل التوحيد الذي واجه الكفر والكفار ..إلخ.‏
‏5-‏ من أغرب الأمور أن (المؤلف) كان يعلم علم اليقين نوعية العبادات والمعبودات التي سادت في شعب وادي ‏النيل قبل المسيحية ، حتى أنه يذكر بجلاء (الكاهن المعروف- العالِم تنينوس – بيت الآلهة) ثم كيف ‏يزعم أن أجدادنا عبدوا فرعون يتبول ويتبرز ، أو كيف يتصور أن أحد الملوك من أجدادنا العظماء ادعى ‏الإلوهية !!‏

وفي صفحة 60 يقول :" وباديسنيوس الأحمق هذا هو الفرعون أموسيوس غرق في البحر ‏الأحمر مع أفراسه وفرسانه" (2).‏
ونلاحظ هنا أن: ‏
‏1-‏ الفرعون باديسنيوس هذا من مخترعات اليهود بعد الترجمة السبعونية، حيث قاموا بمشروع تأليف ‏مجموعة كتب تاريخية باللغة الجبتية وغرسوا فيها ثقافتهم وصبغوها بصبغة يهودية توراتية ‏وطعموها بأسماء قبطية كي تبدو الحبكة الفنية مسبوكة الصنعة وتنطلي على الأقباط، لكن ‏الأسماء جاءت بصبغة يونانية وليست قبطية.‏
‏2-‏ من معالم التزوير المفضوح لهذا التاريخ أن جميع الأسماء تنتهي بالمقطع (اوس-‏os‏) مثل (باديسانيوس – ‏وأيابزيس – تنينوس – باديسنيوس – أموسيوس ..إلخ) وهذه خاصية في اللغة اليونانية أن يضاف صوت ‏‏(اوس-‏os‏) لكل أسماء الأعلام مثل انطونيو تصبح انطونيوس، واكتافيو تصبح اكتافيوس، ويوليو تصبح ‏يوليوس، وهكذا.. فجميع أسماء الأعلام تنتهي بهذا المقطع، وهي خاصية غير موجودة (لا في اللغة ‏الجبتية الهيروغليفية، ولا في اللغة العبرية المكتوب بها التوراة) ، وهذا يثبت أن اليهود إنما قاموا بتزوير ‏التاريخ في العصر البطلمي دون غيره، وقاموا بحشر أسماء باللكنة السائدة في عصرهم تحديداً (عصر ‏بطليموس) ولم يكونوا يكتبون تاريخ حقيقي، هي كانت عملية تأليف روائي مغرض . فهم لم ‏يكتفوا بتزوير كتب التوراة بل ضموا إليها كتب تاريخية ونشروها في المكتبات لتعم المعرفة بهذا ‏الطابع الجديد، بعدما تمكنوا من حرق مكتبة الإسكندرية والتخلص منها، فكانت عملية إحلال ‏للثقافة الجبتية بثقافة يهودية، ومستحيل أن يحدث مثل هذا الأمر دون تنسيق مع بطليموس ومقابل ‏مصالح معينة...‏

والمشكلة أن (المؤلف) نقل معالم مملكة مصر العربية الآرامية في كتابه دون خجلٍ ‏ومارس عملية تدليس معرفي جريئة زيادة عن اللازم، حين يقول:" ونهر مصر العظيم يسميه ‏الإغريق أكريسورو، ويسمى في الكتاب المسمى "روح الرب" نهر جيحون، وكان هذا النهر ‏شرق المدينة، وتحول من شرقها إلى غربها، وكانت هذه المدينة كجزيرة في وسط النهر، ‏كأيكة الشجر المسمى أكرياس، وهو الآس" (ص63) .‏

وهذه المدينة التي وصفها (المؤلف) نقلاً عن كتاب روح الرب هي مصرايم العربية الآرامية ‏القديمة الواقعة جنوب غرب الجزيرة العربية غربي جبال السراة حيث ينحدر النهر المسمى ‏جيحون وكان له فرعان يحتضنان المدينة، لكن فرعه الرئيس كان شرقي مصرايم، ‏وكانت بالفعل عبارة عن أيكة خضراء كثيفة الأشجار والزروع والكروم، ولهذا يسميها ‏اليهود " الجنة " أو الجنة الأرضية، حتى أن (المؤلف) ذكر الكروم فيها والأشجار الكثيفة ‏وشبهها بالأيكة (الجنة الخضراء)، وهو ذات الوصف الوارد في القرآن، وذات الوصف الوراد ‏بالقاموس الكلداني تحت تعريف كلمة (مصرايم).. لكن قام اليهود قبل عصر (المؤلف) ‏بـألف عام بتزوير التاريخ وإسقاط هذه المدينة على العاصمة منف، حيث أن نهر النيل يعبر ‏شرقيها، مع أن اسمه نهر النيل وليس أكريسورو ولا جيحون، والجبتيون يعرفون اسمه جيداً ‏ونطقوه "ال نيل" بالهيروغليفية، والإغريق نطقوه "نيلوس" وليس أكريسورو، والعرب نطقوه ‏‏(نهر النيل) ، أما أكريسورو فهو نوع من الشجر ينمو هناك في مصرايم، وكلمة أكريسور ‏هي كلمة عربية وهي تعني أشجار الآس، وهي أيضاً كلمة عربية، ولم ينطق الإغريق ‏كلمة " أكريسورو" كما توقع (المؤلف) لأن الإغريق لم يذهبوا إلى مصرايم ولم يتعرفوا ‏على أشجار الآس هذه، إنما (ألمؤلف) يحاول نقتل الجغرافيا والطبوغرافيا والبيئة الحيوية ‏برمتها من الجزيرة العربية إلى إيجبت، فكان من الضروري أن يخترع نطقاً إغريقياً توكيداً ‏لغايته. ‏

فـ(المؤلف) كان يتحدث عن مصرايم العربية في الحقيقة، بينما يحاول أن يوهم القارئ ‏أنه يتحدث عن مدينة داخل إيجبت واعتبرها (وفقاً لليهود) مدينة منف، ومع ذلك لم يتساءل ‏هل من الممكن أن يتحول نهر النيل إلى غرب مدينة منف كما يقول كتاب روح الرب؟ فهذا ‏مستحيل عملياً ونظرياً لأن غرب مدينة منف يعني هضبة الهرم التي ترتفع عن سطح البحر ‏‏180 متر و60 متر عن منسوب نهر النيل، برغم أن منف كانت عاصمة إدارية وتتميز ‏بالمعمارية البحتة، أي مدينة معمارية أقيمت خصيصاً في صحراء قرب النهر وبمنأى عن ‏الفيضان ولم تكن أبداً أيكة خضراء ولا بها زروع ولا كروم ولا أشجار، إنما معابد لإقامة ‏المراسم وقصور ومبانٍ إدارية فقط وأسوار عالية وتحصينات عسكرية.. لكن (المؤلف) يحاول ‏تصوير المدينة التي سيصبح اسمها فيما بعد (مدينة مصر)، فيحاول التلميح بأن المدينة ‏الموصوفة في أسفار التوراة وكتاب روح الرب هي جدة منف في عصره، فاعتمد على الترحيل ‏الزمني للوصف طالما لم ينطبق معاصرة، ولهذا يبدو أن (المؤلف) يتحدث عن مدينة غريبة لا ‏يعرفها القبط، وفي سياقه يذكر أشجار الآس، وهي كلمة عربية كما أشار المترجم د. عمر ‏صابر، وكما أشارت الترجمة الفرنسية أيضاً إلى أن هذه الكلمة عربية وليست ‏هيروغليفية (انظر: انظر الهامش رقم 3 صفحة 61 " من كتاب تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي - ‏رؤية قبطية للفتح الإسلامي" ترجمة د. عمر صابر عبد الجليل) . حيث كانت الحكايات ‏كلها تدور حول مدينة غير معروفة وليس لها اسم سوى كون نهر جيحون يمر شرقها، وما لم ‏يفهمه القارئ من كتب اليهود أن هذه المدينة كانت هي مصرايم وهي عاصمة مملكتهم ‏لكن عندما انتقل التاريخ إلى إيجبت حدث اضطراب في الرواية لأنه لا يمكن لقمبيز ‏اكتساح إيجبت كلها باعتبارها مدينة واحدة، فمصرايم كانت قرية كبيرة واكتسحها ‏نبوخذ نصر في قفزة حصان، بينما إيجبت إمبراطورية عظمى مترامية الأطراف ولها قلاع ‏وحصون في كل ركن، ويستحيل تلبيسها هذا التاريخ القزم... ولو كان (المؤلف) يقصد بـ" ‏نهر مصر العظيم الذي هو نهر جيحون شرقي المدينة، وأنها مدينة تقع قرب أسوان كما قال ‏المؤرخون العرب وتوقعوا أن تكون جزيرة فيلة، فلماذا لم يذكر اسمها! لماذا يطوف ويدور ‏حول نهر جيحون والمدينة دون اسم صريح ! ‏

وفي الحقيقة والواقع أن أسطورة السبي البابلي التي طالما تحدث بها اليهود وفضحوا أنفسهم ‏في العالم كله بكاءً وندباً، لم تكن خاصة بهم وحدهم دون غيرهم، فقد كانت ممالك ‏جنوب غرب الجزيرة العربية متعددة وصغيرة عبارة عن عشائر قبلية وأغلبهم يعملون ‏بالزراعة أو الصعلقة وقطع طرق التجارة، وكانت ممالكهم متجاورة يهوذا والسامرا ‏وأورشليم ومصرايم وسبأ وحضرموت...إلخ.‏

وهذا ما ذكـرته التوراة حرفياً‎ ‎في‎ ‎أحــد مقاطعهــا التي تدعوا على باقي القبائل بالويل ‏والعذاب ما لم تتجمع يوم العيد في أورشليم، وقد وردت فيها مفــردة مصــر‎ ‎في‎ ‎ســياقها ‏الحقيقــي أي بمعنــى العشــيرة أو القبيلـة، فتقول التوراة (زكريـا 18:14):"‏‎ ‎وَيَكُونُ أَنَّ ‏كُلَّ مَنْ لاَ يَصْعَدُ مِنْ قَبَائِلِ الأَرْضِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَسْجُدَ لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ، لاَ يَكُونُ عَلَيْهِمْ ‏مَطَرٌ‎.‎‏ وَإِنْ لاَ تَصْعَدْ وَلاَ تَأْتِ قبيلة المصريين وَلاَ مَطَرٌ عَلَيْهَا، تَكُنْ عَلَيْهَا الضَّرْبَةُ الَّتِي يَضْرِبُ بِهَا ‏الرَّبُّ الأُمَمَ الَّذِينَ لاَ يَصْعَدُونَ لِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ "... وكانت هذه الضربة الموعودة ضربة ‏نبوخذ نصر الجبار وخليفته بختنصر الجبار.‏

ولذلك عندما هجم عليهم نبوخذ نصر (البابلي) أخذهم جميعاً سبي، وبالتحديد ‏‏(المصرايمين من مصرايم واليهود من أورشليم) وجميعهم عرب آراميين، ولم يكن اليهود فقط، ‏بل أخذ من جميع الممالك بما فيهم سكان مصرايم ذاتها، على ما يتبين من مخطوطة يوحنا ‏النقيوسي، إذ يقول (المؤلف) في صفحة 71 وما بعدها:‏ " ودبّر إلكاد ملك مصر خطة أخرى مع الرجال الذين بقوا من حرب فارس(1) فساروا ‏والتقوا بقمبيز من بعد (قمبيز هنا تزوير يهودي ، والصحيح نبوخذ نصر.)، وأخذوا معهم هدايا وقيثارة ‏ودفاً وطبلاً (2) وسجدوا له والتمسوا أن يجدوا منه شفقة ووداً، وأشفق قمبيز على من بقي من ‏المصريين الذين جاؤوا إليه طائعين بانقياد ورحمهم وأرسلهم إلى بلاد ميديا وبابل (3)، وولى ‏عليهم حاكماً منهم، ولم يأخذ من إلكاد تاج المملكة (4) ، بل أبقاه في مقر المملكة ولم ‏يرسله معه. وعدد المصريين الذين أرسلهم معه قمبيز خمسين ألفاً، غير النساء والصغار وبقوا ‏أربعين عاماً في الأسر في فارس وكانت مصر قفراً ... (5) . ‏

ولنا هنا ملاحظات:‏
‏1-‏ حيث تشير جميع المصادر العربية إلى أن بختنصر (خليفة نبوخذ نصر) هو الذي دمر مصر(مصرايم) ‏وخربها ودمر قراها وبقيت خراباً و(قفراً) أربعين عاماً، مع العلم أن بختنصر هذا (عراقي) بابلي وليس ‏فارسي، والمصادر العربية هذه تتحدث عن مصرايم العربية التي دمرها الملوك الآشوريين والباليين ‏القدامى في حملات متوالية من توغلات بلاصّر ونوخذ نصر وبختنصر ونبونئيد حيث اكتسحوا كل ‏الجزيرة العربية واكتسحوا ممالكها في القرن التاسع إلى القرن السادس ق.م في حملات متوالية ‏حتى أن الملك البابلي نبونئد نقل مقر حكمه إلى محافظة تيماء السعودية حالياً واستقر فيها أغلب ‏أيام حكمه ما يقارب العشر سنوات، ولم يدخل البابليين مملكة القبط إطلاقاً وهذا ثابت تاريخياً من ‏الجانبين القبطي والعراقي.. بينما المصادر العربية تحكي عن مصرايم العربية.‏
‏2-‏ كلمة " طبلاً " وردت مكتوبة هكذا كما أشار المترجم العربي والفرنسي وهي كلمة عربية ‏خالصة، وليست موجودة في الهيروغليفية، ما يعني أن المؤلف كان ينقل عن مصادر تاريخية أصلها ‏عربي وليس هيروغليفي.‏
‏3-‏ الحقيقة أن بلاد ميديا وبابل هي بلاد بابلية وليست فارسية، فكيف تقوم حرب فارسية ويقوم الملك ‏باقتياد الأسرى والسبايا إلى بلاد مديا وبابل !! إلا إذا كان ذلك تطعيم يهودي بنقل الأسرى والسبايا من ‏مصرايم التي اقتحمها البابليون إلى إيجبت التي اقتحمها الفرس بقيادة قمبيز.‏
‏4-‏ لاحظ إلكاد هذا اسم عربي لحاكم عربي وليس جبتي بأي حال،
‏5-‏ ذات السياق تنقله المصادر العربية ولكن بفعل بختنصر أنه نقل المصرايمين واليهود إلى بابل وليس إلى ‏فارس، فجميع المصادر العربية التي ذكرت اجتياح بختنصر لمصر وخرابها وتدميرها كان على يد ‏البابليين وليس الفرس، لكن اليهود علموا أن البابليين لم يغزوا إيجبت وأن من غزاها هو قمبيز الفارسي ‏فقاموا بتحويل تاريخ مصرايم التي غزاها البابليين إلى تاريخ إيجبت التي غزاها الفارسيين .‏
‏6-‏ واضح جداً أن هذا التاريخ ملفق لأن (المؤلف) ذكر وقائع فظيعة ما كان المؤرخ القبطي مانيتون ليصمت ‏عنها أبداً.. فقد جمع مانيتون مدونة تاريخية دقيقة وشاملة عن تاريخ إيجبت وملوكها وحكامها ‏وغزاتها تفصيلاً منذ القدم، حتى أنه ذكر تفصيل معنى كلمة (الهكسوس) وقال أنها تتكون من ‏مقطعين (هك-سوس) أي الملوك الرعاة أو البدو، وكان يتعجب كيف استطاع هؤلاء البدو الرعاة ‏السيطرة على بلادنا واغتصاب سلطة الحكم فيها، وشرح كيف تسربوا جماعات متوالية وعلى حقب ‏زمنية بطريق الهجرة واستقروا في الشمال الشرقي للبلاد ثم استقلوا بحكمها .. برغم أن ذلك كان قبل ‏عصر مانيتون بألف ومائتي عام... فكيف لا يذكر كارثة فظيعة اجتاحت الجبتيين قبل مائتي عام لو ‏كان فعلاً اكتسحها قمبيز وأخذ منها خمسين ألف سبايا برفقة خمسين ألف يهودي إلى فارس، ثم ‏عادوا بعد خمسين عاماً، وأن إيجبت ظلت خمسين عاماً خراباً (خراباً وقفراً) ليس فيها حياة، ثم بعد عودة ‏المصريين من السبي أعادوا تعميرها مرة أخرى ! مع أن وقائع غزو قمبيز لإيجبت كانت قبل عصر مانيتون ‏بمائتي عام فقط، أي لو كان حدث هذا الخراب والسبي لكان أدركه مانيتون ودونه أو أعطى إشارة ‏عنه، لأنه ذكر الهكسوس بكل تفصيل مع أنهم قبل عصره بألف ومائتي عام كاملة ! غير أن المؤرخ ‏الإغريقي هيرودوت شرح تفصيلاً أحداث غزو قمبيز لإيجبت ولم يذكر وقائع سبي أجدادنا إلى بلاد ‏ميديا وفارس. ‏
إنما يأتي (المؤلف) بعد ألف عام ليذكر كارثة السبي البابلي الفارسي للمصريمين باعتبار أنها حدثت ‏للقبط! ثم أن اليهود كانوا في أورشليم ويهوذا، أي بعيد عن إيجبت فكيف توصلوا إلى كل هذه ‏الوقائع ! وكيف نجد كتب اليهود تصف هذه الكوارث الفظيعة التي حدثت للقبط دون أن تذكر أي ‏حدث آخر أو مَعْلَم من معالم الحضارة الجبتية القديمة، فهل كان تاريخ هذا البلد العريق يقتصر على ‏أحداث (السبي) وأحداث(الخراب) التي ذكرها اليهود ! فهذا البلد تاريخه وحضارته وثقافته عملاقة، إنما ‏اليهود والمصرايمين لا تاريخ لهم ولا حضارة، فقط الكوارث التي حدثت لهم هي المكون الرئيسي ‏للتاريخ عندهم وعند كل العرب والآراميين لأنهم ليسو شعوب حضارة مدنية وإنما قبائل تأكل ‏وتشرب وترتع فقط، وتحركهم الحاجة والعوز، وليس من أبجدياتهم العمل والبناء والإنتاج والتعمير، ‏ولهذا لم نجد لهم تقويم يؤرخون به إنجازاتهم لأنهم ليس لديهم إنجازات إنما فقط الكوارث والمصائب ‏ونوائب الدهر يتخذونها أساساً للتقويم مثل سيل العرم وعام الفيل وعام الرمادة ..إلخ، حتى أن اللغوين ‏تاهوا في تعريف كلمة (داهية) والتي تعني كارثة، وقالوا أن كثرة أسماء الدواهي من الدواهي!. ‏ولذلك ذكرت كتب تاريخ اليهود (تاريخ كوارث مظلمة وليس تاريخ حضاري) وهذا ما يؤكد أنهم ‏يتحدثون عن مصرايم والكوارث التي حدثت لها ولا يتحدثون عن إيجبت لأن إيجبت تاريخها الحضاري ‏أكبر وأعظم من الكوارث والنائبات ...‏

ثم يقول:" ومات قمبيز بعد تدمير مصر في مدينة دمشق وحكم أكراكيس الحكم ‏العظيم عشرين عاماً ولم ينتقص من حب الله وحب الناس. وأمر نحميا (الساقي) أن يبني جدار ‏أورشليم ورضي الشعب اليهودي لتعظيم قورش ودارا إله السماء وعبادته. ومن أجل هذا دعم ‏كل أعمال اليهود ورضي عن المصريين، وأحسن إليهم، وجعلهم قادة مشورته مع قضاته (1) . ثم ‏أرسل المصريين إلى بلادهم في العام الحادي والأربعين من أسرهم وتدمير بلدهم. وبعد عودتهم ‏بدأوا بناء البيوت في مختلف قراهم وليست كذي قبل بيوتاً عظيمة بل بنوا لهم بيوتاً صغيرة ‏لسكناهم (2) وزرعوا الزروع والكروم الكثيرة (3) وولوا عليهم فيواتوروس (4) حسب ‏وصية اكراكسيس محب الناس". ‏

ونلاحظ هنا :‏
‏1-‏ لاحظ هنا كان يوجد مجموعتان من الأسرى لدى بابل واستحوذ عليهم الفارسيين بعد اجتياح بابل، ‏وهاتان المجموعتان كانتا من سلالة واحدة، الأولى هم عشيرة بني إسرائيل الذين تم أسرهم من ‏أورشليم ويهوذا وعددهم حوالي خمسين ألف.. والمجموعة الثانية من عشيرة المصرايمين الذين أسرهم ‏الباليين من مصرايم المجاورة لأورشليم فعاشوا معاً في الأسر البابلي وتحرروا معاً على يد الفارسيين ، ‏وهذا ما تحكي عنه كتب التاريخ العربي أن مصر ظلت أربعين سنة خراباً بلا سكان، وبعدما عاد ‏اليهود من الأسر إلى أورشليم عاد معهم المصرايمين من ذات الأسر إلى مصرايم وأعادوا تعميرها مرة ‏أخرى... ونلاحظ هنا خبث اليهود في صياغة التاريخ إذ يقولون أن الملك قورش أكرم المصرايمين ‏بسبب من اليهود .‏
‏2-‏ كانت عادات السكان أصلاً في هذه المنطقة (جنوب غرب الجزيرة) بناء بيوت صغيرة من القش ‏والحطب والخشب والطوب اللبن معجوناً بروث البهائم ، ولا يجعلون لها أبواب إنما فتحات قصيرة القامة ‏يضعون عليها ستائر قصيرة كما يقول الباحث السعودي د. أحمد سعيد القشاش في كتابه – ‏مرجع سابق.‏
‏3-‏ كما هو معروف عن تلك المنطقة أن أشهر منتجاتها هو الكروم لأن طبيعتها الجغرافية والمناخية ‏تسمح بذلك حيث أنها عبارة عن جبال وسهول وجداول نهرية تنحدر من الجبال والأمطار موسمية ‏مرتين في العام، وأشجار العنب أو الكروم هناك تنمو بكثرة ودون حتى عرائش، وهي مصدر دخلهم ‏واعتمادهم عليها .‏
‏4-‏ لا وجود لهذا الاسم كما يوضح المترجم، وهو بالفعل غير موجود كشخصية تاريخية ولا حتى ‏يمكن العثور لجذر لغوي لاسمه في العربية ولا الهيروغليفية، مع ملاحظة أنه ينتهي بالمتلازمة ‏الإغريقية (اوس- ‏os‏) ما يعني بجلاء أنه تم اختراعه في عصر البطالمة وحقبة التزوير التوراتي ‏الكبرى ونقل تاريخ مصرايم العربية إلى إيجبت .‏ ما يعني أن هناك عمليات جراحية كبرى تمت بحق هذا الوطن وتاريخه وثقافته تم التلاعب بالجغرافيا والتاريخ والأديان وحتى نقل أعضاء عربية وتلفيقها في جسد الوطن واستنباتها بعناية .. فالأمر لم يتوقف أبداً عن حد تزوير التوراة السبعونية، بل تخطاها إلى أبعد مما نتصور .. فهناك فرق عمل كاملة تشكلت من جميع التخصصات وفروع المعرفة ووضعت لكل منها خطة عمل على الطاولة ومزقت انسيج لأوطان وأعادت ترتيبه من جديد وفق المخطط له بعد تطعيمه بمواد غذائية معدة خصيصاً لغرض استئناس البشر واستعباد عقولهم ... وكأننا بصدد عملية استزراع بكتريا وتنميتها وتدجينها .. أما الغريب فهو أن المزرعة البكتيرية هي عقولنا ذاتها !!

يُتبع ...‏‎

‏(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ ‎‏)‏‎ ‌‎
‏ (رابط الكتاب على نيل وفرات):‏‎
‏ ‌‎ ‏https://tinyurl.com/25juux8h‏‎ ‌‎

‏(رابط الكتاب على أمازون) :‏‎
‏ ‏https://cutt.us/sxMIp‏ ‏‎

‏( رابط الكتاب على جوجل بلاي‏‎ ):
https://cutt.us/KFw7C

‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA

‏#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا