الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة أخرى في نقد الفكر الديني الموضوع والمزيف

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 5 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ونبقى في دائرة النقد الإيجابي الذي هو جزء أساسي من عملية التنوير، فليس كل تجديد في المفاهيم والأفكار والرؤى يمضي من غير وضع القضايا التي ينظر لها ومن خلال القراءات المعمقة على أنها بحاجة إلى ما يعيدها سيرتها الأولى، هذه العملية لا تتم دون ممارسة سلسلة من عمليات التدبر والتفكير بدأ من تفكيك الموضوع وإعادة القراءة من جديد وفق ما يكشفه فعل التفكيك، ومن خلال تشخيص مواطن الإشكال الفكري بممارسة نقد تجريدي لا يستهدف الموضوع ولا متبنيه بقدر ما يستهدف إمكانية التطوير والتحديث والتنقية من الشوائب التي عرقلت سيرورته الطبيعية، فالنقد قراءة حرفية ضرورية ومهمة في عملية التنوير لأنها تعطينا الحرية في إخراج الفكرة أو الموضوع من دائرة الخاص والمختص إلى دائرة العرض والفهم العام.
في الفكر الإسلامي الخاص بما عرف بالاجتهاد والفقه نجد أن التدخل البشري في قضايا محسومة وبينة يخرجها من القصدية الملزمة ويضعها في دائرة التصرف على أساس رؤية شخصية أو ذاتية، وربما دائرة التغيير في الأحكام مقدمات ونتائج لتخدم هدفا أو غاية لا علاقة لها بما شرعت أو وضعت من أجله، وأحيانا تكون التدخلات ذات غايات تخريبية الهدف منها ليس خدمة العقل والدين، بل أبعد من أن تكون كذلك، هناك أمثلة ثابتة وأكيدة ومكثرة في طيات هذا الفكر الأجتهادي منها ما تحدثنا عنه مرارا بصورة عرضية، ولكن اليوم نتناول الموضوع بشكل مخصص، طبعا عندما نعرض مثلين من هنا وهناك لا نقصد بها الذوات والرموز المذكورة فيه، وإنما لنبين كيف يتم المتاجرة بهذه الأسماء والرموز الكريمة نحو غايات مشبوهة تمس كرامة هؤلاء أولا قبل أن تمس كرامة العقل الديني ويقينياته وإيمانه، فقد ورد في الفكر الروائي الشيعي كمثال من حديث طويل يقول راويه أنه حديث صحيح السند والمتن، وهو من دلائل عظمة أل البيت (فَهَبَطَ ٱلأَمِينُ جِبْرَائِيلُ وَقَالَ: ٱلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، الْعَلِيُّ ٱلأَعْلَىٰ يُقْرِئُكَ ٱلسَّلاَمَ، وَيَخُصُّكَ بِٱلتًّحِيَّةِ وَٱلإِكْرَامِ وَيَقُولُ لَكَ: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَمَاءً مَبْنِيَّةً وَلاَ أَرْضاً مَدْحِيَّةً وَلاَ قَمَراً مُنِيراً وَلاَ شَمْساً مُضِيئَةً وَلاَ فَلَكاً يَدُورُ وَلاَ بَحْراً يَجْرِي وَلاَ فُلْكاً يَسْرِي إِلاَّ لأَجْلِكُم وَمَحَبَّتِكُم)، وحتى لا نتهم بمعادات أهل البيت أو الترويج للفكر المعادي لهم، سنتناول الحديث بالنقد التفكيكي المجرد من كل غاية إلا الحق.
1. معروف عند كل المسلمين أن جبريل أو الأمين عندما يأت بخبر عن الله أو من الله فهو وحي ضمن مفهوم الوحي المنزل، أي أنه من ضمن القرآن الكريم إتباعا لما في النص التالي (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)، فالوحي عند غالب الفقهاء وأهل الأجتهاد يكون على نوعين ما يتلى على الناس أو يدون يسمى قرآنا، ومنه ما يترجم فعلا وتصرفا يسمى سنة، لو عدنا للحديث هذا فلا هو من القرآن ولم يتضمن كتاب الذكر نصا له فهو خارج الصنف الأول ، ولا هو سنة نطق بها رسول الله للناس لتكون حجة عليهم، فهو حديث مروي عن بنت رسول الله عن طريق صحابي هو عبد الله بن جابر الأنصاري، فلو كان وحيا من الله كان من الأولى أن يصرح به رسول الله لأنه مأمور بالتبليغ، وإن كان سنة فالسنة هي قول وفعل وتقرير الرسول، وهنا وإن كان الحديث لو صح يقع تحت مفهوم التقرير لكن بوجوب ما يثبت التقرير به من رسول الله، هذا ليس قدحا ببنت رسول الله ولا بالراوي ولكن تكذيبا لمن نقله ونسبه عنهم.
2. مضمون الحديث وتحديد العلة من الإخبار به وهو " إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَمَاءً مَبْنِيَّةً..... إِلاَّ لأَجْلِكُم وَمَحَبَّتِكُم"، إذا علة خلق الخلق كله وأسباب وعلل الوجود محصورة في هدفين وردا في هذا الحديث، الأول لأجلهم والثاني لمحبتهم بمعن أن الله تعالى أجمل الهدف النهائي لعلة الخلق والوجود مختزلا بأمرين، عما ما ذكره الأمين جبرائيل حسب رواية الحديث، من المعلوم فقها ومن كل علوم الحديث الذي درج المسلمون بكافة طوائفهم ومللهم وتقسيماتهم بقولون في صحة الحديث مضمونا وسندا، انه يعرض على القرآن فإن وافقه فهو منه لوحدة الوحي ووحدة الهدف والغاية والمصدر، وإن عارضه فأضربوا به عرض الحائط كان من كان قائله أو راويه، عند العودة بالحديث والعرض على القرآن لا نجد نصا واحدا مصداقا لمضمون الحديث، فكل العلل التي ساقها النص تتعلق بالإنسان غاية وعمل صالح وإصلاح للوجود وتعارف لغرض الرحمة، حتى أن في بعض النصوص والتي تجري علة لسان الرسول لا تضمن حد أدنى من هذه العلة (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٢٤ سبإ﴾)، فلو كان الرسول يعلم ما أورده الحديث من بشارة لأصبح هذا النص منسوخا ولا قيمة له ولا يفيد الانعقاد أصلا، فهل نصدق الراوي ؟ أم نكذب القرآن؟.
3. من حيث المضمون البعيد من هذا الحديث ما هي الميزة الأساسية والتي تمتع بها أصحاب الكساء دون غيرهم من البشر، أو حتى على مستوى المسئولية والمنزلة، فعندما يستنكر المسلمون الرواية التلمودية بخصوص السيدة سارة وعظيم منزلتها عند الله ويستنكرون الرواية الإنجيلية التي تضع عيسى وأمه في منزلة أقرب من الألوهية والربوبية، فإنهم لا يتورعون في وضع محمد وأل محمد في حديث الكساء بنفس المنزلة، هذا يعني في النهاية أن سلسلة الخلق الوجودي لا قيمة لها عند الله ولا أهمية لها بمعزل عن محية أهب الكساء، وأن تركيب كل هذا الوجود ومعادلاته وقوانينه قائمة على أمر جدا طبيعي ومن ضمن النظام العام فيه، أي أن الله كان متوهما عندما وضع أل محمد أصحاب الكساء في نفس المنظمة وجزء منها وهم علة وجودها، هذا منطق غبي لا يستقيم مع كليات الإرادة الإلهية القائمة على الحق والميزان والعلل الكونية المسنودة بها السنن الشمولية، كما يشكل ذلك الأمر إهانة وأعتداء على الإنسان البشر والرسل والأنبياء والرسالات كلها لأنها لا قيمة لها أمام أمر أهل الكساء، والله تعالى إنما يعث من قبل محمد رسلا وأنبياء لئلا يكون للناس على الله حجة من بعد الرسل، ولئلا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير وليكون حجة الله عليهم، ألا يتذكروا النص في محاجة خزنة جهنم واحتجاجهم على أهل النار بالأنبياء والرسل (ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ان أنتم إلا في ضلال كبير).
4. وأخيرا أليس من السهل واليسير على الله بدل كل هذه العملية الطويلة والتي كلفت الوجود الكثير من الزمن والخسائر والدماء والفساد أن يخلق الله أهل الكساء في أول الخلق، ويلوكم كل الكائنات بنص أو بتشريع أو بفرض حبهم كجزء من أساسيا وجودهم، ويفع هو أي الله عنهم البلاء والشقاء والفناء ليكون دليلا على حبه وإظهارا لحجته بما أراد في حديث الكساء، إن القراءة العقلانية والنقد الموضوعي القائم على المنطق القرآني تقول (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)، هذا السؤال والجواب الأستنكاري ينفي الخلود المادي والمعنوي لأي بشر مهما علت درجته وقربه من الله، لكن كما قيل في النص يتعلق بالعاقبة التي هي أعلى درجة من أن يكون الخلق علة محبة وسبب بوجود ولوجود بشر فان (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)، وهذا هو الفصل صبر في الدنيا وخير في العاقبة قانون للجميع وإن كان الكلام موجها للنبي محمد وأهله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - واصل النقد لان الحق احق ان يتبع!!!
سمير أل طوق البحراني ( 2023 / 5 / 11 - 09:19 )
اشكرك جزيل الشكر على ابدآء رايك في حديث الكساء والذي اثبت فيه حقائقا منطقية لا يمكن لاي باحث عن الحقيقة دحضها لان كل ما قيل من احاديث لا تستند على القرآن لا وزن لها وهذا ما اكده صاحب الرسالة محمد نفسه وهو قوله: كثرت عليه الكذابة في حياتي وستكثر بعد مماتي فاذا جائكم حديث عني فاعرضوه على كتاب الله فان وافق والا فاضربوه عرض الحائط.ان مشكلة المسلمين عامة والشيعة خاصة هو تقبل الحديث الذي يروى عن النيي او الائئمة بادعآء ثقة رواة الحديث ويدعون ان الائمة لهم الولايتان التكوينية والتشريعية اي اذا ثبت حديث صحيح عن احد الائمة فهو مقبول وان ضرب القرآن عرض الحآئط لان الامام له حق التشريع ولك في خمس المكاشب اكبر دليل مع ان القرآن يقول واعلموا ان ما عنمتم فان لله خمسه وليس ما كسبتم ولكن بما ان الحديث مروي عن امام ـ وان كان مكذوب ـ فهو مقبول.وماذا عن الزيارةالجامعة واالتي يستهلها الزائر بعد السلام على النبي وآله:بكم فتح الله وبكم ختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه متناسين ان الله خلق قوانينا تسير مخلوقاته لا علاقة لاحد بالتدخل في نقضها الا بما يتوافق مع القانون الطبيعي.


2 - واصل النقد لان الحق احق ان يتبع ـ تابع!!
سمير أل طوق البحراني ( 2023 / 5 / 11 - 10:09 )
اما الاشياء التي تتناقض عن مشيئة الله وكينونته فحدث ولا حرج وتجد اكثرها في مناسبات زيارات مراقد الائمة واليك بعضها.جاء فضل زيارة الحسين يوم عرفة بان من زار الحسين كمن زار الله في عرشه وان الله ينظر لزوار الحسين قبل النظر للواقفين في عرفة لان زوار الحسين شيعة والواقفون في عرف خليط من المسلمين وان الملائكة تستاذن الله في النزول لزيارة الحسين وحمل زواره على اجنحتها . فلو فرضنا جدلا بان الاستاذان للزيارة مقبول فهل من المنطق الاستاذان لحمل الزوار على اجنحتها وما ذا قدمه الزوار للحسين؟. زيارة العظماء اعترافا وتفديرا لتضحياتهم فهو عمل جيد بشرط اتباع نهجهم وليس للرشاوى والشفاعة يوم الورود ولو كان الزآئر حرامي ومنافق وهو بعيد كل البعد عن منهج الحسين. الزيارة لها مردود ايجابي للزائر واهم مردود ايجابي هو التجمع في فناء واحد بشرط صفاء القلوب والتعاون ومساعدة المستضعفين وليس تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. اخي الكريم ان تلك الاكاذيب جعلت المؤمنين بها كالقطيع تسوقه عصي دهاقنة الدين لتوجيههم الى الاهداف التي يريدونها تارة باسم الله وتارة باسم اهل البيت خدمة لبعض السلطات العليا الناطقين باسمهم. سلام عليك


3 - تحياتي
عباس علي العلي ( 2023 / 5 / 11 - 10:30 )
السلام عليكم صديقي
من هذا الذي تفضلت به الكثير الكثير وليس فقط عند طرف واحد بل هي ثقافة ونسق روائي معتمد منها على سبيل المثال حكاية الجبل من وراءك التي حدثت في زمن الخليفة الثاني ورواية ابو قبقاب الذي رمى بقبقابه من بغداد ليصيب هدف يبعد ألاف الاميال عنه، هذا منهج يعتمد على تسخيف الدين والأستهزاء بالقوانين الوجودية الحاكمة على الكون.


4 - تحياتي
عباس علي العلي ( 2023 / 5 / 11 - 10:37 )
السلام عليكم صديقي
من هذا الذي تفضلت به الكثير الكثير ليس عند طرف واحد ولا جهة واحدة بل هي ثقافة الرواية الغيبية التي هدفها دوما تهوين الدين والأستهزاء بالعقل المنطقي والضحك على الناس بدواع ظاهرها التعظيم والتكريم، فمثلا في عصر الخليفة الثاني وأثناء الخطبة أخترق بصره الأقاق ورأى أحداث لم تراها حتى الأقمار الصناعية، فصاح الجبل الجبل ورائك با .... تصور هذا في عصر الحمار والبعير، أما الفقيه والأمام أبو قبقاب الذي رمى هدفا يبعد عنه ألاف الأميال ويصيبه وهو جالس في أحد جوامع بغداد، ليس المعجزة في إصابة الهدف بل المعجزة كيف رأه يصيب الهدف.

اخر الافلام

.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني


.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم




.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran