الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة أخرى في نقد الفكر الديني الموضوع والمزيف 2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 5 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الغرائب التي طرزت كنسق من أنساق الفكر الروائي الديني عموما وهنا أنا أتكلم على الفكر الديني الإسلامي تحديدا، هو دور الرؤى والأحلام في مجال تفسير أو فهم وإدراك بعض الأحكام والأفكار الدينية، فقد دأب البعض من رجال العقيدة الدينية والفقهاء من زج أحرمهم وما يتصورون أنها رؤى خاصة بهم من الله في منظومة الفكر الذي يبشرون به، وأعتبارها جزء من الرصيد المتعاطي به يوميا وتفصيليا، السبب يعود لأنهم يختزلون إيمان الغير بإيمانهم لأنهم يظنون أنهم جزء من ألية الله بتبليغ الدين، هذه واحدة من الإشكالات التي لا يجب السكوت عنها أو عليها إذا ما أردنا أن نفهم الدين كحقيقة وجودية، ونفهم دور الدين في هذا الوجود الذي يعتبره البعض هو حجر الزاوية فيه.
الدين بمنتهة البساطة وبشدة التعقيد ما هو إلا ناظم أجتماعي معرفي متوجه نحو أقنمة السلوك البشري وضبطه وفق محدد معلوم ومسبق يستهدف بالعموم عنصرين، هما عنصر الخير بالنسبة للمؤمن وعنصر الإصلاح بالنسبة للوجود الكلي، هذه كتب الأديان ونصوص الرسالات من أولها لأخرها لا تخرج عن ذلك ولا تتقاطع مع هذين الهدفين مهما كانت القراءات وتنوعت الأفكار، "الخير للإنسان والإصلاح للوجود" ما عدا ذلك فهو بدع وإفرازات لشرية تتلاعب بها الأنا التي اسمي نفسها مؤمنة، الدين مثل العلم ومن المعرفة ومتصل بجوانب الحياة عبر أواصر ما يربطه بالإنسان، فهو جزء من الوجود الحي أدركه الإنسان وحاول أن يحقق من خلاله مستوى أفضل من العلاقة مع الأخر ومع الوجود، من الدين عرف أيضا أن الوجود هذا مهما كان عظيما ومتقنا ومنضبطا فهو لا يعمل بلا ألية ومنهج ومعادلات وقوانين، ومن الدين ومن التجربة التي رافقت الدين منح الإنسان احترامه للوجود كاملا خالقا ومخلوقا وخلقا، ومنه أشتق مفهوم الأخلاق الدينية التي طورت مفاهيمه الأساسية عما كان يعرف بالضروريات اللازمة لتسويق وتيسير الروابط البينية بينه وين كل ما يحيط به من وجود أخر,
إذا الدين أليات وأفكار ومناهج وسلوكيات لكنه ليس نظريات في السياسة ولا في الأقتصاد ولا في الدولة لكنه قادر على تأنيس وتخليق وتصويب تلك النظريات نحو مفهومي الخير والإصلاح، فلولا القيم المثالية وإن نتكلم الأن عنها خارج الدين لم يعرف الإنسان معنى التجمع ولا معنى الفهم وتكوين المعرفة ومنها أنطلق لمبادئ أكبر، فعندما شعر هذا الكائن أو أدرك أن ما يربطه مثلا بشريكه الإنسان من روابط ضرورية وخاصة أدرك في ذات الوقت أن الألتزام بها وحمايتها وأحترامها تعني له الديمومة الأمنة لنتائج هذه العلاقات، هنا أسس لأول مرة مفهوم الأخلاق الطبيعية وهنا أدرك أهمية تطويرها لضمان الخير له شخصيا أول مرة، ومع تراكم وتطور تلك القيم أصبح الأنسان أجتماعيا يتعاطى بقواعد ناظمة وسلوكيات محترمة منه ومن الأخر ليؤسس مجامعه القائم على التنظيم وفرض النظام حتى لو بالقوة حتى لا يعود للحيوانية الأولى التي تسلب منه معاني الخير والسلام والإصلاح,
إذا الدين ليس بدعة من السماء جاءت لتحمل للبشر سلسلة من الأوامر والنواهي مقرونة بسلسلة من العقوبات والمكافأة والحدود والطقوس التي وجبت تأديتها وإلا سيكون الله غاضبا ومنفعلا ومتوعدا بالجحيم من يخالفها، وفوق كل ذلك نصب مجموعة من البشر ليديروا هذه المنظومة ومنحهم جزء من صلاحياته التكوينية وعصمهم من أرتكاب المعاصي التي تخصه، ولكن لا مانع من أن يرتكبوا أي شيء خارج هذه الحد طالما أنها تسهل وظيفة رجل الدين، هذا الدين الذي يتوافر الأن وعلى مساحة واسعة من العقل البشري هو السائد وهو المسيطر على عقول البشرية، بما رافقه من تغريرات وتبريرات وتحريف وتخويف مرعب، ينهي حتى إمكانية النظر للدين كما قلنا أنه مجرد إرشاد سلوكي تربوي تقويمي مجموع ما يعنيه هو الصراط المستقيم، هذا المصطلح الذي يرسم حد سويا من السلوكيات البشرية وأنماطها وفق مبادئ سليمة لا تنحرف بالإنسان عن الخير والإصلاح، ولا تحرفه في ذات الوقت من التمتع بما مسخر في الوجود من علاقات تمنحه السعادة والسلام والأمان، الصراط المستقيم هو معادلة التوازن بين الحقوق الأساسية للموجودات وبين الواجبات الأساسية لها، لذا هو مستقيم وصراط دائم لا ينبغي أن ينتهي أو يعدل أو يتغير مسارة لأي شبب ولأي قضية.
إن الجريمة التاريخية التي أرتكبت بحق الإنسان والدين معا عندما حولت منظومة أو عصبة من البشر أرتبطت بالدين بظروف خاصة، أو تحت مبررات قد تكون جزء من الدين أو تم أستغلالها خارج كونيتها وهدفها إن كانت حقيقة (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) الحديد)، هذه الظروف أو المبررات دفعت البعض وساقته ليكون الدين مطيتها للسلطة على الإنسان، هذا هو المحور الأساسي الذي خرب العلاقة بين القيم الدينية المثالية السليمة وما تستهدف من بناء شكل وطريقة العمل بالصراط المستقيم وبين مرتاده الأساسي والمعد أصلا له والمعني به وهو الإنسان.
من هنا يمكننا فهم معنى الآية الكريمة "اهدنا الصراط المستقيم" بعد أن جاءت التكملة لها تعريفا وتوضيحا بقوله "صراط الذين أنعمت عليهم" أي طريق الذي أنعمت عليهم بالحكمة والعقل وسلامة التفكير الذين يعملون عبى جانبي المعادلة لتحقيقها، معادلة الخير والإصلاح لذا جاء الأستثناء من الدعوة للهدية بقوله "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" فالمغضوب عليهم أولئك الذين وصفهم النص (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) الفتح)، فهؤلاء ليسوا إلا الظانين الذين لا يقين عندهم بقوانين الله في الوجود، ولم يتفكروا ويتدبروا أن الكون الوجودي هو حالة واحدة من التفاعل والتكوين والفعل منضبط ومحكوم بقوانين لا تتبدل ولا تتغير، أما الضالين فهم التائهون في دروب أخرى ليس من بينها الصراط المستقيم.
نعود لمفتاح المقالة والذي يتعلق بما يدعيه البعض من فتوحات له من عند الله تأت عن طريق الأحلام والرؤى، مستندين بأهميتها ودورها كما ورد في النصوص الدينية منها مثلا رؤيا إبراهيم الخليل، الرد بسيط وسهل وهو لا يتعدى أن هؤلاء رسل كانوا وكما تعتقدون في حالة تواصل مباشر مع الله من خلال الوحي أو الحديث أو الوحي، وبالتالي فرؤى وأحلام أولئك جزء من منهج معتبر ويقيني ولا يمكن أن يمتد لأخر أيا كان شأنه، ما لم يكن هذا الرائي أو الحالم في صلة مباشرة مع الله ثابتة الحكم ليس بقوله ولكن بنص ثابت، النقطة الثانية ووفقا لما جاء بالنص من قصة يوسف ورؤيا السجين الذي معه ورؤيا الملك وتعبيرهما لا يمكن أن يكون الرائي هو المعبر ما لم يملك حق التعبير والتأويل من الله كما في النص التالي (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) 37 يوسف)، فالتخصص في التعبير حتى يكون حكما أو فكرة عبادية يجب فيها شرطين أولا أن يكون صاحب التعبير معلم وصادق والثانية ان يكون من علمه الله تحديدا في هذا المجال.
فليس كل من رأى أو حلم بشيء وإن أمتلك مثلا الورع والتقوى يكون حلمه أو رؤياه حكما شرعيا أو يبنى عليه حكما شرعيا، أو يستفاد منه لحكم أو فكرة شرعية، فالأحلام وبالخلاصة هي فعل نفسي متغير متبدل مع أضطرابات العقل والنفس، أو هي نتاج لها إلا في حالة كونها جزء من سبعين جزء من النبوة، وبالتالي من يزعم صلاحية الرؤية مستندين لهذا القول فهم مغالطون مستندون إلى شبهة تأوليه غير مناسبة كونها حقيقة أنها جزء من النبوة وليست جزء من اليقين الفردي، فالسائر في طريق النبوة تكون الرؤيا جزءا منها وهذا ما يجب أن يفهم ويتدراك به، لا أن يتحول إلى ممارسة بشرية تسيطر على عقول البعض فتحرفهم وتجرهم عن الصراط المستقيم الذي جانبيه ومساره الخير والإصلاح عملا ويقينا ونتيجة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية