الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آراء ساذجة تسآل!

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2023 / 5 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لست مستغرِباً أن أُصادف هنا وهناك مقالات نقدية أو أحاديث مصورة أو حتى تحقيقات فكرية متنوعة الإتجاهات من أدبية أو علمية، حول قامات راقية للفكر إمتد الإنتفاع من منتجاتهم ما يقارب قرنين من الزمن أو أكثر. أعرف بديهياً بأن الإستغراب يأتي نتيجة عدم مطابقة الحديث عن الموضوع المحدد سلفاً مع الأثر الذي تركته المادة المنتَقَدة في الذاكرة التأريخية للعلم الى يومنا هذا. فالمألوف عن الصروح الفكرية والعلمية المعتبرة إنها ترى بأن الفكر النقدي مؤسس على معطيات دقيقة من حيث التناول الأكاديمي وكذلك محدد منهجياً، بحيث لا يدع للمجاملات والتحاملات المزاجية أي فرصة ظهور ضمن الإطار النسقي سواء للنص المنتَقَد أو الموضوع المراد تفحصه علمياً وفكرياً.
لست بصدد الدفاع عن أي من القامات الذين دخلوا التأريخ بفعل أعمالهم ومنجزاتهم البناءة و الذين تركوا تأثيراتهم الى الآن ويضعونها الى ما لا نعرف نهايته، فالأعمال الإبداعية تبقى دون الحراسة التقليدية والتقديس العمياء من قبل الدراوشة ولاهوتييّ الفكر إن صح التعبير، ان العمل الإبداعي في حركة مستمرة وتفاعل جدّي مع الحياة الجارية سواءً للأفراد فرداً فرداً أو للجماعات المختلفة. لا يصح أن تستصغر كاتب ما دور فطاحل الفكر اليوناني ونتاج تأملات صوفيي الشرق والغرب وتهجو أعمال ديكارت وسبينوزا وكانط وهيغل وشوبنهاور وجون ديوي وماركس و وليم جيمس وياسبرز وسيجموند فرويد بمجرد الإنطلاق من منطلق أيديولوجي أو ديني أو ثقافي أو تعصبي من نوع ما، فالتقييم لأعمال هؤلاء لا يبدأ عند فكرٍ نيّء ولا ينتهي عند شخصٍ غير مشهود له من قبل المؤسسات العلمية الراقية بفعاليته ودقته الفكرية المنهجية. الفكر النقدي مبني على مسلّمات دقيقة موجهة علمياً وتصبو هذه المسلّمات صوب الحلول وفق نوعية المجال أو كيفية التخصص، فالتحليل بموجب هذه المنهجية يسلك خطاً إستقرائياً الى أن يصل الى نقطة يتحول فيها الفكر الى إعادة تشكيل ما جزأته المنهجية المشارة اليها، فالتركيب الجديد هو الصورة الإبداعية الجديدة للعمل المفكك من خلال التفحص النقدي الواعي.
قرأت اليوم مقالاً لسيدة يبدو انها صحفية وليست متخصصة في مجال السايكولوجيا لا أشير الى اسمها كتبتها في جريدة الشرق الأوسط عدد اليوم وفي صفحة الثقافة عن ( بعد أكثر من قرن على ظهور نظرياته في التحليل النفسي......فرويد أكبر محتال موهوب عرفه التأريخ؟)، أشارت الى أسامي أمثال ميكال بورغ جاكوبسن وميشيل أونفري وآخرون غير معروفين على الساحات العلمية العالمية كتبوا اعمال نقدية متحاملة بمواقف مسبقة عن فرويد ومذهبه التحليلنفساني والميتاعقلاني. لاحظت بأن العنوان ليس موزوناً لا من حيث الدقة الصحفية ولا من الوجهة العلمية المنهجية، حيث أنه مصاغ على وفق النغمة العدائية ذات النكهة التصادمية المشارة اليها في أدبيات الحروب النفسية. فالأديب ميشيل أونفري أولاً لا يحمل أية صفة علمية طبنفسانية ولا حتى سايكولوجية كي يبحث في دقائق أمور التحليل النفسي، وإنه لا يرى ستراتيجيات هذا المنهج وإكتفى بإختزال هذا المنهج فقط في إستقبال فرويد للمرضى وإنشغاله في عيادته وجلساته العلاجية، دون أن يستنتج ما يبغيه هذا النابغة فرويد من خلال مذهبه من مستقبل منير يصل الفرد بأناه الى نظامٍ راقٍ تتوازن فيه العقلانية مع كل الأمور الحياتية. فرويد هو من حلّل الفكر الأسطوري البشري وإكتشف في طيات لغته مستويات الوعي للأجداد وغاص في متاهات الحكايات الكبرى كي يرسم نقطة إنطلاق لخط فكريٍّ علمي رصين. ِلا يدرك لا أونفري ولا جاكوبسن ماورائيات فرويد والأعماق التي غاص في ظلماتها ولا يفهمون الأعماق التي يصبو الى إضائتها بفعل توسيع أفق الوعي وتقليل مستويات اللاوعي المسبب لكل ما إختل توازنات الحياة البشرية.
ما ينتقد فرويد يجب أن يكون مكافأً له على الأقل من حيث الإختصاص أو يبحث من خلال توجهه النقدي ما لا يفهمه منه أو له من القدرة على خلق إطار معرفيٍّ جديد تشهد له المؤسسات العالمية العلمية الراقية، ما يحصل على لقب أحد ثوار العلم والمعرفة الثلاثة على مستوى تأريخ العالم لا يقيَّم بواسطة مختل فكري يبدأ نتاجاته النقدية بمصطلح(أفول ومرضى فرويد ونهاية و....الخ) فالقرارات تلك عفى عليه الزمن اللاحتمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام