الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإغتيال السياسي

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 5 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الإنسان حيوان قاتل
٩ - المظلة البلغارية
الإغتيال عمل غريب ولا يقدر على إرتكابه إلا نسبة بسيطة من البشر في الظروف العادية. وتزداد هذه النسبة في ظروف الحرب وفي المراحل التي يسود فيها الإضطراب الإجتماعي والسياسي. فالقتل عموما، عملية تحتاج إلى نوع معين من فقدان الإتصال بالواقع وتحويل الضحية إلى "شيئ" غير إنساني للتمكن من غرس السكين في بطنه أو رميه بالرصاص. وهذا ما يجعل العديد يعتقد أن القتلة يتعاطون المخدرات والمهلوسات، لأنهم حقا لا يمكنهم إرتكاب عملية القتل بدون هذا التحول العميق الذي يطرأ على شخصيتهم البسيكولوجية، ولكنهم في أغلب الأحيان لا يحتاجون للعقاقير لذلك، فالتعبئة الإيديولوجية والتربية العسكرية والأحاسيس الوطنية والدينية وكراهية الأخر والرغبة في الإنتقام وفي العقاب، عادة ما تتكفل بهذا العمل وتهيئ القاتل لهذا التحول في اللحظة المناسبة. فالقتل عمدا ومع سبق الإصرار يعتبر من أشد الأعمال الإنسانية عنفا وضراوة، ويحول القاتل ذاته إلى ضحية لعمله الذي يحوله من إنسان عاقل إلى حيوان مفترس لا يعي ما تعنيه الحياة ويفقد قدراته الفكرية والعقلية. وعادة ما تدفع القاتل عوامل متعددة، إقتصادية وسياسية وإجتماعية وبسيكولوجية للإنخراط في دوامة القتل، وتعتمد درجة أهمية كل من هذه العوامل وقوته على نوع الجريمة ومكان إرتكابها والوسائل المستعملة لتنفيذها للوصول إلى النتيجة المطلوبة، أي إعدام الآخر وتصفيته من الوجود إلى الأبد. فالقتل، والإغتيال كما سبق القول حرفة قديمة قدم الإنسان ذاته وقد أصبحت اليوم نتيجة للتطور العلمي والتكنولوجي، حرفة فنية وتقنية وتحتاج إلى معارف علمية عالية التخصص في مجالات التقنية العسكرية ومعرفة الأنواع المختلفة للأسلحة المتعددة ودراستها ومعرفة السلاح الملائم لكل عملية ولكل ضحية. لذلك هناك متخصصون ذوي الكفاءات العالية في هذا المجال، ومنهم أفراد الجيش الذين يكونون فرق مختلفة متخصصة في عمليات القتل حسب المكان والظروف وكذلك أجهزة الشرطة المتخصصة والمخابرات والإستعلامات العسكرية والمدنية السرية والعلنية، وكذلك العديد من المجموعات السياسية المنظمة ذات البرامج المتكاملة والتي تمتلك فروع عسكرية وميليشيات مسلحة بجانب الجهاز السياسي، والتي تستعمل القتل كجزء من تكتيكاتها في إطار أستراتيجية عامة. فالقتل أصبح فرعا مهما من فروع "السياسة العملية" التي تنفذ على أعلى مستويات الدولة وجزء من مهامها الطبيعية وبدون الحاجة لإستشارة المواطنين أو البرلمان - في الدول المسماة بالديموقراطية. والاغتيال مصطلح يستعمل لوصف عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصية مهمة ذات تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي . وللإغتيال عادة أسباب عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية تستهدف شخصاً معيناً يعتبره منظم أو منظموا عملية الاغتيال عائقاً لهم في طريق تحقيق مخططاتهم ومصالحهم والحفاظ عليها أو للوصول إلى أهدافهم المستقبلية، وهو قتل أفراد محددين، عادة معارضين من شخصيات سياسية أو دينية أو عسكرية أو إقتصادية أو سياسية، وقد تكون هذه الشخصيات تنتمي إلى مجالات الثقافة أو الفن أو الفكر عموما، وحيث تقرر الجهات المتخصصة في التصفيات الجسدية - جهات حكومية أو مخابرات أو منظمات سياسية أو دينية - بضرورة التعامل مع هذه الشخصيات بطريقة راديكالية، مسحهم من الوجود وإرسالهم إلى العالم الأخر بدون إمكانية العودة، وفي بعض الأحيان يتم إخفاء جثة المغتال أو تدميرها كما فعل الجيش الأمريكي بجثة بن لادن التي قذفت في أعماق المحيط، أو جثة القذافي التي دفنت في مكان مجهول في الصحراء أو جثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي إغتالته مخابرات جلالة الملك حارس الحرمين في أكتوبر ٢٠١٨ في مقر القنصلية السعودية في أسطنبول.. فالإغتيال السياسي يتم أولا بتحديد إسم الضحية وموعد تنفيذ حكم الإعدام، ثم تترك عادة عملية التنفيذ لجهات أو أفراد أكثر تخصصا في عمليات القتل، حيث تبدأ عملية المراقبة التي قد تطول أو تقصر حسب الظروف ودراسة مكان تواجد الهدف وخريطة تحركاته اليومية ومواعيدها، وإختيار السلاح المناسب والذي يختلف من حالة لأخرى، من السكين أو الخنجر إلى الطائرات بدون طيار، مرورا بالرصاص أو المتفجرات أو بالسم أو بإفتعال حادث سير أو غرق أو أي نوع من أنواع القتل الذي قد لا يخطر على بال الإنسان العادي .. مثل إغتيال المعارض البلغاري "جورجي ماركوف" وهو ذاهب إلى عمله في محطة الـ BBC البريطانية بواسطة ما يعرف بالمظلة البلغارية. ففي شهر سبتمبر ١٩٧٨، بينما كان ماركوف يسير في الشارع متجها إلى مقر الإذاعة حين شعر بوخزة مؤلمة في فخذه، وعلم فيما بعد أن مصدرها كبسولة صغيرة لا تكاد ترى بالعين المجردة، وتحتوي على مادة الريسين القاتلة والتي يصعب العثور على أثارها في الجسد عند تحليله معمليا. وهي مادة سامة مستخرجة من شجرة "الخروع" أدت إلى وفات ماركوف في ١١ سبتمبر ١٩٧٨ بعد ثلاثة أيام من وخزه بالمظلة، بواسطة أحد أفراد المخابرات البلغارية التي تلاحقه لكتاباته المعارضة للنظام السلطوي في ذلك الوقت. وهذا النوع من العمليات يتطلب بطبيعة الحال السرية والقدرة على الخداع والمداهنة والمراوغة والقدرة على الخيانة وكذلك سرعة التنفيذ وعدم التردد، وهي صفات ومواهب يمتلكها في غالب الأحيان رجال السياسة ورجال الأعمال المهتمين بالسياسة ورجال الشرطة والمخابرات السرية بفروعها وتشعباتها العديدة وكذلك ضباط الجيش والشرطة وغيرهم من رجال السلطة، وهم المسؤولون في أغلب الأحيان عن تنظيم وتنفيذ عمليات الإغتيال المشهورة في التاريخ القديم والحديث. فالقتل عملية سياسية منظمة وتدخل ضمن استراتيجية عامة ومنظور أيديولوجي وحضاري شامل تشترك فيه جميع المجتمعات بدون إستثناء، عملية نفي وجود الآخر ماديا وعقليا. وأحيانا تؤدي عملية الإغتيال إلى النتائج السياسية والإجتماعية المنتظرة من قبل منظمي العملية، وأحيانا إلى نتائج معاكسة تماما للخطة المرسومة، وخير مثال على ذلك هو حادثة إغتيال علي بن أبي طالب من قبل مجموعة من الخوارج، الذين تحالفوا وقتيا مع أنصار معاوية لإنجاح مهمتهم، ولكن أنصار معاوية استغلوا العملية بكاملها لصالحهم وهم الذين استفادوا من عملية الإغتيال سياسيا على حساب الخوارج. والإغتيال يمكن أن يكون لدوافع شخصية ولا علاقة لها بالسياسة، لأسباب نزاع على الأرض أو المال أو العرض أولأسباب إجتماعية بحتة كالإنتقام من شخص ما، كما أن بعض عمليات الاغتيال قد تكون أسبابها ودوافعها اضطرابات نفسية للشخص القائم بمحاولة الاغتيال وليس سبباً عقائدياً أو سياسياً، مثل اغتيال جون لينون على يد مارك ديفيد تشابمان في 21 يناير 1981 ومحاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان على يد جون هنكلي في 30 مارس 1981 الذي صرح فيما بعد أنه قام بالعملية لجذب انتباه الممثلة جودي فوستر. وفي هذه الحالة يصبح الإغتيال مجرد جريمة تدخل تحت بنود قانون الجنايات ويعاقب مرتكبها بتهمة القتل مع سبق الإصرار. بينما الإغتيال السياسي عادة لا يدخل تحت طائلة القانون، لأنه في كثير من الأحوال تكون الدولة ذاتها المنظمة للإغتيال، والذي يكتسب شرعيته من القوانين الخاصة المتعلقة بمحاربة الإرهاب، كما هو الحال فيما يخص الإغتيالات التي تمارسها الدول الديموقراطية المتقدمة، وأحيانا يتم إغتيال منفذ العملية ذاته من قبل المنظمين المجهولي الهوية لمحو أي آثار يمكن أن تقود إليهم في حالة وجود قضية قانونية ضدهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
سعود سالم ( 2023 / 5 / 15 - 10:45 )
-نعتذر لقراء الحوار عن الخطأ الوارد في عنوان النص‘ المقصود هو -الإغتيال ..السياسي وليس الإعتيال

اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة