الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجماعة الدينية و المجتمع الوطني

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2023 / 5 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من البديهي ان الرسالة الدينية اشتملت مبدئيا على وجهين متلازمين يندرجان تحت عنوانين هما العبادات و المعاملات ، يأخذ الاول بيد المرء في تفكره الروحاني بينما يتمثل الثاني بتمكينه من الإستدلال على السلوك الصحيح في المجتمع أي السلوك السياسي نفعا للمصلحة العامة .ينبني عليه أن الرسالة الدينية هي في الأصل سياسية ، موجهة إلى الفرد و الجماعة في فترة تاريخية معينة و في مكان معين ، غايتها إصلاح امر الجماعة عن طريق تقوية الروابط فيما بين أفرادها و إبراز نخبة منهم ترشدهم و نقودهم .
استنادا إليه يمكننا منطقيا أن ننظر إلى الرسالة الدينية من خلال مطابقة فحواها التعليمي النموذجي لتجارب شعوب قديمة ،مع مراعاة ظروف العيش المتغيرة و المتبدلة باستمرار ، الامر الذي يتطلب بالتأكيد ملاءمة العلوم و المعرفة ، بناء على أن رسالة المعلم هي في لبها إعداد التلميذ لأن يستغني عنه بحيث يتقن هذا الأخير تعليم نفسه بنفسه، كيف يجد الحلول التي لو اتبعتها الجماعة أمِنت و تقدمت .
ليس من حاجة في هذا الصدد إلى التذكير بالأدوار الهامة التي اضطلعت بها الرسالات الدينية في رسم العالم كما هو في الحاضر ، و على الأرجح أنها ما تزال تمثل عاملا مؤثرا في المستقبل المنظور . لا يتسع المجال هنا للغوص في تفاصيل هذا الموضوع ، فنكتفي بالإشارة إلى بعض الأمثلة منها أن الدين و فّر القدرة على إطلاق سيرورة الفتح العربي ، و أن الحملات الصليبية كانت تحديا كبيرا للإسلام السياسي ، مثلها مثل الحملات الإستعمارية المتتالية بعد ذلك لا سيما بعد الحرب العالمية الأولى و التي تتوجت بإستعمار إستيطاني في فلسطين تحت غطاء اليهودية .
لا نجازف بالقول أن الحركة الإستعمارية الصهيونية و ظفت هذه الديانة من أجل خلق جماعة سياسية ذات هوية وطنية تدعي أحقيتها بوطن في فلسطين إستنادا على أساطير وضعتها شعوب بلاد مابين النهرين و شبه جزيرة العرب في أزمنة قديمة غابرة . فلولا استخدام الهوية اليهودية لما استطاعت هذه الحركة تجنيد يهود اليمن و العراق و شمال إفريقيا المتحدرون من أصول بربرية الي جانب يهود الخازار في شرقي أوروبا ذوي الأصول السلافية و التركية . و الحقيقة هي أن ان الحركة الصهيونية صادرت ليس فقط تراث العبرانيين و إنما أيضا تراث الشعوب التي سبقتهم في شبه جزيرة العرب و بلاد ما بين النهرين و بلاد الشام ، بالإضافة إلى الأحداث التي ترافقت مع انتشار اليهودية في أوروبا الشرقية و اعتناق شعوب الخازار السلافية ـ التركية لها و ما نتج عن ذلك من نزاعات تقمصت أثوابا دينية و عنصرية تلازمت كما هو معروف بوجه عام مع نشوء الدولة القومية في أوروبا و في الحملات الإستعمارية .يحسن التذكير هنا أن فكرة الدولة اليهودية راودت نابليون قائد الحملة الفرنسية على مصر و الشام في 1798 ـ1801 ،كما أنها طرحت مرة ثانية في مجمع الدول الأوروبية التي كانت متربصة بالدولة العثمانية " المريضة " ، لمنع تكرار حملة محمد على على سورية (1831 ) عن طريق إقامة " حاجز جغرافيى و سكاني بين مصر من جهة و عمقها السوري ـ الأسيوي من جهة ثانية " ، و في السياق نفسه دافعت صحيفة التايمز بتاريح 14 كانون الثاني / يناير 1839 ، عن " حق الشعب اليهودي في استعادة إرثه في فلسطين "(لطف الله سليمان ) .
ما أود قوله هو أن الدول الأوروبية كانت قد تلقفت المسألة اليهودية أو بتعبير أدق مشروع الدولة اليهودية ، قبل تيودور هرتزل و الحركة الصهيونية (كتاب دولة اليهود في سنة 1897 ـ مؤتمر بال سنة 1897 ). الأدلة كثيرة على ذلك منها :
- قانون أدولف كريميوه ، و زير العدل الفرنسي ، الصادر في سنة 1870 ، يمنح فيه سكان الجزائر الاصليين اليهود ، الجنسية الفرنسية ، دون غيرهم من السكان الذين احتل الفرنسيون بلادهم في سنة 1830 ، في سياق مشروع استعماري ـ استيطاني دائم .
ـ لولا الإنتداب البريطاني على فلسطين لما قامت دولة إسرائيل ( هنري لورانس )
ـ يفهم من فصول قضية الضابط الفرنسي دريفيس التي ظهرت في سنة 1894 ، و قبلها قضية إغتيال القيصر الكسندر الثاني سنة 1881 في روسيا ، و أحداث أخرى ، ان تأجيج الحملات العنصرية ضد اليهود كان بمثابة " كبش محرقة " تقدمه تجمعات غير مستقرة خائفة تفاديا لتنابذها فيما بينها .
ـ لم تكن الحركة الصهيونية في مقدمة المدافعين اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية بشهادة المقاومين اليهود أنفسهم ، من أعضاء الحزب الإشتراكي اليهودي ( الباند ) ، في غيتو فارصوفيا ( شهادة ماريك إيدلمان ) ، و هي الخلاصة التي توصلت إليها أيضا المفكرة حنا أرندت ( أيخمان في القدس ) .
مجمل القول في الختام ، أن الحركة الصهيونية هي في جوهرها أداة لتجنيد السذج من الناس في تنفيذ مشروع إنشاء قوة بشرية ومادية عسكرية غايتها التربح . بكلام آخر إن الصهيونية ليست حكرا بالديانة اليهودية ،و لكن الذهنية الدينية توفر لها في بعض الظروف شروطا ملائمة للظهور و الإنتعاش .و لعل أبلغ تعبير عنها نجده في مصطلح الحضارة اليهودية ـ المسيحية الذي تسوقه الراسمالية الجديدة المتغولة لتبرير صراعها ضد الحضارات الأخرى و الإنتصار عليها ،بما هوشرط لازم وضروي لإثبات تفوقها على هذه الحضارات و حقها في السيطرة عليها و أمتلاك الأرض و البحر و السماء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا