الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الميزان الثابت التقني المستلزم لفهم النص القرآني ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 5 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في تكملة المبحث السابق ونظرا لانشغالي عنه بأمور عامة أعود للتكملة من جديد مبتدأ في تعريف القياس المنطقي الأرسطي في حقيقته، والذي يعتبر عند الكثير من الفرق الإسلامية مصدرا من مصادر الأستدلال على الحكم الشرعي وطريقا للوصول إلى حكم يقيني في حالة ما، بناء على ما يعرف بحجية القياس وشروطه، ويعرف القياس في اللغة هو (التقدير والتسوية)، فقد قال ابن منظور في اللسان (قاس الشيء بغيره وعلى غيره... إذا قدره على مثاله) ، ومن هذا التعريف البسيط يتبين بأن القياس المذكور في كتب الفقه وأصوله ما هو نوع من الوزن القيمي أو النوعي أو الحالي من خلال شيء معلوم لبيان حكم موضوع مجهول، وبالتالي يمكننا القول أن القياس الذي يذكرونه في التعاريف ما هو إلا وجه من أوجه أستخدام الميزان في قواعد الفقه.
ومما يذكر عند أهل العلم أن القياس هو طريقة موضوعية في الاستدلال مبنية على أجتهاد ذاتي محكوم بقواعد مسبقة تسمى شرائط القياس أو شروط القياس، فيستدل المجتهد بعلة الحكم الثابت بالنص أو الإجماع على حكم أمر غير معلوم الحكم، فيلحق الأمر المسكوت عنه في الشرع بحكم المنصوص على حكمه إذا اشتركا في علة الحكم، العجيب أن الفقهاء لا يجرؤون في القول أن القياس هي أصلا عملية موازنة بين ما هو ثابت في النص وحده كمصدر أساسي في تأصيل الحكم وكشفه، فالقياس ليس منشئا للحكم ولا الأجماع أيضا منشئا لحكم خارج القاعدة الأساسية في الأستدلال من خلال الأستنباط فقط، فمهما أجتمعت الأمه بكل أفرادها على أن يأتوا بحكم خلاف النص، أو خارج دلالة النص أو روح الحكم الشرعي المفهوم جملة أو تفصيلا عن النص، لا يمكنهم أن يمنحوا هذا الحكم شرعية مع وجود حكم ثابت، هذا ثابت عند كل المسلمين بقاعدة (لا أجتهاد في مورد النص)، فالنص هو الحاكم الأول والأخير مع الأخذ بفكرة أن القرآن لم يترك شيء دون حكم مبين، أما بنص قاطع أو من خلال القواعد العامة التي هي الميزان عندما نفسر مجهول لنا من القرآن بمعلوم القرآن، وإن لم يكن في القرآن مجهول ولكن مع أفتراض الشبه أو الأشتباه في المتشابه أو المجمل أو المسكوت عنه مسبقا.
فالقياس إذا هو وزن معلوم القرأن بما هو غير معلوم لدينا للنظر في النتيجة، إن أستوى القياس الميزاني فقد كشفنا الحكم المطلوب ليس بناء على تقديرنا الخاص، بل وفقا لمبدا المعايرة وشروط الميزان، وإن لم يستوي فهذا يعود أولا لعدم مطابقة المعيار المقدم منا كنص ثابت، أو خلل في ملاحظة الميزان أو عدم التقدير الكامل لحالة الوزن وفهم الأستواء على أصوله، ومن الخطأ أعتبار أركان القياس وفقا للمشهور عند جمهور المسلمين عندما جعلوا هذه الشروط بالترتيب التالي (المحل المشبه به وحكم الأصل حله أو حرمه وثالثا العلة وهي الوصف أو المعنى الجامع بين المقيس والمقيس عليه ومن أجلها حكم لهما بحكم واحد، وأخيرا الفرع أو الشيء الذي لم يرد نص بحكمه، ونريد أن نثبت له حكماً بالقياس على مماثله)، وجه الخطأ بهذه الأركان يعود على أن كل الأحكام تدور في أصلها بالحلية المطلقة والأستثناء هو التحريم المنصوص بعلة أو سبب أو نص، فلا تحريم ممكن أن يكون خارج دائرة الأقلي وبالنص مطلقا، فما يبنى على التحريم يجب أن يطابق تماما حالة المحرم في القرآن روحا ومضمون وحالا وسبب وعلة، أما الأجتهاد في التحريم بناء على أعتباطية القياس الأرسطي فيعد تجاوزا على قاعدة التحليل والتحريم الكلية (الأصل في الأشياء البراءة ما لم يقيد بنص حاكم لا لبس عليه ولا تأويل).
النقطة الثانية ليس هناك أصل وما يقاس عليه يعتبر فرع طالما أن الأثنين يخضعان للوزن، فكلاهما يحملان نفس المعيار والوزن بين التحليل أو التحريم، وكلاهما أما فرع من أصل أو جزئية من كل والأصل واحد هو التحليل، وهناك نقطة أخيره فيما يتعلق بالعلة التي من أجلها بني حكم الأصل المقاس عليه، فالعلل منها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي على الناس ومنهم الفقهاء، هناك أحكام كلية بالتحريم منها القتل مثلا (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)، هنا علة القتل ليست جزاء القتل أو حدوث الفساد كما هو الظاهر من بناء النص، وإنما هو الأعظم منه "قتل الناس جميعا" أو الفساد الأكبر بالفناء، فالعلة إذا قيست منطقيا أرسطويا بما يعرف بالقياس الأصغر فسيكون الجرح مقابل الجرح والخدش مقابل الخدش وبتر العضو مقابل العضو، وهذه النتيجة لا تعتبر قياسا لسبق الحكم فيها بنص المقابلة أو المماثلة المعنوية أو ما يسمى بالقصاص، إذا العلة من خلال فهمنا للنص ليس الوصف أو المعنى الجامع بين المقيس والمقيس عليه ومن أجلها حكم لهما بحكم واحد، وإنما بالنتيجة الأبعد الناتجة من القتل والقتل الجزائي المتكرر والذي سينتهي بقتل الناس جميعا.
من الأمثلة العملية التي تم تداولها في كتب الفقه كنوع من القياس في أتحاد العلة وإلحاق الأمر المحكوم به مسبقا "المعلوم" على أنه الأصل للفرع الذي سيطبق عليه الحكم، ما ورد مثلا (قياس نبّاش القبور وسارق الأكفان بالسارق والسارقة والسؤال عن الحكم هل تُقطَع يده ؟ يقول الجواب "نعم" تُقطع يده قياسا، ومثال أخر قياس نفقة الزوجة الواجبة على زوجها على مبدأ الكفّارة بحيث أن كلّا منهما مال يجب الشّروع به وفي ذمّة صاحبه)، في المثلين السابقين القياس الأرسطي لا يصح إلا ظاهرا بأعتبار هدف نباش القبور وسارق الأكفان يتحدان بعلة واحدة هي )أنهما ينتهكان حرمة الموتى من أجل سرقة مال محروز من الغير بقصد التملك)، هذا هو تعريف السرقة وفقا للفهم العام ومن شروط السرقة أن يكون المال مملوكا للمسروق وأن يكون هذا الأخير صاحب سلطان على ما يملك، في الفقه الإسلامي الميت ليس له شخصية مالكة لأنه شخص غير حقيقي وثانيا لا سلطان له على شيء حتى ماله السابق منذ أن توفي صار إرثا للتركة من بعده، هنا يكون الكفن أو ما يدفن معه أما من مال الورثة أو مجهول المالك، وبالتالي لا يمكن أعتبار سرقة الكفن مال الميت ولا يقام الحد على السارق إلا بشكوى صاحب المال، فلا يمكن تطبيق حد السرقة بقطع اليد هنا كحكم شرعي وإنما يطبق حكم أخر لا علاقة له بالسرقة والقياس خاطئ أصلا.
ومثله حكم نفقة الزوجة لا تعتبر واجبة بالقياس الأرسطي على الكفارة أو بالعكس لأختلاف في درجة الوجوب أور وفي إمكانية سقوطها من عدمه من ذمة المكلف بها، لأن النفقة منصوص عليها كواجب محتم لا يسقط أبدا ويفرض كرها وبالإجبار عسرا ويسرا ولا خلاف عليها شرعا إلا في حالة أمر الزوجة ورضاها حكما أو صلحا، والكفارة واجبة عند الاستطاعة والمقدرة ولا يمكن فرضها بالإكراه مع العسر ولا تسقط برضا أحد، وقد تكون وفقا لما يستطيع المسلم من تأديتها بالشكل الذي جاء بالنص (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون) (المائدة: 89).
بالقياس هنا تسقط معادلة الميزان وتنحرف الأحكام عن المراد العام منها كما هو مبين فيما سبق، أما لو عملنا في قواعد الميزان الذي هو الحق، فتكون حالية حكم نباش القبور وسارق الأكفان تقع في باب المنكر من الفعل وليس من باب السرقة، فالمنكر الفعلي هو ما لا يفعله السوي من فعل أو قول أو تقرير يخالف الإباحة العامة التي لا تمس حق أحد ولا تهين كرامته حيا أو ميتا، وكذلك حكم الكفارة هو مدار العلة التي الحقت في النص ولم يبنى عليها لعدم التقيد بأحكام الميزان، بالرغم من أن الحكم فيها واضح " واحفظوا أيمانكم"، فحفظ الإيمان هي العلة الكبرى في الكفارة ويخضع فيها الحال التقريري لحكم حفظ حدود الله فلا تقربوها، لأن حد الإيمان حد الله (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل 49.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran