الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم الحاج صالح الأخلاقي

مازن كم الماز

2023 / 5 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يريد الحاج صالح إعادة تعريف الشر و معه الخير بالطبع … نقف من جديد أمام تصور مثنوي للعالم و البشر حيث كل شيء ينقسم إلى "خير" و "شر" , "أخيار" و "أشرار" … و لأن الحاج صالح يعرف جيدًا خطورة هذا الفرز القاطع النهائي و المغلق للعالم و للبشر و لأنه يعرف جيدًا كذلك القصور المريع في التعريفات السائدة اليوم للخير و الشر المؤدلجة أو القائمة على أساس الهوية فإنه يحاول توسيع مفهومه عن الشر ليشمل ليس خصومه فقط بطبيعة الحال ، بل أيضًا حلفائه المفترضين حتى لو كان ذلك بشكل مخفف … يبدو للحاج صالح أنه بذلك يتخفف من الحمولة الثقيلة لانطلاقه من تقسيم البشر إلى أخيار و أشرار و من تأسيس موقفه من البشر على أساس "أخلاقي" و الأخلاق ، إذا ما استثنينا البراغماتية و النفعية و السفسطائيين ، هي عند الحاج صالح كما عند كل الأخلاقيين : تعبير عن قيم مطلقة خارج التاريخ و فوق البشر ، ثابتة أزلية و مطلقة و تبقى القاعدة الضرورية التي لا غنى عنها لأي مجتمع أو تجمع بشري و هي عنده كما كانت دائمًا من اختصاص الأخلاقيين وحدهم لا البشر أنفسهم الذين عليهم أن يخضعوا لها فقط و أن يحاكموا و يحكموا وفقًا لها أي وفقًا للوصفة الأخلاقية المقترحة أو الأمثل ، و الحاج صالح لا يخفي رغبته في أن تحكم أخلاقه التجمعات البشرية و سلوك البشر عامةً و هو لذلك يحرص على أنه تكون وصفته أكثر شمولًا و بأقل ما يمكن من الاستثناءات و رغم أنه يخص خصومه بالنقد اللاذع لكنه لا يقبل باستثناء أية جماعة أو عقيدة أو دين أو ايديولوجية أي أية دوغما و لو أنه لا يحكم على كل دوغما بالمسؤولية عن الشرور بل يخص فقط الدوغما و هي تحاول فرض نفسها على الآخرين و هي تصر على حظر و ملاحقة منتقديها و معارضيها و لذلك يرى الحاج صالح أن "الشر قرين للواحدية القسرية و أن ما يخفف من شر تتمخض عنه عقيدة أو نظام اجتماعي هو اندراجه أو اندراجها في إطار تعددي . التعدد بالتالي ركيزة أساسية للخير" ، و في محاولته للإجابة على التساؤل الضروري هنا عن كيفية نزع صفة الإطلاق عن كل دوغما و ننزع منها نوازع القمع و القسر و الإكراه المتضمنة في مزاعمها عن امتلاك الحقيقة المطلقة و احتكارها ، يرى الحاج صالح أن هذا يفترض "عينًا غيرية" ، عينًا ترى ذاتها و غيرها كأشرار أو بالأحرى كبشر فقط لا كقديسين و أنبياء أخيار بالضرورة في مواجهة أشرار بالضرورة ؛ لكن مع ذلك لا يعتقد الحاج صالح أنه من الممكن المساواة بين الجميع ، بين جميع "الأشرار" أو بين كل الشرور ، يرفض الحاج صالح ذلك بشكلٍ قاطع رغم المقدمات أن الجميع ليسوا سواءً و أن الأخلاق ليست نسبية ، و رغم أن "العين الغيرية" تلزم الجميع بأن يسائلوا أنفسهم أولا لكنها ليست عمياء عن مسارات تواريخ الصراعات و من هم الضحايا و من هم المعتدون حتى لو انتهوا جميعًا في نهاية المطاف أشرارا و مجرمين … هكذا و رغم كل محاولاته و مقدماته التي تحاول ألا تقلل من شأن هذا "الشر" أو ذلك فإن الضرورات السياسية تحتم عليه أن يميز بين الشرور ، بين عنف و آخر ، بين مجرم و آخر ، لكن هذا مأزق و ضغط نعاني منه جميعًا ، إن مشكلة وصفة الحاج صالح الأخلاقية فهي كمأزق كل الوصفات الأخلاقية عامةً في آليات تطبيقها أو بالأحرى فرضها : كيف يمكن خلق أو إنتاج هذه العين الغيرية القابلة للانخراط في تعدد لا ينفي أي أحد أو أي آخر فهو ، و هذا الكلام يتكرر مع كل وصفة أخلاقية تقريبًا ، فهو عن طريق "مزيج من جهود إصلاحية مدخلة للتعدد على الأفراد و الجماعات و في نطاق عالمي و من إجراءات قمعية تستهدف الفاعلين بخاصة المنتهكين و اللصوص" … رغم كل محاولات الحاج صالح لإنتاج وصفة أخلاقية شاملة متكاملة فإن المنطق الأخلاقي ذاته كحالة فوق إنسانية و فوق تاريخية يفرض أدواته الفوقية التي يفترض هذه المرة و كما في كل مرة أنها مختلفة بالفعل عن أي قمع أو "إصلاح" سابق لأنه الآن قمع و إصلاح أخلاقي "حقًا" … و من جهةٍ أخرى فإن العين الغيرية و أخلاقها المنفتحة على التعدد لا تحل مشاكل لا تكترث لحلها أساسًا و هي المشاكل أو المهام التي جاء الاستبداد بتلاوينه المختلفة كإجابة عليها كالحداثة و "مكافحة الارهاب" ، و ربما على وجه الخصوص تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية أو أكبر مما تتيحه العدالة حسب الحاج صالح ، المنشغلة بحماية "الملكيات المشروعة" للناس و تأمين فرص حياة أفضل للشرائح الأدنى و هي شعارات إشكالية و مبهمة إن لم تكن منحازة اجتماعيًا بشكل صريح … الأخلاق فكرة ميتافيزيقية بالضرورة مع كل ما تحمله الميتافيزيقيا من سلبيات و مخاطر و على رأسها أنها تضع نفسها و وجودها و استمرارها فوق وجود و استمرار و سعادة و إرادة البشر الذين تقول أنها جاءت لإنقاذهم و تحقيق خلاصهم أما دعاتها و حملتها فهم لا يعودوا مجرد بشر و لا مثقفين أو أصحاب مشاريع خلاصية أو إنقاذية ما بل أنبياء و مبشرين بدين جديد قد يكون أفضل بطريقة ما عن ما سبقه لكنه أبعد ما يكون عما يزعمه من كمال و قدرات فوق مستوى البشر

مقال الحاج صالح المشار إليه

https://aljumhuriya.net/ar/2023/05/11/%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d9%84%d9%84%d8%b4%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ac%d9%84-%d8%b9%d9%8a%d9%86-%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a9/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب