الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحصون والمخافر التراثيّة حِراك مجتمعي وهويّة عمرانيّة

يوسف المحسن
كاتب، روائي

(Yousif Almouhsin)

2023 / 5 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تسعةُ عقود مرّتْ ومازالت سبعُ بنايات تراثيّة تنتصب في صراع لا ينتهي مع الزمن والتبدّلات المناخيّة واليد العابثة، البناياتُ هي حصون ومخافر امنيّة تعود الى العام 1935 واخذت اسماءها من مناطقها، الغليظة والصافي ودبيس والحجامه والزريجيّة والعارضيّات والخافورة ... ذاكرة متوقَّدة حفظت للأجيال قصّة الحراك الشعبي والاجتماعي والانساني .

الحصون اضيفت الى مخافر وحصون سبقتها مثل الهلال والسلمان ومخفر الخنّاق وسط مدينة السماوة والمستخدم كسجن الى الوقت الحاضر ومخفر سراي الرميثة الذي شهد الشرارة الاولى لثورة عام 1920، شواخص بُني البعض منها على أنقاض حصون وقلاع شيدتها قبائل بني حجيم برئاسة سعدون المحسن في القرن التاسع عشر وبحسب ما ينقله الدكتور عمار ياسر العامري في كتابه "الزريجية ماضيها وحاضرها 1829– 2015"، مثّلتْ مرتكزات فرض سلطة وهيمنة ووجود الدولة في المدن والمناطق العشائريّة التي اعتادت الثورة والتمرّد ضد السلطة المركزيّة لأسباب ترتبط بسوء الخدمات وتردي الواقع الصحي وكما اشار الى ذلك الباحثان علي عبيد شلغم وهو مدير دائرة التحريّات والتنقيبات في الهيأة العامة للآثار والتراث بوزارة الثقافة العراقيّة والباحث مصطفى كاظم سهل، وعبر نتائج الدراسة والمسح الميداني التي نشرت في المجلد السابع من مجلة الرافدين يستخلص الباحثان "إنَّ القبائل العراقيّة دأبت على تشييد قلاعها الخاصّة في نزعة استقلاليّة واضحة وكتثبيت لسلطان قبلي معيّن او حيازة اقطاعيّات واسعة".

قلاع حكومة ياسين الهاشمي

في العام 1935 صدرت الاوامر من حكومة ياسين الهاشمي لبناء المخافر السبعة لذات الاغراض التي بُنيت لأجلها الحصون والقلاع والمخافر السابقة، طريقة البناء غلبت عليها العمارة القديمة والاسلاميّة، بوابات فخمة واسوار عالية وابراج حماية احتوت على مزاغل عموديّة وافقية بهدف المراقبة والرماية وهو ما يمنحها المنعة والقدرة على صد الهجمات، وتقول معاون مفتشية اثار المثنى حنين كريم عيدان ان البنايات التراثيّة هي مقارٌ امنيّة تشترك في نوعية المواد المستخدمة وهي السمنت والاجر والجص والروافد الحديديّة (الشيلمان) ولقد احتوت على غرف وفنارات داخلية غالبا ما تكون ساحة لتجميع العسكر او العسس اضافة الى وجود بئر في وسط الفناء للتزوّد بالمياه وهو ما لم يتوافر في مخفر الصافي كونه بالقرب من نهر الفرات، وتضيف حنين وهي باحثة اثار وتنقيبات منذ العام 2012 وسبق لها العمل مع البعثات الاجنبية لآثار محافظة المثنى "اتممنا وضع اشارة عدم التصرّف على هذه المباني التراثيّة، البعض منها تعرّض للتهديم بسبب العبث او التقادم والظروف الجويّة والبعض الاخر مازال جيداً نسبيّاً بفعل جهود الاهالي المحيطين، وخذ مثلاً سراي الرميثة حصلت عليه اضافات كونه شغل من قبل الجهات العدليّة بمساحة 2400م مع 38 غرفة وبطابقين مع تطابق الجانبين، واسطبل الخيول والمعالف وضِعتْ خارج المبنى، وغياب الامكانيّات والتخصيصات يحول دون المضي قدماً في الافادة من هذه الشواخص الحضاريّة التي تعكس جزءً مهمّاً وحيويّاً من تاريخ العراق".

هويّة عمرانيّة متفرِّدة

اسوار عالية من الطابوق وابراج حماية ومراقبة وتحصينات أسبغت على المشيّدات هيبة ماتزال ملامحها باقية، سُمْك الجدار في مخفر الغليظة (22كم شرق الرميثة) كان كافياً لسير الحصان عليه كما تقول الحكاية الشعبية، وتضيف الباحثة حنين كريم ان الاجنحة الاداريّة والخدميّة والاسطبل توزعت على الجهات الثلاثة للمخافر فيما تم وضع سلم من الاجر المؤطر بالحديد يؤدي الى سطح المبنى مع سُلَّم من الحديد داخل ابراج الحماية ومصاطب من الكونكريت داخل هذه الابراج وكانت تستخدم للجلوس اثناء المراقبة او تناول الطعام من قبل افراد الحماية، ويقول رحيم عبد غويزي الربايع وهو خمسيني يسكن بالقرب من مخفر الحجامه الى الشمال من مدينة السماوة ان المبنى متروك منذ عقود وعلى حد وصفه "وعيت عله الدنيه وهذا حاله"، مضيفاً انه سمِع من كبار القرية ومعمّريها الراحلين انّه استُخدِم كمركز امني قبل تسعين عاماً وكانت العربات التي تجرها الخيول تدخل من البوابة الرئيسيّة حاملة الاشخاص المُلقى القبض عليهم، وهو ما يدعم الاعتقاد السائد إنّ الثورات التي قامت بها العشائر العراقية في منطقة الفرات الاوسط مثل ثورة العشرين وثورة آل خوام وثورة عبد الواحد سكر وكانت ضد قانون التجنيد الاجباري وقوانين اخرى سارعتْ في وثيرة بناء هذه المخافر وآليّة تحصينها التي سَعت لان تكون صفة البقاء والاستمرارية ماثلة وهو ما كان عاملاً مهمّاً في بقاء هذه البنايات والحصون كشاهد على حقبة تاريخيّة انبتت حراكاً سياسيّاً واجتماعيّاً ليكون مصدراً للتحصين وعونا على الظروف الجوية القاسية وشاهداً على هويّة عمرانيّة في البناء والتعامل مع الطابوق والاجر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة