الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- أنا ابن عبد المطلب - - 3 - فتح العزيز المنان في سيرة سيد ولد عدنان

محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ

(Mohamed Wagdy)

2023 / 5 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


" أنا ابن عبد المطلب "
كانت صرخة ابن عبد الله يوم أحد بعد تقهقر أصحابه وتخليهم عن نصرته - إلا قليلاً منهم –
وتوغل فرسان قريش وصناديدهم في صفوف المسلمين إعلاناً لا مراء فيه ولا جدال أنه الملك الموعود
الذي يستمد شرعيته من زعامة جده القريب " عبد المطلب " سيد قريش، وجده الأبعد " زيد بن كلاب المكنى قصياً " : " أنا النبي لا كذب . أنا ابن عبد المطلب "
لتهز جانحة قلوب سادة قريش، وتلهب قلوب أصحابه فيفقهوا أنهم لو تراجعوا دون ترميم صفوفهم فسوف يزول حلم تأسيس دولتهم الأولى التي طالما حلموا بها
وتمنوا قيامها بعد أن راودتهم أحلام الملك العريق الذي نُظِم عقده بروايات العرب اليهود "
ومعايرتهم للعرب الأجلاف الأممين " بأنبيائهم الذين أسسوا مملكة قوية بيد داود وسليمان ابنه
ولأنهم عرب – رغم كونهم يهود – فقد صاغوا مبالغات وتهويلات عن عظم تلك الدولة
وعلو شأنها وشأوها مما جعلهم يحلمون بقيام دولة مثل هذه الدولة .
وقد أشار المفكر الإسلامي " عباس محمود العقاد " إلى تلك الحقيقة في مبحثه " طوالع البعثة المحمدية "
فجزم وأكد أن " شأن اليهودية في توضيح تلك الحقائق كان أعظم من كل شأن لها بين العرب " .
وكاد " عبد المطلب " جد محمد أن يبوح بتفاصيل حلمه في بنيه وبني بنيه، ولكنه أسرها في نفسه، ولم يبدها لهم إلا رمز
وكنبوءة فقال " إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء " .
والحق أن سعي محمد " الذي نجح أيما نجاح " في إقامة دولته المترامية الأطراف لم يكن هو أول سعي تحصره سطور التاريخ
فقد كانت هناك محاولات كمحاولة " زهير الجنابي " زعيم قضاعة تمليك نفسه على " بكر " و " تغلب "
وكذلك الممالك التي قامت في فترات أخرى كالحيرة والغساسنة " وإن كانت قد قامت بمساعدة ممالك أخرى "
ولكنها كانت إرهاصات بهذا الحلم الدفين في نفس كل عربي عززته روايات اليهود التوراتية المشبعة بالخيال العربي
وخرافات الروايات الأبوكريفية المخترعة لإضفاء البريق الزائد عليها .
تلك المحاولات لم يُكْتَب لها النجاح والاستمرار . فقد كان كافة العرب يرون أنهم ملوك، وكل واحد في ذاته ملك، وإن تشرذموا في الفيافي والقفار، وبعدوا عن الأنهار والبحار التي هي منشأ ورحم الحضارات
ويعبر عن ذلك قول " الأسود بن عبد العزى " : " ألا إن مكة لقاح لا تدين لملك " .
وفي خطبة النعمان بن المنذر ملك الحيرة أمام كسرى الفرس تعبيراً عن هذه الخاصية العجيبة في العرب ( رفضهم أن يتملك عليهم ملك ) فقال عن فضل العرب :
" فليست أمة من الأمم إلَّا وجهلَتْ آباءَها، وأصولَها، وكثيرًا من أوائلها، حتى إن أحدهم ليُسْأل عمَّن وراء أبيه دنيا
فلا ينسبه ولا يعرفه، وليس أحدٌ من العرب إلا يسمِّي آباءَه أبًا فأبًا، حاطوا بذلك أحسابهم
وحفظوا به أنسابهم، فلا يدخل رجل في غير قومه، ولا ينتسب إلى غير نسبه، ولا يُدعَى لغير أبيه
وأمَّا تحارُبُهم وأكْلُ بعضِهم بعضًا، وترْكُهم الانقيادَ إلى رجلٍ يَسُوسهم ويجمعهم، فإنما يفعل ذلك مَن يفعله من الأمم
إذا أَنِستْ من نفسها ضَعْفًا، وتخوَّفت نهوضَ عدوِّها إليها بالزحف. وإنما يكون في المملكة العظيمة أهلُ بيتٍ واحد
يُعرَف فضْلُهم على سائر غيرهم، فيُلْقون إليهم أمورَهم، وينقادون لهم بأزِمَّتِهم.
وأما العربُ فإنَّ ذلك كثير فيهم، حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكًا أجمعين " .
وخطاب النعمان يؤكد ما وصل إليه " الأسود بن عبد العزى " من قبل، وهو الحال القَبَلي والعشائري الذي كان عليه العرب .
تلك الحال التي تمنع العربي من الخضوع لحكم حاكم لاعتزازه الشديد بفرديته .
إن ظهور محمد كمنادٍ بملكه – تحت ظل ديني – كما فعل جده " قصي " لهو شيء جلل يستحق أن ترتفع له الأعناق وتشرئب؛ لأنه فعل ما لم يستطعه عربي من قبله.
فحتى الممالك العربية التي ظهرت في اليمن والحيرة والغساسنة قد فقدت استقلالها وصارت تحت حكم ممالك أخرى
وبقيت منطقة الحجاز فقط تتمتع باستقلال نقي ولم تدسها أقدام الغزاة أو إمرة أجنبي، وازدهر فيها حاضرتان وهما :
مكة ويثرب، ورغم الاستقلال فقد اتصلتا بالروافد الثقافية الأجنبية دون أن تكونا مملكتين بالمعنى المفهوم .
ونعود لنقول :
إن صرخة محمد في " أحد " كانت استقواءً بناصريه وتنبيهاً لهم أنه لو سقطت دويلتهم الوليدة فلن تقوم لهم قائمة مرة أخرى
وأنهم لو ثبتوا فسوف يؤسسون ملكاً كملك " سليمان " ( الذي وصل للعرب بصورة خرافية أسطورية ) .
فهم بنو إسماعيل الذي كان محمد يعزز في نفوس تابعيه انتسابهم له
حتى أنه لما رأى بعض أصحابه يمرحون مناضلين بعضهم بعضاً بالرماية فقال " ارموا بني إسماعيل فإن جدكم كان رامياً " .
كان لابد من تلك المقدمة لتكون مفتتحاً لفهم ما سوف يأتي؛ ولتكون فاصلة ما بين اختيار خديجة لمحمد، وسبب قبول محمد لهذا الاختيار، وما يترتب عليه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!