الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ فرنسا 23 – هنري الثالث الملك البائس

محمد زكريا توفيق

2023 / 5 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الثاني والثلاثون

هنري الثالث، 1574.

الملك الجديد، هنري الثالث، كان شخصا غريب الأطوار. يبدو أنه قد فقد عقله، واستنفد كل قيمه النبيلة، في معركة جارناك، حيث اعتقد الناس أنه البطل الهمام. لم يكن جبانا في المعركة، لكن لم تكن لديه الشجاعة اللازمة لاتخاذ القرارات الخطيرة أثناء المحن والخطوب.

في طريقه إلى المنزل، عبر سافوي، رأى لويز دي فودمونت، وهي فتاة جميلة، ابنة عم دوق جويس (جيز)، فصمم على الزواج منها.

حاولت أمه، الملكة كاثرين، منع هذا الزواج، لأن ماري الأسكتلندية كانت متعالية عليها وتعاملها باحتقار. وكانت لويز نفسها مخطوبة لرجل أحبته. لذلك، كانت الحياة كئيبة مع هنري.

كان هنري لا يهتم إلا بملابسه، وهندامه الخاص. يتبع نوعا غريبا من الطقوس الدينية لم تفده كثيرا. وكان ينام وهو يلبس قناعا وقفازات، لتحسين بشرته، ويقوم بطلاء وجهه بالأصباغ.

كان يمر، كل يوم، على زوجته، لكي يفحص تصفيفة شعرها، ولكي يختار الحلي المناسب لها. وكان لديه مجموعة من الأصدقاء مثله، يدعون الأعزاء. يرتدون جميعا المسابح، التي كانت حباتها في شكل الجماجم.

وكانوا، هم والملك، يسيرون حفاة الأقدام في مواكب، وهم يتغطون بالخيش، إلى الكنائس في باريس. يحملون في أيديهم السياط، لكي يجلد كل منهم الآخر للتكفير عن خطاياهم وذنوبهم.

ومع ذلك، كانوا قساة بشكل فظيع. إذا قتل أحدهم، يذهب الملك إليه ويبكي عليه، ثم يأخذ منه الأقراط التي منحها له سابقا. ويمنحها لعضو آخر في مجموعة الأعزاء.

كان هنري مولعا جدا بالكلاب الصغيرة. اعتاد أن يحمل سلة منهم، مربوطة بحزام حول رقبته. وكان يملأ عربته بهم عندما يخرج مع الملكة إلى الكنيسة، حيث اعتاد لصق صفحات من كتب العبادات القديمة، على الحوائط.

بقي هنري، ملك نافارا، وهو غير هنري الثالث ملك فرنسا، في الحكم ما يقرب من عامين طوال. وأخيرا عام 1576، شعر بالخجل من الحياة التي كان يعيشها، فهرب لكي ينضم إلى جيش الهوجونوت، في جنوب فرنسا، واعترف بأنه من أتباع كلفين.

سرعان ما تبين أنه كان أفضل قائد لدى الهوجونوت. حصل على سلام آخر مع الكاثوليك، وكان من المفروض أن تلحق به زوجته مارجريت في بلاطه الصغير في نيراك، إلا أنها كانت مدللة من قبل والدتها الشريرة كاثرين، وكانت عديمة الإحساس، لديها القليل جدا من الشعور بالصواب والخطأ.

لم يكن هناك حب أو ود بين الزوجين، ولم يكن لديهما أطفالا، ولا شيء يجمعهم معا. بالرغم من أنهما كانا ودودين يحترم كل منهما الآخر.

وكانت مارجريت تحاول مساعدة زوجها من خلال نشاطها الحيوي في البلاط، ومن خلال الرسائل التي كتبتها لأصدقائها في باريس.

دوق ألينكون، الأخ الأصغر لهنري الثالث، لم يستطع تحمل الحياة في بلاط هنري الثالث، فهرب منه. في وقت من الأوقات. دعاه الهولنديون، الذين ثاروا ضد فيليب ملك إسبانيا، لكي يرأسهم. لكنه لم يفدهم بشيء. وأثناء عودته، مات في الطريق.

لم يكن هو نفسه مهما، لكن موته أحدث فرقا كبيرا بالنسبة لأخيه هنري الثالث، الذي لم يكن لديه أطفال. النساء لا تحكم في فرنسا، ولا يرث أبناؤهن هذا الحق. وأقرب وريث للتاج، في هذه الحالة، كان هو هنري ملك نافارا، الذي كان جده هو كونت بوربون الأول، ابن القديس لويس التاسع، الذي أسر في المنصورة بمصر.

عرف الجميع أنه الوريث الصحيح. لكن فكرة أن يكون الملك من الهوجونوت، أتباع كلفين، أرعبت جميع الكاثوليك المتعصبين. فقاموا بتكوين جماعة، أطلقوا عليها عصبة الحفاظ على الكنيسة الكاثوليكية. وكان الهدف الأساسي لها، هو منع هنري ملك نافارا من أن يكون ملكا على فرنسا.

دوق جويس، كان على رأس هذه العصبة، التي كانت قوية جدا، خاصة في باريس. وكان بإمكانه فعل أي شيء تقريبا. وأصبح يهدد الملك ويرعبه، الذي شعر بأنه سجين بين يديه.

كان مع الملك هنري الثالث مجموعة كاثوليك مخلصين على رأسهم الكونت دي مونتمورني. وكان هنري معجبا بصهره الظريف اللطيف، هنري ملك نافارا، وهو لن يفعل أبدا أي شيء يمنعه من خلافته.

بالرغم من أنه قد وجد من الأفضل له البقاء في باريس، إلا أنه ذهب إلى قصره في بلوا. حيث قام بتدبير خطة لتحرير نفسه من دوق جويس الكاثوليكي المتعصب.

وضع حراسا يثق بهم على الدرج، وفي غرفة الانتظار الخاصة به. وعندما جاء دوق جويس لزيارة الملك في الصباح الباكر، هجموا عليه وألقوه أرضا ثم قتلوه. وعندما علم هنري أن الدوق قد مات، خرج من غرفته لكي يترحم على عدوه الراحل.

كل ما قاله الملك: "كم هو طوله؟" وقتل أيضا في نفس اليوم، الكاردينال، أخو دوق جويس. ثم ذهب هنري الثالث إلى والدته المريضة كاثرين، لكي يزف إليها نبأ تخلصه من غريمه اللدود. لكنها رأت بفكرها الثاقب أن ابنها، بفعلته هذه، قد جلب على نفسه نار جهنم والمزيد من المتاعب.

"أنت قد قطعت جرحا"، قالت كاثرين لابنها، "فهل تستطيع أن تضمد هذا الجرح مرة أخرى؟ وهل فكرت في كل ما قد جلبته على نفسك؟" أجابها بثقة أنه قد فعل ذلك. فقالت له: "إذن، يجب أن تكون سريعا وحازما"

لكنها لم تعش طويلا لكي تقدم له يد المساعدة أثناء محنته هذه. فقد ماتت بعد أسبوعين فقط. وبعد أن ألحقت كثيرا من الأذى بأطفالها وبلدها وكنيستها.

كان هنري الثالث أبعد ما يكون عن سياسة تضميد الجراح وإصلاح ما اعوج من الأمور. وكان الغضب يغلي كالمرجل في صدور كل أفراد عصبة الحفاظ على الكنيسة الكاثوليكية.

أبناء جويس كانوا صغارا، لكن شقيقه، دوق ماين، أخذ زمام الأمر بيده، وحمل لواء المبادرة. وبالرغم من أنه لم يكن ذكيا بما يكفي، إلا أن الحزب كان قويا جدا، لدرجة أنه حول حياة الملك البائس إلى جحيم.

أخت الدوق المقتول غدرا، دوقة مونتبنسير، ذهبت إلى شوارع باريس، لكي تحث الناس الكارهين للملك بشدة، على الثورة ضده.

صنعوا له دمية تشبهه، وقاموا بمحاكمتها وخلعها من الحكم. ثم ساروا بها في شوارع باريس، بينما كانت تنهال عليها الشتائم والسباب. ونعتوه بأحط الألفاظ وشبهوه بهيرودس المفتري. وقد بدا أن العالم كله كان ضده، فبلغ حالة من اليأس يرثى لها، وتوسل إلى صهره هنري، ملك نافارا، طالبا منه النجدة وسرعة المساعدة.

التقى الملكان في بليسيسلز تورز، وكانا أكثر ودية معا. قاما بتوحيد جيشيهما في جيش واحد، فرض الحصار على باريس. لكن بالطبع، أجج الثورة التي قامت ضد هنري الثالث، وجعلها أكثر عنفا من أي وقت مضى.

راهب شاب اسمه كليمنت، توهم أن تحرير الكنيسة الكاثوليكية من ربقة ملك فاسد مثل هنري، هي ليست خطيئة، بل فضيلة. فتسلل من باريس ومعه حزمة من الرسائل، وبينما كان الملك يقرأ واحدة، طعنه في صدره بخنجر.

قتل الحرس كليمنت في الحال، وقام ملك نافارا برؤية صهره الذي كان لا يزال على قيد الحياة. احتضنه هنري، وطلب من رجاله أن يجعلوه ملكا على فرنسا. ثم أضاف، "لن تكون قادرا على الحكم إلا إذا أصبحت كاثوليكي الديانة". ثم توفي عام 1589، وهو آخر وأفشل ملوك عائلة فالو البائسة.

ابتهجت العصبة بوفاته، وأشادت بالقاتل كليمنت كقديس وشهيد، بينما قاموا بتنصيب كاردينال بوربون ملكا على فرنسا، وهو العم القديم لملك نافارا، معلنين أنه من المستحيل أن يتوج كافر ملكا على فرنسا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء