الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنت مصري؟ سلِّم على -عادل إمام-

فاطمة ناعوت

2023 / 5 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنتُ في المملكة العربية السعودية عام ١٩٩٩. وفي أحد المولات كنت أقفُ مع صديقتي السورية نتحدث. بعد كلمات قليلة نطقتُها، توقف رجلٌ من الشرق الأقصى، كان يسير مع أسرته، ثم جاء نحوي مسرعًا ودون مقدمات قال لي بعربية متعثّرة: "أنت مصري؟" فقلتُ له: “نعم أنا مصرية.” فابتسم بسعادة وقال: “تعرفي عادل إمام؟ سلم عليه!” فابتسمتُ ووعدته بأن أفعل لو التقيتُ. ولم ألتق به لأفي بوعدي إلا بعد تلك الواقعة بثمان سنوات. كنتُ في طريقي إلى "مهرجان جرش" بالأردن، لتقديم أمسية شعرية، على متن الطائرة التي تُقلُّ الفنان "عادل إمام"، والفنانة "شيرين سيف النصر"، وفرقته لتقديم مسرحية "بودي جارد" في المهرجان. ولم أنس أن أنقل له تحية الرجل الآسيوي، فابتسم ابتسامته الشهيرة وقال: “مبيجيش ليه؟ مش يبقى يجي؟!"
حين لا تعرفُ بلدًا ما: فلم تزره ولم تقرأ عنه، فإن هذا البلد بكامله يدخلك، أو تدخله، عبر بوابة "الفن". فحين تسمعُ كلمة "هولندا"، ولم تزرها أبدًا، سوف تفكّر تلقائيًّا في "ڤان جوخ"، وترتسم على صفحة عقلك طواحيُن الهواء وحقول القمح. وحين تسمعُ كلمة "النمسا" فورًا سوف يعزف أوركسترا عقلك افتتاحيةَ السيمفونية الأربعين للعبقري "موتسارت"، والتي استلهمها "الرحابنةُ" لتشدو على نغمها "فيروز" أغنيتها الجميلة: "يا أنا يا أنا أنا وياك/ صِرنا القصص الغريبة/ واتسرقت مكاتيبي/ وعرفوا إنك حبيبي." وإذا سمعتَ اسمَ "مصرَ"، ولم يسعدك حظُّك لتزورها، ولم تكن قد قرأت عن تاريخها العريق وصناعتها أولى وأهم وأرقى حضارات الأرض، فسوف ترتسمُ على شاشة عقلك صورة "أم كلثوم" تقفُ بشموخها ملكةً مُتوّجة تشدو: “ظالمُ الحُسن شهيُّ الكبرياء" كما كتبها العبقري: “إبراهيم ناجي"، ومَوْسقها العبقريُّ: “رياض السنباطي". أو يجلجلُ في خاطرك صوتُ "يوسف وهبي" يقول: "ما الدنيا إلا مسرحٌ كبير"، أو "فؤاد المهندس" يغنّي: “أنا واد خطير" من كلمات "حسين السيد"، ولحن الأسطورة "محمد عبد الوهاب" الذي يدهشنا في موسقة الأغاني الكوميدية الخفيفة، تمامًا كإدهاشه لنا في تلحين أعقد القصائد وأعلاها كعبًا! ودون شك سوف يصافحُك وجهُ "عادل إمام" وهو يقول: “بلد بتاعة شهادات صحيح!”، أو "أنا أضيف؟!!! دنا غلباااان!"، وعشرات الجمل الشهيرة الأخرى التي غرسها "عادل إمام" خلال ستين عامًا من الأفلام والمسرح والدراما كسرت حاجز المائة وسبعين عملا.
"عادل إمام" ظاهرةٌ فنية مصرية لها أثرها البالغ وبصمتُها القوية في تاريخ الدراما المصرية. خلال أفلامه طرح وناقش همومَ المجتمع، ورفع إصبعَ الاتهام في وجه أخطر أدران المجتمع. العشوائيات وأزمة الإسكان: "كراكون في الشارع"، فصامية التطرف: “الإرهابي"، السلام المجتمعي: “حسن ومرقص"، الرفض الشعبي للتطبيع مع إسرائيل: “السفارة في العمارة"، الانشطار المجتمعي: “عمارة يعقوبيان"، الفساد والاتجار بالدين: “طيور الظلام"، الوطنية: “اللعب مع الكبار"، الاسترقاق: “المنسي"، استغلال الجهل والعَوز: “رجب فوق صفيح ساخن"، و"عنتر شايل سيفه"، البيروقراطية: “الإرهاب والكباب"، فساد الأخلاق وإفساد القيم المهنية: “الأفوكاتو:، وغيرها العديد والعديد من المشاكل المجتمعية التي تُعثر المجتمعات وتعوّق نهوضه وتُسلط الأعمالُ الضوء عليها حتى يختصمها وجدانُ المُشاهد ويعالجها المجتمع، في مقابل القيم العليا التي تتسرّب إلينا خلال أبطال تلك الأعمال، وتستقر في وجدان المشاهد. وهنا لابد من تقديم التحية للعبقري "وحيد حامد". نجح "عادل إمام" في استصراخ "المسكوت عنه" من أدران الواقع المصري، وتسليط الضوء على هموم المواطن البسيط وأحلامه وصراعه من أجل التحقق. وتلك واحدة من أهم رسائل الفن وأخطرها. لكن عبقرية "عادل إمام" تتجلى في أنه يقدّم الكارثة في إطار لا يخلو من كوميديا، فيجعلك تبتسم وأنت تتجرّع كأس المرارة، حين تتأمل أحداث العمل وتبحثُ عن نفسك بين أبطاله، ولا شك أنك واجدٌ نفسك هنا أو هناك، في عمل ما من أعمال "عادل إمام".
لا شك أن القوى الناعمة، هي السفيرُ الأغزرُ سَفرًا والأسرعُ وصولا لجميع بلدان العالم، والأعمقُ أثرًا وتأثيرًا في نفوس الشعوب، والأبرعُ تمثيلا لبلاده في عيون الغرباء. القوى الناعمة، المتمثلة في الفنون الستة: “المسرح، الموسيقى، الشعر- العمارة، النحت، التشكيل"، ثم السينما، بوصفها الفن السابع، هي الصوة الأولى التي ترتسم في رأسك عن بلد لم تزره. لأن البلدَ الذي لم تزره، يبادرُ هو بزيارتك في بيتك عن طريق الفنون السبعة، والسينما هي الأسرع وصولا إليك. في عيد ميلاده الثالث والثمانين، الذي احتفل به المصريون بالأمس ١٦ مايو، أقول للزعيم: “شكرًا على الخيوط المحورية التي نسجتها على قماشة الفن المصري الغنية بعظماء فنانيها. كل عام وأنت جميل كما أنت".

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah