الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تولستوي: الموت والمعاناة أشباح تصرخ على المرء1/ 2

داود السلمان

2023 / 5 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يرى تولستوي أن حياة الإنسان هي سعي صوب الخير، وما يسعى اليه الإنسان قد وُهب إياه فعلًا، لكن لا يمكن أن تكون الحياة موتًا، ولا يمكن أن يكون الخير شرًا.
وتبقى الحياة لغزًا حار فيها معظم الفلسفة والمفكرون، إذ لم يستطع منهم أحد أن يحل هذا اللغز، وظل اللغز متربعًا على عرش الحيرة، منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة أو تزيد.
يقول تولستوي إنّ الإنسان لا يشعر بالحياة إلّا في داخله، في داخل شخصيته، ولذلك يتصور الإنسان في البداية أن الخير الذي يريده هو خير شخصه وحسب. ويبدو له في البداية أنه هو وحده من يعيش فعلا. لا تبدو له حياة الآخرين كحياته على الأطلاق، بل تبدو له مجرّد شيء يشبه الحياة. إنه يلاحظ حياة الآخرين وحسب. ومن واقع ملاحظته يعرف أنهم يعيشون. يعرف الإنسان عن حياة الآخرين عندما يود أن يفكر فيهم.
تولستوي في كتابه "عن الحياة" منشورات دار الرافدين، الطبعة الأولى لسنة 2022 ترجمة يوسف نبيل، والكتاب يقع في 226 صفحة من القطع المتوسط، يقول تولستوي كلما طالت حياة الإنسان، تأكدت فيه الأفكار بقوة التجربة، ورأى – أي الإنسان - إن حياة العالم الذي يشارك فيه والمؤلفة من شخصيات مرتبطة بعضها ببعض، تُريد كل منها أن تبيد الأخرى وتفترسها، لا يمكن أن تكون خيرًا له، ليس ذلك وحسب، بل يراها لا محالة شرًّا عظيمًا.
ويحاول المؤلف أن يعرّف لنا معنى الحياة، وذلك من خلال الكشف عن أسماء لامعة كبيرة في دنيا التاريخ، فيؤكد أنه منذ أقدم الأزمة، وفي مختلف الشعوب، يكشف معلمو البشرية العظماء للناس تعريفات أوضح فأوضح للحياة، تحل مشكلة تناقضها الداخلي، وقد أشاروا لهم إلى الخير الحقيقي والحياة الحقيقية الملائمتين لهم. ونظرًا لأن وضع الناس جميعًا في عالم واحد، وأن التناقض بالنسبة لكل إنسان بين سعيه إلى خيره الشخصي ووعيه باستحالة تحقيق ذلك واحد، فإن كافة تعريفات الخير الحقيقي واحدة، ومن ثَم فإن هناك حياة واحدة حقيقية انكشفت لأعظم العقول البشرية، كالعلماء والفلاسفة.
ووسط معمعة هذه الحياة وصخبها، وتعريفاتها المتعددة، دائمًا ما يسئل بعضنا: العيش من أجل حياة أخرى؟ لكن إذا كانت تلك الحياة العبثية التي أعرفها هي النموذج الوحيد للحياة، فالأمر لا يختر حينها على أن ذلك لا يؤكد لي امكانية وجود حياة أخرى عقلانية، بل على النقيض، إنه يقنعني بأن الحياة في حد ذاتها عبثية، وبأنه لا توجد حياة أخرى سوى تلك الحياة العبثية، ولا يمكن أن توجد غيرها. ويبقى الإنسان تحت ظل أسئلة مريعة تمزق روحه، ولكن عليه أن يعيش، يعيش بالتالي الحياة هذه على علّاتها، ويتشبث بها، حتى أن شوبنهور الفيلسوف الألماني المتشائم، أيد الانتحار، ومع ذلك لم يقدم عليه.
الإنسان كما يقول تولستوي يشعر دائمًا بأنه منقسم، ويُعذّب هذا الانقسام روحه، حينما يبدو له أن عقله هو مصدر هذا الانقسام وهذه المعاناة. "العقل؛ ملكة الإنسان السامية والضرورة لحياته، والتي تمنح الإنسان البائس عديم الحيلة وسط قوى الطبيعة التي تدمره، الوسائل اللازمة للبقاء وتحقيق المتعة".
الطامة الكبرى أن الوعي العقلي المستيقظ للإنسان بداخله، لا يمزقه ويعطل حياته إلّا لأنّه يعتبر شيئًا لم يحدث قطُّ، وغير موجود ولا يمكن له أن يُوجد هو حياته. يقول تولستوي إن هذا الإنسان، بعد أن تربى ونشأ على تعاليم زائفة لعالمنا التي تؤكد له يقينية أن حياته ليست سوى وجوده الشخصي الذي بدأ منذ ميلاده، يبدو للإنسان أنه عاش عندما كان طفلا، ثم يبدو له أنه عاش منذ زمن بعيد جدّا (يصرّح بعض العلماء أنّ وجود الإنسان الأول على سطح الأرض يربو على مليوني سنة) وأنه طوال هذا الوقت لم يتوقف عن العيش، وفجأة وصل إلى الزمن الذي صار جليًا له فيه دون أدنى شك أن العيش بالطريقة التي عاش فيها مستحيل، وأن حياته تتمزق وتتوقف، فالتعاليم التي تعلمها الإنسان، بهذا الاطار تعاليم مزيفة لا تصمد أمام الواقع، والحقيقة المرجوة، كما يعتقد تولستوي.
ومن حق الإنسان أن يعيش دوامة الحياة، ويغرق في مياه هذه الدوامة، كون هذا المخلوق، بحسب ما يشير تولستوي، عاش كحيوان إبان طفولته، ولم يكن يعلم شيئا عن الحياة، إذ عاش الإنسان عشرة أشهر لن يعرف شيئا عن حياته أو عن أي حياة أخرى. أو ستكون معرفته بها قليلة تمامًا كما هو الحال إذا مات في رحم أمه. لا يقتصر الأمر على الطفل الرضيع، بل حتى البالغ غير العاقل، الأبله تمامًا، لا يمكنه أن يعرف أنه يعيش وأن كائنات أخرى تعيش أيضًا.
إذن متى بدأ الإنسان يشعر ويعي، ويدرك أسباب وجوده، ولو أسباب ممكن أن يقتنع بها بعض الشيء، حتى لا يسئم الحياة وربما يعرّض نفسه للانتحار، وهناك الكثير من شعر بالملل والسئم وفضّل الانتحار على العيش، في حياة ابسط ما يقال عنها تثير الملل والفراغ. يفسر هذا تولستوي بقوله إنه لا تبدأ حياة الإنسان إلا مع ظهور الوعي العقلي الذي يكشف للإنسان في لحظة واحدة حياته في الحاضر والماضي، وحياة الشخصيات الأخرى، وكل ما ينبع حتمًا من علاقات هذه الشخصيات من معاناة وموت، الأمر ذاته الذي يوُلد في داخله إنكارًا لخير الحياة الشخصية والتناقض الذي يبدو له أنه يوقف حياته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟