الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ فرنسا 24 – هنري الرابع

محمد زكريا توفيق

2023 / 5 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الثالث والثلاثون.

هنري الرابع، 1589-1610.

الملك الجديد، هنري الرابع، كان فقيرا جدا لدرجة أنه اضطر إلى ارتداء معطفا مخمليا تركه صهره، لاستقبال السادة الذين جاءوا لتهنئته وتقديم آيات الولاء له.

كانت فرنسا في ذلك الوقت، منقسمة إلى حزبين متحاربين. حزب العصبة الكاثوليكي، والهوجونوت أتباع كلفين. في حين أن الكاثوليك المعتدلين، الذين يعتقدون أن الواجب يحتم عليهم أن يكونوا مخلصين للملوك، جاءوا جميعا إلى هنري، الذي كان مشرقا وكريما ولطيفا. فلا أحد يمكنه إلا أن يغرم به، عندما يسمع صدق نبراته أو يرى مرح ابتسامته.

كان هنري يقاتل في طريقه إلى العرش، ويخوض المزيد من المعارك والحصارات، والصعود والهبوط. في معركة إيفري، في نورماندي، أخبر أتباعه أنهم إن أرادوا هاديا وقت الشدة في ساحة الوغى، وحينما يجد الجد ويعظم الأمر، عليهم أن يهتدوا بريشته البيضاء. فصارت مثلا بعد انتصاره العظيم.

كان الفرنسيون يكرهون الإسبان كراهية شديدة. لذلك لم يلجأ الكاثوليك إلى إيزابيل، ابنة فيليب الثاني ملك إسبانيا، والتي تمت لملوك فرنسا بصلة القرابة.

لكن جاء الإسبان لمساعدة العصبة الكاثوليكية، واستمرت الحرب بينهم وبين الهوجونوت عاما بعد عام، بينما كان هنري لا يزال خارج باريس. في النهاية اتخذ قراره بالعودة إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. فقد كان يعتقد بخطأ أتباع كلفين. ولم تعجبه الطريقة الصارمة للكلفينيين.

رجال الدين الكاثوليك كانوا سعداء للغاية بانضمامه إليهم، وقبلوه بحرارة. بعكس العصبة الكاثوليكية التي لم تكن راضية تماما على الملك.

في العام 1594، بعد مرور خمس سنوات وهو في الحكم، ركب إلى باريس، بشعره وشاربه الرماديين من كثرة همومه وكفاحه. فوجد أن العصبة الكاثوليكية لا تزال مستمرة في معارضته.

إلى أن قضت حكمته وجهود صديقه القديم، دوق سولي، في التغلب على بقايا كراهيتهم له. فوافق دوق دي ماين على صنع السلام معه.

ثم استمر هنري في ممارسة الحكم. كان عليه تحجيم بعض النبلاء الكبار الذين نمت قوتهم وساءت سمعتهم خلال فترة الحرب الأهلية الطويلة بين العصبة والهوجونوت. لكنه كان طيب القلب، لم يعاقب أبدا أحدا، إذا كان بإمكانه استخدام أسلوب آخر.

كان يشعر بالعطف على الفقراء، وتمنى أن يأتي الوقت الذي يضع فيه كل فرنسي على مائدته دجاجة سمينة. إلى جانب ذلك، حاول تحقيق العدالة والسلام بين الكاثوليك والكلفينيين. ووضع قانونا يعطي الكلفينيين أماكن عبادة، بشرط ألا تكون في أماكن تزعج الكاثوليك.

لم يكن الكلفينيون ممنوعين من تولي مناصب في البلاط أو في الجيش. ولم يكن محظورا عليهم بناء مدارس في أماكن معينة. ولتأمين كل ذلك، سمح لهم بالسيطرة على ثلاث مدن كتعهدات، هي: لاروشيل، مونتوبان، ومونبلييه.

في الأخيرة، كانت هناك كلية لاهوت لتعليم قساوستهم، وفي كل مدينة من المدن الثلاث، كانت تعقد هناك اجتماعات لرجال الدين للتشاور في شؤون الكنيسة.

هذا القانون يسمى مرسوم نانت. الذي قام هنري بتسجيله من قبل البرلمان القديم لدوقية بريتاني، حيث لا تزال كل مقاطعة قديمة تحتفظ بقوانينها وبرلمانها.

لقد حصل هنري على مرسوم نانت هذا بصعوبة كبيرة، لأن جميع الكاثوليك تقريبا، كانوا يعتقدون أنه شيء شرير للغاية السماح لأي شخص بالبقاء خارج الكنيسة الكاثوليكية.

لكن كان الجميع منهكين لطول ودموية الحرب الأهلية. وكانوا سعداء بالسلام، ويخلدون للراحة. لذلك مر المرسوم بسلام، وبدأت فرنسا في التعافي.

لم يكن لدى هنري الرابع أطفال، وتمنى التخلص من زوجته مارجريت، لكي يتزوج من أخرى، بدلا من ترك تاجه لابن عمه، أمير كوندي.

في بداية الأمر، لم تكن هناك أبدا موافقة حقيقية، من جانب البابا، على زواج أبناء العم. كما أن العروس كانت قد أجبرت على الزواج ضد إرادتها من قبل والدتها وأخيها. مما أقنع البابا لكي يعتبر الزواج لاغيا وباطلا. ومن ثم يكون الاثنان أحرارا للزواج مرة أخرى.

ومع ذلك، لم يكن من السهل العثور على عروس لهنري. لأن جميع الإسبان والنمساويين وحلفاءهم الكاثوليك كانوا أكبر أعدائه، كما أنه ليس بإمكانه الزواج من بروتستانتية.

لذلك لم يجد سوى الزواج من ماري، وهي أميرة من عائلة ميديشي. التي ثبت أنها امرأة مملة وأنانية، وليست ذكية، فلم تكن شريكة جيدة له.

كان تتويجه قبل زواجه بوقت طويل. وتم تأجيل تتويج ماري دي ميديشي، سنة بعد سنة، إلى أن يكون الوقت مناسبا. وكانت غاضبة من التأخير، لكنها انتصرت في النهاية.

ثم أنجبت له ولدين وثلاث بنات. وعندما جاء السفير النمساوي لرؤيته، وجده يمشي على أربع، وابنه الصغير يركب على ظهره.
"هل أنت أب يا مولاي؟" سأل السفير. "نعم يا سيدي". ثم وجه كلامه لابنه: "سنواصل لعبتنا فيما بعد".

كان هناك العديد من فلول العصبة الكاثوليكية، يكرهون الملك لأنه كان ذات مرة من الهوجونوت، وبسبب إصداره لمرسوم نانت.

لم يكن هنري بجوارها، وكان يجلس في مكان خاص في المهرجان. وإذ به يصرح لصديق له كان معه، إنه يفكر كيف سيشعر هذا الحشد إذا انطلق صوت البوق الأخير، ويقصد عندما يموت.

في اليوم التالي، بينما كان جالسا في عربته، ظهر رجل يدعى فرانسيس رافايلاك، راكبا عجلة ويحمل ورقة له ليقرأها. وفي لحظة، قام بطعنه في القلب بسكين. فمات في الحال. وهي واحدة من أكبر الخسائر التي منيت بها فرنسا في تاريخها. كان ذلك يوم 14 مايو 1610.

كان محبوبا جدا من قبل شعبه. ذكراه عزيزة على قلوب الناس إلى يومنا هذا. كان حقا رجلا عظيما، وكانت به خصال تجعله أعظم بكثير لو امتد به الأجل أكثر من ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء