الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القواسم المشتركة بين الديانة المندائية والزردشتية

سنان نافل والي

2023 / 5 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لا يمكن للدارس أن يغفل التشابه الكبير بين المندائية والزرادشتية في العديد من الأمور ، سواء ما يتعلق منها بالأفكار اللاهوتية أو بتلك التي تتعلق ببعض الطقوس والمراسيم الدينية وحتى الأدوات المستعملة فيهما ، إضافة الى العديد من الكلمات المندائية المستعارة من الوسط الإيراني ( الزرادشتي ) حيث قدر الباحثون وجود ما يقارب ( 125 ) كلمة إيرانية مستعارة في المندائية (1) وإذا بدأنا بالحديث عن هذه المشتركات ، فسنبدأ بالدرفش (درابشا) حيث يعتبر الدرفش أو " درابشا - درافشا" أي (العلم أو الشعار) ويمكن أن تعني أيضا في المندائية ( شعاعا أو حزمة من نور، أما بالفارسية فتعني العلم أو الراية أو بيرق النور أيضا ) (2) , من الأمور المهمة والمستعملة في الطقوس الدينية المندائية المختلفة و أهمها طقس الصباغة والتسمية كما أشار الى ذلك غالبية الباحثين تعود الى أصل فارسي وليس أصلا ساميا كما كان يعتقد البعض منهم . وقد وجد الدرفش منقوشا وبجانبه هيكل نار على مسكوكات نقدية فارسية تعود الى 200 سنة قبل الميلاد، الى سلالة ( فراتا راكا ) الفارسية ، وتشير الليدي دراور الى أن إحدى أطقم المسكوكات والتي تعود الى زمن " آتوفراديتس الأول " نجد الملك واقفا الى جانب هيكل نار كبير وفي وضع تعبد بينما نجد العلم مغروسا في الجهة المقابلة للهيكل وتقول أننا نرى نفس المشهد في التعميد المندائي حيث الملك هو رجل الدين المندائي وقد تقلص هيكل النار ليصبح وعاءً صغيرا للنار والعلم موضوع بجانب النار كما هو الحال في المسكوكات الفارسية.(3) ونلاحظ كذلك أن الكهنة في الديانة الزرادشتية، عندما يقتربون أو يقفون بالقرب من النار أو الشعلة المقدسة فإنهم يضعون على أفواههم لثاما أو كمامة قماشية ، في عملية رمزية الى أن الزفير الذي يطلقه الإنسان هو هواء ملوث ويحمل صفة الموت على عكس الشهيق الذي يحمل معه الحياة. وفي المندائية نرى رجل الدين المندائي عند إجراء طقس الصباغة أو المسقثا فإنه يضع أيضا لثاما على فمه في دلالة على أن ما يخرج من الفم سواء كان زفيرا أو لعابا ، يمكن أن يلوث أو يعيق " النشمثا " في حصولها على الخلاص في هذين الطقسين . الى جانب ذلك نرى أيضا عنصرا آخر مشترك بين الاثنـان ، وهو النـار التي تحظى بأهميـة كبيرة في الديانـة الزرادشتية باعتبار نورها رمزا لآهورا مزدا ونوره الساطع إضافة الى أنها تعتبر بمثابة الابن للخالق لذا ليس من المحبذ على الإطلاق أن تظهر النار بالنسبة لهم لأي أناس غير مؤمنين بالزرادشتية وبآهورا مزدا وبالتالي يتوجب أن توضع النار في معبد النار لتحظى بالمكانة والخصوصية الإيمانية اللازمة لها . ولديهم عدة أشكال للنار ، أولها هي نار " بهرام " التي تأتي في أرفع مقام ومنزلة . لذلك نرى أن زرادشت قد جعل من النار شعارا مقدسا كدلالة قيمة للإله آهورا مزدا (4) أما في المندائية، فينظر الى النار بطريقتين مختلفتين ، الأولى أنها محرمة أو أن قوتها محرمة وأن عبادتها أيضا محرمة وملعونة كما نقرأ في النص التالي من كتاب " القلستا " :
نهضت من الأردن ولقيت جمعا
من الناس يحيطون بأبينا شيت قائلين
له : بحياتك يا أبانا شيت هلا جئت لتعميدنا في الأردن
حسنا ، إن جئت لتعميدكم في
الأردن فمن سيكون شاهدكم
هذه النار المتوقدة ستكون شاهدنا
ليست النار مطلبي ولا تهواها نفسي
النار التي تتحدثون عنها تحتاج الى
وقود يومي لتستمر
النار التي عنها تقولون باطلة زائلة
النار وعابدوها سينتهون الى لا شيء (5)
إضافة الى أن ذكر النار في النصوص الدينية يأتي مصاحبا في غالب الأحيان للدلالة على الأمور أو الأحداث السلبية أو الأماكن السيئة أو التي سيعاقب بها المخطئون والأشرار ، مثلما نقرأ على سبيل المثال النصوص التالية :
" قال لي ربي :
إذهب الى عالم الظلام ، المملوء كله بالشر .كله مملوء بالشر ، بالغائلة . بالنار الآكلة " (6) .
وأيضا النص التالي :
" كون بأمري الثمار ، والأعناب والأشجار ، يبتهج بها العالم . وليكن رجل وإمرأة ، إسماهما آدم وحواء . ليسجد لهما ملائكة النار . ومن عصا فمصيره النار " (7) ،
وأيضا :
" من يسجد للشيطان فمصيره النار . بئس المنتهى ، وبئس القرار ، خالدا فيها الى يوم الدين ." (8)
ولكن بنفس الوقت فإن النار تعد من الأمور الأساسية الواجب توفرها عند أداء بعض الطقوس والمراسيم الدينية مثل مجمرة النار الصغيرة التي تستعمل لإعداد الخبز المقدس والتي ترمى عليها بشكل مستمر البخور ويكون رجل الدين هو المسؤول عن إشعالها، إضافة إلى رجل الدين يمكن لأي شخص آخر اشعال تلك النار. حيث تعد من الأشياء التي لا غنى عنها ليكون الطقس صحيحا ورسميا ومعترفا به "أهمية النار في اشعال البخور وليس للنار بذاتها"، مثل طقس الصباغة على سبيل المثال. (9) . في الديانة الزرادشتية يجب على كل فرد أن يرتدي ( كوشتا أو كوستا ) وهو الحزام المقدس الذي يعد رمزا لطاعة الإله وعبادته ويتألف من إثنين وسبعين خيطا من الصوف الأبيض حيث يقوم بصنعه زوجات ( الموبدين ) وهم الكهنة المسؤولون عن معابد النار . يلف الحزام بطريقة خاصة وذات مدلول رمزي ديني حيث يقوم الشخص بعقده ثلاثة عقدات ، ترمز كل واحدة منها الى شيء خاص فالأولى ترمز أو تمثل الإيمان الزرادشتي بخالق واحد للكون والعقدة الثانية هي الشهادة بالديانة الزرادشتية أما الثالثة فهي الاعتراف بزرادشت كنبي لهذه العقيدة الدينية . أو في تفسير آخر لهذه العقد الثلاث ، أنها تمثل قواعد الإيمان الزرادشتي الحقيقية وهي : الفكر الطيب ، القول الطيب والعمل الطيب وفي نهاية ارتداء الكوشتا ، يتلو الشخص الذي يقوم بارتدائها بترديد الدعاء التالي: "أتوسل إليك يا ربي أن تمد يد المساعدة لشخصي الضعيف .. أحمدك ربي وأثني عليك لما وهبت لي من فكر طيب وقول طيب وعمل طيب " (10) وفي الديانة المندائية ، تعتبر الهميانة ( الزنار ) من الأجزاء الأجزاء الرئيسية والمهمة في اللباس الديني للفرد المندائي ، حيث تتألف من 61 خيطا تمثل في العقيدة المندائية أسرار الجسد الرئيسية ويجب عند إرتدائها أن تعقد عقدتين ، الاولى من فوق الى تحت وتمثل هبوط النشمثا من عالم النور الى الأرض والعقدة الثانية تكون من الأسفل الى الأعلى وتمثل عروج النشمثا من العالم الأرضي أو المادي الى العالم العلوي أو عالم النور ولف الهميانة على وسط الجسم وبهذه الطريقة يمثل أيضا في معناه الرمزي ، إحاطة وتثبيت للجسد كما هي النشمثا في إحاطتها وتثبيتها للجسد أو كما هو إحاطة الخالق للكون ، ثم أن مكانها في وسط الجسم يعني أيضا في معنى رمزي آخر أنها تفصل النور عن الظلام . وعند شد الهميانة يردد الفرد المندائي:
"أرسم همياني بطهارتين وعقدتين"
أما يوم الأحد فيعتبر لدى الديانتين ، يوما مباركا أو مقدسا ، ففي الزرادشتية أطلقوا تسمية " يوم الشمس " على يوم الأحد وذلك تيمنا بالإله " ميثرا " بينما في المندائية فإن يوم الأحد هو الآخر يوما مباركا ومقدسا لأنه يعتبر بداية الخلق للعالم الأرضي وأيضا فإنه اليوم الذي انبثق فيه نور الأثرا "مندادهيي" وأحيانا يذكر الأثرا " هيبل زيوا " كذلك ، مثلما نقرأ في النص التالي من كتاب " انياني اد رهمي " ( كتاب الصلوات ) :
" باسم الحي العظيم
يومي أي يوم من الأيام
يومي أية ساعة من الساعات
يومي أي يوم من الأيام ، لقد شع فيه ضوء مندادهيي
يومي هو يوم الأحد في بداية الأيام
اليوم الذي أشرق فيه ضياء مندادهيي هو اليوم الذي فيه
أشرق علينا ضوء هبشبا وأنارنا
من البداية حتى النهاية "
وأيضا فإننا نجد العديد من الكلمات والمصطلحات والأسماء في المندائية ذات خلفية إيرانية بما لا يقبل الشك ويقدر عدد هذه الكلمات بحدود 125 كلمة إيرانية . بالإضافة الى ذلك فهناك أفكارا متشابهة الى حد كبير بين الإثنين فيما يتعلق بالطقوس الدينية المصاحبة للموت وكذلك الوجبات الطقسية وأيضا فكرة " الدموثا " أو النظير المثالي للإنسان.
المصادر والهوامش
(1) E.S. Drower : The Secret Adam . P. ( 52-53
(2) E.S. Drower : The Secret Adam . P 58-
(3) عبد الله العباداني : تأريخ الديانة الزرادشتية . ص91
(4) ناجية المراني : مفاهيم صابئية مندائية .ص32-33
(5) كنزا ربا . يمين : الكتاب الأول .ص21
(6) كنزا ربا . يمين : الكتاب الأول .ص22
(7) كنزا ربا . يمين : الكتاب الأول .ص24
(8) س . كوندوز : معرفة الحياة . ص 104
(9) خليل عبد الرحمن : الأفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية . ص 135

(10) س. كوندوز : معرفة الحياة . ص107








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو