الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراسلات تل العمارنة مزورة (4)‏

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2023 / 5 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قرائي الأعزاء ، أحدثكم اليوم عن " الفن في تزوير الآثار " فنحن نعرف مسبقاً أن " الفن " ‏يكون عادة في الرسم والنحت والتصاميم المعمارية وغيرها من ألوان الموسيقى والأشعار .. ‏لكننا اليوم سنتعرض لفنٍ جديد على فننٍ جديد في شجرة التزوير التاريخي العالمية ، ألا ‏وهو تزوير الآثار؛ وتزوير الآثار ليس بسذاجة من يقوم بنحت قطعة فنية ودفنها في الرمال ‏فترة لتبدو شبه عتيقة بالية، فيظن الناظر إليها وكأنها أثر .. لا ، ليس هذا سوى عملية ساذجة ‏يلجأ إليها لصوص الآثار عادة لخداع تجار وجامعي التحف والإنتيكات ، إنما نحن نتحدث عن ‏تزوير الآثار الذي ينطلي على عقول علماء الآثار إلى درجة تجعلهم على يقين من أن هذه ‏القطعة أو تلك هي أثر حقيقي وأصلي 100% .. إذن هو ليس تزوير مادي ساذج، بل تزوير ‏معنوي خفي، وببساطة أن يتم نقل قطعة أثرية من مكانها وغرسها خلسة في مكان آخر ‏بطريقة لا تثير الشك لدى العلماء والمستكشفين ، والطريقة الثانية؛ أن تقوم بدبج ترجمة ‏تأويلية للأثر بعيداً عن الترجمة الحرفية، على اعتبار أن تأويل الأثر هو ما يفتح المجال لفهم ‏الظروف الاجتماعية والسياسية المصاحبة له .. لكن الأمر ليس بهذه البساطة ، فهناك مراحل ‏تمهيدية تسبقها، قد تمتد إلى ضرورة تزوير وعي الشعب بالكامل وعلى مدار آلاف السنين ‏كتمهيد لاعتناق الترجمة المزورة ، بل وتقديسها دينياً ! ‏

ولأجل تمرير كل هذه الخدع، نجد المستشرقين خلال عمليات الترجمة في مراسلات تل ‏العمارنة، قد عكسوا اتجاه القراءة واتجاه الترجمة واتجاه العبارة وسياقها السياسي ‏وجغرافيتها كذلك حقبتها الزمنية وجنسيتها، فبدلاً من أن تكون الرسالة صادرة من ‏حاكم قرية " مصر" معين باليمن جعلوها قادمة إلى ملك دولة مصر وادي النيل !.. ونكتشف ‏ذلك بمساعدة الصديق الأستاذ ‏حامد معارج‏ في قراءة عينة من المراسلات المكتشفة في تل ‏العمارنة سيتأكد لنا أنها بابلية عربية جنوبية وليست قبطية بأي حال، وليس لها أي صلة ‏ببلاد وادي النيل، وهذه الرسالة على ما يعتقد تحمل الرمزEA 9 ‎‏ اطلع عليها في المواقع ‏متحف برلين ، فيقول أن المستشرقين ربما اعتمدوا على هذا في تسمية مُزر أو مُصري الواردة ‏في عبارة ‏
‏(‏a.na ni-ip-hu-ur-ri-ri-ia Lugal kur mi-is-ri-i ,,h‎‏ )‏
‏ والتي ترجمها علماء الآثار المستشرقين بمعنى " إلى إخناتون ملك مصر".! ‏

يرى الأستاذ حامد أن ذلك خطأ فادح في الترجمة، لأن الترجمة الصحيحة تكون" أنا أمير ‏مقاطعة مُصري " وأن هذه الرسالة من المحتمل أنها مرفوعة من مقاطعة بابلية إلى الملك ‏البابلي. والبادئة الأولى ( آ-نا ‏a.ana‎‏) بالأكادية هي ضمير المتكلم " أنا "، وتلفظ في مناطق ‏أخرى الأكادية بـ ( آني - ‏‎( a.ni‎‏ ، وهو ذات ضمير المتكلم الذي لاحظناه في رسائل عبيدي ‏هيبا السابقة إن تفضل القارئ بالعودة إليها. ‏

فالرسائل عادة ما تبدأ بتعريف الراسل بنفسه للمرسل إليه، وهكذا تبدأ الرسالة ‏بتعريف الراسل وليس المرسل إليه، كما جاء في رسالة النبي محمد (ص) إلى المقوقس عظيم ‏القبط، بدأت بـ:" من محمد ابن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط ..." ‏

ورسالة النبي محمد إلى كسري ملك الفرس جاءت بذات الديباجة المتعارف عليها في ‏العالم في عصرها، بنصها:" من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع ‏الهدى..."، ‏

وكما جاء في رسالة عبيدي هيبا السابقة رقم ‏EA 286‎، يقول مطلعها: ‏‎"‎رسالة خادمك ‏عبدي هيبا...". ‏

وما جاء في رسالة داريوس إلى الإسكندر الأكبر، قال فيها " من داريوس ملك الملوك وسائر ‏أمم الأرض إلى الإسكندر المكدوني..." (المصدر: المؤرخ اليهودي يوسيفوس: الفصل الأول ص 20 ) .. ‏وأجاب الإسكندر على رسالة داريوس بقوله:" من المتملك من الله عبد الله الإسكندر ملك ‏اليونانيين إلى داريوس المستعلي المتشامخ ترفعاً وكبراً.." (يوسيفوس: الفصل الأول ص 25) ‏

وكذلك ما جاء في نقش ‏Eduard Glaser‏ النص المعيني الذي يحمل رقمG11155‎‏ ويبدأ ‏بعبارة " أنا عمصدق.. حاكم مصر ومعن مصرن ..." ‏
هذا بشأن ضمير المتكلم أو العبارة الافتتاحية للرسالة ، ‏

أما عن الكلمة الثانية " ‏ni-ip-hu-ur-ri-ri-ia‏" فهي اسم الراسل نفسه وينطق بالعربية ‏‏(نبو رياش) وهو أحد الأمراء الخاضعين لسلطة زعيم بابل، ومعروف أن كلمة نبو متلازمة ‏لفظية يمنية ذات نكهة سريانية، وكلمة رياش تعني الريش، ونابو رياش أو نبو رياش أو ذو ‏الرياش هو لقب أخذه الملوك زعماء العشائر اليمنية في صراعاتهم حيث كانوا يضعون ريش ‏على رؤوسهم لتميزهم بالبطولة في الحروب القبلية وأعمال الصعلقة، وبعضهم كان يضع ‏جناح نسر على كتفيه فيلقب بـ ذو الجناح، وبعضهم كان يضع قرني خروف على جبهته ‏فيلقب بـ ذي القرنين وهكذا تسير حياتهم في تلك الأدغال الجبلية .. ‏

أما الكلمة التالية: " كور" ( ‏kur‏) بالأكادية تعني نفسها بالعربية كورة وجمعها ‏كور، أي مقاطعات ولا تعني أرض أو بلد كبير، بمعنى دولة أو إمبراطورية عظمى مثل ‏إمبراطورية وادي النيل. وكلمة "لوكال " ‏Lugal‏ في اللغة الأكادية تعني أمير أو والي أو قيل ‏‏.. زعيم عشيرة، ولا تعني أبداً ملك حاكم إمبراطورية عظمى مثل الصين والهند وإيجبت ادي ‏النيل.. ‏


فكيف ترجموا ‏a.na)‎‏) بمعنى حرف جر ( إلى) ؟! وزعموا أن الرسالة تبدأ بعبارة ( إلى ‏نفخوريا ملك مصر)! وهل يمكن أن يكون " نابورياش ‏ni-ip-hu-ur-ri-ri-ia‏" هذا هو الملك ‏إخناتون كما يقول المستشرقون؟! وهل أن هذا الاسم موجود في الهجائية الهيروغليفية؟! ‏فهذا الاسم ليس من الأسماء الشخصية التي كانت معروفة في إيجبت مثل رعمسيس وأحمس ‏وسقنن رع ؟، ويمكن لأي باحث عن الحقيقة أن يبحث عنه في المعاجم. فيكون معنى ‏الرسالة " آني نابورياش حاكم مقاطعة مُصري " . ‏

وما يؤكد ذلك أن كل كلمة مُزر أو مُصر أو مُصري وردت في ألواح بابلية وبلغة بابلية ‏وحروف بابلية وبلهجة بابلية مضموم آخرها أو أولها، وعبارة " لوكال كور مُصر" تعني أمير ‏مقاطعة مُصر؛ أي (عزيز مصر) التي وردت في القرآن. حيث أن لفظة " لوكال " تعني عزيز أو ‏كبير أو والي أو أمير ولا تعني ملك، والرسائل باللغة الأكادية وجوابها كذلك باللغة ‏الأكادية، فلا علاقة لبلاد إيجيبت أو الاسم السابق كميت وإيجبت أو إقبط. وخصيصاً الأمير ‏استخدم ضمير المتكلم " آني " الذي يساوي في العربية الفصحى الضمير "أنا " وإن كانت بعض ‏القبائل تنطقه " آني " ، وهذا ما يؤكد جنسية هذا الحاكم. .. وعلى هذا الطرح يكون معنى ‏الرسالة بادئاً بعبارة : أنا نبورياش أمير مقاطعة مُصري" فهل من المنطق أن تكون هذه الرسالة ‏صادرة من إيجبت بهذه الصياغة ؟! فمنذ متى كان نابورياش حاكماً على إيجبت ؟! ‏

ووفقاً للطرح الثاني (ألترجة الخاطئة المعتمدة من علماء الآثار ( إلى نفخوريا ملك مصر) ‏فباقي عبارات الرسالة تقول بوضوح أن الراسل بابلي الهجة واللغة ، فهل يكون ملك إيجبت ‏مثل إخناتون قد وضع حاكماً بابلياً على إحدى مستعمرات له ؟!‏

فلا غرابة أن يأتي علماء الآثار الصهاينة بترجمة مطلع الرسالة
‏" ‏a.na ni-ip-hu-ur-ri-ri-ia Lugal kur mi-is-ri-i ,,‎‏" ‏
لتأتي الترجمة:" إلى نفخوريا (امنحوتب الرابع)، ملك مصر"... والمفترض أن نفخوريا هذا هو ‏إخناتون، أو الملك الجبتي لبلاد وادي النيل، طالما الرسالة موجودة في بلاد وادي النيل ! وكل ‏الفوارق المنطقية تذوب على اعتبار أن البابليين لا يستطيعون نطق كلمة إخناتون أو ‏امنحتب الرابع سوى بـ" نفخوريا " ! ... بينما الترجمة الصحيحة " آنا نابورياش حاكم إمارة ‏مُصري " ، وهناك رسالة أخرى تذكر الاسم بصيغة:" بر برياش " وهذا ما يعني بجلاء أن هذه ‏القطه الأثرية والمعروفة عالمياً بـ " مراسلات تل العمارنة " هي منقولة خلسة من الموقع الذي ‏كان يعيش فيه شخص اسمه " نبورياش " .. و " بر برياش " .. وهنا فقط نترك الميكرفون للإخوة ‏الباحثين اليمنيين .... ‏

ونرى أنه من الضروري إعادة استقراء تاريخ العالم بالكامل من خلال متخصصين محليين ‏وطنيين مخلصين للعلم لا لأوطانهم وقومياتهم أو أيديولوجياتٍ أخرى، لا أن يتم العبث بوعينا ‏وتاريخنا وثقافتنا وحاضرنا ومستقبلنا ونصير ألعوبة في يد الموساد مرة وفي يد جده كعب ‏الأحبار مرة..‏

يُتبع ...‏‎

‏(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ ‎‏)‏‎ ‌‎
‏ (رابط الكتاب على نيل وفرات):‏‎
‏ ‌‎ ‏https://tinyurl.com/25juux8h‏‎ ‌‎

‏(رابط الكتاب على أمازون) :‏‎
‏ ‏https://cutt.us/sxMIp‏ ‏‎

‏( رابط الكتاب على جوجل بلاي‏‎ ):
https://cutt.us/KFw7C

‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA

‏#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |