الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القلعة وشيخ الجبل والحشيش

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 5 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الجريمة والعقال
١ - الحشاشون
يعتقد الكثيرون أن من مساهمة اللغة العربية في الحضارة الإنسانية العامة ،هو إثراء اللغات الأوربية ببعض الكلمات الجديدة التي ما زالت مستعملة حتى اليوم، ومن بينها الكلمة الإنجليزية Assassination والفرنسية ََAssassinat التي تعني "الاغتيال". وفي الخيال الشعبي الأروبي فإن مصدر هذه الكلمة مشتق من الكلمة العربية "الحشاشين" والتي تشيرإلى جماعة دينية سياسية تسمى بهذا الإسم، لأن أفرادها يتعاطون الحشيش ثم يقومون بعمليات إغتيال لأعدائهم في الأماكن العامة. غير أن هذا الأصل غير مؤكد وبعيد الإحتمال ومبالغ فيه، لعدم وجود أدلة يقينية عن إستعمال هذه الجماعة للحشيش للتحكم في عقول المنتمين لهم أو لتدريبهم على الإغتيال. ومن الأرجح أن مصدر الكلمة يعود إلى إسم رئيسهم ومؤسس الحركة "الحسن الصباح" أو إلى كلمة "العساسين" العربية المشتقة من «العسس»، الذين يشكلون دوريات ليلية على أسوار ومداخل قلاعهم وحصونهم لحراستها والدفاع عنها ضد أي هجوم مباغث، وهناك من يعتقد أن الحسن الصباح ذاته كان يلقب بـالـ "عساس" ألذي يحرس هذه الدعوة. أما الطائفة ذاتها فهي جماعة متطرفة إسماعيلة نزارية انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الحادي عشر لتدعو إلى إمامة "نزار المصطفى لدين الله". واشتهرت هذه الطائفة ما بين القرن 11 و13 ميلادي، التي أطلقت على نفسها إسم "الدعوة الجديدة" تمييزا لها عن الدعوة الإسماعيلية الأولى، كما يطلق عليها الإسماعيلية الشرقية نسبة إلى مكان ظهورها وانتشارها وإشارة إلى انفصالها عن الإسماعيلية الأم والتي تسمى بالإسماعيلية الغربية. وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس وفي الشام بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران. وقد اتخذوا من قلعة "آلموت" في فارس مركزاً لنشر دعوتهم وترسيخ أركان الدوله. يشترك النزارية مع التيار العريض من الإسماعيلية في عقائدهم العامة، فيؤمنون بالأركان "السبعة" للإيمان حسب معتقداتهم، أي بالصلاة والصيام والزكاة والحج والطهارة والجهاد والشهادة، وبوجود تفسير باطني للقرآن كما يؤمنون باتصال الإمامة من علي إلى الإمام الحاضر وإنكارهم لفكرة "الإمام الغائب"، الأمر الذي يميزهم عن بعض الفرق الإسماعيلية الأخرى. وقد اكتسبت هذه الدعوة منذ البداية عداءً شديدًا من قبل الخلافة العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما، كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين بالإضافة إلى الصليبيين، إلا أن جميع تلك الدول والدويلات فشلت في القضاء عليهم طوال عشرات السنين من الحروب والمناوشات المستمرة، نظرا لإستراتيجيتهم الجديدة والتي تعتمد على "الإغتيال"، وليس على المواجهة العسكرية المباشرة مع العدو. كانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها "فدائيون" مدربون لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق هدفهم، حيث كان هؤلاء الفدائيون يقومون ببعض العمليات علنا وفي وضح النهار لإلقاء الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم. وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي "نظام الملك"، بواسطة فدائى متنكر في زى رجل صوفى، والخليفة العباسي "المسترشد" والخليفة العباسي الآخر "الراشد". وكذلك ملك بيت المقدس كونراد مونفيرات "Conrad of Montferrat" في أبريل 1192، حيث هاجمه اثنان من الحشاشين وطعنوه عدة طعنات في جنبه وظهره، وتمكن أحد حراسه من قتل واحدًا من المهاجمين، وقبض على الآخر، وتحت وطأة التعذيب، اعترف أن الملك "ريتشارد" كان وراء عملية القتل. كما حاولوا كذلك إغتيال صلاح الدين الأيوبي عدة مرات دون نجاح. كان "الحسن الصباح" مؤسس الحركة والمسمى "شيخ الجبل"، في بداية عهده صديقا "لنظام الملك" والشاعر "عمر الخيام" صاحب الرباعيات. ولد عام 1037 م بالري التي تعتبرمركزا لنشاطات الإسماعيلية، وبعض المؤرخين ذكروا انه ولد في "قم" معقل الشيعة الإثنى عشرية ثم انتقلت عائلته إلى الري فاعتنق الطريقة الإسماعيلية الفاطمية وعمره 17 سنة. ثم انتقل إلى مصر حيث بقي فيها حوالي ثلاث سنوات ما بين القاهرة والإسكندرية، ثم قيل بأنه اختلف مع أمير الجيوش بدر الدين الجمالي، فسجنه ثم طرده من مصر على متن مركب للأفرنج إلى شمال أفريقيا، لكن المركب غرقت في الطريق، فنجى حسن الصباح ونقل إلى سوريا ثم رحل إلى بغداد ومنها عاد إلى أصفهان فوصلها 10 يونية 1081. تنقل حسن الصباح داخل إيران مستكشفا لها لمدة تسعة سنوات، حتى بدأ دعوته في إقليم الديلم ومازندران وقد كان لها بعض النجاح وتمكن من اجتذاب بعض الأعوان، وقد كان يتفادى المدن ويفضل أن يتنقل عبر الصحراء، حتى استقر في "دامغان" وحولها قاعدة له يبعث منها الدعاة إلى المناطق الجبلية لجذب السكان من هناك. واستمر في نشاطه لمدة 3 سنوات حتى انكشف امره، وأمر الوزير نظام الملك باعتقاله، ولكنه هرب إلى قزوين. لم يكن هم حسن الصباح في تنقلاته نشر دعوته وكسب الأنصار فحسب، بل كان يبحث عن مكان ستراتيجي مناسب يحميه من مطاردة السلاجقة ويحوله إلى قاعدة لنشر دعاته وأفكاره. وقد ابتعد عن المدن لانكشافها وصعوبة الإختفاء فيها، حتى وجد في نهاية الأمر ما يبحث عنه متمثلا في قلعة آلاموت المنيعة " Alamut" والتي تعني وكر العقاب أو النسر بالفارسية. تقع هذه القلعة على بعد 100 كلم من طهران، على قمة جبل من جبال "البوز" في منطقة الديلم. وهي حصن قديم مشيد فوق صخرة عالية وسط منطقة جبلية على ارتفاع 2000 متر. وشيدت على طريقة الحصون العسكرية بحيث لا يكون لها إلا طريق واحد يصل إليها ويلف على منحدر شديد الخطورة. أستطاع "حسن الصباح" من دخول "آلاموت" سرا يوم الأربعاء الموافق 4 سبتمبر 1090م، بفضل أنصاره الذين تسللوا قبله متنكرين داخل القلعة، وظل هو متخفياً داخلها لفترة وجيزة قبل أن يسيطر عليها بالكامل ويخرج مالكها القديم بعد أن أعطاه 3000 دينار ذهبي ثمناً لها. ويقال أنه لم يغادرها طيلة 35 عاماً حتى وفاته في 23 مايو 1124 عن عمر يناهز الـ ٨٨ عاما. ولم يعرف يقينا من هو الباني أو المؤسس الأول للقلعة، يقال أنه أحد ملوك الديلم القدماء وسمّاها (ألوه أموت)، ثم جددها حاكم علوي عام 860، لم يبقى منها اليوم سوى بعض الخرائب والأحجار المترامية هنا وهناك، ذلك أنه في سنة 2004، حصل زلزال قوي في المنطقة خرب ما تبقى من الجدران المهدمة من الحصن. وعندما استولى "الصباح" على القلعة قام بتجديدها و تطويرها و بناء التحصينات و تزويدها بالماء عن طريق نظام ري متطور حتى أصبحت قلعة حصينة لا يمكن اختراقها وجعل منها قاعدة ارتكاز للانطلاق بدعوته الدينية - السياسية و تحقيق برنامجه للسيطرة على المناطق القريبة في بلاد فارس. وقد شيدوا فيما بعد سلسلة من القلاع والحصون في مناطق أخرى. وانتقلت الحركة إلى بلاد الشام في بداية القرن الثاني عشر وشيدوا فيها مجموعة من القلاع والحصون مثل قلعة بانياس، حصن قدموس، حصن مصياف، الكهف، الخوابي، المنيقة، القليعة وغيرها، ذلك أن شراء القلاع والحصون أو الإستيلاء عليها بقوة السلاح كان يدخل ضمن استراتجية الحركة في نشر أفكارها وتقوية سلطانها من مركز أو قاعدة منيعة ينطلقون منها للقيام بالعمليات المختلفة، كما أنه يكون مركزا للتدريب والدراسة والتعبئة الأيديولوجية.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال