الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهتّك المفاهيم 10

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2023 / 5 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عودة الى الأناركيّة
لقد أشرت الى أنّ هذا الإصطلاح عبارة عن فلسفة سياسية تستخدم قسرًا أحيانًا عندما يفرض على بلد ما وضع بلا حاكميّة تذكر أو، لنقل في حالة فوضى مستمرة، لا شيء فيه عنوان لا من قيادة أمّة ولا من مؤسسات واضحة المعالم. لكن في العراق وبعض الدول العربية هناك بعض الإختلافات البسيطة في ممارسات وفي تطبيقات هذه الأناركيّة. فالدولة تُرى على أنّها شبه قائمة ولكن على أسس متحرّكة رمليّة غير ثابتة، ولا مجال لثباتها في الأفق القريب، لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بفلسفة الإدارة الفاشلة أو اللا إدارة، ومنها ما يتعلّق في الممارسات التي تمارسها ثلّة تتغيّر حسب المزاج الإقليمي والداخلي. أي وفق التأثيرات التي تتغيّر في كلّ وقت، حيث لا ثبات في الأفق يلوح، ولا تخطيط ملتَزَم به. فالكيان خاضع لمزاج المحتلّ ولتخطيطاته ولمزاج آخر! وتنفيذه لخطط قديمة وجديدة، ولكن يبقى المسيطر على مقاليد الحكم بكلّ أشكاله هو سلطة السفارة الأمريكية أو المحتل (أقصد في العراق حصرًا) وبعض من قيادة ناعمة من وراء الكواليس والدّفع بين فترة وأخرى لأشخاص تتغير وجوههم وطروحاتهم ولكنّهم تحت الأمرة الأولى والتنفيذ المناط بهم أو المفهومة حدوده لهم. والكلّ يشتم الكلّ والحقيقة كلّهم في مركب واحد وسط أمواج عاتية، منهم لا يعلم ما الذي يخطّط له المحتلّ ومنهم يعلم ويسير وفق أجندته، وإن أنصفنا بعضهم بإخلاص بسيط حسب مفهومه وتوجّهه ورغبته في العمل خير من الجلوس والركون إلى السّكينة! حيث الكثير منهم حينما يسأل عمّا يجول في البلد بوجود المحتلّ يقول أفضل من تنحّينا جانبًا وترك البلد للفوضى ويقصد العمل بوجود المحتلّ خير من ترك البلد، وكأن ليس هناك حلّ آخر غير هذا! والأدهى والأمرّ ليس العمل الفسريّ كما يدّعي هذا وغيره بل التعاون الواضح على إبقاء المحتلّ والخضوع الى أجندته كاملًا. ولا غرابة من ذلك فقد نشر وأوسع في النشر هؤلاء أنّ البعبع البعثي الصدامي قادم إن لم نكن مع من يكون! غريب وعجيب هذا المنطق.
لقد عانى العراق من ويلات أعتى نظام إستبدادي مرّ عليه في التأريخ الحديث حيث ما زال الشعب يعاني الكثير من ويلاته التي تركها. إلّا من قلّة حينما تراها تضحك وأنت ترى تخرصات بعض المراهقين في السياسة وأولاد المنتفعين من ذلك النظام مازالوا يغنون على نغم ذلك النظام العاتي وللأسباب التي باتت معروفة للقاصي وللداني. وما قرارات خارج الحدود حول رجوع البعث الصدامي إلّا نكتة سمجة لا يتكسّب منها إلّا ذلك المحتل الذي يخيف الطبقة الحاكمة في كل موسم من المواسم فيما إذا تهدّدت مصالحه في البلد.
للأسباب التي ذكرت قسمًا منها، أي فيما يتعلق بالجانب الإجتماعي والنفسي الذي نتج عن وجود نظام طاغية حكم بالحديد والنار وساق الكثير من الناس الى محارقه ومآربه. ترى ردود فعل هذه الاعمال سارية الى الان. حيث جعل ذلك النظام الفاشي من الناس زمرًا لا تعرف مصيرها الحقيقي. حيث لا تعليم ولا فكر ولا مسؤولية وطنية وإستمر هذا الحال الى الآن حيث لا رصانة لجهاز حكم ولا قاعدة مهمة تحكم الأخلاق والقيم ولا قاعدة مهمة واضحة تحكم سياسة البلد بكل جوانبها. فلا يغرّنّك بعض من تصريحات وبعض من سلوكيات فكلّها محكومة حسب المزاج والخطة البعيدة الموضوعة لتحطيم البلد بطرق متعددة وبأشكال متعددة وإن خلصت بعض النوايا كما قلنا. ولا مجال للقول أنّ العراق في حالة من الحالات التي يشار إليها بأنّها ضياع لمستقبله بلا شكّ مع قيادات أنانيّة لا تمتلك المنهجيّة بل العقل الذي يملكه أي حاكم من الحكّام الذين يرون ما يريدون أن يروه لا ذلك الموجود الفعلي. وكما قال الفرعون (ما أريكم إلّا ما أرى وما أهديكم إلّا سبيل الرشاد) وفي النتيجة عند إنكفاء السلطة الحالية تأتي السلطة الجديدة ضمن نفس اللعبة مع بعض التغيير الشكلي و(ترجع حليمة لعادتها القديمة)! و (...ُكلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ).
هذه الحالة يمكن أن أطلق عليها الأناركيّة العراقية المتفرّدة حيث التشكيك في كل ناحية وتعارض مستمر ما بين الأفراد والقبائل والقوميات والطوائف حسب مزاج خفي يحكم هذه الأفراد أو المجموعات التي يطلق عليها خطأ منذ أكثر من ثلاثة عقود بالبلد او الدولة. حيث كان ومازال هذا البلد يرزح تحت ضغط كبير من الأناركيّة بأساليب متعددة من ضغط نظام فاشي لم يحكم بقانون ولا بقيم ولا بأخلاق حيث أضاع جهود الملايين الفكرية والاخلاقية والعلمية لمآرب خاصّة بحجّة بناء بلد قد وضع أوّل معول لهدمه وليس لبنائه. ففعله هو الذي أدى الى الفوضوية من نوع أن لا تعبير عن رأي ولا تعبير واضح عن أي تنظيم لدولة، حيث كانت الدولة بيد حاكم مستبد لا يعير للقوانين أي أهتمام وبتصريح صريح يقول أن القانون يمكن أن أشرّعه أو أكتبه أنا! ولا غرابة من هذا التعبير لكشف حالة بلد ضاع وسط هذا الوضع المزري الذي كان نتاجا لهذه السياسة، دولة العراق الحالية منذ أكثر من عقدين من الزمن وهو يرزح تحت نير المحتل وقيادات لا منهجية. ولا منهجيتها واضحة لكل ذوي دراية من خلال الحركة السياسية المستمرة بالفوضى وبدستور كتب على عجل تحت تأثير المحتل والمصالح الخاصة والضيقة للفئات الحاكمة رغم بعض الإيجابيات التي يحتويها هذا الدستور الذي ربّما يمكن أن يؤسَس عليها في المستقبل.
عندما نتحدث عن بلدنا بهذه الصورة يمكن للقاصي والداني أن يفهم ما نريده هو التأسيس الصحيح لهذا البلد العريق والحضاري وذي المستقبل الذي رسمته ريشة السماء العظيمة والتي تهيء هذا البلد لنهج ولوضع جديد يستطيع من خلاله أن يقود العالم بلا أي مبالغة. لذلك يجب أن يكون النقد معززًا بالمعالجات المناسبة بعد نقد واسع وشديد كي ينظّف من كل الأدران التي لحقته منذ أكثر من أربعة عقود وتحت تأثير سلطات مستبدة عنيفة أرهقت كاهل وعقل المواطن وأرهقت إقتصاد البلد بالحروب العبثية التي أريد منها تدمير البلد لصالح نظام فاشي دكتاتوري قاتل لشعبه، هارب من مواجهة الوضع المزري الذي ترك شعبه فيه مع وجود حالات الإنتقام التي عوّد عليها الكثير من أفراد الشعب حينما أرجعهم الى عادات وتقاليد بالية في معالجة الكثير من المشاكل الإجتماعية والسياسية والفكرية. يعاني مجتمعنا الآن من كثير من المشاكل التي أسّس لها النظام الفاشي والقاتل لشعبه.
إنّ الدولة (!) العراقية التي غادرت الأسلوب الفاشي في التعامل، ينتشر فيها الفساد في كل مفاصل الدولة والفوضى تحكمها الظروف فهي فوضى غير خلّاقة وفوضى لا إنتروبية فيزيائيّة بل إنتروبي سياسيّ من نوع خاصّ! حيث نتج وينتج عنها العنف المستشري والذي يصعد وينزل مستواه حسب الإرادة التي تتحكّم بها وهي الإرادة الأمريكية وسلطة السفارة التي تتحكم حتى بمزاج قادة (!) البلد الذين يتسابقون على طاعتها كلٌّ بطريقته الخاصة ومنهم يعمل في هذا النهج من وراء حجاب ومنهم أمام مرأى ومسمع بعضهم البعض. والجميع يمتلك القابلية على تلوين هذا الخضوع للسفارة الأمريكية حيث ينطبق عليهم (مشتهي ومستحي) فالجميع يلعن المحتل والسفارة وينتقد السفيرة وأفعالها ومَنْ وراءها ويتجرأ (هكذا!) يشتم الأمريكي والمحتل وحينما تنشر وسائل الأعلام لقاءاتهم تنكشف الأمور وينكشف من بكى ممّن تباكى. حيث وصل الأمر الى التحكم بكل ما يتعلق بالعراق ومستقبله. من مالية وديون وإخضاع العراق الى ديون البنك الدولي كي يتم التحكّم بأيّ سلطة قادمة من خلال الضغط على البلد(!) كما يحصل في عدد من الدول العربية التي تعاني من التضخّم أساسًا وفي ظرف الحرب الروسيّة الأطلسية باتت الظروف أعقد وأصعب. لذلك نلاحظ إصدار العديد من القوانين عبر برلمان لا يمثل أكثر من عشرين بالمئة من الشعب في أحسن الأحوال، وتكون هذه القوانين بطرق غير متكافئة وغير عادلة أي مفصّلة على قياس جماعات الخضوع للسفارة. وهذا يعني أن هناك الكثير مما لم يوافق عليه الشعب وهذا واحد من اسباب التمردات التي تحصل في تفاصيل المجتمع على الحكومات (!) كما أعتقد. لو أريد تغيير أي فقرة أو أكثر من فقرات الدستور يحتاج الشعب أن يساهم في المستقبل في التصويت عليه بنسبة لا تقل عن 50 بالمئة، مما يرجّح أن يكون الرفض هو الغالب حينما يكون الدستور قد لبّى أقل من خمس نفوس الشعب في أحسن الاحوال، على الاقل في الوقت الحالي. وهنا يجب القول أنّه يجب أن يكون المواطن الناقد لهذا الوضع مسؤولًا في طرح المشاكل وذلك من خلال الحلول التي يراها مناسبة على الاقل لتبرئة ذمته أمام الله وأمام ضميره ووطنه ولا يخاف من نهج العنف الذي إستشرى في كل مكان إبتداء من الاحتجاج على بعض فقرات الدستور او على تطبيق خاطئ للكثير من فقراته او تلك المهملة. وسنعمل على طرح بعض الحلول كمحاولة لإنقاذ بعض من بلد! مظلوم منذ أكثر من أربعة عقود أو أكثر. وأقول ذلك ليس لأنني أكتب من خارج البلد بل لأنّني أكتب كذلك من خارج الفوضى التي مسكت بالبلد بموافقة الكثير من المنتفعين من هذا الوضع بلا ضمير ولا وطنية عراقية. حيث لعب الكثير من القوى على إبعاد الطاقات الفكرية والعلمية والناضجة في الخارج من أيّ نشاط ينفع المجتمع كي تبقي مجاميع الإنتفاع والفساد على ثلة يكون أغلبها من طبقة الفاسدين أو الجهلة. فليس بالغريب أن يلبّي الكثير منّا دعوة القدوم والعودة لخدمة البلد ثم يفاجأ بثلل المافيات الخطيرة التي كانت تسيطر على مقاليد البلد زمن الحكم الصدامي الفاشي هي نفسها التي تسيطر على أغلب مقاليد البلد ومازالت.
إنّ الأناركيّة العراقية المتفردة تستبدل وضع اللاسلطة الى سلطة شكلية خاضعة الى فوضوية إقليمية أو أمميّة بحيث تتلاعب بها الظروف كيفما تشاء. هذا بالنسبة للجميع من إنتماء ديني وعشائري ومناطقي وحزبي ومن يعترض فهناك العقوبة المخفية التي لا يعلم كيف ستكون، وهذا ايضا وفق الأناركيّة التي تحكم. فإمّا بطلقة تائهة أو بتهمة جاهزة أو بتلفيق أو بهتكٍ مفتعل لسترٍ وهذه لعمري أحقر تهمة توجّه لأهل الغيرة والشرف حيث تعتبر موتًا معنويًا له ولإسرته على المدى المنظور. في هذه الأناركيّة تسلقت نماذج من أخلاقيّات عجيبة بلا تعليم رصين ولا قيم رصينة ولا تقاليد تحترم ولا غير ذلك. بالطبع أستثني الناس المحترمة الطيبة التي ركنت وسط هذه الفوضى جانبًا لتجنّب نفايات المجتمع الذي تحوّل بالكثير من تصرفاته الى غرائب وعجائب لا يعلمها إلّا الله تعالى.
وهنا الأناركيّة العراقيّة متفرّدة في بعض السلوكيات منها مثلا: إنّ الكثير من أفراد المجتمع منقسم على نفسه في كل شيء إلّا نصرة الزعيم أو القائد أو الرئيس المبجّل الذي ينتفع منه البعض بينما يلعق الأغلبية جراحه إلّا من نصرة لأجل إذلال النفس التي تعوّد عليها تحت سلطة القائد الملهَم بقوّته من الله (!!) كي يحكم العباد وفق ما يريد مع سلطة دينية وقداسة يضيفها على نفسه مع وجود الأبواق الدنيئة والمرتزِقة من فضلات موائد القائد! إنّ الفوضى هنا هي حالة كون الحكومة (!) لها سلطة منحت لها من المحتل والمغتصِب لإرادة الشعب والسلطة (إن وجدت) وهنا تكون فلسفة الأناركيّة العراقية بحيث يكون المجتمع لا يمكنه البقاء والازدهار إلّا في حالة موافقة سفارة المحتل التي تتحكم في مال الثروة القادمة والحالية وقد لاحظنا تصريحات السفيرة الامريكية التي تسرده بعد كلّ لقاء مع المنفّذين لتوصياتها وأوامرها في كيفية كون الميزانية العراقية للسنوات الثلاث المقبلة وكيف تتم عملية التعيينات التي ظهرت بعد اجتماعات السفيرة مع بعض افراد السلطة(!). وفي المقابل نلاحظ اوراق الضغط من الجهات المتعددة التي تضغط على الحكومة لاسباب توزيع الحصص. وفي الايام والاسابيع المقبلة ستصعد نسبة الاحتجاجات بعد اظهار توزيع الميزانية. حيث يتهيأ الافراد لوضع جديد حين قدوم الصيف وتوزيع غير مجد للكهرباء او انعدامها مع ارتفاع درجات الحرارة مقابل رفع مستوى الكتابة لابواق افراد السلطة.
ما الذي يجري من هذه الأناركيّة في العراق وأماكن أخرى؟
لو سلّط القارئ الضوء الشديد والتركيز على ما الذي حصل في التأريخ كي تكون الأناركيّة ظاهرة من الظواهر الخطيرة على مستوى تأريخ العالم؟ هي الفوضوية التي بدأت بوادر حرقها للقيم وللمجتمعات منذ سنوات عديدة كما اشرنا اليها. لكن هي في الحقيقة كظاهرة خطيرة يُدفَع بها في كلّ فترة من الزمن على مستوى العالم من قبل مافيات أو مجاميع تخدم هذا التوجّه لتحقيق مآربها في السيطرة على المال او الشارع او الاقتصاد او على فكر ما. فهذه الظاهرة ظهرت اول مرة في سنة 800 قبل الميلاد من قبل عدد من الفلاسفة من الصين واليونان وبعض من منطقة الشرق كذلك والتي شكلت الفوضوية مصدرا من مصادر الفكر الجديد الذي يضغط على المجتمع عموماً. رغم ان العراق في هذا العهد كان يعيش وضعا سلطويا اي وجود السلطة التي اوجدت بعضا من اثار حضارية مهمة. لكن الفوضوية بدأت بوادرها حينما نشأ الصراع بين التوجهات الجديدة التي تستند على علمية جديدة دخلت الى حيز المجتمعات وبين الاعتقادات التي كانت سائدة والتي احدثت تغييرا مهما نحو الفوضى كانت من اسانيد الثورات التي تلت هذا الوضع لتحطيم السلطة والحكومات التي تسيّر امور البلدان. وفي الوقت الحالي تلاحظ الكثير من التجمعات البشرية المدعومة الى نشر الاقتحامات لمجتمع السلطة والى تخريب الدول والقضاء على اي نهضة لمجتمع ما. والاخطر عندما تكون مدعومة من قبل جيوش احتلال واستعمار كما حصل في العراق في السنوات الاخيرة ومازال الوضع يرتفع وينخفض حسب التاثيرات المحيطة والتاثيرات الداخلية. في هذا المجال لا ينبغي نسيان الشعوب ونضالها من اجل الحرية ضدّ الاستبداد حينها لا يمكن اعتبار تصرفاتها من قبيل الفوضى او الأناركيّة لان الثورة ضد الاضطهاد والظلم لا تدخل في حيز الفوضى او هذه الأناركيّة. فالكثير من التحركات قادتها جمعيات وافراد من الفلاحين والعمال والنضال المستمر ضد الظالمين والمضطهِدين لا ينبغي ان يضم الى خانة الفوضى. فمثلا النظام السلطوي الذي تقوده مجاميع الرأسمال الفاسد لا يمثّل السلطة الحقيقية لقيادة مجتمع ما أبدًا. حيث من الواضح أنّ التعبير عن الوضع في العراق تعبير يمكن أن نقول هو عمليات إستبدال مستمرّة ما بين ماض مضطرب وحاضر أكثر إضطرابا ولو شعر البعض بالاستقرار القريب. فظاهرة التهديد بإستبدال سريع لوضع على حساب آخر هو الساري والجاري مع سلطة هجينة في نهجها كما هو واضح. فمثلا التهديد المستمر من قبل الاخر باستقلال او حكم ذاتي او اقلمة يسيطر على قلوب وعقول الحاكمين وان اختلفت توجهاتهم الموضعية او التكتيكية. فحتى الذي يُسِر البعض بوجود حرية فردية في التعبير فلا يمكن ان نطلق عليها حرية في التعبير مع هذا العدو المجهول لحرية الفرد والذي يضغط على الوضع باغتيال او تهديد او عشائرية التعبير عن الوضع في تهديد حهة او فرد من خلال هذه التجمعات التي باتت تمتلك كل منها عناصر مشاغبة تهدد امن المجتمع والفرد معا. وكما أعتقد اكثر ما يهدد المجتمع هو الانهيار القيمي والاخلاقي في مواضع عديدة وفي سلوكيات باتت ظاهرة في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن المعروف ان الاناركية التي ضربت العراق منذ اكثر من ثلاثة عقود هي تلك الاناركية المركّبة اي التي تتركب من النوعين معا: الفردية والاجتماعية، اي التعارض في القول الفردي مع السلوك والتعارض المجتمعي من خلال التحزبات والجمعيات المتناحرة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار. حتى تلك التي تتلبس باللبوس الديني، حيث ترى الان التضارب ما بين سلطة دينية فئوية وطائفية وسلطة مدنية منفتحة شكلا وهي غارقة في العشائرية والتناقضات ما بين قيم مدنية هجينة وتقاليد عشائرية تضرب في العمق العقلي والوجداني للفرد والجماعة. والخطورة في الانتماءات الخارجية التي تعصف بالوطنية بشكل مخيف حتى بات الفرد يشعر بالفخر في انتمائه الى الخارج بحجة العروبة مرة وبحجة الدين او الطائفة مرة اخرى، ناهيك عن التعصب القومي لشمال البلد ولشرقه ولغربه ولما وراء البحار من بعض الانتماءات القومية الاخرى. والخطورة الاخرى في امتلاك الجميع لاموال لا حصر لها جمعت بطرق اغلبها من الفساد المستشري في الوظائف والمؤسسات على مستويات عالية فقد اصبحت كل فئة او كل مجموعة او كل فرد يمتلك ارقام خيالية من الاموال التي بدأت تضيع في بنوك العالم نتيجة للوضع الامني المالي المتدهو في العديد من البنوك بسبب الازمات العالمية المتلاحقة. اي ان المال العراقي اصبح ليس في جيوب العراقييين بل في جيوب ربما تمول ارهاب دولي او اقليمي ينتقل من دولة الى اخرى ومن مجتمع الى اخر حسب الطلب المؤثّر بهذه الاموال على الامن والقرارات السياسية في المستقبل القريب والبعيد.
لقد باتت خطورة الاناركية العراقية من خلال اللاسلطويين (الذين لا يرغبون بوجود سلطة الدولة المتكاملة والشرعيّة) والذين لا يرغبون بدولة مستقرة منهجية دستورية صحيحة. ولا يرغبون بدولة تخضع للقوانين والقواعد الصحيحة فلو تكونت ستحاسبهم على كل فلس سرقوه وعلى كل فعل فعلوه. فالنهج الديمقراطي سيكون على حسابهم ولا ديمقراطية بلا قانون يحكمها فان اردت ديمقراطية بلا قانون فهي الاناركية بعينها.
المحليّة والاقليمية في العراق
لعمري ان من اخطر المشاريع التي تعصف بالعراق وبعض الدول العربية هي ما تسمى مشاريع الحكم الذاتي او الاقلمة. حيث تتوّجه العديد من الطروحات بحجة الديمقراطية وحرية الرأي وبناء حقوق الفرد من خلال حقوق القومية والدينية والمجتمعية والكثير من هذه الطروحات. فالحرية لا تعني ان تهدّ الكيانات او البناءات التي بنيت لاجل خدمة الفرد والمجتمع على حدّ سواء. حين الحديث عن الاقلمة سيكون الحديث عن التفتيت لتلك البلدان وبالتالي ستنتشر الأناركيّة لتعمّ المجتمعات المحيطة بعد ان تقضي على المجتمع الداخلي. والذي حدث ويحدث في العراق من هذا القبيل. فالامر تحوّل من اقليم قومي في الشمال الى مشروع اقليم في المنطقة الغربية ومن ثم التحرّك المستمر لاقلمة الجنوب او البصرة والذي قاده قاض كان هو نفسه فردا من افراد ما يسمى بمجلس الحكم الذي تشكّل من قبل المحتل الامريكي. وقد ساهم بكتابة دستور الألغام الذي يحتوي على العديد من الفقرات التي تساهم بعدم إستقرار البلد الى الان والى ماشاء الله تعالى. ولم ينته الامر الى الان بل هناك موجة جديدة تطالب بالتجزئة والتقسيم على اسس جديدة متشددة ضمن الطائفة او ضمن العشيرة لتحيل اليها ميزانية خاصة من ميزانية الدولة بحجة ان المحافظة تشتمل على الثروة ومن حقها ان تحتفظ بحقوق اضافية ولو على حساب كيان البلد، اي التحول الى الأناركيّة العراقية المتفرّدة كما اشرنا. ولا يكون قولنا بعدم تشجيع الافراد في البصرة العزيزة او في اي محافظة من محافظاتنا او في اي مدينة عربية اخرى على التفكير بالاساليب الجيدة لاخذ حقوقهم لكن وفق السياقات التي تحافظ على تراب البلد وعدم تقسيمه.
وربما لنا عودة!
د.مؤيد الحسيني العابد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رقم قياسي جديد لعملة البيتكوين الرقمية | الأخبار


.. أطيب كيكة ليمون




.. انشغال نواب بتصفح هواتفهم خلال جلسة البرلمان يستفز الأردنيين


.. بارنييه يقدم استقالته للرئيس ماكرون ووزير الدفاع الأقرب لخلا




.. -علف الحيوانات والقمامة-.. للبقاء على قيد الحياة في قطاع غزة