الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراسلات تل العمارنة مزورة (5)‏

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2023 / 5 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نواصل فيما يلي الاطلاع على نماذج من مراسلات تل العارنة، إذ يتضح أنها كانت ‏استغلال لثروات مُصر ومطالبات بإرسال هدايا قيمة وذهب وفتيات حسناوات أو عون في ‏الصراعات ‏والحروب فيما بينهم من جانب حكام تلك القرى الجبلية، وفى المقابل كانت رسائل ‏زعماء مُصر استجداء للعلاقات الطيبة‎، ما يعني أن مصر كانت أضعف هذه الممالك العشائرية ‏‏!.‏

‎‏- ‏‎مقتطفات من رسائل تل العمارنة‎‏ الأخرى، التي تم تفسيرها باعتبارها مراسلات دبلوماسية ‏متبادلة بين ملك بابل العام وملك إمبراطورية وادي النيل، بينما في الحقيقة أنها كانت ‏مراسلات قبلية داخلية بين زعيم بابلي وأمير مملكة مُصري الواقعة تحت وصاية بابل في ‏هذا الوقت؛

‎• ‎‏ رسالة إلى (كدشمان إنليل) ملك بابل‎‏:‌‏
‏ إنها جواب ورد على رسالة من الملك البابلي يسأل فيها عن مصير أخته زوجة حاكم ‏مقاطعة ‏مُصري ويعاتبه فيها بشدة على عدم تمكن رُسله من رؤيتها ويعبر عن سوء ظنه بمصير أخته ‏كما يستغرب عدم ‏استلامه هدية منها‎‏.‌‏ ويرى الملك البابلي أن وضع عرباته بين عربات ‏حكام المدن، وعدم تخصيصها في الموكب ‏الاستعراضي، هو تقليل من مكانته واستهانة به‎‏.. ‏

‎• ‎‏ في رسالة ثانية من (كدشمان) ملك بلاد بابل:‌‏‎
وفي هذه الرسالة رغبة للملك المصري في زوجة بابلية ثانية (ابنة كدشمان، والملك ‏البابلي يريد صبيّة مُصرية أيضاً‎‏). ‏

‎‏ ‏‎• ‎‏ رسالة من (بورياش) ملك بلاد بابل إلى حاكم مُصري‏‎‏: ‏
يعتذر فيها عن عدم الالتقاء برسوله مطولاً بسبب مرضه، ويذكر أنه غضب لعدم اهتمام ‏حاكم مُصر بأمر ‏مرضه، ولكن رسوله برر إلى ملك بابل ذلك ببعد المسافة، وعدم وصول ‏الخبر إلى سيده.. فزال غضبه.. وإنه يأمل باستمرار ‏العلاقات الحسنة، ويعاتب على تأخر رسوله ‏‏(أي رسول «بورياش» ملك بلاد بابل) الذي أوفده إلى مقاطعة مُصري من قبل، ‏ويعتذر عن عدم ‏إرسال هدايا كثيرة معه بسبب صعوبات السفر والتنقل، ثم يطلب ذهباً كثيراً ويأمل أن ‏يختاره الحاكم بنفسه ‏لأن رسله لا يختارون له ذهباً صافياً كما في المرة السابقة.. ويذكره ‏أخيراً في رسالته بأن قافلة رسوله نُهبت مرتين في ‏مناطق خاضعة لنفوذه ويرجوه أن يحل ‏المشكلة، ويعوض الخسائر‎.‎

‎‎• ‎رسالة من (أكيزي) ملك قطنا إلى ملك بابل‌‎ يؤكد له الولاء، ويخبره بأن (إيتكمّا) ملك ‏قادش، حاول كسبه ليتحالف مع الحثيين مثله، ولكنه رفض، ولذلك شّن (إيتكمّا) ‏الحرب ‏عليه، كما هاجم بلاد أُبِ وعاصمتها دمشق، واحتل القصر الملكي ونهبه، وكان يدعمه في ‏ذلك حاكما «لابانا» ‏و«زُخيزي» ثم يؤكد أن الموالين له كُثر، ومن الضروري إرسال قوات ‏محاربة تدعمهم لوضع نهاية لتحالف حكام آخرين مع ‏الحثيين‎.‎‏ ‏
‏(لاحظ أن منطقة لابانا هذه فسرها اليهود فيما بعد على أنها "ليبوس" أي شعوب ليبيا وشمال ‏إفريقيا، فهل كان يتحالف حاكم دمشق مع حاكم ليبيا ضد أورشليم مثلاً ؟! بل إن ‏الحقيقة أن جميع هذه الممالك الصغيرة تقع في نطاق جغرافي واحد ومتقاربة جداً في اليمن ‏وجنوب السعودية وهي في مجملها عشائر وليست إمبراطوريات بمعايير التاريخ، لأن معنى ‏هذا الكلام أنه كانت تقوم حرب عالمية كل دقيقة) ‏

‎• ‎رسالة من سكان مدينة (تونيب):‌‏‎
يتم فيها التأكيد على ولاء المدينة للملك منذ القدم، ثم يطلبون العون، وأن يرسل «ابن ‏أكي تشوب» الموجود في مُصري، ‏ليتولى قيادة البلاد في مواجهة خطر الحثيين وحلفائهم ‏المستمر، ولاسيما «عزيرو» ملك (آمورو) الذي تحول إلى جانب ‏الحثيين، وراح يتمادى في ‏احتلال المناطق الواقعة شرقي مملكته، وتختم الرسالة بالتعبير الصريح عن قرب استسلام ‏المدينة‎‏. ‏

‎• ‎رسالة من (رِب) ملك جُبلا:‌‏‎
يتحدث فيها لأول مرة عن سيطرة (عزيرو) على الحكم في أمورو، وتحالفه مع عدد من ‏المدن الساحلية المهمة (بيروتا، ‏صيدونا، صوري) ويعبّر عن خيبة أمله في استمرار سيطرة ‏القوات المصرية على الوضع في (صُمُر) عاصمة أمورو بعد ‏موت (عبدي أشيره) والد «عزيرو» ‏مما كرّس عزلته، وزاد من معاناته، وبات بحاجة ماسة إلى اهتمام مصري به‎‏ .‏

وهناك رسالة أخرى تؤكد أن هذه الممالك الصغيرة كانت متجاورة، فقد كتب ملك ‏ميتاني إلى امونوفيس ملك مُصر وأخى وصهرى الذي أحبه ويحبنى، أقول أنا دوشراتا ملك ‏ميتانى وأخوك وحموك الذي يحبك، صحتى جيدة وإني أبعث بتحياتي إليك أنت أخي وصهري ‏وإلى أقاربك وزوجاتك وأبنائك ورجالك، (وكان امونوفيس الثالث متزوجا من ابنة دوشراتا ملك ‏ميتانى) ... ‏
وكتب ملك أشور إلى امونوفيس: أخي أقول أنا اشورو بليت ملك أشور وأخوك الملك أدعو ‏بالسلام لك ولأقاربك ولبلادك..‏

فهذا الاسم ورد فقط في رسائل تل العمارنة المكتوبة باللغة الأكادية المتأثرة بقواعد ‏الكنعانية، ((وهذا ما يؤكد حتمية كون مقر إقامة الكنعانيين بالقرب من إمارة مصرايم ‏العربية وملاصقاً لموقعها الجغرافي بدليل تأثر اللغة، والارتباط الشديد بين مُصري وكنعان، ‏فهل تكتب المراسلات بلغة أكادية متأثرة بالكنعانية (صادر ووارد) في إمبراطورية وادي ‏النيل دون أن تتأثر بالهيروغليفية ؟!)) وجميع المراسلات التي حملت كلمة مُصر أو موصر أو ‏مصري، كانت أجنبية ولم يكتب أي من ملوك وادي النيل هذه الكلمة بأي لغة.‏

ومما احتوته رسائل تل العمارنة، جاء في قائمة مهر عروس من ميتاني ما يأتي: "زوج من ‏الخيل ومركبة مغشاة بالذهب والفضة ومزينة بأحجار كريمة، وطاقم الخيل مزين بنفس ‏الطريقة "ويظهر بعد ذلك" زوج من صغار الجمال عليهما ثياب مزركشة ومطرزة بالذهب، ‏وأحزمة وأغطية للرأس مطرزة. ثم قوائم بالأحجار الكريمة وسرج للفرس مزين بنسور من ‏الذهب، وعقد من الذهب الخالص والجواهر، وسوار من الحديد المغشى بالذهب وخلخال من ‏الذهب الخالص وأشياء أخرى من الذهب، وأقمشة وفضيات ومزهريات من النحاس أو البرونز، ‏وأشياء من اليشب وأوراق من الذهب.. ويلي ذلك خمس جواهر مصنوعة من حجر " الضوء ‏العظيم" (لعله الماس)، مع زينات للرأس والأقدام وعدد من الأشياء البرونزية وطاقم للمركبات ‏‎ ‎‎"‎‏. ‏

وكل ما ورد في هذه القوائم يجسد حياة العرب الآراميين في جنوب غرب الجزيرة العربية ‏وليس الشام على أي حال، خاصة حيوان الجمل الذي لم يكن موجوداً سوى بالجزيرة ‏العربية، وعادة التزين بالخلخال هي عادة أصلية عند عرب الجزيرة. ‏

أما حكاية الاكتشاف والتي ذكرتها ‏‎ ‎دائرة المعارف الكتابية، تقول عن اكتشاف ‏الألواح:" في عام 1887، بينما كانت فلاحة تحفر في خرائب تل العمارنة بحثا عن تراب المباني ‏القديمة لتسميد زراعتها، وجدت ألواحا هي جزء من المحفوظات الملكية فملأت سلتها ‏ببعض الألواح وعادت إلى منزلها، ولا يعلم أحد قط عدد الألواح التي طحنتها واستخدمتها ‏سماداً وتحولت إلى كرات وخيار وبطيخ. وفي إحدى المرات ثار فضول تاجر من هذه البلدة ‏وأخذ الألواح واحتفظ بها. وقد نمت بعض المعلومات عن هذا الكشف الأثري إلى مسامع القس ‏تشونسي مورش المرسل الأمريكي المقيم في الأقصر، الذي ارتاب في أهمية الألواح فاسترعى ‏انتباه علماء الخط المسماري إليها، فبدا سباق قصير لكنه كان مكثفاً ومريراً بين ممثلي ‏المتاحف المختلفة من ناحية، يدفعهم إلى ذلك اهتمامهم بالمادة العلمية، وبين التجار المحليين ‏المدفوعين بعامل الطمع في الأثمان الخرافية التي يمكن أن تأتي بها هذه الألواح العجيبة. وقد ‏نتج عن هذا السباق أن تحطمت بعض الألواح على يد المواطنين الجهلاء. وبعد اكتشاف هذه ‏الألواح بدأ البروفسور "بتري‎" (Petrie) ‎في عمل الحفائر في المدينة القديمة في 1891 / 1892 ‏م" أو هكذا قيل لنا !‏‎.‎

ومن الواضح من هذه الرواية الخرافية أن القس " تشونسي مورش" المبعوث الأمريكي ‏المقيم في الأقصر هذا كان هو المبعوث الصهيوني للكشف عن هذه الألواح التي غرسها اليهود ‏في بلادنا، وفي مكان يتوقع أنه أثري قديم، وقد اخترع هذا القس حكاية السيدة الفلاحة ‏التي ذهبت لتأتي بألواح حجرية تطحنها لتستخدمها سماداً لمزروعاتها ! وهذا الكلام لا يدخل ‏عقل إطلاقاً، إنما لو قال أن راعي غنم قد كشفها بالصدفة كالعادة في هذه المنطقة الخربة ‏لكان الكلام مبلوعاً إلى حدٍ ما، ثم لماذا لم تلفت نظر أي أحد من المهتمين بالآثار سوى هذا ‏القس المبعوث الأمريكي !‏
‏ فهذه الرقم الطينية لا تقارن قيمتها الفنية بقيمة الآثار الجبتية القديمة وأهالي الصعيد ‏يعلمون ذلك جيداً، والأجانب الذين يأتون إلى الأقصر لا يسعون وراء قطع رديئة مثل هذه إنما ‏يبحثون عن التماثيل الذهبية والتحف المطرزة بأحجار كريمة، وليس ألواح من الطين ‏المحروق الذي لفت نظر هذا القس المبعوث خصيصاً ليلفت نظره ! خاصة أن هذا الكشف جاء ‏متعاصراً مع البدايات الأولى لمساعي اليهود لإقامة دولة صهيونية في فلسطين، وكانت هذه ‏الرقم عنصر مساعد لهم تثبت الجغرافيا المزيفة للتوراة وتؤكدها. وقد يكون هذا القس ‏الأمريكي مجرد اسم تم غرسه في الحكاية حتى تتحصن بقدسية رجال الدين وتأخذ ‏عملية الكشف مسحة دينية وتصبح بمنأى عن الطعون .‏

وكل الرسائل والكتابات الموقعة باسم ملوك وادي النيل لم تحمل كلمة "مصر"، فتبقى ‏رسائل تل العمارنة على هذا الوضع معلومة المصدر، فما نعتقده بقوة أنها كانت مراسلات ‏متبادلة بين الملك البابلي وأميره الحاكم لمقاطعة "مصرايم "جنوب غرب الجزيرة العربية، وما ‏يتاخمها من ممالك مثل الحيثيين والكنعانيين والكوشيين والعبيرو ومدن بيروتا، ‏صيدونا، و ‏صوري على سواحل البحر الأحمر جنوب الجزيرة، لأن البابليين سيطروا على هذه المنطقة ‏فترة طويلة، وقادوا العديد من الحملات هناك، وهذا ما تؤكده التوراة من الناحية الأخرى ‏في روايتها عن خضوع اليهود للبابليين،‎ ‎وهو تمرد صدقيا ملك يهوذا على ملك بابل وليس ملك ‏إيجبت، تقول التوراة (سفر إرميا 52: 3):"‏‎ ‎لأَنَّهُ لأَجْلِ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَيَهُوذَا حَتَى ‏طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ، كَانَ أَنَّ صِدْقِيَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ"‏‎.‎‏ ‏

وخلاصة هذا الأمر أن هذه المراسلات تم التقاطها من القرى والنجوع والأدغال الجبلية ‏اليمنية في القرن التاسع عشر وتم دفنها خلسة في تل العمارنة وفي العراق وفي سوريا والشام ‏كلها، بحيث يتم قراءتها وكأنها تراث محلي يمثل تاريخ هذه الدول وشعوبها، بينما الحقيقة ‏أن هذه الألواح تمثل حفنة من العشائر اليمنية لا أكثر .. وهذا التاريخ الذي درسناها في ‏جامعاتنا ليس تاريخنا بل تاريخ القبائل اليمنية ، وأسماء بلادنا ليست إلا أسماء القرى اليمنية ‏القديمة والتي كانت تسكنها ذات القبائل المتناحرة ... وللحديث بقية ... ‏

يُتبع ...‏‎

‏(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ ‎‏)‏‎ ‌‎
‏ (رابط الكتاب على نيل وفرات):‏‎
‏ ‌‎ ‏https://tinyurl.com/25juux8h‏‎ ‌‎

‏(رابط الكتاب على أمازون) :‏‎
‏ ‏https://cutt.us/sxMIp‏ ‏‎

‏( رابط الكتاب على جوجل بلاي‏‎ ):
https://cutt.us/KFw7C

‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA

‏#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جن سليمان ينقل بيروت من اليمن إلى لبنان !
إبن الأثير البكري ( 2023 / 5 / 28 - 01:03 )
هل تقصد أن مدن (بيروت) و (صيدا) و (صور) الفينيقية ، لم تكن وليست موجودة في لبنان على ساحل البحر المتوسط ، كما يعرف العالم كله ؟ بل هي موجودة - أو كانت موجودة - في اليمن على ساحل البحر الأحمر ، كما تقول ؟!
إذن فكيف تفسر لنا وجود تلك المدن التاريخية في لبنان ؟ هل قام (جن سليمان) المزعوم بنقلها من اليمن إلى لبنان ؟!
ثم أنت تقول بأن ممالك اليمن القديمة أنها (عربية) ، وغيرك يقولون بأن سكان اليمن القدماء لم يكونوا يتكلمون لغة العرب ، بل وأن كلمة (عرب) لم تكن معروفة وقتها ، و أن العرب هم البدو الذين كانوا يستوطنون الصحراء (وكلمة عربة تعني الصحراء) أقصى شمال شبه الجزيرة كانوا يعرفون باسم السراسين و ليس العرب ؟
ألا ترى أن روايتك غير مقنعة و (مش راكبةعلى بعضها مزبوط) ؟!
المسألة مسؤولية علمية (خطيرة) أمام الناس والتاريخ ، وليست تأوّلات مرسلة بلا قرائن تدعمها من الوقائع التاريخية المحققة .

اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ