الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسئلة في قضايا التنوير

رياض قاسم حسن العلي

2023 / 5 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحديث عن التنوير ضرورة لا بد منها في عالمنا العربي بالتحديد والاسلامي ككل لأننا ببساطة بحاجة ماسة الى هذا التنوير لأن دخولنا الى الحداثة الفكرية يتطلب أن نمر بمرحلة التنوير واقول الحداثة الفكرية لأن العالم كله يعيش الآن الحداثة المادية او لنقل مرحلة الانفجارات التقنية وأن كان قسم كبير من هذا العالم ومنه بالتأكيد شرقنا العربي- الاسلامي هو مستهلك لهذه التقنيات وغير منتج ولكن على الاقل انها وصلت وربما تكون هذه التقنيات والانفتاح العالمي هو الذي يقود الشعوب الواقعة تحت ضغط الموروث المتخلف الى ضفاف التنوير العقلي ونقول هذا لأن هذا الانفتاح اتاح للفرد المشرقي (العربي- الاسلامي) الاطلاع بشكل حر لكل الافكار الحداثية ومابعد الحداثية والاطلاع كذلك على نقد الحداثة الذي عاشته اوربا خاصة في الاونة الاخيرة وهي اشبه بتلك المراجعة التي عاشتها اوربا في الفترة الممتدة من 1680 الى 1715 والتي تحدث عنها عضو المجمع اللغوي الفرنسي "بول هازار" في كتابه (ازمة الضمير الاوربي) او لنكن اكثر دقة ماتحدث به شبيلنغر في كتابه (تدهور الحضارة الغربية) وكذلك الدراسات التي ظهرت في مرحلة مابين الحربين العالميتين وبعد الحرب العالمية الثانية حتى وصلت اوربا الى الانفجار الشبابي سنة 1968 والذي كان أسم هربرت ماركيوز صاحب كتاب (الانسان ذو البعد الواحد) يتردد على ألسنة المنتفضين اكثر من سارتر.
وهذا الانفتاح جعل من هذا الفرد يشعر بالفردانية المغيبة من قبل النظريات الشمولية والتي جعلت منه اداة أو آلة لتحقيق اهداف السلطة سواء كانت هذه السلطة سياسية او دينية او حتى مجتمعية، فرجل الدين مثلا لم يعد ذلك الكائن الخرافي الذي يحمل كافة الاجابات، وكذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت وسيلة ناجحة في تثوير الشباب كما حصل في مصر وبثورتين فاق نجاحهما كل التوقعات.
واذا توخينا الدقة اكثر فأننا نعيش الان بنفس الحالة التي كانت تعيش بها اوربا في القرن السادس عشر فثمة رجال يقولون اشياء لا ترضي كهنوت المعبد مثل محمد أركون او العفيف الاخضر او هاشم صالح او نصر حامد ابو زيد او محمد محمود او سليمان بشير او محمد المزوغي او أحمد البغدادي او جورج طرابيشي أو رشيد خيون او نوال السعداوي وابراهيم عيسى وغيرهم ولكن في مواجهة هؤلاء نجد في المقابل اسماء لها تأثير اقوى في الشارع وتتسارع الفضائيات وتتسابق في عرض فتوحاتهم التي ترمي الى أعادة انتاج السلفية الاصولية بأبشع صورها ومن المؤكد ان تدفق اموال النفط في دول الخليج ساهم بشكل ملحوظ في زيادة هذه الحملة رغبة من الحكام في السيطرة على العقول وربط الانسان بمفهوم الحاكم الشرعي الذي لايجوز الخروج عليه وكذلك رغبة رجل الدين من الهيمنة داخل السياج الايديولوجي من خلال اعادة تفعيل كافة نصوص السلف من امثال ابن تيمية والغزالي وابن القيم ونبذ الافكار التنويرية التي ظهرت في الفكر الاسلامي كالمعتزلة- مع اعتراضنا عليها كفكر تسلطي لا يختلف عن باقي التوجهات كما بينت التجربة- واخوان الصفا وابن سينا والرازي وابن رشد- والذي نعترض عليه بكونه لا يختلف عن اي فقيه متشدد آخر- وكذلك تلك الحملة التي شنت من قبل أتباع السلفية ضد الفكر التصوفي الذي يدعو الى الحب بين كل البشر فلماذا التمسك ببعض التراث ونبذ غيره؟
لذلك علينا ان نتسائل ايضا هل أن عصرنا الحالي يحتاج الى وجود رجل دين يتدخل في كل شئ؟
وهل يحق للأنسان العادي ان تكون له قراءته الشخصية للنص الديني؟
وهل يحق له الاعتراض على فتوى رجل الدين اذا كانت تتعارض مع تصوراته العقلية؟
وهل يمكن للمؤرخين ان ينظرون الى النص الديني بكونه نصا تاريخيا يمكن فهمه وفق قاعدة تغير الاحكام بتغير الزمان والمكان وهي قاعدة فقهية اصولية؟
ماذا نفعل ازاء النصوص الدينية التي تدعو الى المحبة والتسامح وقبول الآخر ازاء نصوص اخرى تتسم بالعنف؟
بالتأكيد نحن لسنا بحاجة الى استنساخ التجربة الاوربية في مجال التنوير فاوربا بدأت من حيث انتهينا لذلك يجب ان نبتدء نحن من حيث هم الان لكن بطريق الاستمرارية الحضارية والفكرية وليس بشكل تقليد، ففي تراثنا العديد من المحطات التي علينا أعادة تلقيمها في جهاز العقل من جديد وأن نخضع كل شئ للمختبر دون اشتراطات وتوافقات ذهنية مسبوقة بما معنى ان ننبذ المنطق الارسطي القديم ونتبع خطوات المنهج التجريبي في كل شئ، يقول الكندي: "فينبغي ألا نستحي من استحسان الحق واقتناء الحق من اين اتى، وإن أتى من الاجناس القاصية عنا والامم المباينة، إنه لا شئ أولى بطالب الحق من الحق. وليس يبخس الحق ولا يصغر بقائله ولا بالآتي به. ولا أحد بخس الحق بل يشرفه الحق" أي اننا نستطيع ان نستفيد من مناهج ونظريات الاخرين دون أن يعني ذلك انسلاخنا عن هويتنا.
يمكن هنا أن نذكر حالتين فريدتين في الفكر العراقي الأولى خارج الوسط الديني هو علي الوردي، فهذا عالم الاجتماع كان مأخوذا بنظريات ابن خلدون في حركة المجتمع وأراد أن يطبقها على المجتمع العراقي وتتفاوت نسبة النجاح بحسب كل نظرية من نظرياته الثلاث لكن في مقابل ذلك تعدى الوردي المجتمع وأخذ يناقش قضايا فكرية أخرى كاللغة العربية والأدب العربي وعلاقة السلطة بالفرد والصراعات التاريخية حول السلطة وحاول أن يقرأ التاريخ العراقي من خلال علم الاجتماع وأن يطبق في هذه القراءة هذه النظريات الثلاث لكن في كل بحوثه كان ينطلق من مبدأ كبير وهو أن كل شيء نسبي وهو بذلك كان يريد أن يدخل المجتمع في مرحلة ما بعد الحداثة التي من المؤكد أنه كان مطلع عليها أثناء دراسته في الولايات المتحدة والتي كانت في تلك الفترة تجري فيها دراسات نقدية عظيمة لمراجعة الحداثة الأوربية بتأثير من مدرسة فرانكفورت وخاصة أبحاث تيودور أدورنو وإيريك فروم، فعلي الوردي تطرق إلى أخطر مشكلتين عانى منها المجتمع العراقي وما زال إلا هما الطائفية والعشائرية وكذلك هيمنة الفكر الديني الرجعي وليس المتنور وتكمن شجاعته هنا لأن هذه الموضوعات كانت من المسكوت عنه في ظل الحكومة القومية بعد سنة 1921 واشتد هذا التضييق بعد سنة 1968.
لكن المشكلة أن طروحات على الوردي جوبهت بمعارضة شديدة من قبل حراس الهيكل ومن كل الاتجاهات لذلك ليس غريبا أن كتبه لم تطبع مرة أخرى حتى سنة 2003 وهي سنة الزلزال العراقي الذي أدى إلى اهتزازات عكسية.
لذلك لم نجد مفكرا بعد على الوردي يدخل إلى الباب الذي فتحه اللهم إلا كتابات شاكر شاهين وخاصة في كتابيه (العقل في المجتمع العراقي) و (الإمام الثالث عشر/ العامة والعمامة في الحقل الشيعي) ففي الكتاب الثاني يدخل شاهين في منطقة محظورة أو مسكوت عنها في الفكر العراقي بل إنه يوعد القارئ بأن كتابه التالي يتناول حالة لم يتطرق إليها أي باحث من قبل.
الحالة الثانية هي من داخل الوسط الديني وتتمثل في المحاضرات النقدية لكمال الحيدري والتي من خلالها يحاول الحيدري تفكيك النص الديني بنفس وسائل التفكيك الديني وليس من غيره وطروحات كمال الحيدري تحاول أن تخوض في معالجات عميقة للفكر الديني ودراسة النص الديني من خلال بحث السند وأيضا المتن وهي بالتأكيد طروحات جريئة خاصة وأنها صادرة من رجل غير عادي ومن صميم المؤسسة الدينية ومن داخل السياج العقائدي وبضوابط مستمدة من قواعد عقلية من جهة ومختبرية تجريبية من جهة أخرى أو لنقل أنه يقدم تطبيقات لعلم الكلام الجديد الذي ظهرت تنظيراته قبل قرن من الزمان في الهند وإيران وبعض الدول وتحدث عنه بالتفصيل عبد الجبار الرفاعي وشبلي النعماني لذلك فإن هذه الصدمة يمكن أن تحدث ارتدادات في نفس الاتجاه حيث نجد أحد تلاميذ الحيدري وهو ميثاق العسر يطبق منهج أستاذه في كتابي هما (كربلاء بنظرة المذهبية ) و (القرآن العبدي ) ويحاول العسر في هذين الكتابين وكذلك مدوناته في وسائل التواصل الاجتماعي بتطبيق منهج نقدي ديكارتي على النصوص الموروثة وهي حالة غير مسبوقة في الفكر الديني يمكن لها أن تتطور فيما بعد، ويمكن القول إن أحمد القبانجي قد فتح الباب على مصراعيه في نقد النص الديني من خلال محاضراته في بغداد وكذلك من خلال كتابه المهم (تهذيب أحاديث الشيعة) ولا أستبعد أن يكون الحيدري تأثر بطروحات القبانجي فالحيدري بعد أن كان مدافع شرس عن العقائد تحول في وقت متأخر إلى ناقد خطير وجريء للكثير من النصوص المؤسسة لهذه العقائد.
وكذلك نجد كاتبا آخر يبدو أنه متأثر بطروحات الحيدري وهو أحمد كاظم الاكوش الذي يحاول في كتبه الأربعة أن يفكك النص والأفكار الدينية من منظور حداثي جريء والكتب الأربعة هي (عصر الفقيه) و (عرش الفقيه) و (ادعاء المهداوية عبر التاريخ) و (المال المقدس).
ومن المؤكد أن هذه الطروحات والأفكار لن تجد الاتساع والانتشار إلا إذا وجدت الترويج المناسب لها لأنها لا تقف بالضد من الإيمان العقائدي بل تريد تصحيح بعض المفاهيم الموروثة، وأقصد بالترويج هنا هو متابعة هذه البحوث النقدية من قبل باحثين آخرين أما بنفس المنهج أو بمناهج جديدة سواء كانت هذه المناهج نابعة من داخل السياج أو من خارجه لأن مسألة الإيمان هي مسألة تخص الإنسان، فمحاولة تفكيك النص الديني غير المقدس تعد حالة جريئة خاصة وأنها صادرة من رجل له ثقله في المؤسسة الدينية ويتبع في طروحاته المنهج العرفاني الذي أسسه ملا صدرا .
لذلك كي ندخل إلى مسيرة التاريخ مرة أخرى لا بد من مراجعة نقدية للتراث لأن هذا التراث صار بمرور الزمن حجر عثرة في طريق النهوض والتحديث الفكري، فمسألة الإيمان الديني لا يجب أن تكون في متناول الجميع لأنها مسألة شخصية تخص الإنسان وحده كما قلنا، وأعتقد أن الفكر الديني يؤيد هذا المبدأ حيث إن التقليد الديني لا يتعلق بتقليد العقيدة لكن الطفرة التنويرية التي يمكن أن تجعل المجتمع ينطلق في حقول التفكير هي أن يكون الإنسان حر في أن يؤمن وأن لا يؤمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال