الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجنة، مصيَدة البسطاء

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 5 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الجريمة والعقال
٢ - البحث عن الجنة
وفى قلعة آلاموت كان "شيخ الجبل" الحسن الصباح، يقوم باختيار الأطفال الذين سيتم تدريبهم وتربيتهم ايديولوجيا وعسكريا وتهيئتهم نفسيا وجسديا للقيام بدورهم فيما بعد داخل الحركة، ومن ضمن هذه الأدوار البالغة الأهمية القيام بعمليات "الاغتيال" والتي تعتبر العمود الفقري لتنظيم "الدعوة الجديدة". وكانت هناك بعض الأسر ترسل أبنائها الى القلعة للدراسة والتدرب ثم العمل فى سبيل توسيع الدعوة الصباحية النزارية. وقد أوكل أمر هؤلاء الشباب الى بعض المعلمين المتخصصين في أصول المذهب النزاري وكذلك اللغة والشعر والتاريخ .. بالإضافة إلى العلوم العسكرية على يد قادة محترفين. وكانت تدريباتهم رفيعة المستوى وذات محتوى ديني وسياسي. وقد غرس "الصباح" فى نفوسهم روح الطاعة العمياء وتنفيذ كل الأوامر التي يأمرهم بتنفيذها وأنه هو السيد المطلق وأن الله قد أعطاه مفتاح الفردوس يفتحه لمن يشاء من أتباعه الإسماعيليين. وكان صاحب نظرية "القيامة"، حيث بنى ما يشبه الجنّة على الأرض لرعاياه ومريديه وأتباعه، ويمثل هو نفسه ذروة السلم التراتبي في تنظيمه العقائدي، تحفّ به مجموعة من المبشرين "الدعاة". ويأتي بعدهم مباشرة "الرفاق"، وهم كوادر الحركة، وإذا تلقوا التعليم الملائم فإنهم مؤهلون لقيادة قلعة أو إدارة التنظيم على مستوى مدينة أو قرية، ويأتي في أسفل السلم "اللصقاء" أي المضمومين للتنظيم، وهم المؤمنون الذين يشكلون القاعدة ولا يتمتعون باستعداد خاص للدراسة ولا لأعمال العنف، ثم يأتي "المجيبون" أي المريدين الذين يتلقون تعليما أوليا، ثم يدفع بهم بحسب قدراتهم إما لدراسات عليا فيصبحون رفاقا، وإما إلى جماعة المؤمنين، وإما إلى الفئة التالية التي تمثل قوة حسن الصباح الحقيقية، وهي فئة "الفدائيين". وكان يختارهم من المريدين المتمتعين برصيد عريض من الإيمان والحِذق والطاقة على احتمال المشاقّ والقدرة على التنفيذ، ويبدو أنه كان حريصا على سياسة "الرجل المناسب في المكان المناسب" فما كان ليرسل رجلا مؤهلا لأن يصبح داعية للجماعة ليقوم بعمليات الإغتيال التي تتطلب قدرات من نوع آخر. في سعي حسن الصباح ورفاقه لنشر المذهب الإسماعيلي في إيران، اعتمد على استراتيجية عسكرية مختلفة تماما عن تلك السائدة في العصور الوسطى والتي تمثلت في الاغتيال الانتقائي للشخصيات البارزة ذات النفوذ في دول الأعداء، بدلا من الخوض في المعارك التقليدية التي تؤدي إلى ايقاع المئات من القتلى من الجانبين، الأمر الذي لا تسمح به قدراته المحدودة في العدد والعدة. وكان الفدائيون مدربين بشكل احترافي على فنون التنكر والفروسية واللسانيات والاستراتيجيات والقتل. وكان اكثر مايميزهم هو استعدادهم للموت في سبيل تحقيق هدفهم. وكان على الفدائيون الاندماج في جيش الخصم أو البلاط الحاكم بحيث يتمكنون من الوصول لأماكن استراتيجية تمكنهم من تنفيذ المهمات المنوطة بهم. ويعتقد إستناداً إلى بعض المصادر، أن الرحالة الإيطالي ماركو بولو ١٢٥٤ - ١٣٢٤" هو أول من أطلق تسمية "الحشاشين" على هذه المجموعة عند زيارته المفترضة لمعقلهم المشهور قلعة آلاموت Alamut، وذلك في رحلته إلى ايران عام ١٢٧٣، وجاء في ما كتبه بولو في وصف القلعة: «بأنه كانت فيها حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل لأتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة، وقد كان ممنوعاً على أيّ فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصوراً فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين. كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نياماً، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج كان يتم تخديرهم مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟، فيردون: "من الجنة"، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين؛ ويعدهم أنهم إذا نجحوا في مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة». وهناك أكثر من شكوك تحوم حول هذا الوصف الخيالي لماركو بولو، الذي لا يمكن أن يكون قد رأى بعينيه قلعة آلاموت التي دمرها هولاكو سنة ١٢٥٦، بينما مروره ببلاد فارس كان سنة ١٢٧٣ أي بعد سبعة عشرة عاما، بالإضافة إلى أن ماركو بولو ولد سنة ١٢٥٤م فإذا لم يكن قد زارها وعمره سنتين فهو لم يزرها أبداً، كما أن الطبيعة المناخية لقلعة ألاموت التي تغطيها الثلوج أكثر من ستة أشهر في السنة يجعلها غير مناسبة للحدائق ولا لأنهار العسل والنبيذ الموصوفة في كتابات ماركو بولو. وعلى كل حال فإن مثل هذه القصص المليئة بالمبالغة والخيال نجدها كثيراً في مذكرات ماركو بولو، التي كتبها عقب عودته إلى إيطاليا، حيث أمضى بضعة أشهر في السجن يملي وصفا مفصلا لأسفاره لزميله السجين "رستيشيللو دا بيزا"، حيث يسهب في وصف مغامراته التي لا يصدقها العقل ويدعي أنه عاش في الصين 23عاما، شاهد فيها حوادث خارقة كالتنين الطائر والصخور الناطقة والرجال ذوي الرؤوس المتعددة ، ولكنه طوال الـ ٢٣ عاما لم يشرب الشاي مرة واحدة ولم يسمع عنه، كما أنه لم ير سور الصين العظيم ولا ظله. وفي جميع الأحوال تظل أخبار الحشاشين قضية تاريخية تحتاج الى المزيد من الدراسة والتمحيص، خاصة وأن أغلب المعلومات المتوفرة عن هذه الجماعة أتت من مصادر مناوئة لهم، وهي في أغلبها خالية تماما من التفاصيل عن كيفية الحياة الإجتماعية داخل القلعة وكيف يعيش هؤلاء "الجنود" حياتهم اليومية وهل لهم حياة أسرية كالزوجة والأطفال، وما هي مصادر الدخل في هذا التنظيم. كل ذلك يجعلنا نشك في صحة هذه "القصص الأسطورية" المتراكمة في كتب أعداء هذه الجماعة، رغم وجودها تاريخيا وقيامها بالعديد من الإغتيالات. وقد انتهت هذه الدعوة حين قام المغول بقيادة هولاكو بالقضاء على فرعهم في فارس، وهو في طريقه لغزو بغداد بتاريخ ١٥ ديسمبر ١٢٥٦ ودمر قلعة آلاموت بالكامل، وتمكن قائد المماليك الظاهر بيبرس عام ١٢٧٠م بدحر آخر معاقلهم في الشام وتدمير ما تبقى من قلاعهم وحصونهم. ويعتقد بأنه لهم أتباع إلى الآن في إيران، وسوريا، ولبنان، واليمن، ونجران، والهند، وفي أجزاء من أواسط الاتحاد السوفيتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و