الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تاريخ فرنسا 26 – لويس الرابع عشر، ملك الشمس
محمد زكريا توفيق
2023 / 5 / 29دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الفصل الخامس والثلاثون
لويس الرابع عشر، الشاب، 1643-1661.
"أنا لويس الرابع عشر"، بكى ولي العهد الصغير، البالغ من العمر خمس سنوات، وهو يقف بجوار سرير والده المحتضر. "ليس بعد"، أجاب والده وهو لا يزال يقوى على الكلام. بالرغم من أنه لم يعش إلا ساعات قليلة بعد ذلك.
لم يكن الطفل يعرف إنه يرث أطول حكم على الإطلاق، لا يقل عن اثنين وسبعين سنة. كان مريضا مرهقا قبل نهايته بوقت طويل.
في البداية، كانت والدته، الملكة آن، وصية على العرش. وثقت تماما بمازارين، الذي لم يكن بعظمة ريشيليو. لكنه كان ذكيا ماكرا. مثل الثعلب الذي قد أتى بعد الأسد.
لأنه كان أجنبيا، من عائلية متواضعة، لم يخضع له الفرنسيون بسهولة مثل ريشيليو، الذي كان من أنبل العائلات الفرنسية.
بعد أربعة أيام فقط من تتويج الملك الصغير، فاز دوق دينجين في معركة روكروي العظيمة، في البلدان المنخفضة، التي دمرت تماما جنود الإسبان المشاة.
وبعد انتصارين آخرين، تم السلام بين فرنسا وإسبانيا.. لكن هذا لم يجعل الأمور سهلة بالنسبة لمزارين. بسبب عودة جميع النبلاء الذين كانوا بعيدين عن الجيش إلى الوطن. وخاصة الدوق دينجين، الذي سرعان ما أصبح، بعد وفاة والده، أمير كوندي، والذي كان يكره مازارين المغرور.
اندلعت كراهية شديدة أثناء شجار كبير بين الملكة وبرلمان باريس، الذي كان يختلف تماما عن البرلمان الإنجليزي. فلم يكن يمثل المملكة بأكملها. فقد كان لكل مقاطعة برلمان منفصل. يتكون فقط من محامو باريس، والنبلاء العظماء الذين ينتمون إلى دوقية فرنسا القديمة، مع الأساقفة وأمراء الدم الملكي.
اعتادت هذه البرلمانات أن تحكم في بعض قضايا الدولة الصغيرة وفي المسائل الخاصة بالممتلكات، وتسجيل القوانين التي يسنها الملك.
وعندما أصدر مازارين، باسم الملك، ضريبة ظالمة على جميع المواد الغذائية التي يتم إحضارها إلى باريس، رفض البرلمان تسجيل القانون، ونتج عن ذلك صراع كبير.
في بداية الصراع، كان البعض يقوم بالخطابة والتراشق بالكلمات الحادة، مثل أولاد يقذفون الحجارة على بعضهم البعض. ثم تطور الأمر إلى رفع السلاح.
لم ينقلب أمير كوندو على الملك في البداية. وساعد على قيام سلام لم يدم طويلا. ثم أصر على إبعاد مازارين. وعندما تم ذلك، وجدت الملكة أن كوندي رجل صارم ووقح، لدرجة أنها أعادت مازارين، وأمرت بإلقاء كوندي في السجن.
قامت زوجة كوندي، مع أخريات، بمحاولة إطلاق صراحه مرة أخرى، وقد تم ذلك. لكن فقط لكي يشن حربا أخرى، خسرها، فأجبر على الذهاب للمنفى. بعد ذلك، اتصل بالإسبان، وساعدهم على اشعال الحرب ضد بلده.
المارشال تورين كان يقود الفرنسيين، بينما كوندي كان تحت قيادة جنرال إسباني كسول للغاية، لدرجة أنه كان متأكدا من الهزيمة. قال لدوق يورك، الذي كان يخدم معه: " الآن سترى كيف ينبغي أن لا تخوض معركة"
لقد كان في ذلك الوقت، كل أفراد عائلة الملك شارل مشتتة في المنفى. وكانت الملكة هنريتا في باريس مع أصغر بناتها. ولكن عندما أبرم أوليفر كرومويل معاهدة سلام مع الفرنسيين، كان قد طلب بمقتضاها أن شارل الثاني، وشقيقه دوق يورك، غير مسموح لهما بالإقامة في فرنسا.
سار الكاردينال مازارين على نهج خطط ريشيليو السابقة. فاستمرت فرنسا في الازدهار وكسب المزيد من الانتصارات، إلى أن قامت إسبانيا أخيرا، في العام1659 ، بصنع ما يسمى بسلام جبال البرانس. بمقتضاه تتخلى عن عدة مدن في البلدان المنخفضة. وكان على الملك الشاب لويس أن يصفح عن الأمير كوندي، والزواج من ماريا تيريزا، ابنة ملك إسبانيا.
بعد عامين فقط توفي الكاردينال مازارين، وترك ثروة هائلة. كان، مثل ريشيليو، يهتم بعظمة فرنسا وقوة التاج أكثر من شخصية الملك نفسه، الذي كان يحمل كل هذه السلطة.
لذلك، ترك الملك الشاب يكبر جاهلا ولم يهتم بتعليمه. فنشأ معتقدا أن الأمة قد صنعت لمجده الشخصي، وليس هو لخير شعبه.
ومع ذلك كان رجلا قادرا بشكل رائع. قال مازارين عنه: "إنه يمتلك صفات تكفي لصنع أربعة ملوك. وفوق كل هذا، هو رجل صادق أمين" عندما مات الكاردينال، سأل الوزراء لمن نلجأ؟ فأجاب لويس: "إليّ أنا"
استمر حكمه بعد ذلك لمدة نصف قرن. كان دائما مستعدا. حاول استكمال دراسته وتعويض ما فاته في صباه. لكنه لم يكن كمن تم تعليمه وتدريبه منذ البداية.
ورث عن والدته، الفخامة والمجاملة والأخلاق الملكية. لم يتلق أبدا تحية من امرأة دون أن يقابلها بابتسامة وانحناءة. كان يبهر الجميع، وكانوا ينظرون إليه كنوع من الآلهة، وهم يغطون الطرف عن هفواته.
كان بلاطه رائعا للغاية، مرتبا منمقا. كل واحد في مكانه الذي لا يحيد عنه. هناك من يجب أن يكون واقفا، أو جالسا أو راكعا في حضوره الملكي. وهي مسألة ذات أهمية قصوى.
ريشيليو ومن بعده مازارين، قد سلبا من النبلاء أهميتهم وأعمالهم المفيدة. ولم يبق لهم سوى الحرب والانتظار في البلاط الملكي، بالإضافة إلى جمع الضرائب من الفلاحين الفقراء لتغطية مصاريفهم.
الفصل السادس والثلاثون
لويس الرابع عشر، منتصف العمر، 1661-1688.
كان يحب لويس الرابع عشر أن يطلق عليه لقب العظيم. لكنه لم يفهم أن العظمة الحقيقية، ليست في حجم وسعة مملكته، أو في القصور الفخمة، أو في مجده الشخصي، بقدر ما هي في سعادة شعبه.
كان لديه أفضل جنرالين في ذلك الوقت في أوروبا، الفيكونت دي تورين وأمير كوندي، وكان نبلاؤه شجعانا ومفعمين بالحيوية.
لذلك كان الذهاب دائما إلى الحرب، دون التفكير فيما إذا كان ذلك عادلا أم لا. وكان يتوهم أن الشرف كله ينسب له، في حين أن انتصاراته كلها كانت بسبب جنرالاته.
عندما خرج إلى الحرب، ذهب فقط إلى حصار بعض المدن، حيث ركب في موكب رائع، وهو يرتدي معطفا مطليا بالذهب، ويضع ريشة بيضاء ضخمة في قبعته. وكان بعيدا تماما عن متناول الخطر.
ومع ذلك، كان شعبه فخورا جدا به، لدرجة أن مجرد مشاهدته، تجعل جنوده يقاتلون ويبذلون أرواحهم فداء له. ولقد كتب بعض الشعراء أبياتا تقارنه بكوكب المشتري والمريخ، وكل بطل حربي آخر أمكنهم التفكير فيه.
كان قد تزوج ماريا تيريزا، ابنة ملك إسبانيا. وعندما مات والدها، قال إنه يجب أن يرث جميع البلدان المنخفضة بدلا من شقيقها الصغير شارل.
لم يكن له حق في هذا، لكنه كان سيجعل فرنسا قوية جدا. لذلك اجتمع الهولنديون والإنجليز لمنع ذلك. وكانت هناك بعض المعارك الرهيبة بينهم وبين فرنسا.
لكن عندما بات شارل الثاني ملكا على إسبانيا، وعندما تزوجت أخته الصغرى هنريتا من شقيق لويس، دوق أورليان، أرسل لويس الدوقة لإقناع الملك شارل ووزيره، مع وعد بالأموال والعطايا، لكي يترك المطالبة بالأراضي الهولندية.
نجحت مساعي الدوقة، وتخلى الإسبان والإنجليز عن الهولنديين، وتركوا وحدهم يواجهون كل قوة فرنسا.
وليام، أمير أورانج، قاد جيوشهم. وبالرغم من تعرضه للهزيمة مرارا وتكرارا، إلا أن الدولة الصغيرة هولندا، لم تستسلم أبدا. وكانوا مضطرين لفتح البوابات التي تحميهم من مياه البحر. فدخلت كميات هائلة من الماء المالح، أوقفت زحف القوات الغازية.
ثم تبنى إمبراطور ألمانيا قضية الهولنديين، لكن لويس أرسل القائد تورين ضد هذه القوات، فغزا الألزاس. ثم ذهب تورين إلى ألمانيا، وهناك قام جيشه بحرق المحاصيل ونهب المنازل وحرق القرى بكل قسوة. فجلب البؤس للسكان بما يفوق الخيال.
لقد كان تورين مغلوبا على أمره. وكانت هذه الحرب، أحلك بقعة في حياته. كان رجلا طيبا ورحيما بصفة عامة. وعادلا ومستقيما للغاية. أحبه جنوده كثيرا، لدرجة أنه ذات مرة، عندما نام أثناء توقف قصير على سفح تل كئيب، وبدأ الثلج يتساقط عليه، صنعوا له خيمة بعباءاتهم الخاصة.
قتل تورين في هذه الحرب بواسطة طلقة مدفع، عندما كان يقف تحت شجرة بالقرب من قرية سالزباخ. كادت أن تقسم جسده نصفان، وأصابت أحد النبلاء، كان يقف بجواره، بإصابة مميتة.
"لا تبك من أجلي أنا، ولكن من أجل هذا الرجل العظيم"، كانت كلمات النبيل المحتضر لابنه.
دفن تورين بين الملوك في سانت دينيس، وأخذ كوندي قيادة الجيش بعده، وكسب العديد من المعارك بشق الأنفس. إلى أن تم التوصل إلى السلام أخيرا. تاركا في حوزة لويس، الألزاس ومدينة ستراسبورج، وأصبحتا تنتميان حقا إلى الإمبراطورية الفرنسية.
لكن كان كل اهتمام لويس بالمجد، أو ما قد تخيله أنه المجد. وقد كان يقف إلى جانبه، جنرالاته العظام، والعديد من الرجال الأكفاء، أكثر من أي وقت مضى في تاريخ فرنسا.
وزراء دولة وكتاب وأساقفة ورجال دين ممتازون، مثل بوسويت، أسقف مو، الذي كان واعظا جيدا، إلى جانب كونه عالما، والذي جعله لويس مدرسا لابنه الوحيد.
لكن كان ولي العهد (دوفين)، شابا مملا وسخيفا للغاية. لم يهتم بشيء سوى اللعب بالورق(الكوتشينة)، وإطلاق النار. كان من الصعب تعليمه سوى القليل. تزوج من أميرة ألمانية باردة، وأنجب منها ثلاثة أبناء: دوقات بورجندي، أنجو، وبري. أحضر لهم الملك كمدرس، فينيلون، رئيس أساقفة كامبراي، وهو واحد من أفضل وأقدس الرجال الذين عاشوا في ذلك الوقت.
دوق بورجندي وابن لويس، كان فتى أنانيا ناريا وعاطفيا. ولكن تحت إشراف فينيلون، تعلم كيف يتحكم في نفسه، وتحول فكره كله لكي يكون أميرا متدينا، يخدم شعبه بدلا من نفسه.
وجد فينيلون أنه من غير اللائق انتقاد الملك نفسه، لكنه لم يستطع تعليم الأمير الشاب واجباته، دون بعض اللوم على أسلوب لويس الرابع عشر كنموذج.
فكتب له قصة عن أمير يوناني شاب يدعى تيليماخوس، ذهب في رحلاته باحثا عن والده، فرأى في طريقه جميع أشكال الحكم. الفكرة مستوحاة من أوديسة هوميروس.
خادم كان يعمل لدى الأمير، سرق نسخة من القصة، وأرسلها إلى هولندا حيث تمت طباعتها هناك في صورة كتاب. وعندما رآها الملك لويس، أدرك بذكائه أن الهدف من القصة هو تعليم حفيده كيف يكون ملكا أفضل منه.
حوت القصة على نقد مبطن للويس الرابع عشر، بخصوص هدر الأموال والإنفاق من دون حذر على مشاريع وتجهيزات لا طائل من ورائها، مثل بناء القصور الفارهة.
ففي مكان ما من القصة، يتحدث تيليماخوس عن مملكة "بيتيكا" التي تقع على أطراف جزيرة، يتميز أهلها وحكامها بتواضعهم الموازي لازدهارهم، وببساطة حياتهم ووداعة أخلاقهم وغياب الطمع الذي كان يمكن أن يقودهم إلى الصراعات، والناتج من اهتمام فئة منهم بالبذخ على حساب فئات أخرى فقيرة.
كان فينيلون واضحاً وهو يشير إلى البذخ الذي مارسه "الملك – الشمس"، كما كان يسمى، من أموال الدولة والشعب، لتشييد قصر فرساي المنيف، والذي كان يُعتبر تحفة عمرانية في زمنه، وفي كل الأزمان، بينما كانت فرنسا تعاني من ضائقة اقتصادية، تفاقمت إلى حدود غير معقولة.
لكن لم يكن لهذا السبب وحده قد تم إبعاد رئيس الأساقفة فينيلون عن البلاط. فهناك سبب آخر، وهو قيام فينيلون بدفاعه عن كتاب ديني عن محبة الله، على لسان سيدة تدعى جويون.
لم يجد البابا أي خطأ في الكتاب. لكن أجبره لويس على نقد الكتاب. فخضع فينيلون بخنوع شديد، واستمر بهدوء في عمله في أبرشيته في كامبراي، غالبا ما يكتب إلى تلميذه، بالرغم من أنه سمح له مرة واحدة فقط برؤيته.
فقد لويس زوجته ماريا تيريزا من إسبانيا، ثم تزوج سيدة تدعى مدام دي مينتينون. لم يعاملها أبدا كملكة فرنسا، وليس هناك أكثر من ثلاثة أو أربعة أشخاص في البلاط، كانوا يعرفون أنها زوجته.
كان يحترمها ويأخذ رأيها كثيرا. وكانت تجلس بجواره عندما كان يتشاور مع وزرائه، وكان يسألها في النهاية: "ماذا تعتقدين؟"
كانت متدينة جدا، حاولت أن تجعله كذلك. لكنه كان فخورا جد، يحب حياة الرغد، لدرجة أنه لم أستطع أبدا تقبل فكرة أن السيد المسيح كان رجلا فقيرا ومتواضعا.
الأسوأ من ذلك، أنها دفعت لويس إلى إلغاء مرسوم نانت، الذي كان يحمي الهوجونوت. وبدأت في اضطهادهم. وتم إيواء الفرسان في منازلهم، كي يأكلوا طعامهم، ويفسدوا بضائعهم، ويقوموا بتعذيبهم لجعلهم كاثوليكيين.
لم يسمح للهوجونوت بالمدارس. كانت أطفالهم تؤخذ بعيدا ليتم تربيتها في الأديرة الكاثوليكية. ألقيت أعداد منهم في السجن. وإذا تم القبض عليهم أثناء الهروب، يتم إرسالهم للعمل كمدانين، أو يتم قتلهم.
ومع ذلك، هرب الكثيرون إلى إنجلترا وبروسيا (ألمانيا حاليا)، وكان الإنجليز يستقبلونهم بالترحاب. الذين أتوا من الجنوب، كانوا نساجو الحرير، استقروا في سبيتالفيلدز، حيث عملت وازدهرت عدة أجيال. البعض، الذين كانوا من النبلاء، جاءوا إلى البلاط الإنجليزي، وصاروا ضباطا في الجيش. وهي خسارة لفرنسا وكسب لإنجلترا، لا شك في ذلك.
الفصل السابع والثلاثون
لويس الرابع عشر، الشيخوخة، .1688-1715.
في عام1688 ، خسر لويس التحالف الإنجليزي. شارل الثاني وأخوه جيمس الثاني، قد أمضيا شبابهما في فرنسا على الديانة الكاثوليكية. واحد في الخفاء، والآخر بصراحة.
لكن عندما حدثت الثورة وطرد جيمس، لجأ مرة أخرى إلى فرنسا. ثم صار وليام، من أورانج، عدو لويس اللدود، ملكا على إنجلترا.
أعطى لويس جيمس وزوجته الملكة مسكنا في قصره في سان جيرمان، وفعل كل ما في وسعه من أجلهما، وقام بإرسال رحلة استكشافية مع جيمس إلى أيرلندا.
لكن، كل ذلك كان عبثا، فالإنجليز قد كرهوا جيمس أكثر لتحريضه الفرنسيين عليهم. وتعرضت قواته في نهر بوين وسفنه في كيب لا هوج للهزيمة، فاضطر إلى التوقف عن المحاولة.
لكن سرعان ما بدأت حرب كبيرة أخرى. فقد توفي شارل الثاني، ملك إسبانيا، عام1700 ، ولم يترك أطفالا. تزوجت أخته وعمتاه من أباطرة ألمانيا وملوك فرنسا.
كان العرف دائما، أن الأميرات يتخلين عن كل حق في التاج، سواء لأنفسهن أو لأطفالهن. إلى أن انتهى الخط الإسباني بأكمله، ولم يعد من حق أي شخص آخر.
الآن، بعد أن تزوج لويس الرابع عشر من أخت ملك إسبانيا، أصبح ابنه أقرب وريث. لكن، من ناحية أخرى، فإن إمبراطور ألمانيا ينحدر من شقيق شارل الخامس العظيم، الذي كان إمبراطورا وملك إسبانيا على حد سواء في وقت واحد.
أراد الإمبراطور أن يجعل ابنه الثاني، الأرشيدوق شارل ملكا على إسبانيا. بينما طرح لويس حفيده الثاني، فيليب، دوق أنجو، لنفس المنصب.
كان الإسبان يفضلون شارل، لكن كان لويس جاهزا أولا. أرغم ولي العهد ودوق بورجندي على التخلي عن حقهما لفيليب، وحياه كملك لإسبانيا. ثم أرسله مع جيش إلى مدريد، قائلا: "لم تعد هناك جبال البرانس"
وكان يقصد أن فرنسا وإسبانيا الآن هما دولة واحدة. فقط. كان هذا بالضبط ما تخشاه بقية دول العالم. وكانت فرنسا قوية جدا بالفعل. فلم يكن هناك من يسعد برؤية إسبانيا والبلدان المنخفضة يحكمها شاب، كان من المؤكد أنه سيفعل بالضبط ما يريده جده لويس. لذلك انضمت إنجلترا وجميع دول أوروبا الأخرى لمساعدة الأرشيدوق شارل على الفوز بإسبانيا.
هكذا بدأت ما يسمى بحرب الخلافة الإسبانية. فقد ذهب الأرشيدوق شارل إلى إسبانيا، وساعده الإنجليز هناك. ثم غزا الجيش الفرنسي ألمانيا.
لكن هناك التقى بالجيشين الإنجليزي والنمساوي، تحت قيادة الدوق مارلبورو والأمير يوجين من سافوي. فهزم بشكل رهيب في بلينهايم.
كان والد الأمير يوجين يعيش دائما في فرنسا، وكانت والدته ابنة أخت الكاردينال مازارين. لكنه وبعض الشباب الآخرين كانوا قد تعبوا من حياة البلاط المملة، فركضوا بعيدا للقتال في الجيش النمساوي ضد الاتراك.
وقعت رسائلهم في يد لويس الرابع عشر. وكانت الرسائل تسخر من الملك في وقت السلم، وتصفه أنه ملك الشطرنج في وقت الحرب.
كان لويس غاضبا جدا، ولم يكن قد غفر للأمير يوجين، توليه الخدمة لدى إمبراطور ألمانيا، وهو ثاني أفضل قائد عام في أوروبا في ذلك الوقت.
جميع الجنرالات العظماء عند لويس قد ماتوا. وبالرغم من أن المارشال الفيلارز والمارشال البوفلرز كانا رجلين قادرين، لم يكونا مساويين لدوق مارلبورو.
فتعرض الجيش الفرنسي للهزيمة مرة أخرى، ومرة أخرى في البلدان المنخفضة. النصر الوحيد، كان الكسب الفرنسي في إسبانيا، في ألمانزا، حيث، كان الجيش الإنجليزي تحت قيادة هوجونوت فرنسي، وفرنسي آخر من مارلبورو.
لكن تراكمت المشاكل كثيفة على لويس الرابع عشر. فقد مات ابنه الوحيد، المعروف في التاريخ باسم دوفين الكبير، لتمييزه عن الأميرين الحفيدين الآخرين، الذين حملا هذا اللقب على التوالي في عهد لويس الرابع عشر.
جميع رجاله العظماء الذين جعلوا عهده رائعا، كانوا يموتون ويتساقطون حوله مثل أوراق الخريف. ولا أحد يستطيع أن يحل محلهم أو يعوض خسارتهم.
رعاياه، أيضا كانوا منهكين. خيرة شبابهم، تم تجنيدهم ونقلهم بعيدا عن ديارهم وقراهم. فلم يتبق ما يكفي منهم لحرث الأرض والعناية بالزرع وجني المحصول.
الأموال التي أرادها الملك لحروبه وبناء قصوره الفارهة، كانت أكثر بكثير مما يمكن جمعه. التجار والمزارعون والمحامون، هم وحدهم الذين يدفعون الضرائب في فرنسا، أما الكهنة والنبلاء، فقد كانوا معفيين منها.
علاوة على ذلك، كل فرد في عائلة النبيل كان يعتبر نبيلا إلى الأبد. بعكس الحال في إنجلترا، رئيس العائلة فقط هو النبيل. ومن ثم، أبناء النبيل في فرنسا معفون من الضرائب، وغير مسموح لهم بالعمل في أية مهنة سوى أن يكونوا رجال دين أو جنودا. وفي الغالب ضباطا. لأن الجندي مهما كان ذكيا أو شجاعا، لا يسمح له بالترقي إلا إذا كان من عائلة نبيلة.
وكان الناس مستائين جدا، وخاصة عندما كانوا يتعرضون للضرب، في راميليس وأودينارد ومالبلاكيت، وأمام قصور لويس، في فرساي وتريانون بشكل كبير.
كان لدي لويس فخر، لا يمكن ترويضه، وإصرار وثبات، يثير إعجاب حتى أعدائه. عندما استمر بلا هوادة في المقاومة، حتى عندما كان هناك أمل قليل في إعاقة مارلبورو ويوجين من الزحف نحو باريس.
ومع ذلك، تم تجنيب هذا الإذلال للملك العجوز الفخور بنفسه، عندما قامت الملكة آن بحرمان دوق مارلبورو من السلطة، مما أدى إلى سلام أخيرا مع فرنسا. الأرشيدوق شارل أصبح إمبراطورا بعد وفاة والده وشقيقه. وهكذا فيليب أنجو سمح له بالبقاء كملك لإسبانيا.
ومع ذلك، كان كل شيء حزينا في البلاط الفرنسي. حافظ الملك على كل أراضي الدولة القديمة. لكن قوته وروحه المعنوية كانتا في الحضيد.
اعتادت السيدة دي مينتينون أن تقول إنه لا أحد يستطيع أن يخمن، ما هو الشيء الذي يبهج ملك حزين. ألمع شخص في البلاط، كانت هي الشابة أديلايد من سافوي، زوجة دوق بورجندي، حفيد لويس الذي صار الآن دوفين (وليا للعهد).
اعتادت أن تمازح الملك، لإدخال البهجة على قلبه. لكنها كانت طائشة مثلية الجنس، سببت الحزن لزوجها. لقد كان رجلا، تقيا جدا متدينا، يحاول دائما اتباع نصائح صديقه العزيز، فينيلون. وكان قلقا بسبب حالة المملكة، عندما يتركها له جده، الملك العجوز لويس الرابع عشر.
لكن شيء مروع جاء، على شكل من أشكال الجمرة الخبيثة إلى البلاط. أصاب أديلايد فماتت. ثم الابن الأكبر من ابنيها، ثم زوجها ولي العهد نفسه.
كانوا جميعا مرضى في أيام قليلة جدا، لدرجة أن الناس تحدثت عن احتمال استخدام السم. ولم يبق أحد من جميع أفراد الأسرة باستثناء الملك العجوز، وطفل صغير، وابن شقيق الملك، فيليب، دوق أورليانز، الذي كان معروفا بأنه رجل سيء للغاية وأناني.
بعد عام، توفى لويس الرابع عشر بسبب مرض أصاب ساقه، بعد حكم دام اثنان وسبعين سنة. لقد كان أعظم ملك في أوروبا. وربما واحدا من أروع الرجال، لو كان يعرف تماما ما هي العظمة الحقيقية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما تأثير تحركات المعارضة الإسرائيلية بعد إقالة وزير الدفاع غ
.. بعد فوز ترمب.. ترصد الوضع داخل البيت الأبيض
.. هل توقف أميركا دعمها لأوكرانيا بعد فوز ترامب؟
.. 3 شهداء وإصابة آخرين بينهم أطفال إثر قصف الاحتلال منزلا بمخي
.. كاملا هاريس تقر بخسارتها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وت