الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكأنما أحيا الناسَ جميعًا

فاطمة ناعوت

2023 / 5 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مبادرةٌ إنسانية نبيلة قدّمها أبٌ سعوديٌّ اعتصره الألمُ على فقد نجله الشاب ابن الستة عشر عامًا، المتوفي سريريًّا. لم يمنعه وجعُ الثكل المرير- لا جرّبنا اللهُ به فإنه الويلُ العظيم- من التفكير في إنقاذ آخرين على وشك الموت. بل ربما دفعه وجعُ الفجيعة إلى مساعدة ستة أشخاص من المُحتضرين يتأهبون لاستقبال الموت بسبب معاناتهم من القصور العضوي في مراحله النهائية. منح "قلبَ" ابنه الراحل إلى طفل في السابعة من عمره يعاني من الفشل القلبي. وأهدى إحدى "كُليتيْ" ابنه لطفل في الثانية عشرة، والأخرى لشاب في عمر ابنه الراحل. وأهدي الرئتين لمريض فشل كلوي في الثامنة والستين من عمره. أما "البنكرياس" فقد زرعه في جسد مُحتضر في الثلاثين من عمره قضى معظمه في الغسيل الدموي، أما "الكبد" فقد منحه لشابة في التاسعة والعشرين عاشت حياتها تعاني من الفشل الكبدي. وتمت جميع الاستئصالات والزراعات الطبية السابقة في المركز السعودي لزراعة الأعضاء بسرعة قياسية ووفق الأخلاقيات الطبية المعتمدة.
واشتعل الجدلُ على صفحات سوشيال ميديا حول صنيعة الأب، ما بين مُطوّبٍ مادحٍ رأى فيه بطلا متحضّرًا نبيلا، وبين لاعنٍ مُكفِّرٍ يراه مجرمًا منح ما لا يملك، حيث: "أننا لا نملك أجسادنا، بل فقط لنا حق الانتفاع بها حتى الموت، وبالتالي ليس من حقنا التبرع بها"، وفق إحدى الفتاوى والاجتهادات. أولئك ربما ينسون قوله تعالى: “ومَن أحياها فكأنما أحيا النَّاسَ جمِيعا"/ المائدة ٣٢. والضميرُ في الآية الكريمة يعود على "النَفْس". أي يقول الرحمنُ الرحيم إن مَن أحيا نفسًا أي إنسانًا، فكأنما منح الحياة للناس جميعًا. فطوبى لهذا الأب النبيل الذي نال تلك المكرمة الرفيعة. اللهم أثلج قلبَه بالصبر الجميل على فقده فلذة كبده، رحمة الله عليه.
ذكّرني نبلُ هذا الأب بفيلم أمريكي شهير من إنتاج عام ٢٠٠٨،" عنوانه: "سبعةُ أرطال" Seven Pounds” من إخراج "جابريل موشينو"، وبطولة "ويل سميث"، مأخوذ عن رواية "جرانت نايبورت".
يحكي الفيلمُ عن مهندس طيران ناجح تسبّب، دون قصد، في مقتل سبعة أشخاص، من بينهم خطيبته، في حادث سيارة. أظلمتِ الدنيا أمام عينيه، وراح يفكّر فيما عساه يفعلُ ليتحررَ من الذنب. كيف يُعيد سبعة أرواح أزهقها في لحظةٍ، غفل فيها عن قواد سيارته لينظر في هاتفه المحمول؟! ما كان بوسعه أن يُكمل حياته بسلام بعد حادث، اعتبره القانونُ قضاءً وقدرًا. قرّر الشابُّ أن يقتطع من لحمِه سبعة أرطال ليهبَ بها الحياةَ لسبعة مُحتضَرين ينتظرون الموت. ودقّق في اختياراته ليكونوا من الطيبين النبلاء. شقيقُه، المصاب بسرطان الرئة، منحه جزءًا من رئته. ومنح سيدةً طيبةً أخرى فَصًّا من كبده. وبعدما تعافت سألها أن ترشّح له اسماء مأزومين طيبين، فدلّته على امرأة فقيرة تقاسي بطشَ بلطجي يستعبدها هي وأطفالها، فمنحها منزلَه الجميل على شاطئ الأطلنطي، وانتقل للسكن في غرفة متواضعه. ثم منح رجلاً مصابًا بالفشل الكلويّ إحدى كليتيه. ثم رقد ساكنًا ليمتصَّ الأطباءُ بمحقن غليظ النخاعَ من عظامه، معاينًا ألمًا لا يوصف ليحقنوه في جسد طفل مصاب بسرطان النخاع. ثم يقرر أن ينقذ شابة سمراء تعيش آخر أيامها، بسبب ضعف حادٍّ في عضلة القلب. فيقوم بتجهيز حوض زجاجي ضخم من الزجاج يضعه في غرفته ويربّي فيه قنديل بحر سامّ حتى يتوحش. ثم يملأ البانيو بجرش الثلج ويرقد فيه حتى يتخدّرُ جسده بفعل الجليد، ثم يأتي بقنديل البحر ليسبح جواره ويلسع معصمه لسعةً سامّة مُتحملاً اللدغات المميتة بصبر القديسين، بعدما يكون قد اتصل بالإسعاف ليخبرهم أنه ينوي الانتحار. يُنقل إلى المستشفى في محاولة لإنقاذه. ثم يُبرز صديقُه الوصيةَ التي يعلن فيها تبرعه بقلبه إلى الجميلة السمراء. بهذا يكون قد منح أشخاصًا ستة، ستَّ قطعٍ من جسده كعطايا ربوبية لا تُرّد. أما القطعة السابعة، فكانت عينيه اللتين تبرع بهما لشابٍّ موسيقيٍّ موهوب كفيف البصر مشهور بأخلاقه الرفيعة. كان هذا شرطه الوحيد في اختياره مَن يستحقون هداياه الثمينة. أن يكونوا من ذوي الجمال الروحي والرقّي الإنساني،وفقط.
هل تذكرون مسرحيةَ "تاجر البندقية"، The Merchant of Venice، التي كتبها "وليم شكسبير" عام ١٥٩٦؟ فيها نتعرّف على "شايلوك"، المُرابي اليهوديّ، الذي قرّر استرداد قرضه من مَدينه المسيحيّ "أنطونيو"، ليس مالاً، ولا قِطعًا من الذهب أو الفضّة، بل رطلٌ من اللحم البشري! لحم "أنطونيو”. كان هذا نوعًا من الثأر الوحشيّ الرخيص، انتقامًا من "أنطونيو" الذي أهانه، وبصق عليه!
لو شاهد كائنٌ فضائيٌّ مسرحية "تاجر البندقية" ق١٦، وفيلم "سبعة أرطال" ق٢١؛ سيقول إننا سكان الأرض قد انتقلنا، عبر خمسة قرون، من الهمجية والوحشية، إلى التحضّر والسموّ. فهل صدق؟
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عسى ان لايفسر اختيارك لليهودي عنصرية ضد اخوتنا الي
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 6 / 1 - 01:04 )
عنصرية ضد اخوتنا الاعزه اليهود في اسرائيل واينما حلو -تحياتي


2 - عندما تكون صهيونيا أكثر من الملك نفسه
صالح ركبه ( 2023 / 6 / 1 - 16:46 )
فين في المقال صاحبته ذكرت أسيادك يا كحلاوي؟


3 - اليهود اخوتنا كانوا ولا زالواوخصوصا انهم في قلوبنا
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 6 / 1 - 21:22 )
نحن اهل العراق زنتذكر حياتنا المشتركه الطيبه لثلاث الاف سنه وقد كنا في يوم من الايام وحسب منطق التاءريخ وتغير الاديان-كنا كلنا تقريبا يهودا -وكما يقول المؤرخ سليم مطر فحينما غزانا الوحوش البدو في القرن السابع كان 90بالمئه من العراقيين مسيحيين-ولكن السيف البدو المتوحش كان قاسيا فذبحوا ملاييننا وسبوا نساءنا حتى تم لوحوش الصحراء تحويل عراق سومر الى بدائيين بالاخص قبل 6قرون حينما استعبدنا بدو اسيا الوسطى -العثمانيين 5قرون فتركوا العراق بعد تحريرنا من قبل الجيش البريطاني في الحرب العالمية الاولى كلنا اميين جهلا لامصنع ولا حتى محراث-وبالتحرير البريطاني انفتحت امامنا حضاررة الغرب لانسانية الجديده واذا بالكلاب المكلوبه من مشايخ الاسلام المتوحش يفتون من الغرب كفر والحاد-ولم يوافقوا على سلوك طريق التقدم =العلم العصري والعمل الصناعي والزراعة الحديثه والثقافة والفنون حيث الحياة الجميله فحينما ساعد الغرب الانساني يهود بلاد الشام بوعد بلفور حيث جمعوا يهود البلاد العربيه مع اخوتهم الموجودون في ارض اسرائيل التاريخية شاط العنصريون واخذوا يشتموا الشرفاء بتسميتهم صهيونيه وامبرياليه وبقوا متخلفين جوعى


4 - تزويرات هذا الأمي لثوابت التاريخ مثيرة للتقزز/1
حسين علوان حسين ( 2023 / 6 / 1 - 23:43 )
كاتب ت 3 مزور فج لثوابت التاريخ التي تقطع بأن السومرية كانت أول حضارة في العالم والتي تشكلت في جنوب ووسط العراق منذ الالف الخامس ق.م ليكتشفوا أول كتابة في تاريخ العالم في بداية الالف الثالث ق.م. وكان للسومريين 3000 إله. إنقرضت الدولة السومرية في بداية الألف الثاني ق.م. العبرانيون أصلهم قبائل بدوية (باعتراف التوراة نفسها) جزرية غزت اراض فلسطين الكنعانية ليأسسوا أولى ممالكهم في فلسطين في القرن التاسع ق.م. وديانتهم توحيدية. إشجاب السومريين لليهود؟ وقد تولت الامبراطورية الاشورية ومن بعدها الكلدانية العراقيتين احتلال المملكتين اليهوديتين في يهوذا والسامرة التي سقطت عام 586 ق.م. أي بعد ألف وخمسمائة عام من انقراض السومريين. ثم يقول: نحن أهل العراق..كلنا كنا تقريبا يهود! العراقيين كلهم يهود؟ يجوز انت يهودي، بس العشائر العربية العراقية كلها عشائر مسلمة وليست يهودية. وكيف يسمح هذا الأمي بالتاريخ لنفسه تسمية الفتح الاسلامي للعراق المحتل في حينه من قبل الفرس بالبدو المتوحشين ولا يسمي البدو اليهود الغازين لفلسطين الكنعانية بالمتوحشين؟ الم يقرأ عن مذابح اليهود بحق الفلسطينيين التي تتفاخر بها التوراة


5 - تزويرات هذا الأمي لثوابت التاريخ مثيرة للتقزز/2
حسين علوان حسين ( 2023 / 6 / 2 - 00:15 )
لماذا يرفض هذا الامي بالتاريخ قراءة نص سفر يهوشع 6:17 و21 الذي يتبجح بأن كلاب البادية اليهود ابادوا مئات آلاف الكنعانيين بأمر الإله يهوه ؟
يجب تدمير أريحا وكل ما فيها كهدية للرب. راحاب الزانية وحدها ستنجو من بيتها لأنها كانت تحمي جواسيسنا.
النص التوراتي أعلاه يتحدث عن حق كلاب البادية اليهود المكلوبين في ابادة كل سكان مدينة أريحا كلهم هدية ليهوه ،
ينص سفر التثنية على:
16 في المدن التي يعطيك الرب الهك ملكا خاصا اهلك كل حي. 17 يجب ان تبيد تماما الحثيين والاموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين كما امرك الرب الهك.
من هم الوحوش المبيدون للشعوب؟ العرب أم اليهود؟ هل يوجد في القرآن نص يأمر بابادة البشر الذين يقول فيهم:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ-;- كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]؟
اذا كنت لاتستحي فقل ماتشاء.
ثم يقول هذا المزور للتاريخ أن المحتلين البريطانيين للعراق عام 1918 كانوا محررين له من العثمانيين. هذا هو نفس نص خطاب الجنرال مود ؛ جئنا محررين لافاتحين:


6 - تزويرات هذا الأمي لثوابت التاريخ مثيرة للتقزز/3
حسين علوان حسين ( 2023 / 6 / 2 - 00:40 )
لماذا لسان حال هذا الصيوني الارهابي الحاقد على العرب ينطق بلسان الجنرال مود محتل العراق نفسه؟ العثمانيون كانوا محتلين والانجليز محتلين مثلهم، فلماذا يسمي هذا الصهيوني الارهابي العنصري احتلال البريطانيين للعراق تحريراً؟
ثم يقول هذا الصهيوني الارهابي العنصري: ساعد الغرب الانساني يهود بلاد الشام بوعد بلفور! وماذا عن الشعب الفلسطيني؟ وهل أن فلسطين ملك طابو للانجليز المحتلين لكي يمنحها الغرب لليهود الهندواوربيين الذين يتكلمون اليديش ليبيدوا ويشردوا السكان العرب لأرض أجدادهم في فلسطين؟ كم أباد الغرب من العرب لكي يسمح للعصابات النازية الصهيونية احتلال ارض فلسطين؟ الجواب: أباد الغرب 60 مليون عربي منذ عام 1914 الى اليوم ثمنا لقيام الكيان الهيوني النازي الارهابي الوريث لمبيدي الشعوب التي تتفاخر نصوص التوراة بابادتهم. والحبل على الجرار .
ولكن هذا الارهابي الصهيوني العنصري يسمي النازيين المبيدين للعرب وللمسلمين بالناس الشرفاء: شرفاء بالقتل الجبان للأطفال والنساء العزل كل يوم وعلى طول وعرض أرض فلسطين العربية. هذا هو نفس كلام كل مبيدي الشعوب الذين عرفهم التاريخ .. وهو العار كل العار على قائله.

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah