الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ فرنسا 27 – لويس الخامس عشر

محمد زكريا توفيق

2023 / 6 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الثامن والثلاثون

لويس الخامس عشر، 1715-1774.


الصبي المسكين، الذي أصبح ملكا على فرنسا، الصغير جدا لدرجة أنه بالكاد كان يستطيع أن يمشي وحده. لم يكن له قريب بجواره للأخذ بيده، عندما تم عرضه للناس لأول مرة.

لقد كان عهدا حزينا. كان الوصي، دوق أورليانز، وهو رجل سيء تماما، لا يختلف عن شارل الثاني الإنجليزي، ولكن أسوأ في السلوك. وبات البلاط الملكي بالوعة للآثام تحته نفوذه. لقد مات بينما كان الملك الشاب يكبر ويشتد عوده.

لكن الصبي كان بطيئا ومملا وخجولا بشكل مؤلم. لم يكن يصلح على الإطلاق لتولي قيادة أي شيء، ولا يقارن بلويس الرابع عشر.

لكن كان لديه معلم جيد، كاردينال فلوري، لكنه سرعان ما مات. ومن ثم، لم يكن هناك ما يمنع الملك الشاب من الانجرار إلى كل أنواع الشرور، من قبل الرجال الأشرار الذين نشأوا في زمن الوصي، دوق أورليانز.

الملكة هي أميرة بولندية، تدعى ماريا ليزينسكا. كانت شخصيتها لطيفة وحنونة، لكن لم تكن ذكية على الإطلاق. في البداية، كان الملك مغرما بها جدا.

وكان رفاق السوء، يعتقدون أن التقاليد العريقة هي من الأمور المملة. فقاموا بإفساد الملك الشاب، وعلموه الشراهة والسكر. وجعلوه يتحدث بلغة سوقية مبتذلة.

صدمت الملكة في زوجها الملك، وعندما أظهرت عدم احترامها له، غضب لويس، وأهمل زوجته. ولم يعد يظهر معها إلا فيما ندر. وكان يقضي أوقات فراغه في الملاهي وفي الأماكن المشبوهة.

ومع ذلك، فلم يكن الناس قد عرفوا كل شيء عن الملك. فهم لا يزالون يحبونه، وكانوا قلقين عندما أصيب بالحمى. وكادوا يصابون بالجنون من الفرح، عندما تعافى من مرضه. ثم أطلقوا عليه اسم لويس الحبيب.

كانت هناك حرب كبيرة مستمرة في هذا الوقت بين ماريا تيريزا، ملكة المجر، وأرشيدوقة النمسا، وبين فريدريك الثاني، ملك بروسيا.

تحالف الإنجليز مع النمساويين، والفرنسيون مع البروسيين. وفي معركة ديتينجن، هزم جورج الثاني المارشال دي نويل. لكن الإنجليز هزموا في فونتينوي. وبالرغم من أن لويس الخامس عشر، كان مع الجيش، إلا أن النصر كان بسبب جنراله، المارشال ساكس.

ومع ذلك، ضغطت الحروب بشدة على الفرنسيين، وكان الفقراء أكثر بؤسا مما كانوا عليه في العهد السابق. دوق أورليانز، وهو رجل طيب، بالرغم من كونه ابن الوصي الشرير، أحضر رغيفا أسود من الخبز إلى المجلس، لكي يبين للملك كيف يعيش رعاياه. لكن الملك لم يكن يهتم بأحد سوى نفسه.

ومع ذلك، كان هناك سلام لفترة قصيرة. أعقبها ما يعرف بحرب السنوات السبع، التي اندلعت مرة أخرى. لكن هذه المرة كان الإنجليز مع البروسيين، والفرنسيين مع النمساويين.

وكانت هناك معركة كبيرة في ميندن، التي فقدها الفرنسيون. وبعد فترة وجيزة، كان هناك سلام أكثر ديمومة في أوروبا. لكن لا شيء يمكنه أن يفعل أي خير لفرنسا، طالما يحكمها ملك مثل لويس الخامس عشر. الذي لم يكن يهتم إلا بملذاته الشخصية.

كان لديه ابن واحد فقط، هو ولي العهد (دوفين). الذي نشأ، في البلاط وسط تلك الأجواء الفاسدة، لكنه كان نقيا، مستقيما، تقيا. يعيش حياة هادئة مع زوجة صالحة بولندية.

وكان الملك يكره هذا الوضع. لأن صلاح ولي العهد، هو توبيخ مستمر لسلوكه. وكان يغار من حب الناس له ورغبتهم في أن يكون هو الملك بدلنا منه.

لذا لم يسمح لولي العهد (دوفين) أبدا بالمشاركة في الأعمال التجارية، أو الأنشطة الاجتماعية. ولم يترك له سوى تربية أولاده، والعناية بأخواته الأربع. اللاتي لم يهتم الملك بتعليمهن على الإطلاق، واللاتي عشن حياة مملة للغاية في القصر. أسعدهن، كانت مدام لويز، التي فضلت أن تكون راهبة.

ثم توفي ولي العهد الطيب، وهو كسير القلب عن عمر ستة وثلاثين عاما. تاركا خمسة أطفال. الأكبر سنا، كان عمره أحد عشر عاما. تبعته زوجته بعد خمسة عشر شهرا، التي توسلت إلى أخوات زوجها كي يراقبن أطفالها..

ازداد الملك سوءا، أكثر من أي وقت مضى، واعتاد على تسلية نفسه بالذهاب متنكرا إلى حلبات الرقصات الوضيعة في أحياء باريس الفقيرة، التي تعج بالغوغاء. والسوقة.

ومع ذلك، كان يذهب طوال الوقت كل صباح إلى الكنيسة. وبين جميع رجال الدين في البلاد، لم يجرؤ سوى أسقف صالح واحد على نقده وإخباره بسوء سلوكه.

بين رجال الدين، من هو سيء ومن هو خير. الأشرار، وهم الأغلبية، كانوا منافقين للملك. قطاع كبير من الناس، كانوا غاضبين لحالة البؤس التي يعيشونها. وكانوا يرون الكهنة، وهم قد تخلوا عنهم، ولا يفعلون شيئا لنقض الفساد والظلم اللذين يعانون منهما. فبدا لهم أن الدين نفسه لابد أن يكون خاطئا.

كان هناك عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين الأذكياء المشهورين في ذلك الوقت. مونتسكيو، فولتير، روسو، ديدرو، وتومس بين، هم الأكثر شهرة.

كانت كتبهم يقرأها الجميع. وكانوا يشنون هجمات شرسة على الديانة المسيحية ورجال الدين. وكانوا يقولون بأن الفلاسفة الوثنيين الإغريق القدامى، هم أفضل بكثير وأكثر حكمة من رجال الدين المسيحي.

والغريب، أنه لم يهاجمهم أحد ويتهمهم بالكفر، كما فعلوا بالنسبة للهوجونوت، الذين لا يزالون مضطهدين، يقتلون وتحرق كتبهم.

كان الجميع يرون أن عاصفة عظيمة تتجمع في الأفق. وأن السقوط الرهيب للملكية، لابد أنه قادم لا محالة. هذه الملكية التي بناها ريشيليو، مازارين، ولويس الرابع عشر. واستغلها لويس الخامس عشر أسوأ استغلال. وعندما قيل له أن عرشه في خطر، قال إن مملكته ستدوم على الأقل في حياته.

كبر حفيده، الشاب ولي العهد (دوفين)، وتزوج من الجميلة المشرقة، ماري أنطوانيت، الابنة الصغيرة لماريا تيريزا. وعندما وصلت إلى باريس، كانت هناك أنوار كبيرة وألعاب نارية. لكن حدث أثناء هذه الاحتفالات، حريق هائل، أثار الرعب في قلوب الناس.

فهرعوا جميعا وسط الزحام إلى أبواب الشانزليزيه، فسقط العديد منهم دهسا تحت الأقدام. وبالرغم من أن العروس الشابة المسكينة لا علاقة لها بهذا الحادث، إلا أن الناس شعروا بأنها فأل سيء، وبداية غير مبشرة على أية حال.

بعد ذلك، توفي الملك لويس الخامس عشر، عن عمر يناهز الرابعة والستين، عام 1774 ، بعد حكم مشين دام ستون عاما، كانت بمثابة مستنقع للخطيئة والعار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة